|
الازدواجية المقيتة في تعامل امريكا مع القضايا العالمية
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3235 - 2011 / 1 / 3 - 17:18
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
تسربت في هذه الايام العديد من الامور وما تقوم به امريكا يوميا، و من خلال موقع ويكليكس او عبر صفحات من اعلامها الظل الذي يعتبر لسان حالها و تطرح الى السوق ما تريد كشفه يوميا ، و اخر ما طرحته هو موقفها من اقليم كوردستان و ما تدعيه من سحب دعمها لو تجرات و اقدمت على تقرير المصير و الاستيلاء على كركوك كما تدعي، و تهدف في هذه البالونات الاعلامية السياسية على توجيه الكورد و من ثم تحذير الاخرين على انها لازالت تدعمهم و مازالوا هم مطيعين لمتطلباتها ، و هي مستمرة على تعاملها مع القضايا العديدة بما موجود على الارض من الظروف الذاتية اكثر من الموضوعية، و توضح للمعنيين سياساتها الثابتة و المتغيرة على الاستمرار تجاه هذه القضايا، و كما فعلت من قبل، و تعلن ما تقدم اليه كتحذير و توجيه و تصويب حسبما تعتقد بطرق شتى و منها الاعلامية في اكثر الاحيان، و هذا ليس بغريب على من يعرف امريكا و استراتيجيتها في الشرق الاوسط و هذه المنطقة بالذات و ما لديها من العلاقات المتنوعة و المصالح المختلفة مع دول المنطقة و بالاخص مع ما انقسم الشعب الكوردي عليها دون اقتناع ذاتي، وكما هو معلوم بخطا تاريخي جسيم و دون وجه حق و الذي يحتاج الى تصحيح و تعديل مهما طال الزمن مادام هناك مطالب و ساعون يهدفون الى ذلك و بالاخص ما يتمناه الشعب بعيدا عن السياسة و مصالحها، و لم تتم تلك الفعلة التاريخية البغيضة الا كهدف نابع عن المصالح الذاتية الضيقة و ضمان المستقبل للدول الاستعمارية في حينه فقط، و لم تعترف بالخطا الفادح لحد اليوم و هي سائرة على ما اقترفت ايديها بحق شعب امن و لم تتراجع قيد انملة عن سياساتها القديمة الجديدة. تغيرت حجم و ثقل القوى العالمية و طريقة تعاملها مع هذه المنطقة و تغيرت الظروف الموضوعية في هذه البقعة و لم تتغير اراء و مواقف الدول المستعمرة قديما و جديدا حول كوردستان، على الرغم من الانتقالة الكبيرة في الظروف العالمية و ما استحدثت من المفاهيم و الافكار و الاستراتيجيات العامة. لو نظرنا الى سياسة و موقف امريكا في العديد من القضايا المشابهة كما في كوسوفو و التيمور الشرقية و اليوم جنوب السودان لن نتعجب من ادعائاتها المسماة بالحقوق الانسانية في الفكر و الثقافة و هي تضع المصالح قبل الانسان نفسه و ما يتعلق به، و هذا ما يكشف زيف الاقوال و يزيد من انعدام الثقة ويصل كثيرا الى المعاداة لها حتى من اقرب اصدقائها لو توفرت الفرص امامهم. لازالت مخلفات الحرب الباردة و الصراعات المتعلقة بها باقية بنسب لا يمكن الاستهانة بها لحد اليوم و ربما باشكال و اتجاهات مختلفة بعض الشيء، موقع كوردستان و تقسيمه اللعين لم يدع ولو لوهلة النظر الواضح و الصحيح الى حقيقة قضيتها و انسانيتها قبل الوضع السياسي العام لها من قبل القوى الكبرى جميعا و في مقدمتهم امركيا سيدة العالم اليوم، على الرغم من توفر كافة المقومات الاساسية المطلوبة لبناء كيان خاص بها و اقرارها لحق تقرير المصير كما تدعمه القوانين و الشرائع السياسية و الانسانية العالمية و الاعراف الدولية ، الا ان العلاقات و طمع الدول و سيطرة السياسة و المصلحة لم تدع احقاق الحق ان تاخذ مجراها او الاقتراب منها . بينما نرى ما تقدمت عليه امريكا من جنوب السودان فلم نستغرب لو قرانا بالدقة المطلوبة ما يفيدها في تحقيق هذه القضية لاهدافها و نجاحها ، وليس من اجل عيون اهل جنوب السودان كما تدعي امريكا بقدر ما تفرضه المصالح الاستراتيجية التي تفرض نفسها بجميع الاشكال ، و هي دخلت بكل ثقلها و بتاهب كامل و تريد ان تنقض على المنطقة بكاملها من هذه النافذة و تثبت مخالبها في جسد ما تعتبره الكنز المستقبلي في العالم ، و من ثم تتمكن من مقارعة منافسها الاقتصادي الذي وضع قدمه و يعمل بهدوء فيها و هو الصين و اهتماماتها و ثقلها الاقتصادي و دورها في تحديد توجهات المنطقة السياسية و الاقتصادية. كما يعلم الجميع بوجود الفروقات الجوهرية بين كوردستان و جنوب السودان كتركيب و مجتمع و ثقافة و دين و العادات و التقاليد الاجتماعية ، فلا يمكن ان نطلب امريكا باستراتيجيتها المعلومة ان تخرج من طورها المعلوم و تضع انسانيتها قبل السياسة و المصلحة و ان نلمس دور اللوبي الداخلي و الخارجي في رسم السياسة الخارجية الامريكية في هذا الاطار و التوجه، الا ان هذا ما يتطلب دورا كبيرا من الجهات المختلفة و ليس بمقدور الكورد و قدرتهم في بناء اللوبي المناسب و اظهار ضغوطاته في هذا الشان . لو تمحصنا قليلا نعرف ان العوامل الرئيسية المهمة التي تفرض نفسها على امريكا و توجهاتها و تكبل حركتها في هذه المنطقة(جنوب السودان) هو الصراع السياسي و الاقتصادي و احتمالات ما يبرز مستقبلا و ما يحاول كل طرف من الاستباق في استغلال الفرص المسنوحة قبل فوات الاوان ، و الاسراع على اداء ما تفرضه المصلحة الخاصة و اتباع التوجه الثقافي و السياسي و ما تفرضه الايديولوجيات و العقائد الدينية اضافة الى بناء كيان مستقل تابع كعين ساهرة ترى ما تحصل و ايدي قوية تنفذ ما تتطلبه الاستراتيجيات و الخطط المستقبلية الامريكية . اما ما يخص كوردستان، فليس هناك ما يمكن ان يوازي قوة ما موجود في القارة الاقريقية من الاهتمامات التي تخص امريكا و مستقبلها او من المعادلات التي تفرض الدعم المطلق لبناء كيانات جديدة، بل كلما هنالك ما موجود من العلاقة غير المتوازنة بين كوردستان و امريكا انه تعامل تكتيكي و ما تفرضه متطلبات المرحلة الراهنة فقط و ما تفرضه المفاهيم التي تتشدق بها امريكا من الانسانية و الحرية و الديموقراطية و تتلاشى امام اعاصير المصالح المتعددة، فليس هناك مستوى المصالح و حجمها المطلوب في هذا الشان التي يمكن ان تجبر امريكا و تفرض عليها ان تقر بسببها الدعم المطلق للكورد و مسايرتهم في تحقيق اهدافهم و امنياتهم الحقيقية،و هنا يظهر مدى تعلق امريكا و ما تربط مصالحها في شؤون المناطق التي تريد ان تكون لها الكلمة فيها دون اخرى، و هذا ما يوضح الازدواجية القحة في سياساتها الخارجية و التي تسيء لسمعتها قبل اي شيء اخر. و هي الدولة العظمى و لابد لها ان تحافظ على مصداقيتها و لكنها تتخذ مواقف و اراء لم تدع اقرب اصدقائها ان تثق بها او تصدقها في ادعائاتها، و هذا ما يدع من يصادقها في قلق دائم و يتوقع التراجع و يندم احيانا على سياساتها المتعددة. ليس من الصحيح ان تعامل الاخرين وفق مصلحتك فقط، و من جانب واحد دائما و بشكل مطلق مهما كان ثقلك و امكانياتك، كما تفعل امريكا اليوم، و هي راس القوى الراسمالية ، و لذلك ينظر العالم اليها بتجرد و يضع من يتعامل معها الاحتمال الكبير لتراجع موقعها و حنثها في وعودها و نكثها لعهودها على الرغم من ثقلها العالمي لو استمرت على هذه الحال، و انها تواجه مصاعب شتى مستقبلا و لا يمكنها ان تكسب اصدقاء دائمين طالما اتبعت هذه الدبلوماسية و السياسة المعلومة. هذه الازدواجية المكشوفة و المقيتة التي تتبعها امريكا تجعلها ان تنظر اليها العديد من الجهات و الدول و القوى بعيون غاضبة و انها تُكثر من اعدائها بنفسها، و ان هي تحاول ان تساعد اصدقائها ماديا و معنويا كما تفرضه مصالحها المحددة فقط بينما لم تنظر الى القيم الانسانية بفكر و عقل انساني بحت و هي التي تنادي بها قبل غيرها ، وكما تعتقد هي ايضا تنادي بها كافة العقائد و الافكار و التجهات و الايديولوجيات و النظريات العالمية.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تكميم الصحافة لمصلحة العملية السياسية في كوردستان
-
الاولويات اليسارية في ظل سيطرة الايديولوجية الراسمالية على ا
...
-
الديموقراطية و ضمان تكافؤ الفرص امام الجميع
-
ماوراء عدم اسناد منصب سيادي للمراة في العراق
-
هل يمكن تطبيق الديموقراطية الحقيقية دون اية انتخابات عامة ؟
-
هل المجتمع العراقي يتحفظ عن التجديد حقا؟
-
يجب ان لا يخضع حق تقرير المصير للمزايدات الحزبية
-
الديموقراطية في كوردستان بين ثقافة المجتمع و دور النخبة
-
الفضائية كخطوة اولى لترتيب بيت اليساريين بكافة مشاربهم
-
هل يضطر المالكي لتشكيل حكومة الاغلبية
-
الكورد بين مصالحة التاريخ و مخاصمته
-
مَن تختاره الكتل ليكون وزيرا في الحكومة العراقية
-
الديموقراطية و ما تجلى من دور الاحزاب في انتخابات معلمي كورد
...
-
دلالات النقاط المشتركة بين هوية الفيلية و الشبك
-
كيف تُمحى مخلفات عقلية البعث في العراق؟
-
ما يحدد العلاقات و طبيعة التعامل مع البعض
-
هل من مصلحة العلمانية محاربة الدين بشكل صارخ ؟
-
عوامل نجاح المالكي في مهامه الصعبة
-
التاثيرات المتبادلة بين العولمة و العلمانية
-
اين الثقافة الكوردستانية من القيم الانسانية البحتة
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|