|
ولكن لماذا صلاح الدين ؟
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 3235 - 2011 / 1 / 3 - 09:15
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
" وان كسر الردى ظهري وضعت مكانه صوانة من صخر حطين " توفيق زياد
من حسن الحظ أن كل المعلومات المستقاة عن صلاح الدين ليست من المصادر الرسمية المطعونة في نزاهتها والمناهج التدريسية لحكومات المنطقة التي وضعت على مقاس حكامها بعد عمليات تسييس وأدلجة التاريخ بل من شهود عيان رافقوه في حله وترحاله وشاركوه في معاركه وانتصاراته ,واخفاقاته وسجلوا كل شيء عن سيرته ومعاركه وأدائه التفاوضي مع العدو وتعامله الانساني العادل ان كان مع أسراه أو مع مختلف المكونات الأثنية والدينية , وغالبية كتبته من العرب وليسوا من بني قومه الكرد حتى لايشكك البعض في مصداقيتهم وكتبوا بحياد بل بعضهم بشكل ناقد ومن بين هؤلاء : ( سيرة بهاء الدين ابن شداد – الفتح القسي لكاتبه الآخر عماد الدين الاصفهاني – المصدر العربي الثالث الكامل في التاريخ لابن الأثير وهو من نقاد بعض سياسات صلاح الدين اضافة الى وفيات الأعيان لابن خلكان والوافي بالوفيات للصفدي والروضتين لأبي شامة المقدسي ومفرج الكروب لابن واصل الحموي ) بالاضافة الى المصادر الأوروبية – الايطالية والألمانية والانكليزية والفرنسية والاسبانية – وتاليا الأمريكية مع مصادر أخرى عربية لاتعوزها الصدقية وهي كثيرة لامجال لذكرها بهذه العجالة . الحملات – الصليبية الأوروبية على المنطقة الممتدة من – ملاذكرد – و انطاكية – مرورا بسوريا ولبنان والأردن وانتهاء بفلسطين ومصر على مدى قرنين التي بلغت السبعة كانت من اجل السيطرة والمال والنفوذ وتهربا من الواقع المزري الذي كانت تعيشه بلدان اوروبا آنذاك من فساد وانقسامات بين الملوك والحكام ورجال الكنيسة وحروب داخلية شرسة مدمرة وتمت الحملات كلها تحت شعارات دينية وباسم الصليب بحسب فتوى الكنيسة وما ان اطلقت حتى تمت المذابح منذ الخطوات الأولى في الطريق الموصلة الى بيت المقدس وقبر المسيح ضد سكان المنطقة الاصليين من ترك وكرد وأرمن وعرب دون تميزوفي القدس خصوصا من يهود ومسلمين وقد نجحت الحملتان – الصليبيتان الاولى والثانية بسبب انقسام العرب والمسلمين اهالي البلاد وانعدام المقاومة الا ان الحملة الثالثة فشلت لان صلاح الدين قاد حملة التصدي بعد توحيد بلاد الشام ومصر والعراق ولم يكن ليتحقق ذلك لولا حصوله على مباركة الخلافة ببغداد المرجعية الشرعية للمسلمين آنذاك أولا وتأمين ولاء بلدان وشعوب المنطقة خاصة الواقعة في الأطراف وعلى شواطىء البحار والمواقع الاستراتيجية وتحديدا في مصر حيث حكم – الدولة الفاطمية – المناوئة لمركز الخلافة أولا والمنخورة بالفساد والمتسلطة على رقاب المصريين وليس كما يزعم البعض على أنها كانت على غرار – جمهورية افلاطون - وغير مأمونة الجانب بسبب الشكوك حول امكانية انقيادها للأجنبي وخاصة للصليبيين اذا ما شعرت بخطر فقدان السلطة والحكم من أية جهة كان. ان الذين أرادوا الاساءة الى تاريخ صلاح الدين وتشويه سيرته وتلطيخ انتصاراته وتخطئة دعوته الى العدل والمساواة وصد عدوان الأجنبي كواجب وطني وفرض عين ليس من الذين من المفترض أن يكونوا خصومه من كتاب أوروبا ولا مثقفوا ومؤرخوا الكنائس المسيحية التي ساهمت في الحملة التي رفعت الصليب وراية المسيح وفشلت وتراجعت أمام جيش صلاح الدين وهم كتبوا عنه بمنتهى الموضوعية واعتبروه حاكما شرقيا شجاعا عادلا محبا للسلم والحوار بين الأقوام والحضارات وأكثر من ذلك خلدوه كأحد اهم شخصيات الألفية الثانية وأصدروا في مديحه وتثمين نهجه العشرات من الكتب والأعمال وصنعوا الأفلام حول سيرته فهل فعلوا كل ذلك تزلفا أو مجاملة للشرق الاسلامي أم أنهم ورثوا هذه الحقائق جيلا عن جيل وتناقلوها عبر الوثائق والأدلة المحفوظة باتقان في سراديب أديرتهم ومكتبات كنائسهم وممالكهم . لقد استأثر نهج صلاح الدين في مسائل الحكم العادل وحوار الحضارات وقبول الآخر والحل السلمي ونبذ الظلم والعدوان وفن القيادة الميدانية حتى على اهتمام المؤرخين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة مابعد أحداث سبتمبر 2001 ومن أبرز ماصدر في الأعوام الأخيرة كتاب حول صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد لمؤلفه – جيمس روستون الابن – وترجمة المثقف اللبناني المعروف – د . رضوان السيد - الذي قدمه فيه المؤلف بالصورة المعبرة التالية : " يبقى صلاح الدين حتى اليوم نموذجا للبطولة في كل العالم الاسلامي فهو الذي قام بتوحيد العرب وهو الذي قهر الصليبيين في معارك ملحمية وهو الذي اعاد افتتاح القدس وهو الذي رمى الاوروبيين خارجا " وقد أوصى الرئيس جورج بوش الأمريكيين بقراءة الكتاب لما يتضمن من تفاصيل عن سلوك قائد شرقي مسلم واجه الارهاب والعدوان وساوى بين الناس بالكلمة الحسنى ولم يميز على أساس الدين والعرق والمذهب وتحلى بالصبر والعفو والتسامح . في منطقتنا وفي العالمين العربي والاسلامي شذ صنفان من " المثقفين " من أتباع دين الاسلام عن الركب وحاولا الاساءة عن سابق اصرار وتصميم عمدا الى صلاح الدين كتابة وتحريضا وتشويها : الأول : قلة قليلة من موقع طائفي مذهبي من شيعة وعلويين وذلك لكون صلاح الدين – بحسب مفهومهم - سنيا يتبع مركز الخلافة ووضع نهاية – الدولة الفاطمية – بمصر والثاني : قلة قليلة أيضا من موقع قومي عنصري لكون صلاح الدين من اصول كردية يعود بانتمائه الى قبائل – الزرارية – القريبة من أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق أو من المنطلقين الاثنين معا في معظم الحالات وهناك تاريخ طويل من العداء الانتقامي ظهر في مختلف المراحل والحقب بأشكال وألوان متعددة أولها محاولة – الحشاشين – بجبال العلويين المتكررة لاغتياله وكان أخطر تلك الاعتداءات عندما كان القائد صلاح الدين منهمكا بصد عدوان الحملة الصليبية التي وصلت – أعزاز – و – حمص – وجاء نفر مرسل من شيخ – الحشاشين – سنان – ودخلوا خيمته للانقضاض عليه ولكنهم لم ينالوا منه بعد أن جرح في رأسه وتوالى العداء بصور أخرى ففي عهد – الحركة التصحيحية – تم طبع كتاب زكي الأرسوزي المليء بالمواقف العنصرية تجاه الكرد ومن نفس المنطلقات وفي بدايات الحرب الأهلية بلبنان صدرت كتب حول تاريخ الحقبة الاسلامية للسيد – بهاء الدين ترو - والمفكر الشيوعي الدكتور – حسين مروة –خالية من أية معلومات حول الحقبة الأيوبية وقد وجهت اليه سؤالا في احدى لقاءاتي به في مكتب الطيب الذكر الصديق – غسان الرفاعي - بمركز الحزب الشيوعي اللبناني ببيروت حول السبب فأجاب : " بدون ذكر صلاح الدين لسنا بمأمن فكيف اذا كتبنا عن فتوحاته وانتصاراته وانجازاته ومحاسنه " وفهمت مايعنيه وبالفعل ذهب هو والفيلسوف الشيوعي – مهدي عامل – وهما من الطائفة الشيعية الكريمة ضحية قتلة جماعات الطائفية السياسية من مسلحي – أمل وحزب الله - , وفي صيف عام 1987 وخلال وجودي بتونس وفي لقاء مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اقترحت عليه أن تقوم منظمة التحرير باحياء الذكرى 800 لمعركة حطين بشكل لائق بدل أن يستغل الاسرائيلييون هذه المناسبة لأنهم أعلنوا عن مهرجان بهذا الخصوص في جامعة حيفا كخطوة مزايدة على العرب والمسلمين فوافق على الفور ثم أخبرني بعد فترة بأنه طلب من السيد – الأخضر الابراهيمي – مساعد أمين عام جامعة الدول العربية وكان مركزها بتونس بأن تساهم الجامعة بذلك وتوجه الابراهيمي لدمشق لنيل موافقة الرئيس الراحل حافظ الأسد لاقامة مهرجان هناك نظرا لوجود ضريح صلاح الدين في عاصمة بلاده وكان جواب الأسد سلبيا متحججا بعدم توفر المال ثم أن صلاح الدين كردي فماعلاقتنا نحن العرب به وفي سياق متصل يحجز مكتب الثقافة والاعلام في القيادة القومية لحزب البعث بدمشق حتى الآن الجزء الثاني من كتاب – الأعلاق الخطيرة في أخبار الشام والجزيرة – المتعلق بصلاح الدين رغم طباعة ونشر الجزئين الأول والثالث في عمان بمعهد شومان . وستحتفظ ذاكرتي مدى العمر بما سمعتها مع الآلاف في احدى المظاهرات الاستفزازية البعثية في مدينة القامشلي من شعارات تنضح بالعنصرية " سحقا سحقا ياحطين ليش جبتلنا صلاح الدين " . أجاهر بالقول انني اتعاطف مع صلاح الدين لأنه انسان أولا وكردي ثانيا ولكن لماذا ؟ - ليس لأنه مسلم تمسك بمرجعيته السنية وواجه منافسها الشيعي وليس لأنه مسلم يواجه مسيحي وليس لقيامه بالزود عن مركز خلافة المسلمين . بل : - لأنه واجه العدوان الأجنبي ولا فرق أن وقع من اجل الدين أو الثروة والنفوذ وشارك في كل المعارك وهو وأبناؤه وبنوقومه في الصفوف الأمامية وكانت معاركه دفاعية وليست هجومية . - لأنه وحد مكونات بلاد الشام والعراق ومصر ووادي النيل والشمال الأفريقي بما في ذلك شعب كردستان على قاعدة التآخي والوئام والعيش المشترك وهو أمر لم يحصل في المنطقة طوال التاريخ القديم والحديث . - لأنه حكم بالعدل ولم يميز بين مسلم ومسيحي ويهودي وعربي وكردي وتركماني وأرمني ومات ولم يرث مالا وذهبا لمن جاء من بعده . - لأنه انتهج طريق الحوار قدر الامكان والتزم بالسلام والتفاهم . - لأنه ككردي ترك لنا أثرا تاريخيا محل التقدير والاعجاب والفخر والاعتزاز من جهة استجابة قادة وزعماء ومواطني كردستان لندائه الشهير واجتماعهم من حوله في سابقة فريدة من نوعها ملبين صرخته للدفاع عن الأرض والعرض والشعب والوجود من شهرزور ورواندوز والموصل وسنجار وشيروان والجزيرة وهكاري وديار بكر – آمد – ومناطق حلب والرها وسروج ومن الجهة الأخرى وهذا هو الأهم التأكيد العملي على أن جذور الكرد عميقة في تاريخ هذه المنطقة وليسوا لاجئين أو متسللين أو محتلين حتى يحرموا ليس من الحقوق القومية فحسب بل من حق المواطنة أيضا ويطعن بتاريخهم من جانب القومويين والطائفيين وهم من أحرارها ومنقذي حضارتها وفرسانها الشجعان التواقين الى احقاق الحق ونصرة المظلوم والذين هرعوا لنجدة شركائهم العرب أيام المحن . - لأنه وبسبب توسع نفوذه وتوزع حكام امبراطوريته من أمراء وجند وسعاة ورجال علم بين الأمصار والأقطار تم التعارف والتواصل بين الكرد والعرب فتجد عائلات من أصول كردية حتى الآن في فلسطين ومصر وليبيا والسودان والأردن واليمن ولبنان وفي العديد من المدن العربية ولاشك أن أجداد هؤلاء قد نقلوا صورة عن الكرد لشعوب أوطانهم الجديدة قبل قرون . أليس مايجري الآن في منطقتنا من صراعات دينية مذهبية طائفية الى درجة التحارب وما تقوم بها القوى والجماعات الارهابية المحلية والدولية باسم الله والأنبياء من أنشطة وتفجيرات ضد أبناء القوميات والأديان المسالمة وآخرها مسيحييو بغداد والأقباط المسيحيين المصريين وما يقوم بها التحالف القوموي – الاسلاموي الأسود من اثارة الفتن والقلاقل أمام جهود الحل السلمي الديموقراطي حسب مبدأ حق تقرير المصير للشعوب المناضلة أليس كل ذلك غير كاف لطرح التساؤلات حول دوافع وأهداف الدعوات والأقاويل والأباطيل التي يبثها مثيرو الفتن والعصبيات الجاهلية ؟
• - كتبت هذه المادة بعد قراءة النصين المعنونين : " صلاح الدين كان مجرم حرب " و " صلاح الدين دمر مصر " اللذين أنصح بقراءتهما على الرابطين التاليين : • http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=324595 • http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=239733
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنظمة - الفشل الوطني - مابعد الاستقلال
-
في بدعة - البحور الخمسة -
-
- حق تقرير المصير - كرديا
-
- أزمة كركوك وآفاق الحل - في مؤسسة كاوا
-
الاخاء العربي - الكردي على الطريقة - البصرية -
-
أبعاد ودلالات انفراج الأزمة العراقية
-
ألا يستحق الكرد - طائفا - عربيا
-
قراءة أولية في دعوة العراقيين الى الرياض
-
عندما يصدر الأسد أزمته الى العراق
-
ثلاثية الوطن والقوم والاقليم -مؤسسة كاوا
-
صلاح بدرالدين يعزي برحيل اسماعيل عمر
-
سوريا وتركيا في مواجهة استباقية ضد الكرد
-
حوار مع السياسي الكردي صلاح بدر الدين
-
تقرير مصير الشعوب شرط لبناء الدولة الحديثة
-
على شعب كردستان أن يصدق من : العلاوي أم النجيفي
-
- ديمقراطيات جديدة - في عالم متغير
-
هكذا نفهم - بناء الذات -
-
مرة أخرى حول غزوة - الأزيدية السياسية -
-
حول غزوة - الأزيدية السياسية -
-
مشاركة من ومع من .. نقاش مع هيثم المناع
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|