|
في سرير أول يوم من أيام السنة الجديدة
فيحاء السامرائي
الحوار المتمدن-العدد: 3234 - 2011 / 1 / 2 - 19:59
المحور:
الادب والفن
في سرير أول يوم من أيام السنة الجديدة
لا مناص من كآبة آسرة في صباح أول يوم من السنة الجديدة وأنا مازلت في سريري... وحدة، سأم، فروغ خائب من علاقة وجدانية، فوات وقت دون إنجازات، رغم قدرات وطاقات أمتلكها، يعوزها عزم واجتهاد...كل شيء في حالة فوضى، أفكار مشتتة، زوايا بيت مهمل، أوراق مبعثرة هنا وهناك، أقلام عاطلة عن عمل...وسؤال تائه مثل من أين أبدأ، ليس من أولوياتي، بل كيف ومتى...يداي يتحكم فيهما ذهن شارد متعطل، عيناي زائغتان، مفرغتان من رؤية سالكة لدرب نيّر...يقال بأن حال معظم بني البشر هكذا في هذا الموسم، وكأنهم تنبهوا اليوم الى أن سنة انتهت، وأقبلت أخرى بغتة دون سابق زمن، ينسون كيف تقاعسوا وتمددوا في فضاءات تأجيل وتسويف ومماطلة، وأتلفوا من وقت نفيس دون دراية...و فجأة، في مستهل كل عام جديد، يهبط عليهم وعي الدهشة، يفزعون ويتلفتون حولهم، يكتأبون ويوبّخون حظاً عاثراً لهم، وظروف حياة موقوفة لعدم استقرار، وعادات توارثوها لا تبرحهم، في التلذذ بجلد نفس واستعذاب وجع... ربما لست وحدي، دون خلق آخرين، من يستبيحها كذا شعور، لما تحلّ مناسبات تذكّرنا بلزوم فرَح، لان العالم كله فرِح...يقيناً هناك ناس كثيرون يترنحون تحت وطأة تعس وحزن، وفيهم من يعبر عن شجنه ببكاء أوملامح وهن وبؤس، أو حتى يلقي بنفسه من سلم حياة يعيشها ويتدحرج ليهمد تحت الثرى... نفضت أفكارا لصقت برأسي، وتجاهلت ساعة تشير الى نضوب صباح متأخر...حاولت نهوضاً من فرشة دافئة متظاهرة بنشاط لابد منه في يوم جد جديد، لكن مغناطيس لاجدوى وكسل، سحبني مرة أخرى الى سرير أحتمي به فأهرب من مواجهة نفسي وواقعها، رغم شحنة أفكار مقوية أحاول زرقها في معنوياتي، من أفضال ونعم أرفل بها دوناً عن سواي...أتذكر أهل لنا في العراق يجهلون دفء أجهزة مركزية وصنابيرمياه ساخنة...أنا غير عن جارة لي مشلولة صمّاء، أستطيع السير نحو المطبخ لأعمل فنجان قهوة أو أستمع وأستمتع بموسيقى في جهازكومبيوتر، أخ كبير لي في بلدي، لا يعرف بل يخشى اقتراباً منه...أمراضي بسيطة مقارنة بآخرين لا يمنكهم تناول قطعة سكاكر، أو آخرين ربما لا تتوفر لديهم...وبما ان القائمة طويلة، اذن، هيا قومي ومدّي ذراعيك لتحتضني عالمك الجديد برومانسية عاشقة، أو إلوي ذراعه يا شاطرة لو اضطررتي، وإن استعصت عليك مسرّاته وبهجته، تحدّيه، أشبعيه لكماً، واخطفي منه نصر سعادة أنت جديرة بها وأنت من يجلبها لك...هيا! تتشح شفتاي بابتسامة اصطناعية رغم أني لم أعمل عمليات تجميل، أضع عليّ قناع همة عالية تقارع جبروت ضجر وإحباط، أمتشق حسام عزيمة خشبي، وأحاول نهوضاً مفتعلا كجندي يمضي الى حرب ليست حربه... عبثاً أحاول...ترتطم وسادتي برأس متواكل ثقيل، وأخبىء عجزي تحت لحافي...تبدأ حينها مسلسلات من أفكار لمواقف وأحداث زائلة، تتناول كمسلسلات مكسيكية وتركية موضوعات ذات شجن، وسيراً غير مبال بوقت، يحبو ولا يتوقف...أستسلم لفكرة لتربية لنا نشأنا عليها، ترسّخ الغرق في لجة ندم ودوران حول مشاكل وإخفاقات دون ظفر، ودون حافز عملي على تغيير ونهوض، وبلا مشيئة لطي مجلدات تاريخ فات مع سنة ذبلت، ودّعتنا وقالت انسوني، ونحن لانلبث متشبثين بتلابيب تفاصيلها ومطبّاتها ونقاط هزالها...ولو كان تفكير ندم عن أمور حصلت في حياتنا الماضية يقودنا سريعاً الى نمط آخر من ممارسات عملية، لكان أمر ذلك هيّنا...كلا...بل نحن نلتف باستعذاب حول مقصلة المعضلة، ونقلّب ألبوم صور باهت لمجازرها، فنوسّع من حفرة آلامنا دون ردمها... ماذا بوسعي عمله الآن؟...هل أكتب في مفكرتي بأني قضيت أول يوم من سنة 2011 سريرياً؟ أين قرارات دبّجتها، وأهداف حددّتها، وأعمال سأنجزها؟ ولم رحيل عام يحفّزني على بكاء ونحيب عليه؟ هل أبكي عليه أم على نفسي؟... مهلاً...لأهدأ قليلا وأؤجل دموعي، أحفظ سوائل غددها ليوم عصيب آخر ربما...ما يلزمني اللحظة، هو صواب اتجاه في أول خطوة لتذليل صعوبة، لا تحقيق مرام عملاقة دفعة واحدة...كيف أبدأ حركتي الأولى؟ لن تكون مثل كل يوم، قهوة وتصفح أخبار ورسائل الكترونية...لأعمل أمراً مختلفاً...شجعتني تلك الفكرة...لأمدّ يدي نحو الهاتف وأبدأ اتصالاتي بأصدقائي، أهنئهم بتخطي سنة أخرى من عمر الأرض وهم عليها... في البدء وبعد سلام وتمنيات بصباح مُسعد، جرى حديث ككل سنة، عن جدوى احتفال بكذا مناسبة، هل نعتبرها رقماً تغير؟ أم تغييّر يدعونا اليه رقم؟ أعرّج عامدة الى ما حققناه أو ما سنحققه في أيام قادمة لنا، وأجد نفسي أستفسر منهم عن سر كآبة تنتاب من يقف على أعتاب عام جديد وكيف يبرأ منها من تتملكه... صديقة تستمع لي جيدأ، لمّحت الى عدم وجود ضير من استحواذ شعور سوداوي علينا في مثل هذا اليوم، ما له أهمية أكثر هو توجيه تفكيرنا الى أمام بالأمل، حتى لو كان وهما ً، بما انه يتحول بعد حين الى مصدر قوة... صديق آخر، نعت الملل واليأس والاحباط، بأسلحة دمار شامل، علينا تدميرها بإرادتنا، وما علينا سوى تكريس طاقاتنا للعمل، أيّ كان فكرياً أو يدوياً ... وآخر عزيز كما أخ، أكّد في حديث مطوّل، على شأن هام للصحة، وعلى فضيلة رشف شافٍ من معينها، لتسري سعادة دائمة في دواخلنا، وأننا بفقدانها نفقد كل شيء، ويعوزنا تفكيراً صائباُ يفضي لحياة سليمة... أخرى، أخذتني في حديث معها، لأتنزه في رياض محبة لآخرين، وخمائل تسامح وتصالح مع الذات والآخر، كأطرى وأنقى سبيل مجرّب لإقتلاع أشواك جارحة نبتت في ذاكرة مُرّة، وأعشاب ضارة لخيبة متلازمة مع سيرورة حياة رهيف لا يرضى دوماً عن نفسه... وصف آخر ظريف، علاج الابتسامة والضحك، لقدرة خارقة ومعروفة لهما، في تحد لأمراض قاهرة، ونصح بالأفطار على شطيرة موسيقى راقصة ورغيف من نكات طازجة... أغلقت سماعة هاتفي لأفكر ملياً بما سمعت...كلام معقول...رشّة من إبتسامة وصحة وأمل وعمل، كافية للقضاء على حشرات كلل وملل، لا تفتأ تنهش شباباّ حيوياً من مقتبل عمر زمن، يرتدي حلّة جديدة... هل أحتفل بحلول سنة جديدة؟ أم أحتفل بحلولي فيها ووجود أيام ذات جدوى، تخصني على تقويمها؟ نهضت من سريري بعزم وافٍ وحسم كافٍ، وتركت عامي المنصرم نائماً بوداعة على سريري...لن أوقظه اليوم ولا غد، وربما أدعه ينام للأبد، ولا أدير عنقي اليه الاّ وأنا متماسكة، قادرة على رأب انكسارات وتقويم تعثرات ماضية بظفر وتحد... أحمل سماعة الهاتف مرة أخرى، لأبلغ أصدقائي وصديقاتي بسرّ أدركته التّو: - نسيتم شيئاً آخراً مهماً، صداقتكم وإصغائكم لي، نعمة أخرى في حياتي...ما أسعدني حظاً بكم!...أشكركم
#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم الكتاب العالمي
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|