أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي سيريني - شيبة طفلٍ فلسطيني يتيم














المزيد.....


شيبة طفلٍ فلسطيني يتيم


علي سيريني

الحوار المتمدن-العدد: 3229 - 2010 / 12 / 28 - 10:56
المحور: الادب والفن
    


قبل ستين عاماً
طفلٌ فلسطيني
رافق أباه إلى بيت المقدسِ للصلاة
يخلط الدمع والدعاء على أنغام الرصاص
وبنادق الغرب تنشر الموت وتصيب قلب المستقبل
كان الوالد يرتعد ولا يجزي عن ولده شيئا
وكان الولد يرتعد ولا يجزي احتضان والده شيئا عن الخوف
وفي لجة مضغتيهما كانت الهموم تبعث الأمواج العاتية
وبلغت القلوب الحناجر
وقف الطفلُ حائراً على الدربِ يرنو من بعادِ
فرأى أمه تضع خبزاً أحمراً من دمها فوق الصاجِ
ساكنة لا تتحرك.. رأسها مائلٌ على كتفها الأيسر
ويداها مسدولتان كغصنين مكسورين
وفجأة رأى الطفل عُمره كالحصي الصامتة مهدوراً بين أرجُل الجندِ
وأرجُل حكّام البلادِ
فاشتعل رأسه شيباً
وارتعدت فرائسه
فارتدّ إلى الوراء دامعا
ليمسك بكفيه ساق أبيه
لكنه لم يجد أباهُ
كان راقداً يتخضبُ في الدم يتنفس اللحظة الأخيرة
يهزه الطفل كالمجنون باكياً: يا أبتي
لكنه يظل صامتاً لا يرد، بعد أن جاز عن ولده رصاصة الردى
صرخ الطفلُ للماءِ من كلّ أحد
مِنْ لا أحد
علّ سامعاً يطفئ النار التي اشتعلت في روحه
لكن صرخته ضاعت في وهدة الصوت

بعد عقود، مضى الطفل كبيراً في الدربِ
كأنه والده
لكنه كان لاجئاً وحيداًعقيماً
لا مال له أو ولدْ
ولا فرحة تثير فيه الشهوة بالأنثى
ويحمل نعش والده في روحه كقبرٍ متجول
حار لمّا رأى حكّامه يلهون كالصبيان بالخصيانِ
يطوفون حول الفرْجِ
ويدوسون مِللاً في الصفا والمروةِ
بين مؤخرةٍ ومؤخرةِ!
هَمّ الطفلُ أن يعود كيفما كان
في درب الذلّ إلى يبابه
إلى رماد حضن منْ فارقوا من أحبابه
علّه يرقد إلى جوار أبيه
ويشمّ
قبل رحلته الأخيرة
عظامه التي اختلطت بالترابِ
وقال في نفسه:
"الوطن المسلوب رغم الخرابِ أطيبُ من ضياعٍ في بلادِ الأعرابِ"
فارتد لهنيهةٍ إلى الورى
ريثما يهدأ نَفَسهُ من الأتعابِ..
من مشية العبَثِ.. بين الخرابِ والخرابِ
يرنو من بعادٍ إلى عمره الذي لم يأتِ
لكنه مضى
فرأى كلّ حاكمٍ يرفسُ
عاماً من أعوامه
ويطلقُ نسور صيده على لحمه الهزيل
ثم يلهو بعظامه مع الكلابِ
وعشيقة القصرِ تمسّدُ ريش شهوتها
على بطل الفلم الأجنبي
وتتنهد في رعشةٍ تدلّكُ شهوتها
فارتخى صوتها واهتزّ البدن
كأنّ ريحاً مسّدت بهدوء ظهر البحرِ
فبعثت أمواج الرعشةِ خفيفةً
حتى بلغت شاطئ القدم.

مضى الطفل الكبير موجوماً
يعودُ إلى الوطن
وأتته بهدوء ضحكة القهر ودموع اللاجدوىِ
أثقلت الذكرى ممشاه
لم يقدر بعد على المسيرِْ
فأبطأت به خطاهُ
ولاقى أول طابور الجند
على الحدود
حيث النيران والأسلاك والسدود
دون قتالٍ رفع يداه
وصاح: أنا الأسيرْ، خذوني إلى حيث تسيروني
كان يقارع نفسه
لم يقوَ على القيام واستحال عليه المسير
أبت الروحُ مسكن جسده
فأنّى له حمل نعشه
قام قبل لحظته الأخيرة
قبل رحلته الأخيرة
علّه يصلي على القدس صلاة الغيابِ
فرأى البلاد تشتعل شيبا
ترقد في الجوع والدماء
أمواجٌ من الجند والبنادق
تمشط الوجود
ارتعدت من الخوف فرائسه
فارتد الكهلُ إلى الوراء
ليمسك ساق شجرةٍ عساه يجازي عنه رصاصة الردى
فما لاقاهُ
ولم يكن من أحدْ
فتخضب في دمه منفيا تلمع في صدره نجوم حمراء
كما أتى مضى
راقداً في الحزن المكبوتِ إلى الأبدْ
تغازلُ عيناه زمن المجد السحيق
ولم يقدر أن يحضن مثوى أبيه
أويسكب دموعه فوق قبره
أو يشم ملئ رأسه
قبضةً من الترابِ
أو أن يرفع يدا أمه
وظلت جثته مثل صخرةٍ على الطريق
كأنها منحوتة دعاء
امتلأت يداها بالدموع والدماء
______________

كتبت هذه القصيدة في عام 2009



#علي_سيريني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللاميّة الجلاليّة
- مجنون الدولار الثوري
- لطمية لكاكه حمه
- من كاكه حمه لإبن أبا سمير
- الأنبوب الكُردي العربي يوصل النفط إلى الغرب ويعيد البداوة إل ...
- أبو رغال الكُردي: الإستقلال بنت أحلام القصائد
- أوهام الأمة الإسلامية أو لكل فئة إسلامها
- أوهام العروبة والدمار
- مهرجان أبوظبي للسينما خواءٌ يثير الشفقة!
- السيد مسعود بارزاني إستفاقة تنتظر الصدق!
- ذكرى إغتيال بيار جميّل بين لبنان وكُردستان
- حرب الأقنعة في العراق ما وراء القناع قداسة المظهر وفضاوة الج ...
- كيف تشتري سلطة إقليم كُردستان ذمم المثقفين العرب وغيرهم؟
- هل مازالت كركوك -قدس- كُردستان؟
- نيتشيروان بارزاني: الأكراد كسالى 2-2
- نيتشيروان بارزاني: الأكراد كُسالى! 1-2


المزيد.....




- السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم ...
- إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال ...
- اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
- عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
- موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن ...
- زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
- أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي ...
- الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
- عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
- مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي سيريني - شيبة طفلٍ فلسطيني يتيم