|
عمارة جعفر طوقان : فعل الاجتهاد التصميمي
خالد السلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 12:28
المحور:
الادب والفن
يثير المنجز المعماري ذو اللغة التصميمية المتميزة ، سلسلة تداعيات نقدية، تهدف بمجملها إلى تبيان أهمية لغة المبنى المعمارية ومحاولة كشف مرجعيات الفكر التصميمي التي أتكأ عليها المعمار - المصمم في تناولة للموضوعه المعمارية التي بحوزته، ومدى إضافاته وجديتها في تحديد مفردات وعناصر تكويناته المنتخبة. كما يظل المنجز المعماري المتميز في حاجة إلى تكريس دوره كمعلم هام في فضاء المشهد المديني وتأثيراته ضمن سياقة الحضاري، أي مدى ملائمة المبنى وتوافقه ضمن خصوصيات الموروث البنائي التي كونتها المهارات المصقولة عبر سلسلة من عقود الحقب الزمنية والتاريخية.
وفي هذا المجال، ينصحنا الناقد المعماري الدكتور إسماعيل سراج الدين ان ننظر إلى العمل المعماري في ضوء عدة مستويات منها: البناء بوصفه عمارة؛ والبناء في سياقه المادي، والبناء في سياقه الحضاري، والبناء في سياقة الفكري على المستويين المحلي والإقليمي، ثم أخيراً، البناء في سياقه الدولي!!. وسنأخذ، قد الإمكان( وطبقاً لخصوصة مقالنا هذا ) بنصيحة الناقد المصري في كلامنا المكرس لمبنى، " بنك الأردن" الواقع في شميساني - عمان، المعمار : مكتب جعفر طوقان وشركاه ( 1997).
تعتمد اللغة المعمارية لمبنى " بنك الأردن " على ناحيتين أساسيتين هما: جلاء التكوين، وضخامة المقياس . ويبدو أن المصمم، ومن خلال تعامله من خلال مفردات المعالجة الفضائية - الفنية للمبنى حريص على تأكيد حضور مزايا وخصائص تينك الناحيتين في كثير من الحذاقه المهنية والوضوح الصريح.
لقد استثمر المعمار بحصافة خاصيه توقيـع المبنى : كونه يقع على ثلاثة شوارع مهمة، وفي موقع تعد مناسيبه أعلي منحنيات تضاريس المنطقة المحددة ليزيد من أهمية لغة عمارة المبنى المقترحة وتبيان تأثيراتها على عموم طوق الأشغال الحضري المجاور . ينزع المصمم، بصورة متعمدة إلى تقنين مفردات لغتة التكوينيه ، كما يسعى لتـوظيف " مستحقات" " السميتري - التماثل الذي خلقه إلى تعزيز دور عمارة المبنى وتكريس حضورها في المشهد التصميمي المرئي . فنحن إزاء معالجات تكوينه ليست فقط مرجعياتها الفنية تتباين تبايناً حاداً مع عائديه سياق الذائقة الفنية المعتادة ، وانما ثمة توق إلى تقويض تصوراتنا لكنه سيرورة تآلف مفردات ومعنى التكوين المعماري الحصيف .
وليس ثمة شك، بأن معمار " بنك الأردن" يعتمد في نهجه هذا على طروحات تصميميه سبق وأن شاهدنـاها في أعمال معماريين عالميين أخرين، وبالذات ممارسات وحلول ما يسمى بـ " حـفـر " الكتل المعـمارية التـي بـدأها لـويـــس كـان Louis Kahn ( 1901 - 1975) - ولا سيما في أعماله الهندية - ، أثر تبنيه مفاهيم معمارية نأت بنهجه التصميمي بعيداً عن سـياقات عـمـارة مـيس فان دير روّ Mies van der Rohe وإتباعه، تلك السياقات المعمارية التي كانت حافلة بحضور عال للهندسية المنتظمة والسعي نحو تأكيد الشـفافيه والـنزعة إلى تمـاهي بـنى الـتراكــيـب " التـكتـونية" Tectonic فيما بينها.
ولسنا هنا، في معرض تقصي جذور تلك الفعالية التصميمية واسقاطاتها في مجمل الممارسة المعمارية العالمية، وإنما وددنا الإشارة إلى حدث تنويعات توظيف ذلك المفهوم في تطبـيقات العـمارة الـمعـاصـرة تلـك التـطـبيـقات الـتي أوصلها غوردن بونشافت. Gordon Bunshaft من مكتب " سوم " S.O.M.. إلى منتهاها في تصامـيمـه المـعدة ( لبـنك جـدة ) بالـسعـودية ؛ اصـداء مـعالجـاتـه " الحفرية" - الإختراقيه تلك ؛ لإنزال نشاهدها في أمثلة تصميمه عديدة، يتدرج أسلوب معالجاتها من السذاجة السمجة وحتى الحلول المعمارية الذكية غير المتوقعة! .
ولئن تعاطفنا مع توجهات معمار " بنك الأردن" في أسلوب معالجاته التكوينية - الفنية للجزء الوسطي من المبنى المتمثلة بتبيان أسلوب ونوعية " حـفر" الكتلة مع السعي لإستخدام تشكيلات النوافذ المربعة ( التي امست " تربيعاتها " الشكلية أمراً ملازماً ] ولازماً؟ [ للممارسة المعمارية المعاصرة ) ، فضلاً عن تأكيد الأحساس بالصلادة؛ فاننا وددنا أن نرى نزعة الأجتهاد التصميمي تلك ، مسحوبة على معالجات المبنى المعمارية ولا سيما واجهاته الخلفية التي اتسمت مفرداتها بالعادية " والفقر" التصميمي؛ وما عدا مفردة استخدام " الشق" الشاقولي للنافذة الركنية عند السلم الوسطي؛ فاننا نجزم بأن معمارنا لم يكن مكترثا في توزيع اهتماماته التصميمية بصورة عادلة وكفؤة، إذ تكونت تعبيرية الواجهة الخلفية " آلياً" جراء إيفاء مباشرية القصد الوظيفي واستحقاقات المنفعة " العارية "! . وفي كل الأحوال فاننا وددنا أن يرتقي اسلوب ترتيب فضاءات مسطحات طوابق المبنى الى مستوى الإهتمام الذي تناول به المعمار واجهات المبنى الأمامية؛ فلقد اضحى أمراً مفروغاً منه، الابتعاد عن " دوغماتيه" نهج تقسيمات الأحياز إلى حجوم هندسية منتظمة؛ تلك الحجوم التي أضحت تثير الملل وتبعث لدى المستعمل والمتلقي الشعور بالاغتمام والانقباض النفسي جراء جورحضور الضبط العالي Discipline غـير المبـرر وتقنـين الإحساس " بالمفأجاة " التصميمية وعدم توقعها.
ويظل الحدث الظاهري المهم في عمارة " بنك الأردن" يكمن في نوعية وجرأه القرار التـصميمي المـنطوي على تآلف النقيـضين، أو بـما يـدعى " بتجاور الأضداد "؛ فالمعمار يوظف تلك الخاصية بصورة سافرة وواضحة ومباشرة بل … واقتحامية أيضاً ، في الحل التكويني المختار للمبنى . فنحن إزاء صيغة تصميميه تتجاوز بها تلك الخاصية نفوذ محدودية العناصر المتضادة لتغطي تأثيراتها مسطحات الهيكل البنائي برمته، الأمر الذي يكسب عمارة المبنى لغة حداثوية ذات طراوة تصميميه، واضحة، لتجعل من حالة الحل التصميمي المقترح في النهاية، حالة فريدة واستثنائية في المشهد المعماري الحضري!!. وعلى الرغم من شجاعة القرار التصميمي المتمثل بتشديد فعل تجاور الشفافية العالية لمسطحات الواجهات الزجاجية مع كتلة المبنى الحجرية ذات الصلادة المصمتة، فان الحل المقترح لمبنى البنك يوحي لنا بتجزئة التكوين إلى قسمين منفصلين ومستقليين، الأمر الذي يوهن في اعتقادنا، من وحدة الموضوع، ويقلل من تبعات فعالية " التجاور الضدي".
وبعد، فان المقياس الملائم المنتخب لمبنى البنك ونوعية مفردات لغته التصميمية وحذاقه العمل التنفيذي تجعل من عمارة ( بنك الأردن) حدثاً تصميمياً مهماً ومؤثراً؛ يرتقي لأن يكون واحداً من أجمل الحلول التصميمية وانفـسـها في مجمل عمارة العاصمة الاردنية! أن خصوصية عمارة المبنى المتميزة ومكان توقيعة الواضح كفيلان، في راينا، باستنباط أنماط تكوينية خاصة تشارك في تنويع لغة عمارة المنطقة المبينة وتسهم في تغير ذائقتنا الفنية. وليس ثمة امراً مشيناً كون، مرجعية عمارة المبنى مستمدة من القراءاات الحداثوية وليس من مفاهيم الفترة اللاحقة، فعمارة " البنك " ، بالـواقع هي احـدى حداثـات عـصـر ما بعد الحداثة، ذلك لأن مهام المثقفين واهدافهم تكمنان ، الان ، في انجاز وتوسيع وتكريس مشاريع الحداثة العربية وصولاً .. لما بعدها!.
مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون كوبنهاغن- الدانمرك
#خالد_السلطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المُعـلمّ - بمناسبة رحيل فائق حمد
-
معالي العمارة المهنية
-
عمارة اسمها .. التعبيرية - صفحات من كتاب : قرن من الزمان ؛ م
...
-
عمارة اسمها .. التعبيرية
-
مرور سبع سنوات على رحيل الشاعر الجواهري ( 27 تموز - يوليو -
...
-
موالي صدام المدعية - بالثقافة - تسعى - لتبيض - سيرة الدكتاتو
...
-
منجز العمارة الاسلامية مسجد السليمانية في اسطنبول نضوج الحل
...
-
صفحات من كتاب - قرن من الزمان .. مئة سنة من العمارة الحديثة
...
-
مدرسة اولوغ بيك : جماليات مكان التعلم .. والتعليم
-
حديث هادئ ، في معمعة كلامية
-
صفحات من كتاب - العمارة العراقية الحديثة: السنين التأسيسية -
...
-
العلم العراقي الجديد: ملاحظـات تنظيـمية وفنـية سريعـة
-
منجز العمارة الاسلامية (3 ) عمارة - مسجد امام - في اصفهان
-
صفحات من كتاب - قرن من الزمان .. مئة سنة من العمارة الحديثة
...
-
بمناسبة فوزها بجائزة - بريتزكير- العالمية عمـارة - زهـاء حدي
...
-
عام على احداث جسام في حياة الشعب العراقي
-
مبنى - السفارة الامريكية - ببغداد : تـناص معماري .. لمفاهيم
...
-
منجز -اوسكار نيماير- التصميمي : مفرد .. بصيغة الجمع
-
افرازات الحكم الشمولي -الصدامي- :العمارة .. انموذجـاً
-
يورن اوتزن-... والعمارة الاسلامية
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|