|
لماذا لا أريد الذهاب للجنة؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3221 - 2010 / 12 / 20 - 12:49
المحور:
كتابات ساخرة
احتكر المبشرون بالجنة الفردوس الإلهي، سلفاً، كما احتكروا الفردوس الأرضي، مع الشيوخ والفقهاء والوعاظ وشيوخ السلاطين، ومع ولاة أمرهم الأبرار "المرضي عنهم"، وخلفاء وحكام الزمان، وبعد أن تسلطوا في الأرض وأعطاهم الله سبحانه وتعالى الملك، والحظوة والقوة، ومكنهم من رقاب العباد وثروات وخزائن الأرض يعبثون ويعيثون فيها فساداً وبذخاً، ويحتكرونها لهم ولأصحايهم وأزلامهم ومحظييهم وأقربائهم، ألم يقل سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: "الأقٌربون أولى بالمعروف"، وهم وأيم الحق الذي فيه يمترون، يطبقون هذه الآية الكريمة بحذافيرها، فيوزعون خيرات وثروات هذا الجحيم المسمى بالأوطان، على أقربائهم أولاً بأول، ولذلك لا تصيب الفقراء والمساكين والدراويش ولا "طرطوشة" على قول الصبوحة التي تعيش آخر أيامها في الفردوس الأرضي، ونامل لها انتقالة سلسلة وسريعة إلى الفردوس الإلهي، وكذلك فضلهم على بني العالمين جميعاً، وجعلهم خلفاء له في الأرض حملهم الأمانة ومفاتيح الجنة، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، ورضي الله عنهم، أما المغضوب عليهم والضالين من الفرق الضالة والمضلة والعلمانيين والتنويرين والأحرار فمصيرهم جهنم وبئس المصير حسب الخطاب إياه. وستتشرف الجنة بالطبع، وحساب خطاب الشباب، باحتضان كل أولئك الغزاة البدو والسفاحين والقتلة وولاة الأمر المتسلطين في التاريخ العربي المجيد ومعهم الخلفاء وكل الاستبداديين والديكتاتوريين الذين تسلطوا وتمكنوا من رقاب هذه الشعوب، فتلك مشيئة إلهية مقدسة لا تقبل النقاش، ولولا حب الله لهم، ورضاه عنهم، لما مكنهم في الأرض. ولا يوجد اليوم أي أمل للإنسان المنكوب في الخلاص، وبعد فشل كل مشاريع التغيير الديمقراطي على يد المغفور له ابن بوش، من هذا الجحيم الدنيوي الاستبدادي سوى بالانتقال للعالم الآخر والخلاص من هذه الورطة الكبرى التي وضعه الله سبحانه وتعالى فيها لحكمة لا يعلمها إلا سبحانه وتعالى. ولو قيض لي الخيار، وربما من دون خيار أو اختيار، فسيكون خياري هو الذهاب إلى جهنم وبئس المصير وترك الجنة "لهم" فأنا لا أطيق رؤية أي منهم في الدنيا، فما بالك لو ذهبت إلى الدار الآخرة، وصادفتهم، هناك، ولا سمح الله وقدر هناك. فأنا مذ وعيت على هذه الدنيا، وأنا أسمع بسير وقصص السفاحين الكبار ونزواتهم وغزواتهم وإجرامهم ومذابحهم التي ارتكبت بحق البشرية، ( لا أدري كيف يتقبل أي عقل سليم ومتزن وسوي تلك الفرضية البدوية القائلة بأن اله الرحمن الرحيم الغفور العادل يرسل مجموعات من القتل لقتل بشر آخرين لإرغامهم على طاعته بمعنى ألا يوجد آلية أخرى أفضل وأقل إيلاما وهو القادر البصير الجبار العزيز الحكيم المهيمن؟)، كما لم تبخل وزارات التربية والثقافة والإعلام العربي بتعريفنا بابن تيمية وفتاويه الإنسانية الرحيمة وابن قيم الجوزية والقعقاع والحجاج وأبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور وكافور الإخشيدي وصلاح الدين الأيوبي بطل المجازر التاريخية المعروف بدمويته، والذي يحظى بقدسية خاصة في المناهج الثقافية والتربوية العربية والمنظومة التسلطية العربية، وصاحبنا سيف الله المسلول، ومعاوية ابن أبي سفيان، وابنه يزيد رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وكل من تلوثت أيديهم بدماء الشعوب البريئة من أبطا عمليات الأإبادات الجماعية التي يسمونها بالفتوحات ويطبلون ويزمرون لها ويدرسونها للأطفال الصغار، ولن ننسى المغفور له ابن كاز (لا يوجد خطأ إملائي ها هنا)، والذي رفض حتى اللحظة مبدأ كروية الأرض وهو على حق طبعاً وغيره على باطل واللهم والي من والاه، عادي من عاداه، ولم تبخل أيضاً وزارات الإعلام بتعريفنا بالشعراوي والقرضاوي والزرقاوي (احتفل الأردن رسمياً وشعبياً عند مقتل هذا المجرم وفتحت له سرادق العزاء في كل شارع ومكان وفي المستقبل سيدرس لأبنائنا الطلبة باعتباره فاتحاً ومن رموز البدو الكبار)، وهمام البلوي أبو دجانة الخراساني ما غيره، والحارث الضاري، وابن لادن والظاهري، وابن العواجي، وابن العودة، وابن الزنداني، وابن العريفي، وابن المنجد، وأم أنس، وابن الترابي وابن كشك، وابن البدري، وغيرهم من رموز الرعب وإثارة القشعريرة في نفوس الناس وكلهم طبعاً مثواهم الجنة وجنان الخلد . كما ستحفل الجنة بكل رموز اللصوصية والنهب والسلب والاستبداد في التاريخ "المجيد" إياه، ل،هم يتبرعون من أموالهم في بناء المساجد ودور العبادة ولأنهم يتصدقون على الفقراء والمساكين والمواطنين الكرام الذين كانوا سرقوهم سابقاً، (يعني من دهنو قلـّيه) بعد ذلك حجوا إلى بينت الله الحرام وغسلوا ذنوبهم وعادوا أطهارا كالأطفال الصغار ويا سلام وحجاً مبروراً وسعياً مشكوراً (ألا تلاحظون السر في أنهم جميعاً يحجون لأنهم يستطيعون إليه سبيلاً، وربما لأسباب أخرى، أما الدراويش أمثالنا فلا يقدرون على السهرة في أحزمة البؤس المجاورة)، وسيراهم المرء هناك-في الجنة- يصولون ويجولون كما يصولون ويجولون في الحياة الدنيا، لأن ولاة الأمر الأبرار وخلفاء الله على الأرض قد رضوا عنهم ولنا أن نتخيل لو ذهب أحدنا إلى الجنة وقابل كل هؤلاء هناك أيضاً، أعتقد أن الكارثة ستكون مزدوجة. ثم أن ميولي العامة هي فكرية وثقافية ، وأبتعد جداً عن المواخير والترفيه والكباريهات وأماكن الدعارة المشبوهة، ولا أحب السهر والسكر وشرب الخمر من أنهار الجنة أو رؤية الماخور السماوي الكبير الذي يسمونه بالجنة والذي سيحتوي حسب التقديرات الأولية على مليارات من الحور العين، ومثلهم من الزناة الذين سيجامعونهن ليلاً نهاراً دون كلل أو ملل، (سداحاً مداحاً ووكالة من غير بواب)، وبعد الانتهاء منهن سيتفرغون للغمان المرد المخلدين، أي أنه لن يكون بوسعي فتح أي حديث ثقافي أو إجراء أي نقاش حواري "هادف" في الجنة على عكس جهنم التي ستعج بالمفكرين والكتاب والتنويريين والمغضوب عليهم والمرجومين والمجلدون وممن قطعت رؤوسهم ومثل بهم بسبب رفضهم لثقافة وفكر الصحراء بدءاً بأبي لهب وأبي سفيان وأبو لهب وامرأته حمالة الحطب، ومسيلمة الكذاب، وشهداء حروب الردة، والحلاج، وابن أبي العوجاء والمعري، وغيلان الدمشقي، والجعد بم الدرهم، والمعتزلة وغيرهم الكثيرين ممن سيكونون هناك متفرغين لإدارة حوارات ثقافية ومعرفة السبيل الذي "أوصلهم" لهذه "المواصيل". لنتخيل جميعاً حجم الكارثة والرعب لو قابلت بعد الموت، أيضاً، من كانوا السبب في شقائك الدنيوي كي تقضي معهم "الخلود"، فنحن خلال فترة قصيرة من العمر لم تتجاوز الخمسين عاماً، قد "طقت" مرارتنا منهم، وتجلطت الدماء في العروق ، وانفجرت أدمغتنا وتقرحت أمعاؤنا وكله بسببهم، فما بالك لو غضب الله عليك مرة أخرى، والتقيت بهم ثانية، في دار البقاء، لا سمح وقدر، أعتقد أن الأمر سيكون أكبر من عذاب جهنم وبئس المصير وتبدو جهنم ها هنا، وفي الحالة ربما فقط، أفضل من الجنة بكثير،، والمرء عندها سيفضل ولاشك، وفوراً، جهنم، ويترك لهم الجنة، والجمل بما حمل، المهم ألا يراهم ولا يسمع بهم ولا بأخبارهم وقصصهم "المعتة"، وأنا أتشوق للحظة التي يأخذ فيها الله "امانته" كي أرتاح منهم "أجمعين" ولا أريد، أبداً، رؤية أي منهم بعد ذلك الحين. لكل تلك الأسباب الآنفة الذكر لا أريد الذهاب للجنة، في ضوء هذه المعطيات، وأفضل عليها بالتأكيد جهنم وبئس المصير، وذلك أقرب للتقوى، وللراحة النفسية والأبدية، والله من وراء المقصد.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يقود الحروب الصليبية اليوم؟
-
العشاء الأخير: القرضاوي أمام المحاكم القطرية
-
لا عَرَقَ في العراق
-
جلد النساء: وحشية ثقافة الصحراء
-
فضائية الحوار: الحلم المشروع والخطوة الضرورية
-
غزوات وهابية جديدة
-
الله يسوّد وجوهكم
-
رسالة إلى السادة قادة مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي
-
العرب بين الويكيليكس وأوراق الكلينيكس
-
هل يفلح إعلان دمشق في بدونة سوريا؟
-
كيف يفكر البدو؟ الإسلام السياسي في الميزان
-
الإنترنت لكم بالمرصاد فاحذروه
-
لماذا يشيطنون حسن نصر الله ويقدسون ابن لادن؟
-
لماذا لا يباع الخمر علناً في الدول الدينية؟
-
إعلان دمشق كمشروع ماضوي
-
لماذا لا تنشئ الولايات المتحدة محكمة دولية لأحداث 11/9؟
-
خرافة الحجاب والنقاب: لماذا نزلت أمكم حواء عارية من السماء؟
-
أوقفوا جرائم التطهير الثقافي: في أصول الفاشية والإرهاب العرب
...
-
إعلان قندهار: الاستقواء بالسلفيين
-
هل يتخذ سعد الحريري قراراً شجاعاً؟
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|