سرحان الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 3217 - 2010 / 12 / 16 - 23:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الجزء الثالث
نشر الاله شبكته واصطادها
ثم اطلق الرياح الشريرة في وجهها
انتفخ بطنها وفتحت فاها على اشده
فاطلق سهما وبقر بطنها
واندس في احشاءها , ومزق قلبها
ولما اخضعها , اجهز عليها
وطرح جثتها ووقف عليها
وبعد ان ذبح تيامات القائدة
تمزق جيشها وتفرقت جموعها
,,,,,,,,,,,,,,,, مقطع من اسطورة الخلق البابلية
التكفير عقوبة بلا جريمة
ليس ثمة اكثر قسوة وعنفا من ان ينال جسد ما الموت او التقططيع او الانتهاك او الاستعباد او الاسترقاق , او النفي او الاهانة او التحقير او السب او الشتم , لا لذنب اقترفه , او جريمة ارتكبها سوى انه ولد ونشا وتربى على دين او معتقد لا يتوائم مع دين او معتقد او فكر او منهج الاخرين , الذين اختصهم الاله وحدهم بذلك المنهج وتلك الشريعة السمحاء التي لا ياتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ,
وليس اكثر فضاعة وسوء طالع , وهوان على هذه الدنيا , ان يجد هذا الجسد , الذي هو جسد انسان , ان يجد نفسه مجرما بلا جريمة , ومدانا بلا ادانة , ويواجه عقوبة هو لم يرتكبها ,
, وربما جريمته الوحيدة انه وجد نفسه بين اناس , يرفضونه , ويرفضون وجوده بينهم , بل انهم لا يريدون له الحياة , وهم يفضلون له الموت , ولابد له ان يموت , لان الاله هكذا اراد , هكذا امر الاله عباده المخلصين , ان يقطعوا انفاس ذلك الجسد المنبوذ والمنحرف عن شرع الاله وطريقه الذي رسمه لعباده , ويسلبوا منه الحياة , , وقد اعطى الاله عن رضا وطيب خاطر , ووهب روح هذا الجسد وكل املاكه بما فيها الملابس التي يرتديها , لاؤلئك الذين سيسلبون منه الحياة , وسينتشي الاله بهذا العمل ويبتهج , بل ان الاله ليطرب في هذا اليوم , ويرقص مع الراقصين حول تلك الجثة , ويتبادل التهاني مع الملائكة , ومن فرط اعجاب الملائكة بذلك العمل البطولي , الذي ادخل البهجة والسرور على نفس الاله وقلبه , انهم يتمنون في سرائرهم , لو انهم هم من قام بهذا العمل , لكن الملائكة عندما يرون فشلهم وعجزهم ونظرات العتاب على وجه الاله , فلابد انهم سيخجلون من انفسهم , لانهم لم يعملوا بما يرضي الاله , فيغطون وجوههم من شدة خجلهم وعارهم وعجزهم عن الاتيات بفعل مماثل لافعال اؤلئك العباد المخلصين , ولانهم لم يشاركوا في ذلك العمل , ولم يقطعوا مع المقطعين , ربما سيطلب الملائكة من الاله ان يغير وظائفهم , وينقلهم من السماء الى الارض , ليكلفهم باعمال بشرية , بدلامن تلك الاعمال الروتينية في مساعدة الاله لتدبير شؤؤن الكون , وهي اعمال تعد تافهة بالقياس الى ما يقوم به البشر من العباد الصالحين , من تقديم خدماتهم الجليلة الى الاله في قتل اعدائه والنيل منهم
مع ملاحظة ان الملائكة ربما لا يعلمون بالثواب والحسنات , التي سينالها العباد الصالحين , بعد انجازهم لمهمة القضاء على اعداء الاله وخصومه , وما ينتظرهم من جنات النعيم , و حور العين , وانهار اللبن والعسل المصفى ,
ولو علم الملائكة بكل تلك الهبات والعطايا والمنح الالهية , ربما سنشهد هجرة جماعية من سكان السماء , وقد تهجر السماء تماما , ويتحول جميع سكانها الى الارض , ليشاركوا اخوانهم من عباد الاله الصالحين , في الدفاع عن الاله وقتل اعدائه , لتسود كلمة الاله في هذه الارض وتعم نواميسه وشرائعه كل ارجاء المعمورة
التكفير= النص الصاعد والعقوبة لنازلة
, هل يوجد في عالم الفكر والثقافة والسياسة والقانون , منطق او لغة او مصطلح قانوني او عرفي , يسمى الفرد بالكافر او المرتد او الزنديق او المهرطق , الذي يحق قتله واستباحة دمه واخذ امواله واملاكه ؟
بالطبع لا يوجد , حتى وان كان هناك نوعا من التشابه الطفيف بين ما يسمى في العرف القانوني , بالادانة , أي ادانة المرتكب لجريمة او جنحة , وبين اليه التكفير باعتبارها ادانة او تهمة , بالخروج عن الشرع او الملة , لكن الاختلاف بينهما واسع جدا , ولا يمكن المقارنة الا من وجوه طفيفة
, اذن فالسؤال الاهم هو , من اين ياتي هذا التكفير ؟ او ما هو مصدر ومنبع التكفير , ؟ ولماذا يكفر الناس بعضهم بعضا في حروبهم وعداواتهم وخلافاتهم ومصالحهم الشخصية ؟ او بصيغة اكثر وضوحا , من اين للانسان هذه الصفة الشرعية او القانونية او السلطوية او الفقهية التي بموجبها يصدر احكاما باخرج الناس من الملة او الدين او المعتقد , واي سلطة منحته وفوضته كي يتصرف بمصائر الناس وحياتهم ؟
للاجابة على هذا لسؤال لابد وان نعرف اولا ماهي طبيعة ومضمون التكفير , ليس من حيث المعنى اللفوي او الاصطلاح الفقهي الذي عرفناه سابقا , والذي يندرج تحته كبند من بنود الفقه الديني , بل من حيث الاثار التي تترتب عليه , ومن حيث السلوك الذي تسلكه الجماعات وهي متسلحة بهذا الغطاء الشرعي , وطبيعة عملها وهي تمارس فعل الاعتداء على الاخر كطقس من طقوسها الدينية الشرعية المحفوفة برعاية وتاييد الاله ,
ان الجماعات الدينية التي تمارس التكفير وهي تفرز بين الناس وتقسمهم بين كافر ومؤمن , تشبه الى حد كبير
النظام المغلق للقبيلة , ذلك النظام القائم اساسا على رابطة الدم , فبقدر ما تمثل رابطة الدم من اصرة للترابط والتلاحم بين افراد القبيلة الواحدة , يمثل النص رابطة متينة , تربط بين افراد الديانة الواحدة ايضا , وتشدهم الى بعضهم البعض , وكما يكون الحد الفاصل بين افراد القبيلة والافراد الغرباء هو دماء الاسلاف التي تجري في عروق كل فرد من افراد القبيلة , يمثل النص ايضا حدا فاصلا بين عالم او محيط الديانة وافرادها والعالم الاخر , عالم الغرباء , الذي يكون بالضرورة عالما فاسدا وباطلا
, وفي النظام القبلي , يعتبر كل شخص لا ينتمي الى القبيلة مشروع عدو محتمل او حقيقي , ويمثل الشخص الذي لا ينتمي الى حضيرة الدين بمثابة شخص كافر او ظال , وبالتالي فهو عدو ايضا
ومن المعروف ان عقوبة الشخص الذي يخل بالنظام والعرف العام للقبيلة , الطرد من القبيلة , مع هدر الدم ورفع الحماية عنه , وكذلك يصبح الشخص الذي يرتد عن دينه عرضة للاستتابة , والقتل في معظم الديانات ,
ويمثل الطرد من دائرة وحمى القبيلة بمثابة نوع من المحافظة على الهوية والذات الجماعية للقبيلة , اذ ان أي خروج او تمرد او اخلال باعراف القبيلة , سيعرض وحدة القبيلة وهيبتها للتفكك والتلاشي والتبعثر
وبذا فمن الوارد جدا , ان يكون ثمة اسقاط لتنظيم بدائي , مارسته الجماعات البدائية كنوع من انظمة الضبط لحياتها الداخية , وكنوع من التنظيم الجتماعي البدائي , فتم استنساخه بمضمونه دون شكله في محتوى ديني وعقائدي جديد , وحلت فيه قيم الدين ونصوصه بدلا من قيم واعراف القبيلة , وبهذا فالنص البشري المتمثل بالعرف والنظام العام للقبيلة , قد جرى تقديسه ومد جذوره الى السماء , كي يكتسب قوة الزام وشرعية في الوجود والتمثل والهضم لكل افراد المجتمع , مقابل ان ياتي بالنواميس جاهزة من السماء , وبالتالي فانتاج النص الديني بهذه الكيفية لا يمكن ان يعبر عنه الا ان النص صعد الى السماء , والعقوبة المترتبة على اثره قد نزلت الى الارض
ان نظرة فاحصة الى النصوص الفقهية والعقائدية التي تستند اليها الجماعات الدينية , في عملية تكفير الاخر واقصائه , تدل بوضوح على وجود سمات مشتركة رغم تباين الاديان واختلافها , ومهما تعددت الدوافع والظروف التي تدفع طرفا ما لتكفير طرف اخر فانها لا تخرج عن عوامل مشتركة ومنابع مشابهة يغرف منها الجميع , وتشكل اساسا لما نسميه بظاهرة تكفير الاخر المختلف , بحيث يمكن ان نجمل تلك المنابع والاسس الى النقاط التالية
1 – جزمية النص الديني ,
بما ان النص الديني هو نص الهي مقدس ومنزل من السماء , فهو النص الوحيد المشحون بالحقيقة , والحامل لكل مضامينها , وبالتالي فالعالم في الفكر الديني وعلى ضوء النص الديني ينقسم الى , عالم قداسة وحقيقة وخير وكمال مطلق , وعالم مدنس وزائف , وشر وباطل وزائل , وعلى ضوء ذلك فالحقيقة والخير والسعادة لا يتم السعي من اجلها والكشف عنها , لانها لا توجد الا حيث يوجد النص الديني المتعالي الذي يشكل كشفا لحقيقة العالم والوجود والخير والشر وكل حقائق الوجود , اذن فهي الصيغة او النمط الفكري الوحيد , القادر على حل جميع مشاكل ومعضلات البشر , والوصول بهم الى السعادة في الدنيا والاخرة , وان أي تشكيك في هذه المسلمة لا يعني الا تشكيك بحقيقة النص الديني , وبقدرة الاله الكامل الذي لا يخطا , الامر الذي يعرض الشخص المشكك الى الامتحان في عقيدته , فان خالف شيئا من بديهيات النص . اعتبر كافرا , ومعاندا لله , وبما ان الله هو المتصرف الوحيد في هذا الكون , فان قرار وارادة الاله يجب ان تكون نافذة
والتكملة في الجزء القادم
#سرحان_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟