أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - إيران بين الحصارِ والتراث














المزيد.....

إيران بين الحصارِ والتراث


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3211 - 2010 / 12 / 10 - 09:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



عاشتْ إيران في العصور القديمة محاصرةً بين جماعاتٍ من الشعوب البدوية الضارية، الهضبةُ الإيرانية كانت مركزَ الوجودِ للشعبِ الفارسي المتحضر الذي سكنَ هذه الأرض المجدبة، وحولها على مر القرون لمدن تقدم، ومن هنا صنعَ صورتي الإلهين المتضادين، إله النور وإله الظلام، إله الخير وإله الشر، وقد تجسد الشريرُ في هذه الشعوب البدوية الدموية.
وحتى حين شكل امبراطورية سمح بالتعدديات الدينية، وجاء حتى لليهود المُبعدين عن أرضهم وأرجع بعضهم بعد تخريب ملوك بابل وآشور. كان نموذجاً غريباً لأمبراطورية غزو وهيمنة.
وعارض هذا الشعبُ الإسلامَ بعد ذلك بشكلهِ البدوي الغازي المتجسدِ في عواصم الهيمنةِ والخراج، وحاولَ إعادةَ تأسيس حضارته القديمة بشكلٍ ديني إسلامي، فبحث عن العناصر المعارضة في هذه الحضارة الإسلامية، وأخذ يتماهى مع عناصر الغضب والعنف الحاد فيها كالخراسانية تحت رمزية القائد الفذ أبي مسلم الخراساني والقدرية والزيدية والإسماعيلية وهي كلها عرضتهم لأهوالِ الهجماتِ المضادة من قبل الدول المركزية، التي اكتسحت بلدهم مراراً وتكراراً بسبب دعوات هذه الفرق للثورة العنيفة الدائمة!
جاءتْ الصوفيةُ الاثناعشرية لتخلصهم من هذه الأهوال الحربية، ومن غياب الشخصية الوطنية، واختارتْ الطريقَ السلمي ونبذتْ العنف، وأخذتْ بالتقية، التي تعني المرونة السياسية في ظل حكم الهيمنة الأجنبي، وحدث فيضانٌ ثقافي كبير خلال هذا التاريخ.
إن العناصرَ الحصاريةَ ومواجهة الخير والشر، استدعتْ ثيمةً تاريخيةً تراثية مهمة هي حصارُ الحسين في معركة كربلاء الشهيرة، وهذه الثيمةُ انتشرتْ وتوسعتْ في الثقافة الإسلامية الإيرانية، وغدتْ عنصراً مركزياً استحضر كلَ ذلك الحصار التاريخي الطويل للشعب الإيراني، وهجوم القبائل البدوية، والنزيف الدموي الذي لم يتوقف، والمعاناة والحزن والنواح المُعذب من الفقر والاستغلال والحكومات الغريبة.
وصارتْ هيكلاً دينياً سياسياً متداخلاً وهو الذي تنبثقُ منهُ الدولةُ كجهازٍ متعالٍ على الشعب، يحكمهُ ويقهره، ويبقي سيطرةَ الأغنياءِ الكبار فيه ويغدو كذلك أداةَ تحريره من الدخلاء، ونهضته وتقدمه.
إنها ثيمةٌ ذاتُ وجهين: وجهُ العذابِ القادم من الخارج، ووجهُ التعذيبِ الذاتي. إنها الرغبةُ في وقفِ الألم ، الممزقِ للإنسان، وكذلك الرغبةُ في بقاءِ الأشكالِ الدينية التعذيبية كإطارٍ اجتماعي ديني لوحدةِ الشعب. إنه تاريخٌ معقدٌ طويل للشعوب الزراعية.
هو تعبيرٌ عن بقاءِ الألم والعذاب ونقص الوجود الإنساني وسلبيته وغربته عند جمهور الفقراء الذين لم يجئ الإمام بعد لتخليصهم من المعاناة وسوء الأحوال، وتمثل هذه الممارسات فرصة للتوحد والاشتراك في المحبة الإنسانية.
وفيما الشعبُ الإيراني يتحررُ ويدخلُ العصرَ الحديثَ بأحاديثه عن النور والسعادة تبقى ظروفهُ تراوح في مكانها، وعذاباته تتلون حسب الفترات المختلفة، وتنهمرُ سيولُ عذاباتهِ في العزاء وفي الفنونِ النواحية التي تغرفُ من ينابيع الأسى الدفينة الغائرة.
جاء الغربُ واعداً بالحريةِ والحداثة لكن الشركات راحتْ تنهبُ المدن والأرياف الفقيرة، ويظهر تراثٌ جديد، وفنون مختلفة، تفككُ تلك اللحمة القديمة، ويظهر إلهُ الشر وإلهُ الخير في صراع جديد، وهذه المرة من خلال صراع الغرب والشرق.
الجمهورُ يكره الحكومةَ ورجالَ الدين ويصارعهما لكن حين يهدد البلدُ يقف مع الدولة بقوة!
مظهران غريبان متضادان لم يُدرسا من قبل قوى الحصار والعقوبات.
تستثمر الأجهزةُ الحكومية الإيرانية تراثَ الحصارِ القديم، وتؤدلجُ الظاهرات الدينية، وتركبُها على التاريخِ المعاصر، وتستدعي الرموزَ وتعبئها بمادةٍ جديدة مُسيّسة تحرك المشاعر وتستدعي الاصطفافَ حولها.
العقوباتُ والأزمةُ المعيشية التي يعانيها الناس، تتفاعلان وتُصوران بأنهما جزءٌ من العداءِ التاريخي للأمم التي تكره الشعب المُختار من العناية الإلهية، ويعزف الرئيسُ الإيراني على نغمات العنصرية والجذور الغيبية، في سيمفونية عسكرية سياسية، تتخلص من ثقالة الرأسمالية الحكومية حين تكون عوناً للشعب، في جهات الأكل والوقود، وتضعها على أكتافه وهي تتسلح بمشروعات عسكرية خيالية.
يستثمر النظامُ الحصارَ والعقوبات، ليبرر الأزمات، فيظهرُ نفسَهُ بمظهر الدفاع العظيم عن الأمة المُهددة بفقد تراثها ودينها، وهو يعجز عن تكوين الفئات الوسطى الحاكمة الجامعة بين الديمقراطية التنموية والحرية الوطنية، بين حماية الجذور الإسلامية العريقة وتقبل ثقافة العصر الغربية الإنسانية.
فنظراً لتوجه أغلبية الفوائض الاقتصادية الكبيرة نحو التسلح وهيمنة العسكر، يصعب نمو الفئات الوسطى الصناعية والمدنية ويعاني الفقراء والكادحون هذا النزيف غير المبرر لكن الذي تبرره ثقافةُ المُحاصرين المُعذَّبين.
بينما يظن المؤسسون للعقوبات أنهم يهزمون النظامَ هم يقوونه، ويغذون لغة الحصار، وتكتيكات النظام المتلاعب على المشروع النووي، والشعب الإيراني يحتاج إلى المساعدات وتطوير البنى الاقتصادية المدنية ودعم الأرياف المنهكة، وتوسيع العلاقات الأخوية، التي يمكن من خلالها التعاون مع قوى السلام والآيات العظمى الحكيمة وقوى الإصلاح، أما لغة التهديد والتجبر فلا تنجح معه.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربةُ الغربِ للشرق
- بطل ويكيليكس
- قيادة الرأسمالية الحكومية
- الدعمُ وأبعادهُ السياسية
- مستقلون عن ماذا؟
- العروبة والعقلانية
- المقاومة الناقصة
- رؤيتان للدين
- الحداثة القومية والديمقراطية
- مجلس النواب الجديد
- رأسماليات كهلات ورأسماليات شبابية
- انفصال السودان
- زيارة نجاد للبنان
- وضع المنطقة العام
- جذور الديمقراطية الضعيفة
- البرلمان وخطر الانتهازية
- المواجهة الأمريكية - الإيرانية
- الفوضوية والانتهازية
- الديمقراطية والتقليدية
- خندقان


المزيد.....




- ترجف من الإرهاق.. إنقاذ معقد لمتسلقة علقت أكثر من ساعة في -م ...
- تمنّى -لو اختفى-.. مخرج -Home Alone 2- يعلق مجددًا على ظهور ...
- جوزاف عون يتحدث عن مساعي نزع سلاح حزب الله: نأمل أن يتم هذا ...
- ثنائي راست وتحدي الكلاسيكيات العربية بإيقاعات الكترونية
- -من الخطأ الاعتقاد أن أكبر مشكلة مع إيران هي الأسلحة النووية ...
- عراقجي: زيارتي إلى روسيا هي لتسليم رسالة مكتوبة من خامنئي إ ...
- تصاعد أعمدة الدخان فوق مدينة سومي الأوكرانية بعد غارات بمسير ...
- المرسومً الذي يثير القلق!
- دورتموند يتطلع لتكرار أدائه القوي أمام برشلونة في البوندسليغ ...
- عاصفة رملية تخلف خسائر زراعية فادحة في خنشلة الجزائرية (فيدي ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - إيران بين الحصارِ والتراث