|
قبل تأشيرة الدخول إلى دبي وبعدها..!!
حسن خضر
كاتب وباحث
(Hassan Khader)
الحوار المتمدن-العدد: 3208 - 2010 / 12 / 7 - 15:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دبي آخر مكان في العالم أفكر في زيارته. لماذا؟ أولا، لأنني لا أحب التسوّق. وثانيا، لستُ مفتونا بمشهد ناطحات السحاب في الصحراء. وثالثا، لأن في زيارة هذا المكان أو ذاك ما هو أكثر من المطاعم وردهات الفنادق، وأماكن التسلية على الطريقة الأميركية. ومع ذلك، قبلتُ الذهاب إلى دبي، عندما تلقيت، في أواخر تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، دعوة من مؤسسة بحثية أميركية، وجمعية فلسطينية ـ أميركية مرموقة تُعني بالدفاع عن القضايا الفلسطينية في الولايات المتحدة، للمشاركة في ندوة تضم 15 شخصاً، وصفتهم الدعوة بالأصوات المعتدلة في العالم العربي، واقترحت عليهم التداول في موضوع الاعتدال، في ظل عالم عربي يميل إلى التطرف، والعنف، والانقسام على أسس طائفية. وقد ضمّت قائمة المدعوين أشخاصا تولوا مناصب وزارية في بلدانهم، إلى جانب شخصيات أكاديمية وثقافية معروفة، يتولى بعضها مواقع قيادية في مؤسسات قوية التأثير والنفوذ. وبعدما أرسلتُ صورة عن جواز السفر، وبعد التداول في أفضل الأوقات والخطوط للسفر من برلين إلى دبي والعودة إليها، أرسل منظمو الندوة بطاقات السفر بالبريد الإلكتروني، ثم عاودوا الاتصال ليطلبوا صورة ملوّنة عن صفحة المعلومات في جواز السفر، وصورة ملوّنة يتم نسخها على الماسحة الضوئية، شريطة ألا يزيد حجمها عن 46 كي بايت، إضافة إلى تعبئة استمارة الفيزا الإلكترونية. واستمارة الفيزا الإلكترونية، هذه، نص يشبه العقد يقدمه أحد الفنادق المعتمدة في دبي إلى السلطات، ويحصل بموجبه على حق الدخول لنـزلائه. وفيه من المعلومات، والشروط، والغرامات، ما يمثل كنـزا حقيقيا للمشتغلين بالسيمياء، أي علم العلامات، وتحليل النصوص القانونية بأدوات النقد الأدبي والسياسة وعلم الاجتماع. فعلتُ ما طلبوا. وانتظرت. وقبل الموعد المقرر للسفر بيومين تلقيت اتصالا من الجهة الداعية يفيد بأن سلطات دبي لم توافق على منحي تأشيرة دخول، وربما يكون السبب جواز السفر الفلسطيني. وبما أنني حصلت على تأشيرة دخول مشابهة قبل عام من هذا التاريخ، وشاركتُ في ندوة عُقدت في دبي، كان الرفض مفاجئا، وقد قيل لي إن الجوازات الفلسطينية تحتاج لفترة أطول من البحث، قبل الحصول على الموافقة، خاصة بعد التداعيات والمخاوف الأمنية، التي نجمت عن اغتيال المبحوح في دبي. لا بأس، ربما تكون التداعيات منطقية، والمخاوف صحيحة، لكن التعامل مع حاملي جوازات السفر الفلسطينية بهذه الطريقة ينطوي على شبهة العقاب الجماعي. ثمة مسألة أخرى، لا تتعلّق بالفلسطينيين، بل بالموضوعات التي تناولتها بالبحث، وتكلمتُ عنها في الندوة السابقة قبل عام، وهي أشياء ربما أثارت حفيظة السلطات هناك. ومنها، مثلا، أن عدد المواطنين الأصليين لا يزيد على عشرين بالمائة من عدد السكان، وأن الثمانين بالمائة، وهم من الهنود والباكستانيين والفلسطينيين واللبنانيين والمصريين، يعيشون هناك بلا حقوق ولا ضمانات، حتى وإن أنفقوا أعمارهم، وأنجبوا أولادهم في تلك البلاد. والمسألة الأخيرة: أولا، أن العالم العربي لم يكن في يوم من الأيام في وضع أسوأ مما هو عليه الآن، وأن قدرا كبيرا من السوء ينجم عن التوزيع غير العادل للثروة. وثانيا، أن هذا التوزيع غير العادل للثروة لا ينجم عن وجود فئات مهيمنة تحتكر الثروة والسلطة في العالم العربي وحسب، بل وينجم، أيضا، عن خلجنة الاقتصاد والثقافة والسياسة. الخلجنة والأمركة وجهان لعملة واحدة، بقدر ما يتعلّق الأمر باقتصاد السوق، وقيم الاستهلاك، والإنفاق، وحقوق الرقابة العامة على الثروة. وثالثا، أن ثمة علاقة موضوعية بين خلجنة العالم العربي، وصعود الأصولية الدينية، التي وجدت في البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية التقليدية والمحافظة لكثير من بلدان الخليج مصادر للتمويل والدعم اللوجستي والمعنوي. ورابعا، الدفاع عن حقوق الإنسان لا يمكن أن يتم بطريقة انتقائية. فلا يكفي نقد أنظمة الطغاة والعسكر في العالم العربي، التي لا تحترم حقوق الإنسان، بل وينبغي أيضا نقد الأنظمة التي لا تحترم حقوق المهاجرين والأقليات والعمالة الأجنبية، إضافة إلى عدم احترامها لحقوق الإنسان. وخامسا، ربما يقال: وما شأنكم بما يجري في هذا البلد أو ذاك، اهتموا بأموركم وقضاياكم الخاصة، وهذا يكفي. وهذا الكلام غير مقبول، لأن الوضع في العالم العربي، وفي كل مكان آخر من العالم يشبه الأواني المستطرقة، بمعنى أن ما يحدث في مكان بعينه يؤثر سلبا وإيجابا على بقية العالم. ناهيك، بطبيعة الحال، عن حقيقة أن خلجنة العالم تتم في العالم العربي، وعلى حسابه، وأن بعض المشيخات، التي إذا حضرت لا تعد وإذا غابت لا تفتقد، تتصرف بطريقة تكاد تكون إمبراطورية، ورغم الجانب الكاريكاتوري لأمر كهذا، إلا أضراره في الحواضر العربية التقليدية واضحة وفاضحة وفادحة. وسادسا، كلما وقعت مشكلة في مكان ما من العالم العربي، يدفع الفلسطينيون الثمن، حتى وإن كانوا من ضحاياها. وغالبا ما يصوّرون وكأنهم ناكرو جميل في أماكن أسهموا في بنائها وتقدمها الاجتماعي والثقافي والسياسي. والمفارقة أن نسبة الفلسطينيين بين المنخرطين في نشاط الجماعات الإرهابية والأصولية المعولمة، منذ حروب "المجاهدين" في أفغانستان الممولة خليجياً، والمدربة أميركياً، وحتى صعود جماعة القاعدة الإرهابية، تعتبر اقل من نسب جماعات وشعوب أخرى، إلا أن الثمن الذي يدفعونه مضاعف. هل ينفي هذا الكلام كله ويتنافى مع مفهوم الاعتدال، ومع مسؤولية المعنيين بالشأن العام من المثقفين العرب؟ وهل هوية الفلسطيني، التي يبرهن عليها جواز سفره، وصفة مضمونة للتمييز والارتياب؟ أسئلة مفتوحة، قبل تأشيرة الدخول إلى دبي وبعدها.
#حسن_خضر (هاشتاغ)
Hassan_Khader#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة والسياسة والسلطة..!!
-
فكر الحداثة في فلسطين..!!
-
من المفيد الكلام عن أشياء أخرى..!!
-
دولة إسماعيل..!!
-
يوسا وحرب نهاية العالم..!!
-
مديح الأدب القاسي ..!!
-
ظاهرة جديدة ومُفرحة..!!
-
ليلنا طويل والنجوم قليلة..!!
-
ماذا حدث للمصريين؟
-
كتاب البطر في أخبار قطر..!!
-
أما في السياسة فحدّث عن المآسي ولا حرج..!!
-
محمود درويش يحتاجنا لأن بلادنا تحتاجنا..!!
-
عن النرجيلة والملابس الداخلية للنساء!
-
مديح الشيوعيين..!!
-
العلمانية في فلسطين
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|