جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 3205 - 2010 / 12 / 4 - 22:10
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
رأينا في الحلقة السابقة تصاعد مؤامرات المحتلين الفرنسيين وضباط استخباراتهم لتمزيق وحدة سورية إلى دويلات منفصلة بعد فصل حلب عن دمشق وتشجيع الإنفصاليين في الجزيرة واللاذقية والسويداء .. وفشل جميع هذه المحاولات الإستعمارية أمام وحدة شعبنا ووحدة الوطنيين الديمقراطيين التي ضمت الكتلة الوطنية وحزب الشعب الذي أسسه الدكتور شهبندر منذ 1920 في دمشق إلى عصبة العمل القومي التي تأسست في لواء إسكندرون وامتدت للمناطق السورية إلى الحزب الشيوعي السوري الذي تأسس عام 1925 على أيدي محموعة وطنية نظيفة من أبناء الطبقة العاملة في سورية ولبنان وفي طليعتهم في لبنان فؤاد الشمالي ويوسف يزبك ومير مسعد .وأعضاء من نادي السبارتاكوس الأرمني في بيروت ... وفي سورية ناصر حدة – فوزي الزعيم – خريستو قسيس – محمود الملا – أرتين ميخيان – وصفي البني وغيرهم ...ولعب دوراً ثورياً هاماً منذ أيامه الأولى ضد الإستعمار الفرنسي وسجن قائده فؤاد الشمالي ثلاث سنوات في سجن إرواد مع الوطنيين السوريين واللبنانيين.... حتى إغتصاب بكداش القيادة من الفريق المؤسّس عام 1933 مع مجموعة من الأنتلجنسيا البورجوازية المعزولة عن الجماهير .. وإن كانت هذه القضية ليست موضوع بحثنا هنا غير أنه لابد من التنويه أن خالد بكداش كان على صلة وثيقة مع الحزب الشيوعي الفرنسي أكثر من علاقته مع الإتحاد السوفياتي ,, لذلك أعلن تأييده لمعاهدة 1936 التي لم يوقع عليها البرلمان الفرنسي رغم مافيها من مساس وانتهاك لسيادة واستقلال سورية ولبنان .. وأرسل وفداً من قيادته برئاسة رفيق رضا - ؟؟إلى فرانسا لمساعدة جميل مردم وهاشم الأتاسي على توقيعها .. كما أرسل رسالة باسمه الشخصي كصاحب إقطاعية الحزب إلى السيد – عفيف الصلح – رئيس الكتلة الوطنية يومها يطلب فيها استعداد قيادته لضم حزبه الشيوعي إلى حزب الكتلة الوطنية – (( أي ضم الحزب الشيوعي حزب العمال والفلاحين كما كان يزعم إلى حزب الكتلة الوطنية ممثلة الإقطاع السوري ) لكن عفيف الصلح والكتلة رفضوا طلبه باستهزاء .. وهذه الرسالة من وثائق القيادة البكداشية ومنشورة في كراس صادر عن صوت الشعب في بيروت تحت عنوان "" هذا مايريده الشعب " كان لابد من المرور على هذه الوقائع التي وقعت في هذه الفترة بالذات رغم تناولنا هذا الموضوع تفصيلا في بحث – جوانب من تاريخ القيادة التحريفية والإنتهازية البكداشية --.في السابق . يوم كان جميع أدعياء التحرر منها في هذه الأيام يحرقون البخور عند أقدام بكداش وزمرته .. ويكيلون الشتائم لنا .. ومع غياب الحزب في قيادة الثورة والنضال ضد الإستعمار الفرنسي كما حدث في فييتنام أو الجزائر .. تقدمت الكتلة الوطنية لتقود وتتصدر الحركة الوطنية والنضال الوطني حتى تحقيق الجلاء والإستقلال والنظام الجمهوري البرلمان بنجاح وإخلاص ,,,
لنعد مع شيخنا المناضل سعيد إسحق ورفاقه للنضال داخل البرلمان وفي صفوف الشعب ..بعد خروجه من السجن مرفوع الرأس وحملات القمع ضد الوطنيين وفشل توقيع معاهدة 1936 الإستعمارية ,, وبعد بيع الإستعمار الفرنسي لواء إسكندرون لتركيا واستقالة رئيس الجمهورية السيد هاشم الأتاسي والحكومة السورية برئاسة جميل مردم .. أصدر المفوض السامي الفرنسي قراراً بتعطيل المجلس النيابي .. وتعيين حكومة تابعة للمفوضية مباشرة برئاسة السيد بهيج الخطيب ..الذي كان مديراً عاماً لوزارة الداخلية أطلق عليها (حكومة المديرين )..
عندها حاول شيخنا سعيد إسحق العودة مع عائلته إلى الجزيرة ولكن لما وصلوا مدينة حلب حضر مدير الأمن الفرنسي إلى فندق الحمراء الذي ينزلون فيه وأبلغهم قرار المفوض السامي بمنعه من دخول منطقة الجزيرة .. وبقي مع أسرته في ضيافة جماهير حلب وقادة الكتلة الوطنية .. وبقي تحت المراقبة حتى عام 1940 .. وفي شباط 1940 وصلته برقية بوفاة عمه في عامودة فتوجه إلى محطة القطار في حلب برفقة نسيبه الوطني المعروف السيد " يوسف صبّاغ " للسفر إلى عامودة .. لكنهما وجدا الأمن الفرنسي بانتظارهما ليبلغهما منع سفرهما إلى الجزيرة . ثم أخذو ه إلى السجن ووضعوه في زنزانة ملأى بالمياه القذرة ومهجورة .. بقي واقفاً فيها حتى صباح اليوم التالي .. وفي اليوم التالي أخذوه إلى مدير الأمن العام الفرنسي .. فقام بالحقيق معه عن أسباب سفره للجزيرة .. أصر على منعه من السفر لحضور مأتم قريبه أبلغه أنه تحت الإقامة الجبرية في منزله .. قال شيخنا في الصفحة 30 مايلي :
( وأبلغني أني طليق إلى منزلي لكنني ممنوع من السفر إلى الجزيرة ثم أفرج عني وكان ينتظرني قرب المخفر بعض الوطنيين ومنهم المجاهد الأخ – عبد الباقي نظام الدين – وشقيقه الملازم توفيق . وصهري يوسف صباغ , وعبد الأحد حاجو وغيرهم من الوطنيين ,,فذهبنا جميعاً إلى داري .وأبرقت إلى عامودة معزياً ...)
من المعروف حتى صيف 1941 كانت قوات الإحتلال الفرنسي الموجودة في سورية ولبنان تابعة لحكومة فيشي التابعة للإحتلال النازي لفرانسا بعد استسلام فرانسا بسرعة مخزية للغزاة الألمان وتشكيل حكومة تابعة للإحتلال برئاسة المارشال بيتان ... لكن الجنرال ديغول فرّ مع أنصاره إلى إنكلترا وشكل قوات فرانسا الحرة ودعا الفرنسيين لمقاومة الإحتلال...
تجمعت القوات الديغولية في الأردن بقيادة الجنرال -- كوليه – بمساعدة الجيش السابع البريطاني ...ودخلت سورية في تموز عام 1941 واحتلت دمشق بمساعدة الجيش السابع البريطاني . .. و استسلم معظم الفيشيين وفر قسم منهم إلى لبنان عن طريق جرد صيدنايا على ما أذكر بعدما تمركزوا أمام بستان دير القرية ,, ثم تركوا أسلحتهم الثقيلة من سيارات وأمتعة ومدفع صغير ورشاش كبير من طراز ( هوتشكيس )أمانة لدى بلدية القرية ومخفر الدرك ..
واعترف الجنرال ديغول عام 1942 باستقلال سورية ولبنان , وعين الجنرال كولية باعتباره نائباً للمفوض السامي الفرنسي الشيخ ( تاج الدين الحسيني ) رئيساً للجمهورية وأطلق سراح المعتقلين وعاد المبعدون إلى منازلهم . وهكذا عاد المناضل سعيد إسحق إلى منزله في بلدة عامودة في الجزيرة ...
ناضل الوطنيون ضد رئاسة الشيخ تاج كما ناضلوا ضد حكومة بهيج الخطيب السابقة لأنها غير منتخبة وفاقدة للشرعية وكان الطلاب رأس حربة النضال الوطني ... وعندما جاء الشيخ تاج لزيارة ثانوية التجهيز الأولى ( جودت الهاشمي حاليا ) أعطي أمر لفرقة الكشافة المهيأة لإستقباله بالتحية الكشفية لكن الجميع رفضوا وأداروا له ظهورهم أثناء مروره بينهم – إلى الوراء در – ولم يعتقل أي طالب أو مدرّس ...
كانت منطقة الجزيرة السورية التي يهجر أهلها اليوم من النظام الأسدي العنصري والفاشي ومن قحط الطبيعة الغاضبة ؟؟ كانت في تلك الأيام مصدراً رئيسياً لتموين جيوش الحلفاء على جبهات القتال ضد النازية بالخبز والغذاء لذلك أنشأت القيادة البريطانية والفرنسية المشتركة مصلحة – الميرة – لشراء الحبوب من المزارعين وعدم إخفائها أو تهريب التجار لها إلى تركيا .... وفي عام 1942 كان موسم الحبوب سيئاً بسبب قلة الأمطار ..,لما بدأ ممثلا الجيشين البريطاني والفرنسي بحضور محافظ الحسكة فرض كميات الحبوب المطلوبة لم يجدوا لدى الفلاحين في القرى والنواحي إلا كميات ضئيلة لأن الفلاحين لم يجنوا محصولاً في تلك السنة ... فاعتبر عقلهم الإستعماري ذلك تمرداً ضدهم .. لذلك أبلغوا الوطنيين في الجزيرة بواجب السفر إلى دمشق لمقابلة رئيس مصلحة العشائر وأخذوا الشيخ الوطني دهام الهادي مخفوراً بسيارة عسكرية إلى دمشق,,وسلموه للجيش البريطاني الذي كان يجمع المعتقلين الذين ترسلهم إليه السلطات الفرنسية لإبعادهم إلى الخارج .. لذلك أبعد عدد من الوطنيين المعتقلين إلى فلسطين , ومنها إلى جزيرة ""قمرات "" في البحر الأحمر وكان الشيخ دهام الهادي بينهم ..
أما شيخنا سعيد إسحق ومن معه من المعتقلين حاولوا إقناع الجنرال كوليه – بأن الفلاحين والتجار لم يخفوا الحبوب عن مكتب الحبوب ..لكن القحط والجفاف هذا العام هو السبب لكن دون جدوى ..وقرروا وضعنا تحت المراقبة في فندق أمية وعلينا أن نثبت وجودنا في مكتب المندوبية الفرنسية كل مساء طيلة خمسة أشهر تقريبأً .. ثم أرسل الفرنسيون الكولونيل - فالوي - إلى الجزيرة للتحقيق في قضية الحبوب فعاد بتقرير يثبت عدم علاقة المعتقلين في قضية الحبوب , أطلق سراحهم ..
في الصفحة 35 من المذكرات صورة تذكارية مهمة لثلاث شخصيات وطنية من بناة الإستقلال الوطني .. يعود تاريخها لعام 1943 وفيها الرئيس شكري القوتلي على اليمين – و في الوسط نائب رئيس المجلس النيابي السيد سعيد إسحق – وعلى اليمين السيد سعدالله الجابري رئيس مجلس النواب....
عندما بدت ملامح النصر على النازية تلوح في الأفق بعد إنتصار الجيش الأحمر والشعب السوفياتي العظيم في ستالينغراد وأستسلام سبعين ألف جندي نازي وعلى رأسهم المارشال – فون باولس – وإنتقال الجيش الأحمر من الدفاع إلى الهجوم لتحرير أوربا من قطعان النازية بفضل قيادته الشجاعة المتلاحمة مع الشعب ورجاء القيادات الغربية وفي مقدمتها تشرشل رئيس وزراء بريطانيا من القيادة السوفياتية لإنقاذ جيوش الغربيين المحاصرة في الرين في رسائل موثّقة عن الحرب العالمية الثانية ,,.. بعد ذلك أعلن الديغوليون في سورية ولبنان إعادة الحياة الدستورية للبلاد ودعوة المواطنين إلى إنتخابات برلمانية ديمقراطية في صيف 1943 فازت فيها الكتلة الوطنية وفاو السيد سعيد إسحق للمرة الثالثة نائباً عن منطقة الجزيرة ... ثم إنتخب البرلمان السيد شكري القوتلي رئيساً للجمهورية , والسيد سعدالله الجابري رئيساً لمجلس النواب , والسيد سعيد إسحق نائباً أول لرئيس مجلس النواب ...
يتبع – لاهاي – 4 / 12
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟