|
سقوط شعار -الولاء والبراء- في Starbucks
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3204 - 2010 / 12 / 3 - 17:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-1-
كان "الإخوان المسلمون" هم من نشروا شعار "الولاء والبراء" في مصر، ثم في الخليج العربي، ثم في السعودية على وجه الخصوص. وشعار "الولاء والبراء" شعار ليس غامضاً ولولبياً كشعار "الإخوان" الآخر " الإسلام هو الحل"، الذي لم يلقَ في نفوس الناخبين المصريين هوىً واستجابةً في انتخابات الأمس 2010، كما لقي عام 2005، وأكسب هؤلاء 88 مقعداً، لم تكن كلها باسم "الإخوان" صراحة، بقدر ما كانت تمويهاً وخداعاً باسم مستقلين، لم يكشفوا عن أقنعتهم "الأخوانية" إلا تحت قبة مجلس الشعب. وتلك واحدة من عمليات الغش والخداع، التي يلجأ لها "الإخوان" للوصول إلى السلطة، بأي ثمن، وبأي طريق معوج.
-2-
إذن، كان شعار "الولاء والبراء" منزوياً في ظلمات الفقه الديني/السياسي، فجاء "الإخوان" في العصر الحديث، ونكاية بعبد الناصر وسياسته، في بناء دولة مدنية حديثة، واعتبروه كافراً، لأنه حال بينهم وبين إقامة "الخلافة" الإسلامية، وإقامة الدولة الدينية. وشنق مفكرهم (سيّد قطب) عام 1966، الذي كان يطالب بإقامة دولة دينية. وكانت "المفارقة الكبرى" شنق المفكر الإسلامي السوداني الآخر محمود طه عام 1985، الذي أنكر قيام الدولة الدينية في عهد النميري. وشُنق محمود طه بفتوى من حسن الترابي المراقب العام لـ"الإخوان" في السودان، في ذلك الوقت. وكان شنق محمود طه نكاية بالشيوعيين والمعارضة اليسارية السودانية، واستجابة لـ"الوهم الرسالي" المتمثل بقيام خلافة إسلامية، الذي كان متلبساً حسن الترابي على حد تعبير الكاتب الليبرالي السوداني بابكر فيصل.
-3-
فما هو فقه الولاء والبراء؟
هو - بكل بساطة - الولاء للمسلمين، والبراء من غير المسلمين.
هو إشارة، إلى أن المسلم يحمل جواز سفر أحمر (دبلوماسي) فلا يُوقف عند الحدود، ولا يُسئل. هو القطيعة التامة مع غير المسلمين قولاً وفعلاً ، كما يقول العفيف الأخضر.
وهو عداء المسلمين للكفار. ليس لأنهم يسببون الأذى للمسلمين. وهذا يعني أن من كان مؤمناً، أو مسلماً وألحق الأذى بالمسلمين – كالإرهاب وقتل الأبرياء - فلا بأس عليه. ومن كان نافعاً للمسلمين وجبت موالاته والولاء له. وهذا هو سر عدم تكفير "ابن لادن" حتى الآن، وعدم إصدار فتوى بقتله. فقتلُ ابن لادن وكل زعماء وقادة المقاومة، ما زال قراراً سياسياً بامتياز حتى الآن. وليس ناتجاً عن فتوى دينية، كما هو الحال بحق كثير من المثقفين العَلْمانيين والليبراليين التي صدرت بحقهم فتاوى بالقتل، لمجرد أنهم عارضوا خطاب السلفيين والأصوليين، ومن يحكموننا من القبور الآن، كابن تيمية، وغيره.
-4-
"ابن تيمية"(نسبة لجدته لأبيه، واسمها "تيمية") الفقيه العراقي (ولد في حرّان العراقية) الحنبلي، (1263-1328م) هو الذي شدد على ضرورة رفع الشعار الديني/السياسي (الولاء والبراء). ورفعه في وجه المغول حين غزوا العراق، وفي وجه الصليبيين حين استولوا على بيت المقدس. فكان متحمساً للجهاد، والحكم الشرعي، وإعادة الهيبة، والعدالة الدينية للخلافة. لذا، يعتبر ابن تيمية رائد "الإسلام السياسي" في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. وما زال كذلك حتى الآن، وبعد مضي حوالي ثمانية قرون على رحيله، هو الملهم الديني/السياسي لكل الإرهابيين الدينيين في الشرق العربي والشرق الإسلامي. وهو – في نظر السلفيين والأصوليين - الإمام الذي لا إمام أمامه في الخليج العربي، وبين المتشددين والمتعصبين. فهو إمام التعصب والتشدد الذي يحفر الإرهابيون اسمه على سيوفهم وبنادقهم. ويتبادلون في السر والعلن آراءه وأفكاره في "الولاء والبراء" التي نشرها في كتابه (الفرقان بين أولياء الله والشيطان). وقد سجنه المماليك عدة مرات في سجون دمشق والقاهرة لتشدده وتعصبه إلى أن مات في سجن قلعة دمشق في عهد السلطان المملوكي البحري محمد بن قلاوون (1285-1341م). ونحن كليبراليين ضد ما تمَّ لابن تيمية سجن وتعذيب، وندين بشدة تنكيل المماليك المتعصبين، نتيجة لكيد الفقهاء (أمثال السبكي والهيتمي وغيرهما) المتعصبين والمتشددين من المذاهب الأخرى كالحنفية والشافعية والمالكية، ومعارضتهم لآرائه ومقولاته. والمؤسف أننا الآن - في هذا الزمن الرديء والمالح - نُعيد نصب تماثيل ابن تيمية في ميادين العنف والإرهاب والكراهية والتخلف. ونُحضر من القبور المظلمة شعار "الولاء والبراء"، ونرفعه في زمن ومكان ليس زمانه، ولا مكانه. فقد قام هذا الشعار قبل ثمانية قرون، وكان الأولى بنا، أن نبقيه في إطار زمانه ومكانه فقط، لأنه نتاج ومحصلة ذلك الزمان والمكان، ثم نودعه متحف الشعارات الدينية/السياسية التراثية.
-5-
عاش ابن تيمية (صاحب "الولاء والبراء") في القرن الثاني عشر الميلادي، ورحل في بداية القرن الثالث عشر. وفي هذه الفترة تتابعت الحملات الصليبية التسع (1096-1291م) وهي حروب سياسية واقتصادية، قبل أن تكون دينية. وألحقت الدمار بالمسلمين وأوطانهم.
أما ما أورثنا إياه ابن تيمية من عوائق حضارية، ومن مطبات وأخطاء لتطبيق شعار "الولاء والبراء"، فكان أهمها تحريم استخدام الرأي والعقل في فهم القرآن. كذلك حرّم ابن تيمية ( كما جاء في مجموع فتاويه ج28، ص 199-201) كل ما هو مخالف للكتاب والسُنّة عند غير المسلمين. والأنكى من هذا، أن شعار "الولاء والبراء" حرّم الاحتفال بالمولد النبوي، واستخدام التاريخ الميلادي. ولو كان ابن تيمية بيننا اليوم لحرّم ركوب السيارة، والقطار، والطائرة، والحمار الآلي!
-6-
يقول ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم"، داعياً إلى القطيعة التامة مع غير المسلمين: "لا نقلدهم حتى فيما فيه مصلحة لنا، لأن الله إما أن يعطينا في الدنيا مثله أو خيراً منه، وإما أن يعّوضنا عنه في الآخرة."
وهذا في رأي العفيف الأخضر ذروة الرُّهاب (فوبيا) الهستيري من تقليد غير المسلمين، وشكلّ منذ ظهور الحداثة، عائقاً أعاق الوعي الجمعي الإسلامي من استقبال الحداثة الأوروبية بما هي "تقليد للكفار" الذين اخترعوها. ويقول العفيف الأخضر، أن من يقرأ فتاوى الفقهاء منذ القرن الرابع عشر الميلادي، يجد أن جزءاً لا يستهان به مكرساً لتحريم "مستحدثات" الحداثة اللباسية، أو الغذائية، أو العلمية، والتكنولوجية. فمثلا حرّم فقهاء مصر سنة 1511 م القهوة بما هي "بدعة"، وجددوا تحريمها، نظراً لإقبال الصوفية عليها، سنة 1533م. وأخيراً وقّع السلطان العثماني بنفسه سنة 1548 م فتوى تُحرّمها.
طبعاً، شيء مضحك ومثير للسخرية، هذا الذي نقرأه الآن. ولكنه في ذلك الوقت كان التزاماً دينياً صارماً. كما هو اليوم إطلاق اللحى، وقص الشوارب، وارتداء الحجاب والنقاب، للتميز كمسلمين وعدم تقليد كفار هذا الزمان. علماً بأن كفار هذا الزمان يشربون معنا القهوة، في "Starbucks" التي انتشرت مقاهيها في كل مكان من العالم الإسلامي الآن. ولكن بعض فقهاء الخليج العربي ردوا علينا، بأنهم لا يشربون قهوة "Starbucks"، وإنما يشربون القهوة العربية/الإسلامية المُرَّة، تطبيقاً لشعار "الولاء والبراء"..! أودعكم بكثير من الألم وقليل من الأمل..
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية وسيلة الخروج من قضبان الإرهاب والفساد
-
هل الديمقراطية عصيّة في الخليج العربي؟
-
هل سنشرب دجلة أو الفرات قبل ولادة العراق الجديد؟
-
أفكار الليبرالية الجديدة بعد خمس سنوات
-
دعونا ننتظر ماذا سيحدث في العراق
-
ضرورة تنجيد الليبرالية
-
لماذا يركع -العرق الجديد- الآن تحت قدمي خامنئي؟
-
لماذا نمنع المتاجرة بالشعارات الدينية؟
-
كلنا أرهابيون!
-
ما حاجة العراق للساعدين العربي والإيراني؟
-
لماذا إثار إيران بإعمار العراق؟
-
استحالة قيام الدولة الدينية
-
لماذا ترفض إسرائيل الآن السلام العربي
-
نقد ايديولوجيا ثورة المعلومات والاتصالات
-
كيف نضبط ظاهرة الشبق السياسي العربي
-
لماذا منعت مصر شعار -الإسلام هو الحل-؟
-
ما ثمن بقاء الزعيم على كرسيه مدى الحياة؟
-
كارثة القطيعة العربية لمدنية العالم وحضارته
-
لماذا كان السلام الدائم خرافةً ووهماً؟!
-
أعيدوا الانتخابات لكي تحسموا الخلافات
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|