عندما ندم الله.. (25) الأخير

وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3203 - 2010 / 12 / 2 - 15:25
المحور: الادب والفن
    

عندما ندم الله..
(القسم الخامس والعشرون)
في الرأس منطقة رخوة
يخرج منها عمود دخان
يخترق أحجبة السحب
ويوغل في المجهول..
في الرأس أسئلة.. أوبئة
لما تنزل للأرض بعد..
الأرض غمام..
يستلقي فيه الموتى
كما في حمامات الساونا
في الأرض مناطق لا يدخلها
الوعي ولا يخرج منها (حسّ)
أغمض عينيّ شديداً
كي أتوارى.. وارا..
وراء الأشياء وأمضي..
أتلصص من ثقب حجري دامٍ
ماذا يفعل إليشيا * في مخبأ راحته
*
تسقط آلهة من حجر
تنهض آلهة في الأرض أكثر منها
آلهة من خشب أو كلمات
ألسنة تتطاول.. تلحس.. تلعق.. تبلع
ألسنة من نار أو من ظلمة
أو محض غبار ذري يدمي الأعين..
يتساءل طفل البشر المغضوب عليهم
من يخطيء مرة..
أما يخطيء أثنين..
من يكذب مرة.. أما يكذب أثنين..
من يسرق.. من يقتل مرة..
أما يفعل أثنين وأكثر
ألله وأكبر..
نسبة الصح إلى الغلط
واحد إلى أثنين..
نسبة القفلة في الدومينو
واحد إلى عشرين..
في نظرية الاحتمالات..
ما لا نهاية
ماذا يوجد خلف شاشة السينما
خلف سكرين اللاب توب
خلف عدسة العين..
سراب أم تشويش
ذرات تتلاطش في كل اتجاه..
أترك بابك مفتوحا..
في الليل سيجيء اللص..
حاول أن تبقى صاحيا..
أن تعد القهوة ساخنة..
ومن الأفضل لو كان لديك
حساء ساخن أم حلوى طرية..
أترك أذنك مفتوحة
فلعل ثرثارا أو الفارغ
لا يجد أحدا يسمعه
واغمض عينيك.. اغمض
عينيك كثيرا حتى لا تكشف سوءات الناس
فما أكثر سوءات الناس بهاته الأيام
ما أكثر سوءات المتزاحمين على أبواب المال
وأعتاب الحكام
أغمض عينيك وسامحهم
أغفر لهمو..
من أجلهمو صلّي..
صلّي من أجل الشرّ..
يتساءل طفل البشر..
أن كانت الأرض على سعة..
والماء أوسع أكثر
لماذا ينحشر الناس جميعا
في أوعية المدن كقطع الصابون
أو أعواد ثقاب متلاصقة في السجن
أو محشر فيران
ألم يخرج يوحنا* للبرية..
ألم يخرج بوذا*..
أستغرب هذا التكرار اليومي
لأيام عشناها..
وسنوات أحصيناها..
وأكلات جربناها..
وكلمات ماعت من فرط التكرار
والأخطاء النحوية..
وأمراض ما زالت تطاردنا..
تكرار وصايا ما زلنا نعصاها
كي نعظ سوانا منها.
ولا نتعظ..
ما زلنا نؤمن بسياسات وعقائد
لم تثبت صحتها..
تخرج المرأة ألبوم صورها
في وسط الشارع..
تتأمل فيها.. تفرح..
يتدافعها المارة..
تتملى صور الأطفال..
وتقرر أن تنجب أكثر..
عندما ينزل العقل للبطن
ترتفع التفاهات في مقام الحقائق
وتنحط الحقائق في الأقبية
حين تستدير الخليقة نحو وراء
يصير ابن آدم فأرا
ويتكاثر في الجحور
من يبني بيتا ينشئ فيه مرافق وحمامات
من ينشئ مدنا يجعل فيها سجونا وجلادين
من يخلق هذا الكون..
يؤثثه بجحيم أبدي
يدفئ برد الأزلية!.
*
ثلج.. ثلج
نزل الثلج..
غطى العشب الأخضر
صبغ المداخن والمقبرة
وأخفى المرج..
ثلج.. ثلج..
بياض.. بياض
يغطي كلّ شيء!
*
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
• إليشيا في النص هو لفظ عبري لاسم النبي إيليا الذي عاش في أيام الملك أخآب وزوجته ايزابيل، أحد ثلاثة لم يشملهم الموت إلى جنب أخنوخ ويسوع، وقصته في سفري الملوك والأيام. وإسم إيليا مقتبس من (إيلي) أي العالي فوق الكل أو العليّ.
• يوحنا المعمدان ابن زكريا وأحد تجسدات روح إيليا بحسب إشارة يسوع المسيح.
• بوذا : يعتقد أنصاره أنه عاش في القرن الخامس قبل الميلاد في شمال الهند، تنسك واعتزل الحياة للتأمل حتى بلغ أرقى مراتب الحكمة وكان له عشرة من الحواريين، تم تدوين سيرته ووصاياه لاحقا، يعتبر مؤسس الديانة البوذية التي من أهم مبادئها نبذ العنف والايمان بتسامي الفرد.
• كتب النص بين أواخر أوغست وآخر نوفمبر من العام 2010
• تم نشر النص متدرجا بحسب كتابته في مجلة الحوار المتمدن الالكترونية وموقع دروب الالكتروني.
• رغم الرموز والاشارات الكثيرة لم يشأ الكاتب ترهيله بالحواشي والشروحات الكثيرة.
• يشكر الكاتب جميع المعلقين والقراء ويعتز بهم مهما كانت اتجاهاتهم.
• (عندما ندم الله..).. نص طويل يشكل الجزء الثاني لنص (منفيون من جنة الشيطان) الصادر عن مجلة الحركة الشعرية عام 2003 ، ذلك لمن يعنيه الأمر ، مع التقدير!
• شكر خاص لمؤسسة الحوار المتمدن التي نشرت النص كاملا وبتعاون كامل، ويسعدني أن يترافق نشر فصوله مع خبر حصول الموقع على جائزة ابن رشد لحرية التعبير (26/11/2010).

#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات