|
نحو الأداء الأمثل لمهام السلطات الثلاث
صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3199 - 2010 / 11 / 28 - 10:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
برغم أن النظام الديمقراطي يقوم على أساس فصل السلطات، ونعني بذلك السلطات الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، فان العلاقة تظل قائمة بين تلك السلطات، لأن الغرض من وجودها في ذلك النظام، هو تحقيق الأفضل لجماهير الشعب، التي هي الأساس في انبثاق تلك السلطات، عن طريق الانتخابات، التي تمثل الركيزة الرئيسة في النظام الديمقراطي، إذ أن الإبقاء على الفصل التام في السلطات، من دون محاولة إنشاء أي وشائج بينها، سيعوق عملية التطور، ويعرقل مشاريع القرارات التي تسن من السلطة التشريعية، والتي ينبغي أن تجد منافذ لتحقيقها بالشكل الأمثل. ويعطينا مثال المجتمعات الأوروبية، ابرز الدروس على الأسلوب الأفضل في الاستفادة من كلا الأمرين، أي التمسك بمبدأ فصل السلطات وتعزيزه من جانب، وإقامة أفضل الوشائج والجسور بين مكونات تلك السلطات من جانب آخر. معظم دول أوروبا التي يحكمها النظام الديمقراطي حاليا، كانت تعيش في الماضي في ظل أنظمة استبدادية، السطوة فيها للفرد، وجرى فيها تعظيم السلطة التنفيذية، الممثلة في الرؤساء ورؤساء الوزراء والملوك والأمراء على حساب السلطتين الأخريين، التشريعية والقضائية، ولم ينبثق حينذاك أي رقيب على عمل السلطة التنفيذية التي كانت تتصرف على هواها في جميع الأحوال، ولذلك كانت أوروبا سببا في اندلاع حربين عالميتين كبيرتين قتل فيها عشرات الملايين من الناس، قبل أن تستقر بلدانها لتفصل بين السلطات وتآخي بين وظائفها في الوقت ذاته. أما في بلدان العالم الثالث، ولاسيما في بلداننا العربية ـ مع استثناءات قليلة ـ فيأخذ شكل ووظيفة السلطة التنفيذية هيئة وحش مرعب، تخشاه الناس، وتفزع من قوة أياديه و مخالبه، ويدرك المواطن أن عليه أن يبقى في حذر دائم وتوتر مزعج يهدر كرامته، إذ تقتحم عليه إجراءات السلطة التنفيذية المطلقة ـ وهي التي تشرع و تقاضي في الوقت ذاته ـ جميع جزئيات يومه، بل حتى انها تداهمه في خلوته في داخل منزله وأمام أسرته. ولقد كانت لنا في العراق تجربة مريرة بهذا الشأن، في ظل الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراق، والتي أمسكت بيديها بكل شيء، حتى مصائر الناس وأرواحهم، الأمر الذي تسبب في موت الناس ودمار البلد. لقد كنا نأمل من التغيير الكبير الذي جرى بعد سقوط النظام المباد، أن يفتح افقأ جديدا في العلاقة بين السلطات، وبالفعل فلقد تشكلت السلطات الثلاث المعبرة عن النظام الديمقراطي بوساطة الانتخابات. فإلى أي مدى نجحت تلك السلطات في تأدية مهامها وفي التفاعل مع السلطتين الأخريين؟ لقد رأينا في أثناء تجربة السنوات السبع منذ إنشاء الجمعية الوطنية ووصولا إلى مجلس النواب الحالي، ان هناك ازدواجاً في المعايير، إذا جاز لنا القول؛ إذ ظهرت عملية التعاون بين جانبي التشريع والتنفيذ متناقضة في أحيان كثيرة، ففيما يتعلق بقوانين رأى النواب انها تتعلق بترتيب أوضاعهم الشخصية، جرت عملية إقرارها بسهولة، وتبنت السلطة التنفيذية الممثلة بالرئاسات وبإدارات الدولة تطبيقها بحذافيرها و على الفور من دون تأخير. أما القضايا المتعلقة بقوانين أخرى ترتبط بفئات أوسع من السكان، فجرى المماطلة في إقرارها والتأجيل المتكرر لها، ومن ثم تعطيلها وترك الجزء الأعم منها الى دورات البرلمان المقبلة. وعلى سبيل المثال، فان دور السلطة التشريعية المسؤولة عن مراقبة الأداء الحكومي، لم يكن فاعلا، وكان يتسم في كثير من الأحيان بالمجاملة، لحسابات سياسية وشخصية، ما تسبب في العجز عن متابعة قضايا الفساد، وإهدار المال العام وسرقته، وفي هذا الصدد جرت التغطية على وزراء فاسدين، نهبوا الأموال في صفقات مشبوهة كان الأساس من عقدها خدمة الصالح العام ولكنها جيّرت لأغراض شخصية، كما لم يجر التعاون بين السلطتين التشريعية والقضائية بصدد بعض القضايا التي أثيرت، ولم تجر محاسبة المفسدين، من قبل السلطة القضائية في أثناء وجودهم في وزاراتهم الى أن تركوها، بعد انتهاء ولايتهم وغادروا البلاد مع ثرواتهم. وهناك كثير من القوانين التي لم تفّعل برغم إصدارها، لغياب التعاون والتنسيق بين السلطات. وسنذكر منها على سبيل المثال قانون الاستثمار العراقي الذي صادق عليه مجلس النواب في عام 2006 اذ برغم إقرار ذلك القانون وكذلك التعديلات المتعلقة به، لم تجر عملية تفعيله لحد الآن، كما ان التشريعات المتعلقة به خضعت لاجتهادات الأجهزة التنفيذية في المحافظات، ممثلة بحكوماتها المحلية والتي تفتقد الكثير من حلقاتها الى الخبرة المطلوبة لإدارة العجلة الاقتصادية، كما ان المصالح الشخصية كانت حاضرة كرة أخرى لتعطيل تنفيذ التشريعات ولحرمان البلد والمواطن من فرص التقدم والتطور. أما قانون حماية الصحفيين فحدث و لا حرج بشأنه، ولك أن تتصور أن المطالبات بشأن إقراره، كانت تثار منذ عدة سنوات، ولطالما رأينا مواقف لنواب تصر بقوة على إقراره، غير أن السلطة التشريعية لم تمتلك الجرأة على مناقشته وإقراره، برغم أهميته، لاسيما بعد أن دفع كثير من الصحفيين حياتهم وهم يؤدون واجبهم الصحفي من دون ضمانات حياتية ومعيشية تليق بهم. وغير هذين القانونين ثمة الكثير الذي يعكس حالة التشرذم و عدم فاعلية الإجراءات المتخذة على صعيد السلطات الثلاث للدفاع عن المواطن وحقوقه. أردنا القول ان علينا ان نستفيد من حسنات النظام الديمقراطي المتعلقة بفصل السلطات كي ينأى الجهاز التنفيذي بنفسه عن الاستبداد، وكي نحترم حقوق المواطن وكرامته، وان نعمل في الوقت ذاته على الارتقاء بأواصر التعاون بين تلك السلطات ما دام هدفها هو خدمة الوطن والمواطن.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فوضى السياسة العراقية
-
مدخل لتقويم وضع التيار اللبرالي وغياب دوره في السياسة العراق
...
-
(كابينة) الحكومة المقبلة .. هل تحل مشكلاتنا؟
-
عن التشكيلة الحكومية المقبلة .. مقترحات بصدد الوزارات
-
سباق الموت والتأجيل
-
التهرب من استحقاقات عقد الجلسات
-
محادثات لتشكيل الحكومة أم دوران في حلقة مفرغة؟
-
البطالة مصدر للتوترات الاجتماعية و السياسية
-
الخارجية العراقية وحاجة المواطن إلى الانفتاح على العالم
-
زيارات المالكي لدول الجوار وحاجة العراقيين الى الاستقرار
-
بعيداً عن الوطن قريباً من الإقليم
-
تقسيم العراق هل هو البديل الأمثل عن الوضع القائم؟
-
دعامات القسوة وأزمة الإنسان في العراق الجديد
-
معارضة برلمانية قوية .. هي المدخل لاستقرار العراق
-
مغاليق السياسة ومفاتيحها
-
هل ينفذ مجرمو الآثار بجلودهم؟
-
الانسحاب الاميركي .. فرصة لإنقاذ ما تبقى!
-
حكومتنا المستحيلة
-
أيهما الأولى .. تعديل الدستور أم إعادة الانتخابات؟
-
نظرة في القوانين السائدة
المزيد.....
-
-المعادن النادرة مقابل المساعدات العسكرية-.. ترامب يكشف ملام
...
-
الاتحاد الأوروبي يستعد للمواجهة بعد تأكيد ترامب فرض رسوم جمر
...
-
ترامب يطالب أوروبا بزيادة المساعدة لأوكرانيا
-
-بوليتيكو-: قلق كبير يعيشه نظام كييف إزاء تقارب المواقف الرو
...
-
السعودية واليابان توقعان مذكرتي تفاهم حول إنشاء مجلس الشراكة
...
-
-رويترز-: الولايات المتحدة تستأنف ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا
-
-Senego-: فرنسا تبدأ في سحب قواتها من السنغال
-
الرئيس الجزائري يندّد بـ-مناخ ضار- في العلاقات مع باريس
-
عشية زيارته إلى تركيا... الشرع يؤكد أن تنظيم انتخابات في سور
...
-
النائب الجمهوري في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون يدعو إلى ق
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|