|
المثقف النظير ، الشاعر النظير ، الصعلوك النظير .. إلخ
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 3198 - 2010 / 11 / 27 - 22:50
المحور:
الادب والفن
تجد نفسكَ ، فجأة ، مدانا بتهمة ، في أفضل الأحوال ، ملفقة ، لكن رائحتها تعط من خلال جملة، يشع ظلامها في قلبٍ كنتَ تحسبه أبيض مما ينبغي . أنتَ المصاب بحمى المحبة ، المصرّ على أن يكون صباحك مغسولا ببحة الرخام في صوت فيروز ، غصبا عن الانفجارات والموت والخراب : أنتَ الذي تتوسد الفاقة ككنز نادر ، تتنقل بين تيجان الاغاني ، وتعانق الويلات بقلب عامر بالأمل . أنتَ الموصوف بالضعف لفرط الطيبة : لكن .. لأنك هكذا تعتقد الأمر غريبا ، ناسيا أنكَ تعيش في الغابة ، وإن كان هاجسك يرفرف خارجها أبدا : هل فكرتَ بأن الطعنة ضرورية ؟ ليس من أجلك على الأقل ، وانما ليؤكد لكَ مـَن كنت تحسبه أبيض القلب أنكَ واهم ، فما صاحبكَ هذا - مع باقي الأفيال - الا قطعة من السخام : الناتج الطبيعي لبنية الادعاء التي تتحكم في سلوك المثقف النظير ، الذي يلعب دور اليساري على الورقة ، ويعيش كأي آكل للحوم للبشر في الحياة : لـِمَ الاستغراب ؟ أليست هذه طروحتك التي لم تكملها ، مستسلما لكسلكَ الملائكي ؟
لقد كان حريا بكَ ، منذ زمن طويل ، أن تضع النقاط على الحروف ، قافزا على الأسماء التي يلـّمع حذائها النقد الاخواني والاجتماعي ، فاضحا تلك البنية المهلهلة ، التي لم تتوقف بعد عن تخصيب نشاطها في اخوانيات شاعر من نوع هذا الذي تحوّل الى راسبوتين معاصر ، جامعا المحضيات الضحايا الساذجات والغبيات ، من حوله ، في مدن الشبكة العنكبوتية ، لاعبا دور المبشـّر بالنور والزقزقة ، والمناهض للخراب : المناصر لحقوق المرأة : الشاعر بالقوى التي تدمر الانسان .. وكم طريفا أن يكون هو في الطليعة ، وأنتَ في آخرالموكب ، لأنها الحياة ، ولأنه اكثر دراية منك ، فهو جزء من الماكنة التي تدمر وتخرّب الجمال في الانسان ، من خلال اللعب بالكلمات :
إن من بين أخطر الكائنات على البشرية يقف في المقدمة الكائن السياسي الذي ينتج كلاما ، ولا يحوّله الى معطى عملي ، الى جانبه، الى جانب هذا الكائن المسخ ، وبنفس الخطورة ، يقف " الشاعر النظير " الذي ينتج كلاما لامعا ، يبقيه في حيـّز القاموس الشعري ، الذي تحول الى متحف مفتوح ، لايستقبل الا هياكل عظمية لديناصورات معاصرة ، جاهزة ، في أية لحظة ، لأن تثب من موتها المزيف الى حياتها المزيفة : فهذا النوع من " الشعراء " من الممكن أن يكون في طليعة المناهضين للحرب ، بالتوقيع على ورقة احتجاج ، هي ورقة انتساب الى حرب اخرى ، ضد الموّقعين على نفس الورقة ، في اقرب فرصة : من الممكن جدا أن يكون هذا " الشاعر " على رأس منظمة لرعاية الطفولة مثلا، فيما هو يمارس مع اطفاله العنف الاسري . من الممكن أيضا أن يكون هذا متجليا في كاتبة أو كاتب ينادي بحرية المرأة وبحقها في الزواج والحب والعمل ، ولكنه يمارس مع بناته دور الطاغية : الدكتاتور الصغير ، في داخله ، الذي لا يعتاش إلا بممارسة دوره الأثير : خطاب رنان بالرفاهية ، من شاشة التلفاز ، وسجون واقبية ، وغرف سرية لاعتقال الحرية : حرية المرأة بالزواج والحب والكتابة .
الاعتقال الاسري هذا هو من صلب العبودية المتأصلة في هذا المثقف ، أو ذاك الشاعر : فلا تستغرب منه ان يعتبرك متصابيا إن كبت قصيدة حب ، وهو يترنم ، للمفارقة ، بإغنية حب لفيروز التي تجاوزت السبعين عاما من عمرها : خلط الأوراق بغباء موهبة شائعة ، و هي احدى ميزاته ، ولكن هذا الخلط لا يأتي إلا ليعتقل الاسرة بكاملها ، فهو لا يستطيع أن يبسط سلطته على الجيران !
لاتناقض في الأمر ، فقد نشأ أمثال هؤلاء المثقفين في مجتمع منع عليهم التفكير بشكل حر ، وتلقوا دروسه الثورية من خلال الاحزاب الشمولية ، ولذلك هم مع اليمين ساعة اليمين وفي اليسار ساعة اليسار : يأكلون من مائدة بينوشيت في الظهيرة ، وفي الليل يسكرون مترنمين بأغان فيكتور جارا.
المثقف النظير صديق الاثنين : تروتسكي ، وحامل الفأس الذي سيحز عنقه ، ولديه من المهارة لأن يرثي الاثنين بقصيدة تحمل نفس الحرارة والدفء . من المحتمل جدا أن يكون هذا هو الـ" سوبرمان " النيتشوي المزيـّف ، الخارج من جحود العقل ، لا من رحابة الفلسفة ومعطفها الذي لا يستر عري الحقيقة : هذا النوع من " منتجي الكلام " هو المطلوب ، المرغوب ، والمفضـّل ، عند رعاة الخراب ، في كل العصور ، فهو المرشح الأفضل لأن يلعب دور سبارتكوس ، الذي سيحرر العبيد ، من أجل اغتصاب زوجاتهم ، في جمهوريته الفاضلة .
إنه فائق القدرة ، وباستطاعته أن يتجشم عناء الافكار ليقدم لك باقة من اجملها وانبلها ، وليس عجيبا أن تسمع منه كلاما ما لم تقله ، لأن لديه القدرة على استقرائك حتى قبل أن تنطق ، فهو يعمل في منطقتك ، يرفع رايتك ، سوى أن باطنه منجم للفحم ، وباطنك منجم للدرر ، ومن هنا يبدأ القتال الصامت : الصراع الخفي القديم بين ما هو عضوي وماهو متفسخ .
هذا المثقف اخطر من الاصولية الدينية ، لأنه أكثر وعيا منها باعتماده ستراتيجية الخفاء والتجلي : الخفاء الذي يغطي عقيدة جامدة لا تقبل أي حوار مع الآخر ، والتجلي الذي يعلن عن استعداد مفتوح للحوار مع الآخر : لكنه حوار لا غير ، لأنه يبقيه في حيـّز النواة الباردة - حسب تعبير المفكرادغار موران - التي لاتقبل التفاعل مع اي منتج حار : وللطرافة ايضا .. وربما لزيادة البؤس ، لاتستغرب منه أن يكون متشبثا بأذيال شاعر حقيقي : بوهيمي وصعلوك لن يتكرر ، مثل جان دمو ، فهو - أي الشاعر النظير - لابد من أن يلعب هذا الدور ، متخذا تسمية اخرى هي " الصعلوك النظير " : إنها الفضيحة ، فهذا النوع من " الصعاليك " يمكن أن ينام على الرصيف ، أو أن يتعلق بأغصان الحدائق كبلبل مشرّد ، ليس لأنها طريقة في الحياة ، تكشف عن رؤيا باطنية للاشياء ، وإنما لأنها مسلك نحو الأضواء ولفت الانتباه ، سيجذب اليه الدعوات لمهرجانات العهر الشعرية كمتمرد يتمرّغ - يا للمفارقة - بين يدي مضيـّفيه ، حيث هناك يمكن أن يحصد الجائزة من هذا المهرجان أو ذاك ، ليعلقها كوسام على صدره ، كأي عروة بن الورد ، لكن المزيف ، والمنقطع الجذور عن كل السلالة النبيلة التي انتجت ظاهرة الصعاليك في التاريخ الانساني كله . لأنه هكذا : لأنه بلا أصل فلابد من أن يلقي عليكَ أثقاله ، فإذا كتبتَ ملاحظة أو دراسة عن شاعرة ما ، فسـّر ذلك بدونية ، هي تجل لكبت تراكم في اعماقه ، نتيجة عيشه القسري والاختياري تحت ثقل العوق الروحي والنفسي، الذي فرضه عليه ثالوث الحزب / العائلة / المدرسة ، فلم تفلح حتى ثقافته اليسارية من كشط أطيانه ، لأنه يقرأ لا ليتمثل ما يقرأه ، وإنما ليردده كالببغاء هنا وهناك : هكذا ستجده لايلتفت الى ماتقوله عن مبدعة قد رحلت عن الحياة مثلا ، فهو أمر لايستفزقذارته :الاحياء من المبدعات هو كل مايعنيه ، ولتذهب سافو او آنا اخماتوفا الى الجحيم ، كما أنه لا يكترث لشاعر كرينيه شار ، ليس لأنه ميت ، وإنما لأنه رجل ، فليس ثمة رقة - كما يعتقد هذا النوع من الفحول - في شاعر كجاك بريفير أو سان جون بيرس ، قدر مايعتقد ان الرقة التي تحرّك وتداعب خياله المريض موجودة في المرأة المبدعة ، التي يفصـّل جسدها حسب غرائزه ، وهو يقفز بين السطور كأي ثعلب ، باحثا عن العنب ، فإن حدث وكشفتَ عن جوهر لم تفلح مجساته الصدئة في اكتشافه ، اتهمك بالمجاملة ، وفي أفضل الاحوال ترك ما تقوله ، وتوجه بمعوله النقدي لتهشيم ذلك الجوهر ، زاعما انه هذيان أو يأس ، ناسيا - هو الفلتة - أن الهذيان ، أو التداعي الحر هو أخطر انتاج في عصر لايقين فيه ، وأن اليأس لايعني الا الصدق في الاحساس أزاء الاشياء ، خاصة بعد أن استفحل أمثاله بتصديرهم لتفاؤل مزيف ، هو نسخة مصورة من زيف وجوده كله ، ومن زيف حياة ثقافية قائمة على الفحولة ، لازالت تنظر الى ماتنجته المرأة بعين عوراء ، لاترى فيها سوى حفنة انفعالات طارئة ، فالإنفعالات الخالدة - حسب هؤلاء الجاهبذة - خاصية رجالية ، مادام الرجال قوامين على النساء ، حتى في الكتابة !
كم رغبتَ أكثر من مرة أن تكتب عن هذه التجربة او تلك ، التي تخص مبدعات ، لاتعرفهن شخصيا ، لكنك وجدتَ ذاتك فيهن ، وجدت أنهن شريكات لك في محنة وجودك ، أو وجدت نصفك الضائع في لواعجهن ، وكم ترددتَ ، وتراجعتَ ، ليس خوفا من هذا الفحل أو ذاك ، وإنما تحاشيا لوضع من أحببتَ عملها في موقف لايحسد عليه ، فالنشر المجاني اللامسؤول على شبكة النت ، أتاح للطارئين على العملية الابداعية أن يمارسوا هوايتهم في نهش أعراض الناس علانية ، بوجود مواقع تعلن عن نفسها انها تدعو لثقافة التسامح ، فيما هي مختصة بنشر غسيل الحروب القذرة ، وقد حدث لك ذلك في موقع مشهور ، عندما كتب أحدهم مايشبه الاعلان أو الدعوة لسفك دمك ،مع نشرصورتك ، لأنك فضحت مجموعة من هؤلاء المثقفين بالاشارة ، وليس علنا .. كم أردتَ أن تجري حوارا غير مألوف مع تلك المبدعة أو هذه القاصة ، وتراجعتَ في الاخير ، حتى بعد أن اتفقتَ معها : تراجعتَ متحملا ما قد يدور في ذهنها من تصور سيء عنك : لكن ان تكون أنتَ السيء افضل ، من ناحية الفروسية ، من أن تكون هي السيئة بعد نشر الحوار : هكذا فإن مشاريع كثيرة تتعطل ، وهكذا أنتَ مجبر على الظهور بمظهر لايليق بك : ربما من اجل ذلك لم تعد تعلق على ما تكتبه تلك الزميلة أو هذه الصديقة بعباراتك المجنحة المعروفة عنك ، لئلا ينصرف تعليقك الى غاية لم تقصدها ، كما حدث اكثر من مرة ، تحت ايحاء فحل من اولئك الفحول ، كانت امنية عمره هي ان تكتب عن انتاجه كلمة واحدة في يوم من الايام .
هكذا أيضا إن لمعتَ وسط الظلام عدّ ذلك مدفوع الثمن ، وأنك لابد وأن رشوتَ الناقد الفلاني او العلاني ليكتب عنك ، وفوق ذلك فهو مستنفر قواه الى أبعد حد ، حتى في تسفيه وتفنيد كلام قاله عنك يوما من الأيام ، ولعلك تسأل : ما السبب ؟ والجواب بسيط وعميق : لأنك تعمل كهاو ، وتنتج حسب الخبرة ، أما هو فيكتب بحسب العادة ، لاغير .
إنه الاخطبوط والاعيبه لاتنتهي عند حد : إن اكتشف أنك صديق لهذا او ذاك سبقك اليه ، هاشا باشا ، كأي خادم مطيع ، من أجل أن يبني جسور القطيعة : إنه يقرأ كل شيء بلعابه : مامن صحيفة تعمل بها الا وكاتب رئيس تحريرها محذرا إياه من صعلكتك ، بل ومن معاداتك لنهج صحيفته : مامن فضائية تعمل فيها الا و رشّ في طريقك عبوات تلفيقاته الناسفة ، مامن اذاعة تدخلها الا وقد وجدت منه ورقة توصي بطردك : وفوق ذلك كله فهو سرعان مايقتحم عزلتك مواسيا حظك العاثر : إنه ليس العدو بعينه ، بل العدو ، والعدو النظير أيضا ، بعد أن ولى زمن العدو الفارس ، وحل محله زمن العدو الجبان .. هناك أيضا تفاصيل مرّة ، لو توسعتَ في المكاشفة ، فأنتَ لاتكتب من أجل أن تجذب اليك حفنة من المعجبين أو المعجبات : أنتَ تكتب من أجل أن تساهم في بناء عالم افضل ، كما تراه ، ولم يكن هاجسك يوما ليذهب نحو الانخفاض حد توقيع بطاقات المعجبين ، فالشاعر غريب حتى وسط عائلته ، وهو بين احضان حبيبته ، بل وغريب حتى عن نفسه ، لكنك مجبر على أن تلبي الفرح لهذه او تلك ، لأنك قررت أنك انسان قبل ان تكون شاعرا ، مبتعدا عن اعتبار نفسك - كما هو شائع - كائنا فوق تاريخي : أنت تحب وتكره وتزعل وتبكي وتضحك ، كأي كائن بشري ، وعندما تقتحم حياتك امرأة ما ، كبيرة أو صغيرة ، أو عندما يقتحم حياتك كائن بشري آخر - بالمعنى الاعم - تجد نفسك مجبرا ، بحكم كونك انسانا ، على التعامل معه على قدر اقتحامه لحياتك ، وكم مرة حصل وإن تلقيت رسالة حب أو عشق من هذه أو تلك ، ووجدت نفسك مربكا ، فأنت اكثر الكائنات - كما تزعم - التي تريد ان تحول الكلمات الى معطى مادي ، فكيف تتصرف ؟
اتوقف هنا عند حادثة حصلت لكَ ، من بين مرات عديدة ، عندما وجدتَ نفسك محاصرا من كل جانب بها ، مستغربا من أن ذلك يحصل بسرعة ، وقبل الاوان ، فما تكتبه لا يعنيها ، بل لايعني أي امرأة في الكون ، سوى امرأة موجودة في خيالك فقط ، لكن " النظير " لابد من أن يتدخل ، فيوحي لها أنك تخصها وتستدرجها الى منطقتك الحرام ، وكأنك في حرب : لا اعرف أي شيء فيكَ يجعل منك خصما لهذا أو ذاك الى هذه الدرجة ، فأنا أحفظك عن ظهر قلب ، وأعرفك كما يعرف الطفل أجفانه ، فلستَ تحمل اي قدر من الكراهية حتى لهذا النظير ، لأن الكراهية مكلفة كما تلقيتَ ذلك من معلمك الاول، في بداية دخولك مدرسة الحب ، وأكثر ما يجعل الامر غريبا عليك أن يصدر مثل هذا التخصيص من " شاعر " يدعي أنه " صعلوك " وأنه غيرمرتبط بأي مؤسسة ، وكأن الكراهية ليست مؤسسة ، خاصة عندما تعتمد ستراتيجية النبش في حياة الناس ، والتلصلص على حميمياتهم .
لقد كتبتَ مرة عن ذلك ، في ذلك الزمن الأغبر ، حين كان بعض (( الصعاليك )) الذين عرفتـَهم ، قد انكشفوا امام عينيك كحفنة من الكحوليين لاغير ، ومع ذلك لم يبارحك الاحترام لهم ، فهم يتعلقوا بأذيال أي مؤسسة ، حتى مؤسسة المعارضة المناوئة لصدام ، رغم مناطق البياض فيها : كم لاحظتَ أن " الصعلوك النظير " هذا بلا إرث ، وكأنه الفراغ الذي يتخندق حول الفراغ ، في معركة وهمية ليس لها أول ولا آخر ، وكم قاربتَ بين خيارك في أن تكون هامشيا وطارئا ، أو في أن تكون في المركز ، فاخترت - بعد صراع مرير - أن تكون عابر السبيل : " لامن ماء هؤلاء شربتَ ، ولا من دمع اولئك " .
اقول : كتبتَ مرة عن ذلك كله ، فلم أنتَ حزين ، كما لو أنك لم تكتشف من قبل أن المرآة لاتعكس سوى الطنين ؟ سيلاحقك نبلك كجريمة ، أيها الصديق ، وستموت وحيدا ، بعيدا حتى عن اقليتك الهائلة التي بدأت ببتر الطارئين عليها ، وستخسر مـَن أحبوك أيضا ، بإرادتك ووعيك ، خوفا من أن تمسهم العيارات النارية الطائشة : ذلك هو منتهى النبل ، ومنتهى الحب والصدق : أن تخسر أنتَ من أجل أن ينجو الاخرون - الاخريات من حروب ، لاطائل من ورائها ، لأنك اخترتَ ان تكون الشاعر لا النظير : الصعلوك الحقيقي لا المزوّر ، وقد دفعتَ الثمن باهظا مرة بعد مرة : أتذكر يوم رفستَ رئيس التحرير بحذائك ، بعد أن اكتشفتَ أنه لم يكن الا مقاولا سياسيا ، يخدم دولة ما ، غير عابئ بما قد يجر عليك ذلك من ويلات في بلاد الاخرين ؟ لست بحاجة للتذكير لكنني يجب أن أواسيك ، من أجل أن تظل تمارس هوايتك الجميلة : أن تضع رأسك على وسادة ، وتذهب لتنام على وسادة اخرى : أنتَ تعرف أن مثل هذه الالعاب تستفز الآخر - النظير : الصعلوك المزيف ، كما استفز الشعراء الموتى استاذهم بالوقوف على مقاعد الدرس : هكذا الامر أيها الشاعر : كلما كتبتَ اغنية وجدتَ نظيرك ينهق بشبق حيواني ، جارا معه قطيعا من الحمير الى قدّاس العهر ، حيث كل معنى جميل تنطوي عليه اغنية ما لابد أن يخص امرأة لايتورع " النظير " من تسميتها والتشهير بها ، لأنه خال من كل شرف ومسؤولية ، وحيث كل وردة مرسومة على قميصك لابد وان تكون مسروقة من حدائقه ، لأنه يعتقد أن ناصية الحقول بيديه ، وأن ما يزرعه الناس يجب ان يقع ثماره في سلاله ، كأي اقطاعي ، وحيث كل ترنيمة لـ " قمر " انما هي تورية : قناع تخفي وراءه جريمة ، لأنه يعرف صحيفة اعمالك الموبقات ، كأي مخبر ، أو كما لو أنه يعرف أنكَ كنتَ مغتصِـبِا ، أو لاعبا بعواطف تلك أو هذه ، وهو المسؤول عن كشف الحقيقة ، الذي لابد من أن يفضحك ، فيما الأمر كله بالنسبة لك لايعدو كونه مجرد محاولة لاغير ، فلستَ مطمئنا ، لحد الان ، في أنك كتبتَ القصيدة التي تستحقها المرأة ، تلك التي لم يرها أحد سواك ، والتي لم تـُظهر نفسها لواحد غيرك ، رغم أنكما لم تلتقيا مرة واحدة ، فهي متوارية في ما ستكتب من قصائد ، كما قلتَ في اغنية الشعراء الموتى ، وأنتَ عار وحيد ، تركض في المرايا جامعا آثارها ، فلا تجد في آخر مرآة الا امرأة لاتعرفها ، وقد كتبتَ عن ذلك اغنية أيضا ، لكن الباحث عن الممكن ليس كالراكض وراء المستحيل ، فلم يفهمكَ هذا أو ذاك ، واعتبروا الأمر لعبة ألفاظ : امرأة / مرآة .. آه ، كم كنتَ بريئا ؟ كل نجاح لهم كنتَ تحسبه نصرا لك ، فيما كانوا في كل خسارة لكَ يوزعون الاوسمة على بعضهم ، أعرف مدى مرارتكَ ، وهم يرحلون صديقة بعد صديقة ، وصديقا بعد آخر ، لكن الامر لايخلو من فائدة لو تأملتَ جيدا : هم ببساطة انجذبوا اليكَ ، ولم تذهب اليهم ، وكان دافع انجذابهم ليس كونك شاعرا، وانما هو البحث عن النبع المشع في طواياك ، كي يلمعوا بصحبتك ، غير أن هذا النبع حوّلهم الى عميان ، لشدة النور ، ففروا واحدا تلو الآخر. ها أنتَ تبكي ، وحسنا تفعل : إنه نشاط رائع ان تغسل العالم بدموعك ، فكما كتبتَ يوما اغنية لتحطيم انف العالم ، فإن على العالم ان يحطم انفك : انه الفعل ورد الفعل ، لكن .. ابكِ ، وابك . لتنظف أكثر ، ولأن أنفك لم يزل في مكانه ، فيما خرجوا من حياتك وانوفهم مكسورة . ربما آن الأوان لأن تطلق صيحتك البربرية ، كما وايتمان : " أعيدوا لي وحلي ، لماذا تسرقون مني شيئا لاتفهموه ؟ "
....................
[email protected]
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعَ ولا تجي / في الذكرى السنوية لعيد ميلاد السيدة فيروز ..
-
اغنية فقدانكِ ..
-
لمعانُ غيابكِ يدلّ على أنكِ اللؤلؤة ..
-
مو سيقى سومرية ..
-
عندما طعنتُ قلبها ..
-
... معنى أن تكون شاعرا
-
كل يوم اشيّعُ عصفورا يسقطُ قتيلا في طريقه إليكِ ..
-
في الصباح اجدني نائما عند أقدامكِ ..
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 40
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 39
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 38
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 37
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 36
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 35
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 34
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 32
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 31
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 30
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 29
-
العالم عندما القصيدة نثرا / 28
المزيد.....
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|