|
المملكة في خطر
كريم الثوري
الحوار المتمدن-العدد: 3197 - 2010 / 11 / 26 - 18:34
المحور:
الادب والفن
المملكة في خطر... تمر في السوق بقمرها الفضي وهيل عطرها الفواح... يترجل بائع الطماطة فيهش الذباب الغافي بشريط خرقة مربوطة بعصا كانت مركونة جانبا لم ينتبه اليها لو أنها لم تمر... يتذكر بائع الخيار عينة اختص بها المقربين الاطياب ، فراح يُفاخر فيها ذاكرته ويعيد توليف الخيار من جديد ، الناعم يستند على الخشن ... باغتت بائع الباذنجان فكرة طروب فدعا زوجته المعجونة بماء الحناء الذهاب الى بيت الطاعة والعناية بترتيب البيت المهمل منذ ليلة لم يتذكرها ، وتفقد الأحبة الصغار... بائع البصل بنوعيه الأبيض والأحمرداهمه وابل من شعور غامض فسرت قشعريرة استدقت بحوافر اظافره فعنف شعر رأسه وراح ينتزع فتائل الشعر المخبوء تحت ابطيه بعصبية وهو يهتز الما ً ، ثم اختبأ تحت الطاولة عساها أن تمر سريعا قبل أن تفوح رائحته... بائع الفواكه هب منتفضا بعدما انشطر الضوء قوس قزح روضة خُلد مترامية الاطراف ، يمينا وشمالا ، فسارع باخراج سلة من سعف النخيل، انتقى عينة من كل بستان زهرة فيما لسانه يراوح جفاف شفته العليا... لملم الشاعر افكار السوق المبعثرة وحث خطاه بخطاها ومازال يتبعها حتى تصل نهاية النفق ليختلي بتتويج حرفه... 2 يسمع الكثير يقولون نائم ورجليه في الشمس خرج الى البرية فيما كانت الشمس بلون دمه اتخذ يده وسادة وتمدد على بساط الأرض راح يحلم بأيام زمان ، أمه وأبيه وأخوته يحومون حوله اصدقاء محلته بدمهم وشحمهم يحوطونه من كل حدب وصوب في الساعة الثامنة صباحا يذهب للمدرسة وعند انتصاف الظهيرة يعود مترنحا يمازح هذا ويتشاجر مع ذاك ، يرفس بحجارة اختارها بتصرف شيطاني دون أن يستشعر تقيح حذاء البلاستك مخلفا تنبهات في اطراف اصابعه عند الظهيرة ياكل لينام القيلولة ، وأن لا يلتصق في وجه مبردة الهواء ، تلك هي الاوامر الصارمة بشدة عصرا يلبس نعليه على عجل ويركض حتى ساحة الملعب الكبيرة فيجدهم قد سبقوه في لعب الكرة فينتظر قليلا على مضض ، حتى يسمحوا له باللعب معهم مساءً يشاهد افلام كارتون بالأسود والأبيض يوم الجمعة يمسك جلباب والدته يتوسلها كي تعطيه خمسة فلوس وحين يضيق صبره يهرب خارج الدار فيلتقط كومة احجار يُهدف على الباب الحديدي المتصدع به حتى يحصل على مراده فيسوق دراجته الهوائية المبتكرة في جمجة الأحلام وما أن يصل المقهى يرفسها كيفما اتفق ليتخذ مجلسا في المقدمة لمشاهدة فريد شوقي ينتقم اخيرا من محمود المليجي..... لكنه المساء حل سريعا ولم ينتبه لغروب الشمس وقد وهبت كل مشرقها في جسده المدبوغ بالسمرة حل المساء فهب النسيم العليل ، ليمتص شمسه بالكامل قبل أن يستأذنه تذكر عليه أن يعود إلى بيته الموثث باحدث اجهزة التكييف فيما كان الطفل الذي يسكنه مازال نائما في الشمس ، من دون ساقين... 3 انفجرت سيارة ملغومة فأودت بحياة عدد من الأبرياء ، تجمهر أبناء الحي القريب يتطلعون ، جماعات جماعات ، لأول مرة منذ زمن بعيد يراهم منسجمين على طريقة الأجداد والجدات ، الزوج يتأبط زوجته ولم يفرط فيها ، الأب يحوط أبناءه بجناحيه كطائر كبير ، البنت تنتظر إشارة خطيبها أدخلي الى الدار فتلبي صاغرة ، الشاب الأنيق لم ينتبه لهندامه ولم تتلصص عيناه كعادته في مُشاغلة بنت الجيران ، الاولاد التزموا الهدوء والحذر ولم يصدر منهم ما يُضاعف اعمارهم ، الأنضباط والرهبة وتذكر امر الله عاد بالمدينة إلى سالف عهده الذهبي ، يوم يأتمن الجار جاره في عرضه وماله وسمعته... 4 كل نباتات حديقته تموت سنويا فيعود مرة أخرى يبتاع نباتات جديدة يزرعها في نفس المكان حدادا على ارواح ما سلف ، اعجبته هذه الطريقة ، فهي لا تكلفه الكثير من الهم والغم ، حتى أنه لم يعد يبالي فيخصص الكثير من وقته لمراعاة مشاعره التي رأها قد توقفت منذ زمن بعيد ، كثيرا ما كان يسأل نفسه هل يضيف الجديد بكل حيويته نفس الرهبة في روحه ويبعث فيها ذلك النشاط والعنفوان الذي غادره، حتى بات يستخف باولئك الذين يراهم يتالمون كثيراً وهم ينظرون الحياة تذبل ثم تموت أمام اعينهم... 5 كان على ساحل البحر ، رأى أحد الأشخاص يغرق في البعيد وهو يلوح بيديه طلبا للنجده ، لم يحرك ساكنا ، ولم يخبر أحدا من الذين لم ينتبهوا لأختفائه ثم موته فيما بعد جاء بوليس السواحل لأخذ افادات ممن كانوا هناك وحين وصل السؤال اليه اخبرهم الحقيقة - لقد رأيته يموت امام عيني ، لم ارَ ما يستدعي الانتباه... لم يصدقوه لكنهم نصحوه بضرورة الذهاب إلى مصحة الامراض النفسية ، فما يتفوه به ينافي المنطق والاعراف وهو إلى اليوم صار معروفا لدى الجميع ، كلماته فيها من القناعات القلبية ما لم تستسغه العقول الحصيفة... 6 فكر بينه وبين نفسه لو بقى على هذه الحالة سيبدو النشاز الوحيد في حقائق لا يريد أن يصدقها فقد نبتت لديه حواس غريبة صارت تقوده من قرنيه لنفي كل شيء وإن كان منطقيا فلو صَدَق الناس كَذبهُم ، وإن كذبوا يراهم يصيبون عين الحقيقة تطور هذا المفهوم لديه لدرجة صار يواجه كل شيء بسخرية كبيرة وقهقهة مزعجة لم يبال الجميع وتركوه كطفل ساذج يلهو بالعابه مادام لم يوذِ احدا لكنه وفي تطور مباغت قام بحز لسانه باداة حادة ورماه في قرص الشمس علهُ ينبت من جديد ... شاعت الشائعات وتطورت في المدينة حول الطريقة والاسلوب والكيفية التي قطع بها المعتوه لسانه وصارت الشغل الشاغل في المقاهي والاسواق حتى سيقت الحكايات الغريبة على غرار ما حدث لكن كبير القضاة رأى فيه خطرا كبيرا بعد أن ساق وشاة حاشية الملك بعض الامور المبالغ فيها لذلك اجتمع بأمراء الحل والعقد ليجد حلا سريعا قبل أن يغضب الملك ويُقيله من منصبه ، قائلا : اشد ما اخشاه أن يشكل هذا المعتوه حزبا جديدا يشكل تهديدا حقيقيا على مملكتنا ، فماذا ترون ياحضرة السادة الحكماء قال الأول : ستنتشر الفوضى يجب أن نعيد له لسانه ويتكلم ويُفصح عما بداخله قال الثاني : ثمة شيء يزعجني فيه فلو أنه تكلم وافصح قبل أن يفقد لسانه .... سيرته غامضة قال الثالث : حتى أن زوجتي راحت تسألني كل يوم قبل النوم كيف وصلت الامور بهذا المعتوه وما هو امره بالضبط ، قلت لها مرارا وتكرارا لا تحدثيني قبل النوم بامور مزعجة ، ام إنك تقصدينها لكي لا انكحك ...بنت القوا... قال الرابع : المشكلة في أبنائي الصغار يحبونه بطريقة مختلفة، ولا يفصحون ، حتى أنهم لم يأخذوا مني الحلوى وأنا استدرجهم للحديث... قال الخامس : لابد أن نجعله يتكلم ، يتكلم ، يتكلم...، حتى نهره كبير القضاة بعدما تعالى صوته عاليا قال السادس : فلنجرب معه وسائل الترهيب والترغيب قال السابع : ربما كان اخرس بالفعل قبل أن يُقطع لسانه قال الثامن : ليتني اعرف فقط لا لشيء فقط ليرتاح ضميري رغم أني بلا ضمير قال التاسع : اتركوه لي ساتولى امره ولكن لا تحاسبوني فيما أنا قادم عليه قال العاشر : أنا معكم حيثما كان قراركم.... طاطأ كبير القضاة رأسه إلى الأرض وقال : يأأأأأأأأأأأأأأأأأأأه لم اك اعرف الا الساعة مقدار خطورته ، فقد انتقلت الفوضى اقرب ما يكون عشرة اراء متضاربة لحكماء المدينة إزاء معتوه بليد... وبلا لسان... يالويحي المملكة في خطر... ملاحظة كل ما جرى ويجري محض تخيلات لمعتوه بليد وهو يُطارد ذبابة ملعونة كما في هذا الرابط الذبابة الملعونة http://www.youtube.com/watch?v=hLFLt-ZpKPY
كريم الثوري
#كريم_الثوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيرس
-
غير منصوص عليه
-
عندما تُكتب القصة نثراً
-
قصص قصيرة جدا 5
-
قصص قصيرة جدا 4
-
قصص قصيرة جدا 3
-
قصص قصيرة جدا 2
-
الاختصار ات
-
قصص قصيرة جدا
-
ملحمة الأخطاء -4
-
ملحمة الأخطاء -2
-
ملحمة الأخطاء -1
-
حوار مع بغل
-
المختلف صديق
-
الذاكرة المتلاشية
-
نيوتن والتفاحة
-
عند نصب الجندي المجهول
-
المُتأخِّر وطنٌ... المُتَقَدِّم شَتات
-
قراءة نقدية
-
صياما في حضرة السرو
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|