|
جرار قهرمانة - أو مساء الخير أيها الادب النسوي
حسن مجاد
الحوار المتمدن-العدد: 3193 - 2010 / 11 / 22 - 12:00
المحور:
الادب والفن
جرار قهرمانة ... أو مساء الخير أيها الادب النسوي -انطباعات هاوٍ - حسن مجَّاد
"جاء في الحديث : " انه نَهَى عن شُرْبِ نَبيذِ الجِرَار" ؛ لأنه أسرع في الشدة والتخمير ". في مفتتح موسمه الثقافي الجديد أقام اتحاد الادباء والكتاب في الديوانية أمسية حول الأدب النسوي (النقد ، والشعر ، والقصة ،والترجمة ) ، في 30- اكتوبر -2010 ، ولم أعرف كيف أُدخل النقد ضمن الأدب النسوي ؟!، و كيف أُهملت الترجمة فيما بعد من القراءة ؟! ، هذا إن اقصينا النظر عن مدى صحة دخول الترجمة تحت عباءة الادب النسوي ؟! ، وكان من المفترض بحسب خريطة البرنامج التي وزعت على الحاضرين أن تكون هناك مساحة للحوار والنقاش وإعادة الأسئلة في اشكاليات الادب النسوي ومديات جدواه ، بإبراز نصوصه الأدبية المعبرة والدالة على عمق التجربة وخصوصية الأداء ، وكنا على موعد مع حديث التجارب الشخصية وهذا ما لم نحظ به !! . كانت الامسية ممتعة جدا ًتعرفنا من خلالها على نسويات – إن جاز لنا هذا الوصف – من طراز خاص ، فقد أدارت الأُمسية الدكتورة ناهضة ستار ، واشعلت القاعة على نار شهرزاد الهادئة ، وقد افتتحت أمسيتها مرحبة بالحضور ومنبهة على خطورة هذا اللون الأدبي الجديد في عالمنا العربي، ومدى خصوصية الكتابة النسوية العراقية أدباً ونقداً على مستوى عمق الرؤية وصدق الارتباط بين الواقع بمتغيرته وحساسية التعبير ، و اصرت على فتح نافذة للحوار إذ قالت : " لا نريد لهذه الامسية أن تكون جندرية ، نريد أن ندعو من خلالها كل من عاش على قيد الهامش أن يحيا على قلق المتن " ، و بعدها قرأ الشاعر محمد الفرطوسي كلمة اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في الديوانية مرحباً بضيوفه والحاضرين ، ومشدداً على أهمية دور المرأة في تحريك الراكد في ثقافتنا وحياتنا بلغة شعرية نعجز عن أن نتلقف من ورائها معرفة غير الانفعال والدفق العاطفي الذي يتخلى عن ذاكرتنا بمجرد خروجنا من القاعة ، فهي – أي المرأة - على حد وصفه الكائن الذي نرتب حروفنا على هواه ،بعدها قدمت الدكتور ناهضة ستار شواعر الديوانية على إيقاع الموسيقى الكلاسيكية ، وأريد للأمسية أن ترحل بنا الى مدائن الانوثة الحزينة والى عوالمها البعيدة عبر شعر يعيد إلينا شدة الاحساس بالواقع ، ومرارة الاضطهاد التاريخي للجنس البشري ، غير أننا نصطدم بأدب لا يفصح عن معناه الخلاق،وبشعرمصاب بانكسارات التفعيلة والنثرية الفجة والانفصال في علاقات التركيب والدلالة ، مما منعه قدرة الاطاحة بلباب الجمهور أو على أقل ما يقدر له قدرة التواصل والتوصيل. قرأت الدكتورة سلامة الصالحي شعراً خالياً من قواعد النحو ومفتقراً لأبسط المبادئ الضرورية في الالقاء والصوت الصحيح مخرجا ونحوا ، وجاءت قصيدتها بعنون " الى كلكامش" الكائن الذكوري في الاسطورة العراقية الذي أعيد في القصيدة كما كان أو كما عرفنا عنه من دون محطات لاستراحة الاستدعاء والعبور ، ولعل الجمهور أدرك تلك الفجوة في التواصل ؛ لذلك انشغل بحديثه ، وامتلأت القاعة بالضجيج ، وهو مادفع مدير الامسية لتلافي الموقف حين قال: "نطلب من قلوبكم الناطقة أن تغلق هواتفكم الصامتة "،بعدها تقدمت الشاعرة غادة فرمان بقصيدة " عطش الماء"،والقصيدة لا تعبر عن عوالم الانوثة بطبيعة الحال غير اننا ازاء موهبة شعرية، لولا ما أصاب القصيدة من تدهور في بعض أشطرها من تفكك وعدم انسجام ، والقصيدة ، بعد كل هذا ، لا تستثمر البعد الميثولوجي لطقس الماء في الحضارات الانسانية ، بل تعمل على تهديم علاقة الارتواء والجدب في مفارقة جميلة " عطش الماء " ، وهو ما يحيلنا الى تجارب اديث استويل ، وت. س . اليوت ، والسياب ، وعلى الرغم من عدم معرفتي بمصادر ثقافة الشاعرة غير اننا يمكن أن نظن ، ولو على نحو من تقليب الوجوه ، انها حاولت ان تستجمع ما لم تتمكن من هضمه وتمثله ، لكنها لم تحسن فيما حاولت فيه ، وتبقى القصيدة بأجوائها الرومانسية قصيدة مختلفة عما سمعنا في الامسية ، بعدها نستمع لقصيدة كلاديس وهيب " بسملة العراق " التي انزلقت في الشعاراتية في بعض مواقفها والانفعالية من دون تطوير الافادة من العنصر الديني وذاكرة المكان العراقي في تأثيث فضاء القصيدة ومشهدها التي اوحاها لنا العنوان !! وبعد ذلك ، فإنَّ القصائد كلها التي استمعنا اليها لا ترتبط بأفق الأدب النسوي بمفاهيم الجنس والايروتيك والمحرمات،ولم نستطع أن نعثر على ملامح لغة الجسد الانثوي على مستوى الايحاء الدلالي والرمز السياسي ، بالفهم الذي ركزته طائفة من النتاج العربي والعالمي وعملت على اشاعته ، ولربما كان هذا الامر مقرونا بحكم ارتباط الأديبة العربية غير العراقية بقيم خارجة عن نمط الثقافة السائدة ، ولربما لاسباب أخرى تتصل بثقافة المدينة وأجوائها العامة ، وبعيداً عن الأسباب وقريبا من الظواهر نجد أن تجربة نوال السعداوي ، وغادة السمان،واحلام مستغانمي ، وسميحة خريس ، وميرال طحاوي، وليلى عثمان وغيرهن أكثر وعيا وتمثلا على الرغم من اختلافنا في صيغة التهويل الاعلامي والوقوع في دائرة التكرار في مستوى المضمون، وقمع الاصوات الروائية الذي لا يفسح مجالا للنظر لعوالم الشخصيات الاخرى ، الا اننا نجد نمطا مختلفا من الثقافة ، ووعيا مغايرا بمتغيرات المرحلة. انتهت القراءات الشعرية وأُصبنا بصدمة ما لم نتوقعه،وكانت الامسية تتجه الى ضفة أُخرى تتجلى في فن القص ، وليس كل أنواع القص بل على نوع منه نضطرب حين نروم أن نقف عند حدوده ، انها القصة القصيرة جدا ، وطبيعي أن يكون الاختيار واقعا على هذا النوع من الكتابة؛لأنَّ فيه اللمحة الدالة والتكثيف الشفيف وقوة الالتقاط والصياغة ، فضلا عن مساحة الوقت المخصص له ، إننا مع هذا اللون من الكتابة نمشي على حدود لا نبصرها على الرغم من احساسنا بها ، حدود قد نتخطاها في المسير الى فنون تقترب – لكي لا نقول تلتبس - عند من لا يجد في قلمه صبرا، و الا سنكون في عالم المقالة او الخاطرة او أي شيء آخر، لكنه حتما لا يعرف بقصة قصيرة جدا ، ننتقل مرة أخرى صوب ضفافها متعبين مما سمعنا من شعر لا يدل عنوان الامسية عليه ،وصار يقينا بحكم ما سمعنا أن نقول انها ستكون رحلتنا النهاية ، غير أنَّ ما أعدته لنا القاصة الواعدة " إيمان المرعبي " قد أعاد لنا شعوراً ما بضرورة المتابعة ، و أقول الواعدة ؛ لأني لم أتعرف عليها من قبل ؛ لكسل في متابعتي ، ولأنني استمعت إلى قصة فيها طراوة وعمق على الرغم من أنَّ الاحداث للوهلة الاولى تبدو ساذجة ،ولا تنهض بمعمار قصة . عملت القاصة المبدعة ايمان المرعبي ، وهذا مايميزها من زميلاتها ، بالتقاط الجوهري المنسي وتكوين قصة قصيرة جدا مشحونة بالدلالات و بالابعاد الاجتماعية ، على الرغم من مجيء عنوان قصتها " سقوف من وهم " بدلالة مباشرة تفسر علاقة الشخصية بمدار تكوينها الاجتماعي والسياسي ، انها محاصرة بسقوف لا سقف ، وهي سقوف قد أنشأتها منظومة قيم ، والعنوان يفرز تعاطف المؤلف مع أبطاله ورعايته لهم،وهذه هي مشكلة الأدب النسوي ؛ إذ انه أدب يقوم على رؤى ايديولوجية ويرتكز في تصوراته الى حركات تحررالمرأة في العالم ، والارتكاز هنا ينبغي ان يخفى في عالم القصة وألا يظهر ، ولا بد أن يتسرب ضياء منه ؛ لكي تكون هناك وحدة تعادل بين المضامين والشكل ؛ لأجل الخروج برؤية جمالية ، وهو ما تحقق في القصة على الرغم من تعثراتها هنا وهناك ؛ لان المرعبي افادت من الحذف والقطع الذي يولد دلالة في مسار القصة ، وخرجت من دائرة الحشو على الأقل في ضوء ما سمعنا ، وتبقى ما علق في اذهاننا من أجواء القصة قد يحيلنا الى رواية مهدي عيسى الصقر " امرأة الغائب "، و لربما قد تقول المرعبي لم اطلع عليها، دفعا لمقالة التأثير ، أقول قد تقترب ملامح التأثير، لأنَّ قصة المرعبي وقبلها عالم الصقر الكبير تنتسبان الى الواقع ، و لأنَّ الواقع بكل منعرجاته وطبقاته يشكل مصدرا مهما من مصادر تجربة الصقر الروائية. وتبقى الورقة النقدية التي أعدتها الدكتورة لمى عبد القادر بعنوان " تحولات الادب النسوي في العالم العربي " محل جدل لا بما تحمله ، بل بمايحمله الادب النسوي ونقده من مشكلات تثير الجدل ، وقد أدركت الناقدة الموقف ؛ لذلك جاءت قراءتها تلخيصا لافكار مشوشة في أذهان أصحابها تولدت وتراكمت دون نظر واعادة فحص ، فهل تستطيع ورقة بحجم4) (A أن تستوعب العالم العربي وتحولاته السياسية وتحولات الادب النسوي فيه؟!، هذا السؤال سنتركه ، لا نريد الاجابة عنه ؛ لاننا نريد للادب بكل اشكاله أن يزدهر في بلادنا شريطة الوعي به وبجدوى ضرورة وجوده من عدمه ، وتبقى المشكلات مشكلات وكفى ؟!
#حسن_مجاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخزانة المحفوظية ، تأملات في وجوه نجيب محفوظ في النقد العرب
...
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|