أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي عبد الرحيم صالح - الغرابة سيكولوجيا التشويش و الارتباك الإنساني















المزيد.....

الغرابة سيكولوجيا التشويش و الارتباك الإنساني


علي عبد الرحيم صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3191 - 2010 / 11 / 20 - 12:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يميل الإنسان عادة لمعايشة ما هو مألوف في بيئته ، و مخالطة الأشياء الحياتية و الاجتماعية التقليدية و المتكررة ، هذا الميل ينبع من رغبته في تفسير هذه الأشياء ، و فهمها ، و اختصار الوقت و الجهد في تعامله و تفاعله معها . لذا فالإنسان كائن لا يميل بدرجة كبيرة إلى الغموض ، و إنما إلى الأشياء المألوفة ، و التقليدية ، و الواضحة . على الرغم من أن هناك دراسات أثبتت وجود بعض الأشخاص الذين يعشقون الغموض ، و البحث عن الأشياء الغريبة ، و أحيانا ابتكارها . و بذلك تشكل الأشياء الغريبة و النادرة اهتمام الكائن ، و تثير لديه مشاعر الاستغراب و الدهشة، و وضع علامات التعجب حول ماهيتها ، و كيفية حدوثها ، و ما العوامل التي سببت ظهور هذا الشيء الغريب. فلا عجب ! أن نجد أن ظاهرة ما ـ كالإرهاب أو انتشار الوبائيات مثلا ـ تثير تساؤلات و قلق الرأي العام ، و أن تحاول استضافة أحدث الخبراء و المختصين ، من أجل تفسيرها ، و تعليلها . و أحيانا قد نقف متحيرين و عاجزين دون جدوى أو نفع ؟ أو قد ننسبها إلى ظواهر غيبية و روحية . و سبحان الله الذي اعجز عبده ، و أوقفه حائرا أمام نقص قدراته و إمكاناته العظيمة .

الغرابة عبر تاريخ الإنسان
منذ زمن بعيد ، يرجع إلى ألآلاف السنين ، كانت الغرابة تشكل أحدى مسببات قلق الإنسان ، و خوفه من المستقبل ، فكانت الظواهر الطبيعية كالرعد ، و الزلازل ، و الإمطار ، و الفيضانات تشكل أكثر الحالات الوجودية استغرابا ، مما دفعته إلى عبادتها ، و تقديم القرابين إليها ، و تفسيرها بأسباب قد لا يتحملها العقل المتمدن الآن . على سبيل المثال : ما نجده في الكتابات القديمة من أسماء آلهة متعددة ، كالآلة ( أدد ) أله الطقس و العواصف ، و ( اوتو ) آله الشمس عند البابليين و الأشوريين . أما عند المصريين القدماء ، فكان آله ( أمون ) آله الريح و الخصوبة ، ( أوزيريس ) آله البعث و الحساب ..الخ . وبمرور الوقت شكلت الغرابة أحد أهم المحركات في دفع الإنسان وراء ايجاد الأجوبة المناسبة في تعليل هذه الظواهر . وعلى الرغم من بدائية البعض منها ، فما زالت بعض هذه التعليلات ترافق عقول الكثير منا ، و تعشش أفكاره و أساليب حياته ، على سبيل المثال ، ان سبب الامراض النفسية و العقلية ، أروح غريبة تسكن جسم المريض !! و ما يضحك أحيانا ، فمن غرابة الأمور أننا نتعامل مع بعض الأشياء الجامدة ، على أنها أشياء حية ، تفكر و تشعر مثلنا ، على سبيل المثال : ضرب المفك ، و شتمه عندما لا يفك أحد البراغي ، أو ضرب الحجر الذي نعثر به في الشارع !!!

هل الغرابة نزعة فطرية
يولد الإنسان وفي بيئته اشياء و معارف و معتقدات يؤلفها و يتطبع عليها تدريجيا ، مما تصبح لديه تقليدية و عادية جدا ، و لكن الشيء الجديد يثير استغرابه ، و يحرك فيه نوزاع الفضول و المعرفة . فهل هذه السلوكيات فطرية أم مكتسبة ، يقول علماء النفس : أن الأنسان يولد و تاتي معه دوافع و نزعات فطرية عديدة ، و من ضمن هذه الدوافع العديدة ، الحاجة للامان و الحماية من الأشياء الغريبة و الخطرة ، و الحاجة إلى المعرفة ، و الاكتشاف ، فيمكن عد الغرابة أحد المظاهر الخارجية لهذه الدوافع الفطرية . فتشكل الغرابة أحد سلوكياتنا الدفاعية في وقاية أنفسنا مما قد يؤذينا أو يسبب لنا الآلم . كما تشكل الغرابة نزعة في الكشف عن غموض الاشياء و تجنب مساوءها ، و استخدامها في ما قد ينفعنا منها . فلولا هذه النزعة لبقي الكثير من البشر متخلفا ، يطارد الحيوان يعبده ، و يقدم القرابين له ، و يطلب رضاه ، و أذا جاع يأكله !! ففي الديانة المصرية القديمة كانوا المصريين يعبدون الثور ، الذي يسمى الإله ( تياح ) ، و أبن أوى أو الذئب الإله ( انوبيس ) . أما الهندوس ، فكما نعلم يعبدون ( البقر ) و ( الفأر ) الذي يعدوه من نسل الإله.

أهمية الغرابة في حياتنا النفسية و الاجتماعية
نجد مما سبق أن للغرابة أهمية كبيرة في حياتنا اليومية ، فقد تشكل دافعا نحو كشف اسرار الكون ، و اختزال القلق و الخوف ، و طلب الآمن ، و دافع للسيطرة على البيئة ، و التخلص من عجزنا ، و رد الأشياء الى أسبابها الطبيعية و الفيزيائية ، أو قواها الروحية الحقيقية . فضلا عن ذلك تدفعنا الغرابة الى تحذير الآخرين ، و تنبيههم ، و التكاتف معهم ضد ما قد نجهله أو يفتك بنا . أو بالعكس قد ينجرف بنو البشر نحو ظلمات جهلهم ، و خوفهم ، فتفسر الأشياء الجامد بالحية ، و المظاهر الحية بأكثرها جمودا و تخلفا . مما تجعل الجهل يلون حياتنا و تعاملنا مع الأشياء و الظواهر المحيطة بنا . و ذلك عبر سوء استخدامها ، و الخطأ في تفسيرها و تعليلها ، و جعلها عدو يفتك بنا . على سبيل المثال : تفسير الوبائيات و الزلازل و الفيضانات بأنها غضب من الله ، و لكن أليس الله رحيم بعباده ، حتى لو لم يعبدوه . فنرد بذلك جهلنا و سوء استخدامنا للبيئة و عدم وقاية أنفسنا الى الله سبحانه ، و حاشى الله أن ينتقم من أحد . فنحن ننتقم من أنفسنا .

متى يستغرب الإنسان
ترجع أولى مظاهر الاستغراب لدى الإنسان ، في الأشهر الأولى من الحياة ، و هذا ما اكتشفته تجارب علماء نفس النمو ، في دراساتهم حول نظرية العقل لدى الرضيع . إذ تقوم هذه الدراسات عبر مجموعة من التجارب التي تختبر قدرات الرضيع الذهنية في معرفته للتحول الفيزيائي للبيئة ، أوجدت هذه الدراسات أن الرضيع يبدأ بالاستغراب بعمر 5ر2 شهر ، عند رؤيته لمظاهر غير مألوفه لديه . على سبيل المثال : أختفاء جسم يتحرك خلف جدار ، ثم يظهر بعد ذلك جسم أخر . أو وضع لعبة داخل وعاء في أقصى اليسار ، ثم تحريك هذا الوعاء الى القصى اليمن ، و عند رفعه لا يجد الرضيع اللعبة في داخله . هذه الظواهر كانت على خلاف توقعات الرضيع ، مما أثارت لديه مشاعر من الاستغراب و الدهشة ، و كانت التعابير الاولى للإنسان في مرحلة الرضاعة ، تظهر على شكل تأمل الرضيع للظاهرة المثيرة فترة اطول عن حالتها الطبيعية ، و اتساع حدقة عينه . و بمرور الوقت يتعلم الإنسان المعارف و العادات السلوكية و الاجتماعية التي يقيم بها الظواهر المحيطة ، و التعبير عن استغرابه . فقد يستغرب الإنسان أن رأى زيد من الناس مشهور بسلوكه الطيب و الحسن ، يفعل شيئا منكرا و قبيحا . أو قد نستغرب الاعمال الغبية لبعض الحكومات مثل امريكا عند استخدامها للقنبلة النووية ضد اليابان ، أو عندما نسمع أغنية عاطفية يقول فيها المغني بسبس بسبس ميو !!!

لماذا نستغرب
يعيش الإنسان و يحمل معه افكار و معتقدات خاصة به ، و أخرى يتقاسمها مع أبناء مجتمعه ، و لكن ما قد يخالف هذه الافكار او التوقعات و يتعارض معها ، تدفع به الى مشاعر الاستغراب ، مما تثير في داخله عدم الارتياح و الاستقرار ، و نزوع نحو معرفة ذلك الشيء الذي خالفه . وجهة النظر هذه فسرها عالم النفس الاجتماعي ( فستنجر ) في التنافر المعرفي ، إذ يرى أن الفرد عندما تتعارض المواضيع التي يحملها و يؤمن بها مع مثيرات و مواقف جديدة ، تتولد لديه حالة من عدم التطابق و الارتياح و القلق ، مما يدفعه الى اختزال هذا القلق ، عبر محاولة التعرف عليه و تبنيه ، أو الغائه ، أو التقليل منه . على سبيل المثال : لو كان زيد من الناس معروف بدفاعه عن الحرية ، و التسامح ، و فجأة نجده يتخذ موقفا متشددا و محافظا خلاف ما هو معروف به ، هذا الموقف سيولد لدينا حالة من الارتباك و التشوش المعرفي تجاه زيد . فيدفعنا نحو ايجاد تفسير و تعليل نقتنع به لأختزال هذا الارتباك .

لماذا نحاول أن نكون غرباء عن العادة
يحاول بعض الناس أن يكونوا مختلفين عن المحيط الذي يعيشوا فيه ، فنجدهم أحيانا مندفعين نحو أبتكار الاشياء ، أو الافكار ، أو الآلات ، أو المصطلحات الجديدة و الغريبة ، التي تخرج عن ما هو مألوف . هذا النشاط يحدث من الرغبة في كسر التقليد و الروتين اليومي و الإنساني ، و الرغبة في كشف المجهول ، و فتح افاق جديدة من المعرفة ، مثل الاكتشافات العلمية لأجهزة التلفاز و الحاسبات و الاقمار الصناعية و الطائرات التي أوصلت الإنسان أبعد من القمر . و قد عمد الإنسان الى استخدام غرابته في تجارته و مصادر رزقه و الدعاية و الاعلان ، حيث استخدم الصوت و الصورة و المخيلة الإنسانية في جذب الكثير من الناس . و يعلل علماء النفس استخدام ذلك : بأن للإنسان نزعة لملاحظة الاشياء الغريبة بسرعة ، أكثر من الاشياء المألوفة . مثال ذلك : لو رأيت رجلا يلبس تنورة وسط مدينة بغداد ، للفت أنتباهك دون كل الرجال الموجودين في الشارع . كما انك تشاهد النشرة الضوئية المتحركة ، لأحدى المحال التجارية ، دون كل الاعلانات الساكنة للمحال الموجودة في نفس الشارع . و بذلك تكون الغرابة وسيلة نجذب بها أفكار الناس و مشاعرهم و أموالهم !!!



#علي_عبد_الرحيم_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيكولوجيا الملابس و الحلي ( هويتنا الشخصية و الاجتماعية )
- تجنب الألم سيكولوجية الدفاع عن النفس
- الفشل سيكولوجية الإخفاق و الهزيمة
- الحاجة الى التنبيه الحسي سيكولوجية الإثارة الحسية
- الإدراك معنى الحياة
- أسباب التسرب الدراسي لدى طلبة الدراسة المتوسطة و الإعدادية
- مقومات التضحية سيكولوجية الشجاعة و الفداء
- سيكولوجية نشر الشائعات في المجتمع العراقي
- أحلام اليقظة وسيلة لإشباع الرغبات المكبوتة لدى الفرد العراقي
- التمركز حول الذات سيكولوجية تدهور الذات و العلاقات الانسانية ...
- رؤية تحليلية في سيكولوجية الشخصية المتعصبة
- لعب الأطفال بين براءة الأمس و عنف اليوم
- سيكولوجية اللغة بين أسرار النفوس وصدق الكلام
- الأنسان و الخرافة و الطب النفسي
- المستوى الإدراكي للطالب الجامعي اتجاه الوجود الأمريكي في الع ...
- العقاب المدرسي الطريق للهرب من المدرسة
- الاقتدار الاجتماعي سيكولوجية العيش و احترام الآخر
- قلق الموت هل أصبح هاجساً لدى الفرد العراقي ؟
- الذات الجسمانية سيكولوجية التوافق مع الجسد
- الرغبة في الزواج سيكولوجية الحاجة للجنس الآخر


المزيد.....




- ترجف من الإرهاق.. إنقاذ معقد لمتسلقة علقت أكثر من ساعة في -م ...
- تمنّى -لو اختفى-.. مخرج -Home Alone 2- يعلق مجددًا على ظهور ...
- جوزاف عون يتحدث عن مساعي نزع سلاح حزب الله: نأمل أن يتم هذا ...
- ثنائي راست وتحدي الكلاسيكيات العربية بإيقاعات الكترونية
- -من الخطأ الاعتقاد أن أكبر مشكلة مع إيران هي الأسلحة النووية ...
- عراقجي: زيارتي إلى روسيا هي لتسليم رسالة مكتوبة من خامنئي إ ...
- تصاعد أعمدة الدخان فوق مدينة سومي الأوكرانية بعد غارات بمسير ...
- المرسومً الذي يثير القلق!
- دورتموند يتطلع لتكرار أدائه القوي أمام برشلونة في البوندسليغ ...
- عاصفة رملية تخلف خسائر زراعية فادحة في خنشلة الجزائرية (فيدي ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي عبد الرحيم صالح - الغرابة سيكولوجيا التشويش و الارتباك الإنساني