|
جنكيز خان ستالين
يعقوب ابراهامي
الحوار المتمدن-العدد: 3187 - 2010 / 11 / 16 - 21:51
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
"!You are not machines. You are not cattle. You are men" "لستم ماكنات. لستم قطيع غنم. انتم بشر!" (شارلي شابلن في "الدكتاتور العظيم")
" هذا الجنكيز خان سوف يقتلنا جميعاً" (نيكولاي بوخارين، 1928)
"لئن وجب أن تكون كثرة الإعدامات في الطبقة الحاكمة مؤشراً على طبيعة الحكم فالأولى أن تكون مؤشراً على ديموقراطية الحكم وهو ما يعني أن السلطة لا تحمي الخونة والفاسدين من رجال الدولة، وهذا هو عين الديموقراطية." (فؤاد النمري عن مآثر جنكيز خان)
(تحذير: نلفت انظار قرائنا ومقاطعينا ان كاتب هذا المقال ( "برجوازي وضيع" وذو نعوت اخرى يحسن السكوت عليها) يعتقد ان الأنسان هو أعلى قيمة في الوجود، وان الأنسان هو الذي يصنع التاريخ. وعليه فإن هذا المقال غير موصى به لمن يؤمن ان الآلة، لا الأنسان، هي التي تصنع التاريخ. لذلك اقتضى التنبيه وقد اعذر من أنذر)
لا الفكرة نفسها (كثرة الأعدامات هو الدليل على ديمقراطية الحكم) هي التي تثير الأستغراب. هذه الفكرة تدعو الى الأشمئزاز لا الى الأستغراب. ما يثير الأستغراب هو أسلوب اللامبالات الذي يتحدث فيه فؤاد النمري عن عملية بربرية، لا تليق بكرامة الأنسان، هي عملية الأعدام، وكأنه يتحدث عن نزهة في احضان الطبيعة: تعالوا نتجول في الهواء الطلق لأن العقل السليم في الجسم السليم. تعالوا نعدم مئات "الخونة" و"الفاسدين" لأن "كثرة الأعدامات هي الدليل على ديمقراطية الحكم". (ومن يقرر انهم "خونة" و"فاسدون"؟ الجلاد نفسه طبعاً. لا تنسوا اننا نتحدث عن جنكيز خان. جنكيز خان، كما سنرى، لا يعرف الفصل بين السلطات. جنكيز خان هو المشرع، هو القاضي وهو المنفذ).
في كل العالم المتمدن يطالبون بالغاء عقوبة الأعدام ويرون فيها عملاً بربرياً لا يليق بإنسان متحضر وفؤاد النمري يفتخر بكل عملية اعدام نفذها جنكيز خان ويرى فيها مؤشراً على العدالة الأشتراكية (وعين الديمقراطية). من اين استقى فؤاد النمري هذه الأفكار الهمجية؟ من كارل ماركس؟ بالطبع لا. فنحن مع يقيننا الكامل ان فؤاد النمري لم يفهم يوماً كارل ماركس كما يجب (والسبب في ذلك يعود الى حد كبير الى سوء فهمه للغة الأنجليزية) لا نشك انه يعرف ان كارل ماركس كان يقول دائماً: "ليس هناك شيئاً انسانياً غريباً عني". اقرب جواب الى الصحة هو ما يلي: سنوات طويلة من غسل الدماغ الستاليني افقدت فؤاد النمري القدرة على التمييز بين الخيال والواقع، وعودته على عدم احترام الكلمة المكتوبة، الأستخفاف بالحقائق والأزدراء بقيمة الأنسان. (رغم ان هناك كثيرين غيره، وكاتب هذه السطور احدهم، عبروا "دورة" غسل الدماغ نفسها لكنهم خرجوا منها سالمين).
في لحظة نادرة من الصراحة يكشف فؤاد النمري نفسه عن هذه الحقيقة حين يشرح لنا كيف ان ستالين (الخبير العالمي دون منازع بالمتاجرة بمبادئ الماركسية) عندما اراد التخلص من قادة الحزب، الذين رأى فيهم منافسين، اكتشف فجأة (بشهادة نادرة، كما قلنا، من فؤاد النمري نفسه) نظرية ماركسية جديدة و"ببصيرته الثاقبة أضاف إلى قانون الصراع الطبقي بنداً إضافياً يقول : " كلما تقدم البناء الإشتراكي كلما ازدادت حدة الصراع الطبقي"، وهكذا، متسلحاً بهذا القانون الذي خلقه بنفسه، اعدم الجلاد "الخونة" و"الفاسدين" بالجملة. من هذا الأستاذ تعلم فؤاد النمري كيف "يضيف" بنوداً جديدة الى النظرية الماركسية كلما دعت الحاجة الى ذلك (وكيف يترجم كارل ماركس بالصورة التي تخدم اغراضه، ولا يعتذر للقراء حتى عندما يقبض عليه متلبساً بالجريمة). اما النزاهة الفكرية، اما المبادئ الأنسانية، فهذه توافه لا وجود لها في القاموس الستاليني، لأنه قاموس جنكيز خان.
انظروا كيف يتحدث فؤاد النمري ببساطة يحسد عليها عن "التعذيب" وعن "الأعتراف تحت التعذيب". بهدوء وبلا انفعال، وكأنه يحدثنا عن حالة الطقس المرتقب في جنوب افريقيا في الشهر القادم، يخبرنا النمري ان "المارشال توخاتشيفسكي ورفاقه الضباط الستة من قادة الجيش اعترفوا تحت التعذيب في العام 37". ببساطة متناهية: اعترفوا تحت التعذيب. فؤاد النمري يعرف تماماً لماذا لم يسهب في وصف التعذيب الجسدي الذي تعرض له المارشال توخاتشيفسكي ورفاقه، بل اكتفى بجملة قصيرة تفشعر الأبدان لبساطتها: اعترفوا تحت التعذيب.
(اريد ان اقول شيئاً انا لا اقول مثله عادة واعتذر من فؤاد النمري سلفاً إن كنت مخطئاً: أن أنساناً لم يعان التعذيب الجسدي في اقبية الشرطة السرية هو وحده القادر على ان يتحدث بهذه اللغة البسيطة عن "التعذيب").
وهذا التعذيب يجري في بلد الأشتراكية، وطن العمال والفلاحين، وطن العدالة الأشتراكية، ارض ثورة اكتوبر التي حررت الأنسان من اغلاله، وهو يجري عام 1937 اي بعد ان صودق على القانون الأساسي الجديد للأتحاد السوفييتي، الذي سمي "قانون ستالين"، والذي قيل لنا انه اكثر القوانين ديمقراطية في العالم.
(بعد أن نفذ، في الساعات المبكرة من صباح 12 حزيران 1937، حكم الأعدام في المارشال توخاتشيفسكي ورفاقه، جرت المحادثة المذهلة التالية بين ستالين وييجوف الذي أشرف على تنفيذ حكم الأعدام، وقد كان رئيس الشرطة السرية آنذاك، قبل ان يقتل هو الآخر في دليل قاطع على وجود "عدالة الهية":
ستالين: ماذا كانت الكلمات الأخيرة التي نطق بها توخاتشيفسكي؟ ييجوب: قال الثعبان انه مخلص للوطن وللرفيق ستالين وطلب الرحمة. ولكن كان واضحاً انه يكذب وانه لم يلق السلاح بعد.
نضيف فقط ان كل قضاة المحكمة العسكرية التي ادانت توخاتشيفسكي، عدا ثلاثة، قتلوا رمياً بالرصاص فيما بعد، وفقاً لكل فواعد العدالة الجنكيزخانية، ودليلاً قاطعاً آخر على "العدالة الألهية". ييجوف نفسه، كما اشرنا، لم يكن اسعد حظاً. هذا الشرطي الحقير، الذي خدم ستالين وبرع في تنفيذ اوامره، لقى حتفه رمياً بالرصاص في ميتة مخزية، وهو يبكي وينتحب، في نفس المكان الذي كان يقتل فيه ضحاياه.)
فؤاد النمري لا يخجل عن الأعلان ان بلد الأشتراكية (بلد جنكيز خان) استخدام "التعذيب" في التحقيقات، لكنه يحاول ان يخدع نفسه، وفي الوقت نفسه يحاول ان يخدع الآخرين، ان التعذيب اجيز فقط سنة 1937 ومع جنرالات الجيش فقط. انا لا اعرف بالضبط إذا كان فؤاد النمري نفسه يصدق هذه الكذبة. انا شخصياً اميل الى الأعتقاد انه أذكى من ان يصدقها. لماذا يبثها إذن؟ لماذا يقول اموراً يعلم علم اليقين انها غير صحيحة؟ ولكن إذا افترضنا ان فؤاد النمري هو من السذاجة بحيث يصدق هذه الكذبة، اريد ان اسأله: انا اعرف من مقالاتك السابقة انك معجب بالثورة الشيوعية التي اندلعت في المجر عام 1919. بيلا كون، كما قد تعرف، هو الذي قاد هذه الثورة وبعد فشلها التجأ الى موسكو واصبح احد قادة الكومنتيرن البارزين. وككل قادة الكومنتيرن الأجانب في موسكو ادركته يد الجلاد، وفي عام 1936 اعتقل (مع جميع افراد عائلته طبعاً)، وبعد محاكمة "نزيهة" كانت نتائجها معروفة سلفاً، حكم عليه بالأعدام ونفذ فيه الحكم في تاريخ مجهول. بطل الثورة الشيوعية في المجر، بيلا كون، "اعترف" اثناء "التحقيق" الذي جرى معه عام 1936، اي قبل ان يجاز التعذيب، انه كان عميلاً للفاشست في إيطاليا وللنازيين في المانيا (ولعدد آخر لا يحصى من المخابرات الغربية). سؤالي، عزيزي الساذج فؤاد النمري، هو كما يلي: هل "اعترف" بيلا كون ب"جرائمه" بمحض ارادته، عندما كان يحتسي فنجان قهوة (تركية) مع ضابط التحقيقات الجنائية في سراديب لوبيانكا المخيفة؟ هل انت تصدق ذلك؟ هل يوجد انسان عاقل واحد في العالم يصدق ذلك؟
قواعد العدالة والحكم الديمقراطي النزيه في دولة جنكيز خان لا تهم فؤاد النمري كثيراً. بل هو يفتخر ان النطام الستاليني لم يعر لهذه الترهات وزناً. اقرأوا ما يلي:" كان جوابه (اي: جواب ستالين) أن ما يوصف بالتطهير لم يكن أكثر من تعليمات أعطاها للنائب العام للدولة أندريه فيشنسكي تقضي بألا تتهاون النيابة العامة للدولة مع الخونة والمتعاونين مع الهتلرية والعصابات التروتسكية". سنتحدث فيما بعد عن هذا "التطهير الذي لم يكن أكثر من تعليمات". في الوقت الحاضر نريد ان نشير الى ان فؤاد النمري، المشبع بثقافة الحكم الجنكيزخاني، لا يدرك خطورة ما يقول. في عام 1937 لم يشغل ستالين منصباً في الحكومة السوفييتية بل كان السكرتير العام للحزب الشيوعي (ودكتاتورية البروليتاريا، كما علمونا، هي حكم البروليتاريا وليست دكتاتورية الحزب الشيوعي). بأية صلاحية إذن يخول لنفسه سكرتير الحزب ستالين اعطاء نصائح للمدعي العام للدولة؟ ولماذا سكت العبد المطيع اندري فيشنسکي على هذا التدخل الفظ في شؤون الدولة القضائية؟ لماذا لم يوقف ستالين عند حده ويقول له: ان هذا ليس من صلاحياتك ايها السكرتير؟ هل كان له ما يخشاه؟ وحتي إذا افترضنا ان ستالين كان عضواً في الحكومة بل حتى إذا كان رئيس مجلس الوزراء، ماذا عن مبدأ فصل السلطات؟ كيف يجوز لرئيس السلطة التنفيذية، او لعضو فيها، التدخل في شؤون السلطة القضائية واعطاء "توجيهات" و"نصائح" للمدعي العام؟ ما هي الثقافة القانونية والحقوقية لستالين التي تؤهله لذلك؟ ولماذا سكت المدعي العام (وهو صاحب اللسان الوقح ضد "الكلاب السائبة") على هذا التدخل الفظ من جانب السلطة التنفيذية في قضايا هي من اختصاص السلطة القضائية وحدها؟ هل نسى اندري فيشنسکي فجأة ان المبدأ الأساسي في الحكم الديمقراطي هو مبدأ فصل السلطات؟ ام ان هذا المبدأ لا ينطبق على حكم جنكيز خان؟ انت في مشكلة، عزيزي فؤاد النمري: ما هكذا كنا نتصور "عين الديمقراطية".
(هذه ليست المرة الأولى او الأخيرة التي يتجاوز فيها الدكتاتور صلاحياته، ان كان هناك معنى ل"تجاوز الصلاحيات" في نظام جنكيز خان. فؤاد النمري يروي لنا بفخر ان ستالين " قرر تبكير الهجوم على الجيوش الهتلرية المقرر في 28 يناير1945 إلى 12 يناير رغم ان غرفة العمليات الحربية عارضت القرار بالإجماع ". في كل بلد ديمقراطي حر من يتخذ قراراً كهذا، على غرار صدام حسين، رغم معارضة كل افراد غرفة العمليات الحربية، يقدم الى المحاكمة على الفور بتهمة الأستهتار بحياة الجنود وتعريضهم للخطر. اما اخونا فؤاد النمري، الذي لا يقيم وزناً لحياة الأنسان، فيرى في هذا القرار مؤشراً على عبقرية ستالين، ولا يكتفي بذلك بل يضيف بحماقة لا توصف: "وليس معروفاً إذا ما كان القرار عرض على المكتب السياسي ووافق عليه"، وكأن المكتب السياسي هو المخول بالمصادقة على العمليات الحربية. نحن الآن نعرف على الأقل احد الأسباب التي أدت الى عدد الضحايا الهائل في صفوف الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية)
وأخيراً وليس آخراً: خطاب بوخارين في المحاكمة. لم اخض يوماً نقاشاً عن "المحاكمات" المرعبة في عهد "الأرهاب الكبير" إلا وأحالوني في نهاية المطاف الى الخطاب الذي القاه بوخارين في ختام محاكمته. "إقرأ يا سيد زنكنة خطاب نيقولاي بوخارين لدى صدور الحكم عليه بالإعدام" - يقول فؤاد النمري للسيد دلير زنكنة بلهجة الغريق الذي يتعلق بقشة بعد ان سدت بوجهه كل سبل الفرار - "وهو موجود على الشبكة". وانا اسأل نفسي: هل قرأ فؤاد النمري خطاب بوخارين حقاً قبل ان ينصح السيد زنكنة بقراءته؟ كيف لا يرى فؤاد النمري في هذا الخطاب لائحة اتهام خطيرة لنظام افقد الأنسان قيمته، وبدل ذلك يلوح به كمن عثر على كنز ثمين؟ كيف لا يغض بصره خجلاً إزاء مسرحية مرعبة تداس فيها الكرامة البشرية على رؤوس الأشهاد وتنتزع فيها انسانية الأنسان؟
كم مرة في حياتكم رأيتم "انساناً" يطلب الحكم عليه بالأعدام ويقول: "انا استحق الموت رمياً بالرصاص عشرات المرات"؟ كم مرة في حياتكم رأيتم "عميلاً للمخابرات الألمانية" يقول: "انا اركع أمام الحزب وأمام ستالين"؟ هل هذا هو بوخارين الذي قال عنه لينين في "وصيته" انه "حبيب الحزب"؟ ماذا جرى له؟ هل عذبوه؟ هل خدعوه؟ هل استغلوا كالصوص اخلاصه ل"القضية"؟ هذه اسئلة محيرة قد لا نعرف الأجابة عليها أبداً. والتهمة ؟ هل تعرف، فؤاد النمري، ما هي التهمة التي وجهت الى نيقولاي بوخارين، حبيب الحزب، التي ادين وحكم عليه بالأعدام بموجبها؟ انا اقول لك ذلك إذا كنت لا تعرف: أحد التهم التي وجهت الى بوخارين عام 1937 هي انه دبر عام 1918 (نعم: عام 1918!) مؤامرة لاغتيال لينين وستالين والأستيلاء على السطة. هل تصدق ذلك، فؤاد النمري؟
هذه، عزيزي فؤاد النمري، هي المأساة التي انزلها ستالين (جنكيز خان) بالحركة الشيوعية وانت ما زلت مسحوراً ب"عبقريته". بعد موت ستالين عثر في ادراج مكتبه في قصر بليجنيانا على ثلاث قصاصات ورق كانت مخفية بين صفحات جريدة. لا نعرف بالضبط لماذا احتفظ بها هناك ولكن كلها كانت تخصه شخصياً. هذه القصاصات هي في الواقع رسائل قصيرة موجهة اليه، احدها بعث بها بوخارين من سجنه هذا نصها: "كوبا، لماذا موتي ضروري لك؟" (كوبا هو ستالين كما هو معروف).
(رسالة ثانية كانت من يوسف بروز تيتو وهي مكتوبة بلغة تليق برؤوس المافيا: " ستالين، كف عن ارسال اشخاص لقتلي. لقد قبضنا حتى الآن على خمسة منهم، احدهم كان يحمل قنبلة وآخر كان مسلحاً ببندقية . . . إذا لم تكف عن ارسال القتلة، سأرسل واحداً الى موسكو ولن احتاج الى ثان")
اعود الآن الى" ما يوصف بالتطهير والذي لم يكن أكثر من تعليمات أعطاها ستالين للنائب العام للدولة أندريه فيشنسكي". يبدو ان هذه "التعليمات" كانت مفصلة جداً. اليكم كيف يصف المؤرخ روبرت سيرفيس (Robert Service) في كتابه "ستالين: سيرة حياة" الصادر عن جامعة هارفرد، بعض هذه "التعليمات": "بعد ذلك بيومين (اي بعد الأنتهاء من محاكمة واعدام بوخارين ورفاقه) صادق ستالين على عملية اخرى لتطهير "العناصر المعادية للسوفييت". هذه المرة طلب ستالين القاء القبض على 57200 شخض في ارجاء الأتحاد السوفييتي. وتم الأتفاق بينه وبين ييجوف على ان تجري محاكمة 48000 منهم محاكمة سريعة على ايدي "اللجان الثلاثية" (الترويكا) ويتم اعدامهم على الفور. (الترويكا، لمن لا يعرف، هي لجان مؤلفة من ثلاثة اشخاص تم تشكيلها عام 1934 على اثر اغتيال كيروف، احكامها السريعة (الموت في اغلب الأحيان) لا تقبل التمييز، وتجري "المحاكمة" دون حضور المتهم.) وييجوف الذي كان قد اكتسب مهارة فائقة في هذا النوع من العمليات، اقدم على تنفيذ المهمة التي انيطت به بحماس مفرط. وخلال الربيع والصيف والخريف من عام 1938 استمرت المذبحة باشراف جلادي ال-NKVD (الشرطة السرية) الذين قاموا بعملهم القذر نيابة عن ستالين. شاحنات حمل تحمل شارات "لحوم" او "خضراوات وفواكه" كانت تنقل الضحايا الى اماكن نائية في ضواحي موسكو حيث كانت المقابر الجماعية قد اعدت سلفاً." هذا هو، فؤاد النمري، "التطهير الذي لم يكن أكثر من تعليمات أعطاها ستالين للنائب العام للدولة أندريه فيشنسكي"، وهكذا حول ستالين الحلم بعالم سعيد الى كابوس مخيف.
اليك بعض الأرقام: حوالي اربعة مليون انسان اتهموا وأدينوا بجرائم ضد الدولة خلال الحقبة بين 1930 و 1953. من بين هولاء 800,000 قتلوا رمياً بالرصاص. هذه ارقام هائلة بحد ذاتها، ولكننا لكي ندرك فظاعة ما حدث اثناء "الأرهاب الكبير" يجب ان نذكر ان نصف عدد الضحايا (اي حوالي المليونين) القي بهم في السجن خلال سنتين فقط (1937 و 1938) وفي هاتين السنتين بلغ عدد من قتلوا رمياً بالرصاص ستة اضعات من قتلوا خلال باقي الحقبة السوفييتية. المأساة في حمام الدم هذا هي انه استهدف الشيوعيين بصورة خاصة. اكثر من نصف الذين حوكموا، قتلوا او سجنوا كانوا اعضاء في الحزب الشيوعي اثناء اعتقالهم. كل الكادر البولشفي القديم ابيد عن بكرة ابيه، عدا حفنة من المتملقين والجبناء حرص ستالين على ان تكون ايديهم ملطخة بالدماء مثله فبقوا مطيعين له حتى النهاية. خمسة من اعضاء المكتب السياسي، و98 من بين 139 اعضاء اللجنة المركزية، قتلوا في هذه الفترة. في جمهورية اكرانيا ثلاثة فقط من بين 200 اعضاء اللجنة المركزية بقوا على قيد الحياة. 72 من بين 93 اعضاء اللجنة المركزية للكومسومول ابيدوا عن بكرة ابيهم. 1108 من بين 1996 مندوبي المؤتمر السابع عشر سجنوا او قتلوا. 319 من بين 385 سكرتيريي المناطق الحزبية، و 2210 من بين 2750 المحافظات الحزبية قتلوا. عشرات الآلاف من الشيوعيين ومؤيدي الشيوعية الأجانب الذين وجدوا ملجأ في الأتحاد السوفييتي، اوعملوا في اجهزة الكومنترن، اختفت اثارهم. الحزب الشيوعي الألماني فقد في حملة التطهير سبعة من اعضاء مكتبه السياسي (على سبيل المقارنة فقط، هتلر قتل خمسة من اعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الألماني). الحزب الشيوعي البولوني فقد كل اعضاء لجنته المركزية وحوالي 5000 من اعضائه. جميعهم قتلوا بتهمة انهم كانوا عملاء للشرطة السرية البولونية. 700 من العاملين في الأجهزة القيادية للكومنترن اعتقلوا او قتلوا بتهمة افتقارهم لليقظة في اكتشاف المتآمرين.
هكذا، عزيزي فؤاد النمري، حطم ستالين الحركة الشيوعية وحول المجتمع السوفييتي الى مجتمع مبني على الخوف والنفاق والأفتراء .
#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اكثر من صحيحة أو الحقيقة المطلقة
-
سلامة كيلة يقودنا الى طريق مسدود
-
حول الصهيونية والدولة اليهودية الديمقراطية
-
من يخاف من دولة يهودية ديمقراطية؟
-
محمد نفاع لا يعصرن المبادئ
-
من يخاف من تصفية القضية الفلسطينية؟
-
انصاف الحقائق في اجتهادات فؤاد النمري
-
هل فقدوا البوصلة؟
-
-عبد الحسين شعبان- يكيل بمعيارين
-
عبادة ستالين : حقيقة لا افتراء
-
جرائم ستالين
-
يعيرنا أنا قليل عديدنا
-
اسطول الرجعية يتقدم نحو شواطئنا
-
قافلة حرية؟
-
على من يتستر عبد الحسين شعبان؟
-
موقفان لليسار : أيهما كان يسارياً حقاً؟
-
من أنت، جورج حداد؟
-
هكذا اختفى مفهوم الرجعية من أدبيات اليسار
-
الدقة العلمية، الخيال الخصب والديالكتيك الإلهي
-
فؤاد النمري ودفاعه عن -فناء الضدين-
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|