نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3187 - 2010 / 11 / 16 - 13:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
استغرب كثيراً حين يشكو البعض من وجود قمع للحريات وتضييق على حرية التعبير والكلام في المنطقة، وكأنه كان يوجد من الأساس "في تاريخهم المجيد" حريات حتى يتم التضييق عليها وقمعها؟ أليس من المفترض أن يكون هناك حريات وبعد ذلك يتم قمعها؟ إذن في ظل عدموجود حريات من الأساس لا يمكن القول أن هناك تضييقاً على الحريات، هذا منطق رياضي وعقلاني لا يختلف عليه اثنان. ومن هنا فإن ذاك البكاء واللطم البلشفي الكاذب على الحريات هو فعل كاذب بكل بساطة، فمن الأفضل أن يكون هناك شيء موجود أصلاً حتى نبكي عليه. والوضع المجتمعي والسياسي والثقافي السوري، بمجمله، وبالتماثل التام مع محيطه العربي الاستبدادي الأبوي، ككل، هو نتاج 1400 عاماً من الاستبداد وقمع الحريات والفساد والنهب واستغلال السلطات والمحاباة وسيادة السيف وحكم القبائل والعشائر والعائلات والسلالات القرشية والأموية والعباسية والصفوية والعثمانية والأيوبية ..إلخ، ومن يريد سورية متميزة وحضارية ومتمدنة ومتسامحة فعليه ألا ينسبها لمحيطها العربي الذي لا علاقة له بكل تلك القيم والمفاهيم بل نقيضها بالتمام والكمال. ولم يحدث في ما يسمى بتاريخ العرب القديم والحديث ما يخالف هذا القانون شبه الإلهي الراسخ والمقدس، لأن جميع تلك السلالات أخذت من السماء صديقاً يشرع لها كل استبدادها وفجورها وغيها. ولم تكن هناك فترات مشرقة أو بيضاوية زاهية في هذا التاريخ حتى يتم الكلام عتها والحنين لها ومحاولة إعادة استيلادها باعتبارها نمطاً معيشياً كان سائداً في فترة ما وقضى عليه بعض الاستبداديين والجلادين، فالتاريخ كله من مهده إلى لحده تاريخ لصوص وقتلة واستبداديين وفاسدين ومفسدين. لا بل نزيد أخوتنا "الأكثراويين" في الإعلان "المجيد" أن من حاول الخروج على ذاك التاريخ الاستبدادي كانوا يسمونه بالمارق والضال والشعوبي والقرمطي، ويردد بعض الإعلانيين تلك "المذمة" والمسبة وقد قرأتها لهم على صفحات هذا المنبر، فقد تكلم أحدهم بمقال لوذعي سابق وقديم عن الشعوبيين وكأنها تهمة، وما يزال يرطن بفقه الأقلويات وبصوت جهوري حاد، دون النظر إلى أولئك "المارقين والضالين والشعوبيين" وغيرهم باعتبارها محاولات للخروج عن ثقافة القطيع التي بها يتغنون ويمجدون، ومن هنا تظهر المفارقات المرة والقاتلة وخطل ورياء ومداهنة هؤلاء الإعلانيين إذ يعتبرون من حاول تغيير الاستبداد والثورة عليه في يوم ما، ويشتمونهم باعتبارهم أقلاويين وشعوبيين ومارقين وضالين، فيما يقولون هم، وليس نحن، كلا وألف حاشانا، وحاشاكم، بأنهم يقاومون نفس الاستبداد السلطوي الأبوي والإفسادي، لكنهم يطلقون على أنفسهم ديمقراطيين، ومن هنا فالمعادل الموضوعي للديمقراطي، وفق فقه البلاشفة الأكثراويين، هو المارق والضال والشعوبي، والعياذ بالله. هذه واحدة.
الثانية: لماذا هو مطلوب من سوريا أن تشذ عن وضعها العربي الاستبدادي الأبوي، وهم ما زالوا يتغنون بالعروبة والإسلام، ويلحقون سوريا بذاك الفضاء الذي جلب لسورية ولكل شعوب المنطقة كل هذا الجرب الفكري والقحط الثقافي والضحالة العقلية. نحن نعتقد أن سوريا العلمانية، التنويرية، الحضارية، المتمدنة، هي شاذة بالمطلق عن محيطها العربي الاستبدادي الذي لا يميزه سوى الاستبداد والأبوية. ومن هذا المعنى فإن أية محاولة لإحداث تغيير ديمقراطي حقيقي وعلماني جذري ومجتمعي وثقافي في سورية هو عزل لسورية عن محيطها العربي والإسلامي الذي لاذوا به من خلال فقرة الاعتزاز بالإسلام والانتماء للعرب ولحضارتهم الدموية الاستبدادية السلالاتية القهرية الفاسدة؟ ألأا يؤمن 90% من العرب أن السيادة والبيعة والحكم لقريش دوناً عن سائر خلق الله، ومع ذلك لا يتورع الإعلانيون عن اتخاذ العروبة والإسلام مرجعاً فكرياً، و"روحياً" لهم، لاحظوا كلمة الروح فيما التاريخ وحركته ماديتان.
الثالثة سمى الإعلانيون إعلانهم باسم إعلان دمشق، وليس أية مدينة أخرى في سوريا، كاللاذقية، أو السويداء، وليس حتى سوريا كاسم يجتمع عليه جميع السوريين، وذاك الاسم-دمشق- هو تيمناً ببني أمية باعتبارهم من الطلقاء، ورمز الاستبداد التاريخي والقهر والدموية التي فصمت عرى هذه الشعوب والأمم ومازالت تداعيات ممارساتهم السياسية المنحطة والمجرمة مستمرة حتى يومنا هذا. ونصبوا على رأس هذا الإعلان تاجر دمشقي حفيد ووريث التجار الأمويين أنفسهم، تأكيداً على هوية الإعلان الذي أصبح بكل بساطة مجموعة من اللمامات الفكرية والثقافية وسقط المتاع التائهين في الشوارع السياسية الذين لفظتهم كل الأحزاب والتجمعات الأخرى المحترمة، وبذا ترى بعضهم ممن تنقل من حضن "المرحوم" سياسياً الغادري (سمعت أنه يتوسل السوريين للصفح عنه)، إلى الإخوان، إلى حضن خدام، ورسا أخيراً في حضن الإعلان، ولا نعرف أين سيستقر بعد ذاك وغيره ولم يترك فراشاً ملوثاً بقلة الوطنية والفساد والطائفية يعتب عليه، إلا وشاركهم إياه، وكل الحمد والشكر، في الوقت الذي أحجمت فيه كل الأسماء التنويرية والعلمانية السورية بكافة أطيافها على الانخراط في هذا المشروع الماضوي أو مجرد قبول مناقشة التوقيع على هذا الإعلان
الرابعة: فقرة الإسلام الشهيرة والكلام عن أكثراويين، والتركيز على أقلاويين، أو بمعنى آخر السنة هم الأكثراويين، والأقليات هي بقية الشعب السوري المغلوب على أمره والمسكين "المتهم" لأنه ليس أكثراوياً مثلهم ولم يحظ بتلك النعمة اتي هي هبة لهم من السماء فقط أنعم الله تعالى بها عليهم، ولله يا محسنين، تلك الفقرة لا تنبئ إلا عن حنين نوستالجي للماضي وإعادة إنتاجه علماً بأنه قائم بالمطلق على القهر والاستبداد والعبودية فأين الديمقراطية من هذا كله؟ وإذا كانت الغاية من وراء تلك الفقرة المريبة إعادة سورية 1400 عاماً إلى الوراء(وكأنك يا أبا زيد ما غزيت)، فهذا ليس بتغيير، على أية حال، ولكنه تكريس لواقع مظلم ومقيت هو وراء هذا المأزق الحضاري الذي نعيشه جميعاً، أوسموه ما شئتم، وعلينا أن نكرر في كل مرة أمام مسامع الجميع أن التغيير ليس سياسياً ولكن ثقافياً بمعنى حين تتغير عقولنا المستبدة أباً عن جد وبالوراثة ستتغير المناخات السياسية أوتوماتيكياً ولن نكون بحاجة لأحد كي ينظـّر علينا ديمقراطوياً وفهلوياً/ وأوروبا لم تتغير سياسياً ومجتمعياً إلا بعد غزوات التنوير المباركة التي أسست لثقافة جديدة وقوضت ثقافة صكوك الغفران التي لا تختلف كثيراً عن فقه الأكثرية التي بها يرطنون. وبمعنى آخر إن فقه الأكثرية الذي يرطنون به هو فكر تمييزي استعلائي لا علاقة له بأي نمط مدني وحضاري وإنساني ومن هنا فهؤلاء لا يؤمنون بأي شكل من أشكال المواطنة، فمبجرد كونك أكثراوي فهذه ميزة ربانية وصك على بياض لك ويجب أن تحكم وتتسيد وتمتلك السلطة والمال والثروة ورقاب العباد، هذه هي عبودية وليست ديمقراطية. وأن التمييز بين "أقلاوي" (كل سوري غير سني وهم الأكثرية في الحقيقة)، وبين أكثراوي (سني تحديداً حسب مصطلحات شيوخهم وملاليله الديمقراطيين)، فيا لله من درها من ديمقراطية فلحاء؟ يبدو أن الأخوة لم يدركوا أو يسمعوا بالديمقراطيات الحقيقية التي يرفعون لواءها بأن ساركوزي "أقلاوي" من أصل هنغاري، وأن أوباما"أقلاوي" من أصل كيني، وأن عائلة ويندسور البريطانية وسلالتها الحاكمة هي من "أقلاوية" ألمانية، تتربع على العرش الإنكليزي؟ هل يفهم هؤلاء شيئاً عن ثقافة التسامح ومعنى العلمانية والديمقراطية الحقيقة وفق هذه الأمثلة والبسيطة. وحتى في الغرب اليوم ، وبعض الديمقراطيات العريقة، لا تحكم الأكثريات، بقدر ما يحكم تحالف الأقليات السياسية والحزبية التي تمثل مصالح جماعات وقد تخسر الأغلبيات وتنحسر أمام تحالف أحزاب وجماعات سياسية وأقلاوية تمثل مصالح عامة وتعبر عنها، ومن دون وجود بعد ديني أو غيبي كما يفعل ويدندن على ويتغنى به سلايفة وبلاشفة الإعلان الديمقراطي الشهير، ما غيره.
الخامسة، والأخيرة/، ويا لها من موجعة ومريرة، بات من المعروف أن الإعلان وأصحابه بات زاداً استراتيجياً في جعبة أمريكا وإسرائيل وأنظمة الاعتدال العربي التي تدعمه وتقدم له العون، ترفعه وتبرزه كلما اشتدت وطأة الهجمة على شعوب المنطقة والتلويح والتهديد بها وهذا ما حصل أيام مجرم الحرب بوش، وما يحصل اليوم مع العودة غير المحمودة للمحافظين الجدد وانتصارهم الكاسح في الانتخابات النصفية أخيرة وتحول أوباما إلى بطة عرجاء Lame Duck عاجزة داخل البيت الأبيض. وهذه القوى تشكل تحالف أصوليات فاشية متطرفة دولية غايتها إشعال الحروب والفتن ونشر التخلف والجهل والخرافات والرعب والدمار والفوضى في العالم، فالأصولية الأمريكية والغربية والصهيونية المتطرفة لا تختلف كثيراً في الغايات والأهداف والتوجهات والآليات عن الأصولية السلفية البدوية الظلامية السوداء فأقصى اليمين يلتقي مع أقصى اليسار كما هو معروف. وبات الإعلان المشؤوم في صلب هذه القوى الأصولية الدولية، فالتحالف الوثيق بين الصهاينة والأمريكان وأنظمة الاعتدال العربي لم يعد سراً وهؤلاء هم أقوى حلفاء الإعلانيين و"ومرشدهم" الروحي، حيث يلعبون على العامل "الأكثراوي" وحيث يفتح أولئك لهؤلاء الصحف والأبواق وفنادق "الخمس نجوم" ويسهلون لهم العمل ويقدمون لهم الأموال (هل يمتلك الإعلانيون جرأة الرجال ويصرحون عمن موّل مؤتمر بروكسل الأخير وذلك من باب أضعف الديمقراطية وصدق اللسان؟)
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟