|
احزان الزهر البري
أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 3187 - 2010 / 11 / 16 - 00:28
المحور:
الادب والفن
- ما بالك كئيباً.. هكذا؟ كيف يجيبه. الحياة مملة في كل مكان، رتيبة.. أوجاع تعصف بالنفس، والآم تنزرع في جسدك من هول الصقيع- كل ما فيا متعب- ماذا يزعجك، سؤال شديد الغرابة والسذاجة.. معاً- الآخرون يغرقون في المتعة- إنها كازان- انهم يعلمون أي بلد سيرجعون إليه – من فينا هو الأبله؟ كل ما يحيط بك لم تألفه من قبل!!!…
كساء خضري ونسمات ربيع منعش، شتاء يفترش الأرض قطن ناصع البياض، والزجاجة ألَذْ أنثى تعاشرها في كل المواسم. - عندما تتغير ألوان الطبيعة المحيطة- متى ما تسقط وريقات الأشجار الذهبية على الموضع الذي تقعد فيه، خاصة إذا ما كانت تجلس حسناء مرخية رأسها على كتفك- عيناها لا تغادر عينيك الحزينة- حنين لم يكن لك معرفته أبداً- إنها روسيا. وتسألك: هل تحبني؟ وتسمع خرير الماء الساحر في (ألمانا)، عندما تنبئك الطيور المختلفة عن زمن العشق- انه الربيع – وتختارك انجيلا من بين الحضور – ما اجمل ربيع النساء هناك- كم تقاتل اليمنيون والأثيوبيون عليها- كان السوريون يظهرون الوقار، لكنهم لم تنقطع أقدامهم في الذهاب والرواح متى ما بدت ومتى ما همت تغادر صالة المطعم. - كان أخطرهم الدكتور احمد، أكثرهم جاذبية وأناقة - كان ذا بسمة ساحرة. ما ان تحرك في اتجاه المغسل.. تحركت أثره - كانت تربطنا صداقة حميمة ورياض الأردني- كان قد قطع عليها الطريق- سمعته يكثر اختلاق الملاطفة بعد ان اعتذرت بود دعوته لسهرة اليوم. - طيب غداً.. بعد غد- بوغت بقدومي، وبتلعثم أخجله وقفته خاصة بعد ان كان اعتذارها مسموعاً لي- كنا نعتقد السوريين "براويين" ثقال الدم، لكني ما ان ارتبطت بهم وجدتهم عكس ذلك، كانوا من الذكاء في جعل مشرفيهم في جيوبهم، ويزداد حدة ذكاءهم في صيد الفتيات دون ان يشعر أحد بهم- هاني امجد. ابتسمت ابتسامة واسعة، منتقلاً بها بينهما- كان غيظة مكتوماً عندما وجدها تفتعل الحديث معي بعد تحيتها: هاني، وهي تعتذر قبلها منه للانصراف لكثرة انشغالها.. - ايش هذا الخط ! ليش دائماً هو.. ما فيش معه حتى قيمة كاس.. يعزمها!!.. - المهم أعجبت بصاحبنا. ليغتاظ السوريين – عيال الكلب الباكستانيين، حسن لا بأس فيه لما عنده زيادة يجي لعندنا- آه.. باغي ذلك الملعون، كلما رحنا مكان يفعل حركات الممثلين الهنود- ويخدعهن دائماً- ليعزمها امجد، (جَسَماً) بالله سأدفع له (حج) العزومة كلها حتى مائة دولار…. *** في كل المواسم، وعند هجيع الليل من كل يوم تعاقرك معنقة تزيد نغمات الغناء الكلاسيكي- الروسي جمالاً في إيقاعاتها الغارقة في القدم، وعذوبة كلماتها، التي لم تحس يوماً من العربية او الإنجليزية ما يضاهي سحر الكلم الإنساني في تخلق التأوه.. والجنون الى الحرية- وتنفثك فاتنة. في عمر الزهر الربيعي نكهة الجسد الالوهي- آه ما أعظمه من خلق- وينسيك عشقهن الطفولي كل تاريخك، وآلامك التي لا تنتهي- لكنك تظل عاشقاً لأحزانك- ما بالك كئيباً؟ لا ادري أي منا غريباً، ذات السؤال.. المتكرر.. أم أنا !!… *** كانت زجاجات البيرة كثيرة.. تقف على الحشائش المبرقعة بين الخضرة الباهية في مواضع منتثرة بين بقايا الثلج المجروش- كنا في إجازة دراسية- هي عائدة اليمني في الخارج يقتني المياه الحارقة اكثر من حاجته- كنت ترى في صباح السبت تجمعات الجاليات الأفريقية والآسيوية يتعالى صراخها في تجمعات حلقية صاخبة أمام الطريق العام المطل على المساكن الجامعية، استعداداً للذهاب الى المطار، لشراء مياه الفرحة، خاصة وان المرقص سيكون عامراً هذه الليلتين. - وإذا ما جاء هذا اليوم وقد استلموا الفالوتا الذهبية- كنت الوحيد دون منحة مالية- احضروا على طريقهم من (البيربوسكا) الروسية الشراب الأجنبي، وأنواع مختلفة من الشوكولا المستوردة.. كن الفتيات يعشقن الأجنبي، سعادة تغمرهن في المرقص وهن يتلذذن بتمضغ تلك الشوكولا أو نفث سجائر الكنت او المارلبورو الطويلة أمام مرأى الزائرين للمرقص من الشباب والشابات- كن يحتفظن بالعلب والباكيتات الفارغة في "الاستنكا" الزجاجية الواجهة في صدر صالة المنزل- كان الفريق اليمني والسوري الوحيد الذي يلقى ترحيباً وتسهيلاً- عند كل إجازة- للدخول الى السوق الحرة في المطار.. للتبضع، وإذا ما صادف منعاً خرج من العاملين الروس ليأخذهم في اتجاه بوابة التصريف الجانبية- كان الفريق شديد السخاء في منح روبلات التسهيل- كم يحزن المرء عندما كان ينهر الأثيوبيين والفيتناميين يظلون واقفين لساعات يستجدون عدد ضئيل من الزجاجات التي سيجتمع حولها عشرات منهم- كان عطاءهم ضئيل، هو ما يقوله عمال التصريف لبضائع السوق الحرة الروسي.. انهم بخلاء- يقفون باستجداء.. بينما يخرج كل يمني محمل بشوالات وزكائب تحني ظهره من الثقل- كان لا ينسى اليمنيون شهاباً، فهو صاحب اللسان الذي يتقطر عسلاً في لغة الشارع فياسر حتى الضباط المتصلبين القائمين على ضبط المطار- ولا يمكن لزيارة الى هناك ان تتم دون العقيد حمود واليافعي صاحب اعظم كثافة مالية واكتناز للهدايا الأجنبية، التي يحضرها لإغواء الفتيات- كان الشراب قد بدأ بعض أثره علي- كنت اشعر بنظرات الزجاجات المصوبة نحوي… شرب لا يحس أحد بحزنك غيرنا.. اشرب… اضطجع الجميع بأشكال عشوائية مبعثرة على شعيرات الأرض الخضراء، بعضهم يقضم الحشائش ويتحادث بجدية، آخرون بسكرات يدقون الكؤوس- كنا عرباً.. جميعنا- ولكن ان تلهب المياه الشفافة الرؤوس حتى يتحادث الجميع بالروسية.. والبعض ما بين صراخ الضحكات المجنونة والمزاح، وبين تخيل قروب الظلام، لقضاء ليلة حمراء- كلهن سيأتين اليوم، الميرا.. ليلي.. ناتاشكا.. ليزا.. مارينا- كلهن، ويتشاتم علي واحمد.. الفلاحي وحمود- من مازال محتفظاً ببقايا الإغراء المستورد، يهدد بأخذه صديقه غيره- يا أخي ملل.. لازم الواحد ينوع.. – مد يديه الى تجمع مائي في جواره، راح يملأ راحتي كفيه ويقذف الجميع بما كان يجمعه في كل مرة، تحول المكان الى حلبة من الزعيق، بعد ان خيمت عليه السكينة بعد مضي اكثر من ساعة من مجيئنا.. *** … لماذا ينظرون الي.. هكذا؟ .. دائماً ارى اعينهم تحمل شيئاً غير مريح، لا اعلم ما هو! - خاصة بعد مرور لحظات الانتشاء بزمن يسير.
انهم لا يدركون كيف أبصارهم تظهر رائعة و.. شديدة البهوت. - لم تكن تحمل معنى أبداً.. الا متى ما تصطدم بوجودي السارح الحزين- لم اكن اعرف بان نظرات أحد تقف علي، فنحن معاً، وتحادثنا لساعات- لكني عند كأس انفتاح الذاكرة، يفتقدني الشكر- هو حتى ما عرفه الآخرون عني- تغيب نشوة الطفو المرحي، وتأخذني صوفية لا اعرف رأساً لها من قدم- لماذا يحيا الإنسان، عذاب، متع عبثية زائلة.. سريعاً. هماً.. قلقاً- حتى محمد يقضي وقته طول الإجازات.. ويومياً وقته في الصلاة وقراءة القرآن والتبضع للبلاد – أية حياة، اتعب كثيراً في الوقار.. والانغلاق منكباً على الدراسة- كان كل من لا يعرف باب كليته، الذين لم يزوروا محاضرات الدرس اكثر من خمسة مرات في العام- كنت اسمع أحاديثهم.. سامح.. جمال.. محمد- يتفوقون.. حتى أولئك اللاهون، الذين يستوقفون كل شيء قبل موعد الامتحانات بأسبوع- يا جماعة ذاكروا.. غداً تبدأ الامتحانات- وينتكس مغلقو غرفهم للاستذكار. - غداً.. امتحان!! (في سكر متفاجئاً بضحكات ساخرة) - أية مادة؟ .. لم يبلغونا. (ثانٍ، ضاحكاً) - المـ..هم.. صحونا معكم الـ.. صباح. .. بكرة "بتيوركا" وسـ…. تشوفون. - اني اعرف ما في نفوسهم – انهم طيبون - لا تقصد نظراتهم معنى الاشمئزاز مني- لكن تلك النظرات التي أراها مستمرة علي، عندما أحدس بشيء يقود بصري لاكتشاف مسترق النظر الي- إنها تؤسفني لحالي، كوني الموعود دائماً للعزائم- كأنها تحاكمني إلى متى- أية لعنة قذفتني للحياة، لا اصل لشيء بسيط إلا وانسلخت آلاف المرات من الأذى- لم أؤذي أحداً، لم أتآمر على احد، لم..لم..، لماذا؟ -آه من عذاب الرأس، حين يرفض التوقف عن التفكير، حتى في اللحظات التي يطفو فيها الآخرون.. بعيداً عن كل شيء- وأنت كما لو بك مس شيطاني- انهم من البراءة ان يعيشوا الحياة بهذه البساطة -ارتايدهم مثلك- من أنت- هل ترى انقضى زمن الامتحانات.. تعبت وتعب كل المعتكفين استعداداً للامتحان- وكانت هذه الوليمة على الهواء الطلق لبدء الإجازة- كان الآخذون متعة الحياة.. قد حصدوا الدرجة النهائية في كل المواد.. ولا سواهم!!.. … من أنت ؟!!..
- امجد. اعرف انك تحت الثقيل لـ.. لكنه كمل. خذ من الثاني- انه مفيد للكلى.. اشرب.. في صحتك. التقطت الزجاجة المطوحة في الهواء باتجاهي. كيف دفئت- إحساس عطوف تسر به بين يدي- أحسست مشاركتها لوحدتي- هو ذلك الشعور حين تداخلت شفاهنا، تسكب رحيقها في حنكي، وانفث زفيري الحار في جوفها- كانت اكثر إنسانية من كل من صادفتهم- الآن.. نعم.. يبدو ان كل شيء في هذا الكون المتداعي.. قد بدأ التخلق.. للتو!!.. *** - امجد. مالك تسرح؟ - أ ء ء .. انك تستمتع مثل غيرك، وربما اكثر، لا شيء ينقص، بل تزيد عن الآخرين- كل شيء أنت طرف فيه.. عاشقاً- الطبيعة، العلم.. النساء.. الأصدقاء.. الشراب- حتى قال عنك يوماً عمرو نقد- كم أحببته كثيراً- ان رقصك في بعض ليال من يوم السبت مميزاً بما لا تحبه رقصات المزدحمين في الصالة، خاصة عندما تسقط عليك الإضاءات اللونية- انك "اباشي"، انك زوربا اليوناني- ما يتعسك؟ - اشعر بمرارة قاتلة. كل ما في زائد.. ويفيض علي- هو الذي يسبب لي الاختناق والضيق- كل ما اعتقده سينزعني بعيداً عن حالتي هذه، يفاجئني زوال الاعتقاد.. بعد زمن يسير- ماذا تريد، انك حر لا يماثلك أحد. كل ما تريده تصل إليه لا يرسم أحد لك المسار، فكل شيء أنت تصنعه-نعم، لكن لما كل هذا الأسى- الآخرون الذين يرسم لهم كل خطوة في حياتهم، يحصلون على كل شيء دون عناء، دون ألم- ماذا يفيد ما تقوله، فكل ما تقوله صواب،.. ولكنه خطأ في ذات الوقت!!.. … كل شيء ينقصني. .. لماذا أنا.. دوناً عـ….ن الآخرين؟!.. الجميع سيسافر في الاجازة، جميعهم يسافر اكثر من خمسة مرات في العام- ها أنا اسمعهم الان، وسمعت الآخرين في السكن، التذاكر جاهزة للمغادرة، أما من وصل لتوه من اليمن- أي منذ فترة لا تزيد عن شهرين، منهم يحضر نفسه لقضاء فسحة يزور فيها أوروبا حتى سويسرا، أما عبد السلام وانور- وقد سمعت ان باغي ذاهب معهم- ومازالوا يتشاورون هل يأخذون معهم صديقاتهم ام لا، منهم يراها تكاليف زائدة وآخر يرى المتعة في قطار الرحلة الطويلة وكل شئ موفر- قرروا السفر الى تركيا، سيشترون ملابساً جلدية وأشياء مستوردة، سيبيعونها عند وصولهم، ليس سيستردون ما أنفقوه فقط، بل سيكسبون. - باغي ابن كلب يريد يكسب فقط، حتى لو جاءت معه صديقته، لكنه يريد الكسب اكثر لذا هو مصر على الذهاب بدونها- ابن الكلب، أكيد شعر ان نفسي في صديقه، لذا هو خائف- باكستاني حق رز- لكنه ملعون، هو بخيل، وإذا ما سافر معنا وصديقاتنا معنا، سيتصرف على حسابنا، تحت عذر أننا ننفق بسخاء ما دامت البنات معنا، يعرف أننا سننفق.. ولن نستطيع ان نهمله.. فنحن معاً- لكنه خبيث، كيف يأتي لوحده، نحن نريد نرتاح، يعني ان نجهز له صديقاتنا على الساهل، فشيطنته معروفة لما يكون حاضراً في جلسة دون صديقه، يكثر التنكيت.. المزح، ويشعلل أجواء الرقص والضحك ويهتم بإحضار الإضاءات اللونية المتشكلة مع نغمات الموسيقى كلما اخذ المزاج مكانه، تزداد الكؤوس المتدفقة الى جوف الصاخبين. - كنت قد رايته اكثر من مرة يصب كأسه وراء الأريكة- يعرفه اليمنيون في مثل هذه الأجواء يقلل من الشرب- ونحن أبو يمن لازم نعمل الشيء الى الأخير، مثل المنغوليين والأفغان، لا، بدون صديقته لن يسافر معنا- اما باقي غير المغادرين لروسيا، جهزوا أنفسهم لدعوات صديقاتهم لقضاء الإجازة في أماكن متفرقة من الاتحاد السوفيتي. - لي عامين.. هنا. .. لن يكون في السكن أحد. .. غير قادر على البقاء. أنا مخـ…….نوق *** - ايش.. تشتي بالبلاد. .. تخزِّن. (ضاحكاً) - قلت لكم انه يعكر المزاج. قالها يسلم هامساً لمن هم جواره، لكن الصوت كان مسموعاً بخفوت- ربما كان قاصداً- اليمنيون لا يحبون مطلقاً الجدية أو عاطفة الشكوى عند جلسة "القات" أو جلسة الشراب، انهم لا يحبون إلا الأحاديث العابرة- غالباً الساذجة منها- القاتلة للوقت- انه ليس قتلاً للوقت، لكن ما يخرج عن ذلك فهو يقتل المتعة. - ها أنا مسافر.. والكثير غيري. .. انه بله منا. .. ما في البلاد ؟! هنا كل شيء، بنات .. طبيعة.. حرية. .. كل شيء و.. بدون فلوس. انهم على حق. لا اعرف ذكرى يوم فيها إلا وهو مشبوب بالألم.. والأذى، مجرد مغادرة ارض مطارها.. كان حلماً- لن تكون الحياة في مكان آخر اكثر سوءً.. منها- إنها بلاد طاردة- بلد يفاجأ مراهق في العشرين من عمره.. الا وشعر رأسه مبيضاً، قسمات ملمحه.. الطفولي.. وبشرته الرطبة.. الا وقد صار قاسي الملامح جاف.. خشن الطباع، وجلده قد باشرته التجاعيد- إنها مسألة شبيهة بأرض البلد "البور"، الجرداء- مثلها كأي يابسة، حين يأتي الغوث في موسم المطر.. تخضر الأرض- لكن ارض البلاد لم تعد تعرف مواسم- إنها أسطورة المكان على الخارطة- حين تتجمع السحب.. يخرج الناس لصلاة الاستسقاء بموسوم رئاسي- كانت دائرة الأرصاد الجوية قد بعثت بهطول المطر.. غزيراً. - بعد طول أعوام عجاف من العطش- سيهطل عند صلاة الظهيرة، ولن يتأخر عن الرابعة عصراً، فيهلل الناس حبوراً باستجابة الخالق لصلاتهم ودعائهم، ومتى ما قدمت انتخابات، او شن الإعلام الرسمي خطاباً لتكفير معارضين او وصفهم بالخونة – او ما شابه ذلك - اندفعوا كملائكي رحمة لنصرة النظام.. الطاهر-دائماً لا يأتي الغيث بعد انقطاع طويل المدى، الا وكانت دعوة الخروج لصلاة الاستسقاء، ويكون الحاكم على الصف الأول.. فينزل المطر- ان استجابة الخالق لنا.. لرضائه علينا، لكونه راضياً على حكم البلاد، فمنحنا الخير مكرمة.. للقائد- مثلما البلاد كأي يابسة لكنها حين تتكثف السحب في سماء مرتفعات الخير، حتى تتقاطر مطراً شحيحاً، وتغادر الى ما وراء البحر، فنسمع بها.. وقد أغرقت حقولاً وأعاقت حركة أسير في بلدان مجاورة.. على الجانب الآخر- قطرات ماء معدودة ترتطم على السطح، وتتشقق الأرض مهددة بتصدعات قادمة بفعل الجفاف- لا يرى لونها الا شاحباً.. بلون بشرة أهلها.. الطيبين!!.. - إنكم محقين. لكني.. نعم. .. في صحتكم. *** - أسمعكم قصيدة. .. الفتها الآن. - قل. - الآن سينكد.. علينا. ستظل وحيداً وان عشقت ألف امرأة. أو زرت.. ألف مدينة. هي الوحدة تأتلف نفسك. وتفتح فيك المدن. هنا قابلـ.. - القطار. القطار. أي ي ي ي "زدرازد تفوي".. زدرازد تفوي. كان عبور هذا الجسد الآلي.. المريع بسرعته المخيفة.. يدك تحت أقدامه السك الحديدي.. المتأوة ألماً.. بفعل عدم مراواته منذ فترة قديمة، حتى ان بعض مفاصل التحويلة تعاني من الصدأ، وهو ما يهدد يوماً بردة الفعل- الصارمة- سيقلب ذلك الديناصور الحديدي.. العصري- قد يموت العشرات.. وربما المئات من البشر- لا ذنب لردة الفعل.. هذا قدرهم- انه من القسوة ان يدوس كل شئ في طريقه، لا شفاعة لديه حتى زهيرات برية انبتها القدر- المنحوس- من بداية كل خريف.. تحت هذه الأطنان.. المهولة.. شديدة الجنون في هرولتها- تنسحق منذ أول وهلة ترى فيها المروج وبقايا فرش الثلج المجروش- ربما لم يمرق عليها كم يوم منذ استنشقت روائح الطبيعة، ربما لم تلعب معها فراشة او فراشتين، ولحلول الظلام كانت على موعد في اليوم التالي لقضاء اليوم الضوئي.. في اللهو، ربما تفتحت عصرية اليوم، وبعدها لم تزل غريبة تستكشف العالم حولها، حتى تنهال عليها أقدام هذا الشيطان الذي لا يرحم.. كم هو مروع مرآة هذا الزهر. كان الذي يقف محاذياً للقضبان الحديدية، منها ما يرتعد من رؤية مظهر الإعدام، فيسكب كل أوراقه خوفاً، ومنها يأخذه الرعب فتنحني قامته الطرية، فيضم من الرعب.. ما ان يرحل القطار عن مجلسنا.. بلمح البصر، تاركاً وراءه رائحة مميزة في المكان، وبعض موجات ريح تعبث بأوراق تتناثر في الهواء.. ترى.. من منا حظه العاثر اكثر سوء، قدرك الذي أنبتك في حياة تؤخذ منك باكراً، فيحرمك متعة العيش كغيرك من الزهر.. المستأنس.. أو المدلل، الموفر له كل أساليب الصحة والراحة.. وطول العمر- ما هو اكثر رحمة بالنسبة لك، هذه المغادرة الصادمة دون معاناة، أم العيش لمدى من الشباب فيأتي من يأخذك إلى الآخرة و.. وأنت ما فتئت تفتتح فهم الحياة- أم ان تأخذ دورة الحياة كاملة في رحلة من المعاناة والمرض والجوع، وعبث العابرين الطريق- حياة من الجفاف والرياح والتلوث والجراثيم، حتى في مواسم الخير، ما ان تستكمل صلاة الشكر، وتتوكل على الله لتأخذ نصيبك من متعة الحياة- بعد بؤس- تجد من يصادر عنك ذلك، فالماء يحول مجراء في سواق الى حقول نباتاتها تأتي للإنسان بالنقود، حتى المخصبات وحشرات اللهو والتخصيب.. تنقل الى تلك الحقول- اياً منا قدرة اكثر تعاسة. المتنعمون في قانونكم.. يمتلكون قدراً من الصفات المميزة وهي العدالة في جانب من حياتكم- لكن في عالمنا.. عديمو الصفات.. بل أحط أبناء قومنا.. هم المنعمون، المسؤولون والـ.. قادة- مدلليكم مهما أغدق عليها الخير، لا تأخذ إلا طاقتها- مثل ما كانت عليه قبل تمييزها في الطبيعة، لكن "المنتخبون" ؟ عندنا.. شراهتهم لا تعرف تخمة- إنكم تنتمون الى بعضكم، لكنا ننتمي جميعاً الى كذبة- لا تعرفونها- نسميها "الوطن"- كلنا وطنيون و.. نحب الوطن!.. المميزون من الله يكون الوطن في نفوذ المدللين.. طارداً، معادياً.. لهم والعامة كل ما يفعلونه- في حب البلد- حتى التدمير.. قتل الأنبياء والمصلحين- انهم كثيران الحقول.. حسنة النية، حسب ما يوجه عملها قائدها- فهي تقلب التربة لتهيئتها للزراعة وتعمم الخير، وهي المدمرة للأرضي المحروثة والزرع، إذا ما استخدمت.. للتدمير- اما المدللون.. لا يزنون شيئاً، لا يشبعون.. حتى من الدماء- لا تحزن أيها الزهر البري، جميعنا مائت.. لا فرق بين الأوزان.. فالجلاد هو الجلاد. - آآآآه. .. لا استطيع الـ- أنا مخنوق- سنوات طويلة- أخاف. يجرى شيء لامي و.. أنا لم أرها- أنا إنسان- لماذا. الجميع سهل لهم، لـ.. لف الدماغ لفات متكررة بين الألم الباكي وكثرة المياه الروحية المشروبة، ويدخل في دوامة ليس لها مستقر كان الجميع قد تسلل مغادراً الجلسة- ماعدا رياض واحمد- كان الأخير غارقاً في نشوته بين الثمالة والنعاس مستلقياً على الحشائش الرطبة، اما رياض كانت فرصته هذه الخلوة ليفكر بصفاء لشراء الهدايا الى الأردن، وحتى لا ينسى احداً، وكيف ان يتبقى معه نقود لصرفياته دون الحاجة لأخذ مصروفه من الوالد- ما ان دخل امجد في حالته، البسه جل تعاطفه. - هل نعود الى السكن؟ .. انا ممكن اتبرع لك بمئة دولار. - لا.. ما فيش فايدة. .. كلهم كلاب ممكن ينفقوا في.. ليلة.. قيمة خمسة تذاكر لـ.. واحد في حالتي، لـ..كنهم.. إذا واحد سيموت.. لا يهــ..تمون لذلك كان الظلام قد نكس جوانحه، فبرقشة الحشائش الخضراء وابيض الثلج، وكل المعالم أصبحت مكسوة بالرداء الشبحي الأسود لم يعد يرى سوى نوافذ الإضاءة من المساكن المنتصبة بعشرات العيون، والمساحات الواقعة تحت أعمدة النور، التي تظهر باهتة اللون من بعيد، كما من هو مصاب باليرقان. هي الحقيقة المماثلة لك، ان تكون وحيداً في ظلمة دامسة- خاصة بعد ان غادر رياض متعتلاً احمد بصعوبة في طريقه- تجلس وسط أشباح شديدة الاسوداد، لا شئ له علاقة بك، كل في عالمه الذي لا يتصل بك، حتى اصوات الخنافس الليلية، او الكلاب المتشردة.. التي ياتي عواؤها من بعيد.. يشعرك بالغربة ووحشة.. الوحدة.. .. لا أحد يهتم لك، هي مشكلتك لوحدك- البلد حقير.. قذر، مقرف- الحياة عبثية هناك- يا الله الواحد يخرج منها- سيعبر الخريف سريعاً وسيعود الجميع- هنا افضل، الواحد يخسر في السفر.. لو ظل هنا سيصرف القليل و..يستمتع- لكني سأختنق، لا ادري لماذا هذه المرة. - أعيدوني. .. أريد العودة. لعنة الله عليكم.. جميعاً. لعنه الله على البلاد. .. لعنة الله على هذه الحياة الـ..تي تقتلني. .. أريد أسافر. نشيج بكاء متقطع- انها فرصة ان تردد الطبيعة بكاءك دون ان يسمعك أحداً- ظلمة.. رياح خريف تشتد صقيعاً مع حلول الظلام، وزجاجة معنقة تقف مفرغة المعدة عن أية قطرة ماء حار.. تقيها تغير الطقس- كان سائلها ينهب جوفه، يطير برأسه المشتاق لبلاده التي أورثته الألم والخوف- غريب كيف يحب كل شيء فيه، حتى.. أولئك القتلة.. من شرده صغيراً و.. أجهزوا على قلب أمه المتمزق.. حزناً- ليكن ما يكون، انه لا يستطيع العيش دون ان يحس بها- انه شعور أقوى من المرء- كان يعتقد دوماً بطموحه، بقدراته، بـ…كرامته- لكن ان لا يعود.. غير ممكن- كثير من التفاصيل.. يتقلب بين البكاء والضحك، التاسي والابتسام تارة أخرى- لا أحد في الجوار.. سيهزأ منه، لا أحد سيصرعه إذا ما قلل من حالته، وهو الـ.. تافه.. الميسّر له كل شيء- تسخن انفعالاته المتهيجة، يغلب عليها اللعن والشتم- يحاول الوقوف.. وتجره قوة للاضطجاع على بساط الحشائش المحجوبة بردائها الأسود- يشده نعاس لاخذ غفوة قصيرة- لم يكن يحب النوم- كان أعتى إنسان على البسيطة يصعب على سلطان النعاس ان يغرقه لأكثر من ساعة- فتح عيناه لآخر مرة قائلاً:- .. لا تحزن أيـ..ها الزهر. .. على مـ…ن مات، حتى لـ… وتخاف غداً ان يكون نهايتك. .. بالضرورة سيمر القطار. .. لا تحزن. نحن مثل بعض!!..
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سفرخلال النافذة
-
بلد اليباب نثر شعري
-
بوابة الحقيقة والبركان قصة قصيرة
-
مقترح مشروع تحديثي في البناء التنظيمي لمنظمة الحزب الاشتراكي
...
-
أنا . . والقصيدة نثر شعري
-
خوف نثر شعري
-
من بلاد . . سجن الأمراض النفسية من يمنحني . . هواء إنسانيا
-
الصلصال
-
وكر الأشباح قصة قصيرة
-
مغايرة في ال 7 المضطربة نثر شعري
-
الهاتف
-
حمى
-
إشهار المرصد العربي لمكافحة السرطان
-
( ورقة العمل بفكر الضرورة ) مشروع التحرر الإنقاذي اليمني (ال
...
-
مؤتمر لندن - مكشاف عورة العقل السياسي اليمني ( الجزء الأول +
...
-
مشروع رؤية إستراتيجية لمكافحة السرطان يمنيا ، قابل للتطبيق ع
...
-
مرآة . . في وجه طفل راحل
-
أقدر . . ممكن له أن يأتي نثر شعري
-
ملخص رؤية مشروع إستراتيجي - يمني . . عربي لمكافحة الأورام وا
...
-
اليمن : السياسي السائد . . والهجرة الخارجية
المزيد.....
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|