إشكاليات بناء قدرات مؤسسات البرلمانات العربية: مجلس الشعب المصرى نموذجا

هدى الشاهد

الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 14:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

على الرغم من أن تطوير عمل البرلمان من خلال مدخل بناء القدرات المؤسسية اعتمادا على ما يعرف بالدعم الفنى للبرلمانيين، أصبح من أفضل الممارسات العالمية، واستراتيجية مأخوذ بها فى العديد من برلمانات العالم المعاصر، إلا انه يُلاحظ أن خبرة العالم العربى بتلك التجارب لا تزال محدودة نسبيا، بل ويشوبها قدر غير يسير من التماهى والغموض؛ حيث لم تتضمن أغلب أنشطة وبرامج الدعم الفنى الموجهة لبناء قدرات البرلمانات العربية خطة واضحة، ولم تخضع لتقييم أو فحص علمى -يساعد على إبراز ما بها من أوجه قوة ونقاط ضعف، أو حتى ما يؤثر فيها من عوامل نجاح وعوامل تعثر- يمكن الإرتكان إليه فى تطوير تلك البرامج، وتقديم توصيات مستقبلية بشأنها. الأمر الذى أكدته مراجعة صور الدعم الفنى الموجه لواحد من أعرق تلك البرلمانات العربية (وهو مجلس الشعب المصرى)، والتى جاءت بغرض تقييمها لمعرفة مدى كفايتها وملاءمتها لمتطلبات العمل البرلمانى، وصولا إلى خطة واضحة لتعزيز القدرات المؤسسية للبرلمان المصرى بشكل خاص والبرلمانات العربية بشكل عام.
ففيما يخص الحالة المصرية، تبين أنه ليس هناك جهة أو هيئة محددة تختص بتوفير الدعم الفنى، إذ يتلقى مجلس الشعب المصرى الدعم الفنى عن طريق عدد متنوع من الفاعلين المحليين والدوليين. ويعتبر جهاز الأمانة العامة لمجلس الشعب بما يوفره من خدمات بحثية ومعلوماتية متخصصة، المسئول الأول عن توفير الدعم الفنى لمجلس الشعب، يليه وبصورة غير محدودة الأحزاب والجماعات السياسية، التى تلعب دورا لا يستهان به فى هذا الصدد من خلال ما توفره لأعضائها داخل المجلس من بحوث، ومعلومات، وبيانات، وبرامج حوارية... حول مختلف القضايا المطروحة على الأجندة البرلمانية، ولعل دور أمانة تنظيم الحزب الوطنى الديمقراطى، والمركز الإعلامى لكتلة نواب الإخوان المسلمين بمجلس الشعب (خلال الفصل التشريعى التاسع2005-2010) أبرز مثال لذلك.
كما تلعب الجمعيات والمؤسسات الأهلية دوراً مكملاً فى توفير الدعم الفنى للبرلمانيين يتنوع بحسب رؤيتها ونطاق اهتمامها، فقد يركز بعضها على تعزيز الأداء الرقابى من خلال مدّ النواب بملفات معلوماتية حول أبرز القضايا المثارة محليا، ومن أمثلة ذلك (تجربة المرصد البرلمانى الذى أسسته جماعة تنمية الديمقراطية فى عام 1996)، فيما قد يركز البعض الآخر على تعزيز الشق التمثيلى للعمل البرلمانى وتعزيز تواصل النواب مع ناخبيهم مثل (تجربة الجمعية المصرية لنشر وتنمية الوعى القانونى من خلال مشروعها تعزيز التواصل بين البرلمان والمجتمع).
ولا يمكن تجاهل دور المكاتب الفنية الخاصة لبعض النواب فيما تقدمه من دعم فنى لأصحابها خاصة فيما يتعلق بالتواصل المستمر مع الناخبين ومن ثم تعزيز التواصل بين النائب ودائرته، وهو ما يصب دون شك فى صالح تعميق الشق التمثيلى لمؤسسة البرلمان (وأمثلة المكاتب الفنية النشطة للنواب مكتب النائب الأسبق د. حسام بدراوى، الذى اعتمد فى تأسيسه على جهود المتطوعين فى مختلف التخصصات العلمية لمعاونته فى التواصل مع دائرته، وفى عمله البرلمانى بشكل عام)، علما أن التكلفة المالية والاحتياجات الفنية لهذه الآلية تقلل من فرص اعتماد الكثيرين من النواب عليها.
وهكذا توضح مراجعة نماذج الدعم الفنى الموجة لبناء القدرات المؤسسية لمجلس الشعب المصرى كواحدة من أبرز مؤسسات البرلمانات العربية، ثلاث ملاحظات أساسية، يمكن الإشارة إليها على النحو التالى:
أولاً: أن هناك تنوعاً شكلياً ملموساً فى برامج الدعم الموجهة لبناء قدرات البرلمان المصرى من حيث المصدر والمستهدف (أو الغرض منها)، الأمر الذى أنتج قدراً من التنوع الكيفى فى صيغة ومضمون تلك البرامج.
فشكليا، وفيما يتعلق بالمصدر والمستهدف، تبين أن هناك من حيث:
- المصدر: دعماً موجهاً من داخل البرلمان يوفره جهاز الأمانة العامة، ودعماً من خارجه توفره الأحزاب والجماعات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدنى المحلية والدولية، والجامعات والمراكز البحثية..
- المستهدف: دعماً موجهاً لبناء قدرات النواب، وثانياً موجهاً لبناء قدرات العاملين، وثالثاً موجهاً لتعزيز الهيكل والبنية التنظيمية للبرلمان..
وكيفيا، فيما يتعلق بالصيغة والمضمون، ظهر أنه من حيث:
- القالب أو الصيغة: لا تختلف كثيرا برامج الدعم الفنى الموجهة لبناء قدرات النواب عن تلك الموجهة لتنمية مهارات العاملين، فجميعها كما تبين بالحالة المصرية تتراوح ما بين توفير البحوث والدراسات المتخصصة، وعقد اللقاءات، والتدريبات، والبرامج الحوارية.. وإن كانت الأهمية النسبية لتلك البرامج لم تأت فى أغلب الأحوال على المنوال ذاته من حيث مستوى التماثل الشكلى (ففى حين كانت اللقاءات الحوارية والبحوث المتخصصة هى الأكثر استخداما مع النواب، كان الاستخدام الأكثر كثافة للبرامج التدريبية موجها للعاملين).
- المضمون: جاء بقدر من التباين النسبى بين برامج دعم النواب وبرامج دعم العاملين وإن ظل الهدف الأساسى منها ثابتا دون تغيير، فإلى جانب البرامج التعريفية للنواب الجدد، فقد كانت هناك مثلا صور من الدعم المعلوماتى، توفرها البحوث والدراسات المتخصصة، واللقاءات والبرامج الحوارية حول أهم الموضوعات المطروحة على الأجندة البرلمانية ووجهات النظر المتباينة بشأنها). أما العاملون فأغلب برامجهم جاءت فى صورة دورات تدريبية متخصصة؛ لتنمية مهاراتهم البحثية، والإدارية.. بهدف تحسين مستوى الخدمات المعاونة للنواب.
ثانيا: على ما يبدو أن هذا التنوع الملموس فى نوعية برامج دعم البرلمان المصرى غير كافٍ لمواجهة متطلبات العمل البرلمانى، والدليل على ذلك ما كشف عنه استطلاع لرأى البرلمانيين المصريين عن اعتماد النواب والعاملين -بصورة مكثفة- فى تدبير متطلبات العمل البرلمانى على مواردهم الذاتية، مما قد لا يعنى بالضرورة تدنى أو انعدام الرضا عن مستوى الخدمات الفنية المتاحة بشكل عام، لاسيما أن مؤشرات الرضا عن تلك الخدمات متوسطة لدى النواب ومرتفعة لدى العاملين، الأمر الذى يمكن تعليله بكون المتاح من الدعم الفنى يلبى المتطلبات الأساسية للعمل البرلمانى، فيما يحتاج تجويده إلى صور أخرى من الدعم لا يتوفر الكثير منها.
ثالثاً: أن هناك تبايناً نسبياً فى احتياجات دعم النواب، واحتياجات دعم العاملين، يجب أخذه فى الاعتبار لدى تخطيط أنشطة بناء القدرات، فعادة ما يحتاج النواب لنوعين أساسيين من الخدمات، أولهما الخدمات البحثية والمعلوماتية، وثانيهما البرامج الحوارية، فيما يحتاج العاملون بالبرلمان إلى ترقية مستمرة لمهاراتهم، بما يمكنهم من مواجهة متطلبات ومستجدات العمل البرلمانى المستمرة. مع العلم أن تنفيذ تلك الأنشطة يحتاج عادة إلى بنية تنظيمية، وسياق مؤسسى ملائم.

للحديث تتمة أخيرة حول:(بناء القدرات المؤسسية للبرلمان: مقترح ثلاثى الأبعاد)
 تم اجراء هذا الاستطلاع بواسطة الباحثة على عينة من موظفى الاعضاء والعاملين بمجلس الشعب المصرى خلال دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعى، وذلك فى اطار بحث علمى لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير فالعلوم السياسية- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة.

#هدى_الشاهد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات