|
الهجوم الإرهابي في بسلان تدعيم لمواقع الطبقة الحاكمة
فيكتور شابينوف
الحوار المتمدن-العدد: 956 - 2004 / 9 / 14 - 10:26
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
11أيلول فلاديمير بوتين
الهجوم الإرهابي في بسلان تدعيم لمواقع الطبقة الحاكمة
الرعب والحقد سيدا الموقف في أوسيتيا الشمالية
الجميع صعق من كون ضحايا الحرب في القوقاز اليوم أطفالاً. غير أنه كان من العجب حقاً لو سقط في هذه الحرب مسببوها الحقيقيون ملوك النفط وأرباب مجمع الصناعة الحربية في روسيا، وزعماء الجماعات الشيشانية من المقيمين في لندن (المقصود هو المتمول اليهودي الروسي، عراب عهد يلتسين بوريس بيريزوفسكي- المعرب)، أو كبار مدراء الشركات الغربية. فحين يكون المقصود هو أرباحهم وتقاسم مناطق االنفوذ، فإن حياة الناس لا تعود تؤخذ في الحسبان. أما الهجوم الإرهابي في بسلان بأوسيتيا الشمالية، الجمهورية الروسية في القوقاز، فأياً يكن المبرر الذي يختبئ وراءه، أكان هذا حرية الشعب الشيشاني، أم مثل الإسلام، فإنه بات وحسب حدثاً من الأحداث الدموية في حرب القوقاز التي شنها رأسماليو مختلف البلدان من أجل مصالحهم المادية البحتة.
إن شراسة الإرهابيين أمر لا يختلف عليه اثنان، ولا شيء يبررها البتة في هذه الحالة. أما العثور بسهولة في شمال القوقاز الذي خربته الحرب وذبحته التحويلات الرأسمالية، على بضع عشرات من المتعصبين الذين عميت أعينهم وساد عقولهم الجهل والظلامية، والجاهزين للقتل، فليس بالأمر العسير.
وليس الذنب ذنب هؤلاء بقدر ما هو ذنب من أقام نظاماً يولد الفقر والإذلال لشعوب بأكملها. وهؤلاء الأشخاص ليسوا من القابعين في الدساكر الجبلية، بل يمكن أن تراهم على الأرجح في السيارات السوداء المسرعة ذات الأضواء المتراقصة في شارع الرؤساء والوزراء وكبار القوم في موسكو، جادة روبلوفسكو- أوسبيينسكويه.
بل إن تصرف الاستخبارات الروسية التي راحت "تحرر" الرهائن يثير هو أيضا الكثير من الشك في أن القيادة الروسية كانت تهمها كثيرا حياة الناس. فكل من تتبع الأحداث المأساوية وضح له في الحال أن لا مناص من الحل الدموي للمشكلة. ففي البداية تحدث هؤلاء كذباً عن 120 رهينة، ثم عن 350 رهينة، مع أن البيّن كان أن أساتذة المدرسة المنكوبة والعاملين الآخرين فيها مع الأهل والتلاميذ الذين كانوا موجودين هناك في تلك اللحظة، كانوا يشكلون لا أقل من ألف شخص. كما أن بوتين لم يكن وحده من نأى عن المشاركة في هيئة الأركان المؤلفة لمعالجة الأزمة، بل انضم إليه في تنصله هذا الوزراء الأمنيون، وزير الدفاع إيفانوف ووزير الاستخبارات باتروشيف وغيرهما، بينما قاد عملية إطلاق سراح الرهائن مسؤول الاستخبارات الروسية المحلي في أوسيتيا الشمالية فيتالي أندرييف. فأي منهم لم يرد تحمل المسؤولية. وكان من نتيجة ذلك أن حل محلهم في هذه المهمة السكان المحليون المسلحون الذين قرروا أن يحرروا الرهائن بأنفسهم. ولهذا السبب نشأ جو من الفوضى تسبب في مصرع معظم من قضى في هذه الفاجعة.
وفي هذا المجال كتبت إحدى الصحف الروسية عن أن العسكر استطاعوا أن يحولوا "تحرير الرهائن" هو الآخر إلى تجارة وارتزاق. فقد تحدثت عن بيع أفراد من القوات الخاصة الفدرالية أسلحة وذخائر إلى مجرمين معروفين راحوا يستفزون الإرهابيين ويطلقون النار عليهم، ما حدا هؤلاء إلى تفجير المدرسة بمن فيها، بينما راح أفراد القوة الخاصة يختبئون وراء جدرانها.
المرء يخال أن كل هذه الفوضى دليل قاطع على عجز السلطات الروسية كلياً عن تأمين سلامة الناس. غير أن الأحداث إياها لم تكن سوى هدية قدمت على صحن من الفضة إلى الأوساط الحاكمة الروسية.
11 أيلول فلاديمير بوتين
بعد هجمات الحادي عشر من أيلول على برجي التجارة العالمية في الولايات المتحدة ارتفعت شعبية جورج بوش إلى حد الجنون. فاستطاع على خلفية الضجيج حول ضرورة مكافحة الإرهاب أن يحد جذرياً من الحقوق المدنية لسكان الولايات المتحدة وأن يشن هجوما على النقابات والسود إلخ، وأن يبدأ بشن حربين اثنتين وأن يؤمن استقرار أرباح الشركات المقربة من إدارته. وبعد أحداث بسلان سلك فلاديمير بوتين مسلك زميله وسار على خطاه. فناشد الأمة، مثله مثل بوش، أن ترص الصفوف ضد الإرهاب. وهذا ليس معناه سوى أن على السكان أن يبتلعوا صاغرين حبة الإصلاحات المرة التي ترافق ولاية بوتين الثانية، وألا يستاؤوا كثيرا عندما يتم الحد من تلك الحريات الديموقراطية المنقوصة أصلا الآتية مع عهد سابقه يلتسين.
قبل بسلان كان وضع بوتين قد بدأ يخرج عن توازنه ببطء ولكن بثقة. وليس عجبا أن يلحظ أيديولوجي برجوازيي الكرملين نفسه ستانيسلاف بلكوفسكي أن "سيد الكرملين أجاب فجأة عن السؤال القديم الجديد: من هو السيد بوتين Who is Mr. Putin?. فما من شك في أن السيد بوتين سوف ينهج من الآن وصاعداً نهجا ليبراليا متشدداً. فالدولة لا تريد أن تكون للروس الأعزاء أبا وأماً عطوفين، وهي لن تكونهما، بل ستسعى إلى تقليص مسؤوليتها عن حالة الشعب المزرية. ولن يبقى في يد الدولة من الملكية إلا ما يلزم وحسب لتوظيف قبضة من البيروقراطيين لا أكثر. وأعلن بوتين بسفور أو بين السطور أن التعليم والطبابة غير المجانيين والإصلاحات في مجال السكن والمرافق العامة والتي تعني وقف دعم المؤسسات للمواطنين في هذا المجال الحيوي وارتفاع الإيجارات ارتفاعا كبيرا، وكذلك التقديمات الاجتماعية التي ألغيت لتحل محلها تعويضات نقدية طفيفة، هي أمور باتت واقعاً، ولم تعد مشروعاً تعوز السلطةَ الجرأةُ لمقاربته وتنفيذه (كما ظن كثيرون من الاقتصاديين حتى من صف اليسار). وبوتين بتحديه التاريخ بهذه الطريقة يخاطر كثيرا بالطبع. فصورة "القيصر الرؤوف" كانت دوما أساس سلطته الرئاسية. وثلثا الذين صوتوا لصالح بوتين في انتخابات الرئاسة في آذار الماضي يشكلون "المستنقع" الانتخابي ومعهم ناخبو الحزب الشيوعي الروسي (زوغانوف) والحزب الديموقراطي الليبرالي الروسي (جيرينوفسكي) وحزب "رودينا" (الوطن). وهؤلاء هم الناس الذين آمنوا ولا يزالون بأن بوتين حل محل الدب السكير يلتسين كقيصر سوف ينتقم من الأشرار الكبار المحيطين بالسلطة ويعيد العدالة إلى نصابها، وكزعيم سوف يقتل ثعبان الرأسمالية ذا الرؤوس الكثيرة ويحيط برعايته الأبوية المستصعفين. ولقد أبلغ بوتين اليوم ناخبيه بأن دعوا الآمال جانباً، فأنا لست من خلتموني. فليست الأرثوذكسية ولا عظمة الدولة ولا حكم الشعب من مبادئه، بل هو يريد أن يكون مثابة "تشوبايص الطيب" بدلا من تشوبايص الذي يكرهه الشعب، مثابة الحاكم الشرعي للأرض الروسية. وما دامت الإصلاحات الليبرالية لم تصل إلى الطريق المسدود، سيبقى ضحاياها يصفقون ويهللون للقيصر الثوري الذي يزعم أنه يعير حماية الشعب اجتماعيا كل عناية. لقد تلبس بوتين اليوم برداء زعيم "اتحاد القوى اليمينية"، حزب برجوازية ما بعد الاتحاد السوفياتي الذي خسر الانتخابات البرلمانية، وربح الانتخابات الرئاسية". والحق أن الإصلاحات ستصل عاجلا أم آجلا إلى "طريق مسدود". ومن المحتمل جدا أن يحصل هذا في العام الجاري. وهنا سيستنجد بوتين بصورة حامي الناس من الإرهاب، الصورة التي مكنته من أن يصبح رئيسا في المرة الأولى.
نعم، يمكن للأب الحنون أن ينتزع من أطفاله قطعة الحلوى وأن يوقفهم في الزاوية وأن يضربهم بالسير أو يمنعهم من الخروج إلى النزهة، ولكنه في المقابل يحميهم من "الأشرار" وعلى الأطفال أن يكونوا له من الشاكرين.
ماذا علنا نقول؟ هذا الرئيس الشاب الديناميكي الذي يعرف كيف يدير الأزمة والذي استكرته البرجوازية الروسية في العام 1999 بدلاً من يلتسين السكير والشائخ، عرف كيف "يجيء واقفاً" هذه المرة أيضا.
إن مكافحة الإرهاب لعبة لا يمكن للمرء أن يخسر فيها. وحتى الرئيس الأميركي، رجل الكاوبوي الأحمق، جورج بوش الذي يكاد لا يحسن قراءة الخطب التي يكتبها له أرباب الدعاية في إدارته، لم يخسر فيها. فكيف يخسر إذاً سياسي ثعلب مثل بوتين. وثمن الربح واستجلاب الدعم الشعبي هنا "ليس إلا" بضع مئات من الأبرياء من نساء وأطفال تلك المدينة الصغيرة النائية في شمال أوسيتيا...
المعركة من أجل القوقاز
ولكن، إذ يربح بوتين في السياسة الداخلية، ويصبح إلى حين مثابة "أبي الشعب الصارم ولكن العادل"، فهو يخسر في الصراع السياسي الخارجي. بل قل إن رأس المال الروسي الذي يمثله بوتين سياسياً يخسر الآن معركة القوقاز. وهذا ما يفصح عنه بوتين، حامي رجال الأعمال الروس، بصورة غير مباشرة حين يتهم مباشرة في الأعمال الإرهابية منافسيه الغربيين إذ يقول: "بعضهم يريد أن ينتزع منا قطعة "أسمن"، وبعضهم الآخر يساعده على ذلك مفترضا أن روسيا كإحدى الدول النووية الكبرى لا تزال تشكل خطراً عليه. ولذا يرى أنه تجب إزالة هذا الخطر. وما الإرهاب سوى الأداة لبلوغ هذه الأهداف".
لقد وجدت الرأسمالية الروسية في نفسها القدرة على تدمير نصف الشيشان بالوسائل العسكرية وجعل الميليشيات المسلحة فيها تنتقل إلى العمل السري. لكنها اقتقدت هذه القدرة فلم تجدها عندما لزم تأمين السلامة لسكان أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الذين يريدون العيش ضمن نطاق روسيا بدلا من العيش في ظل دكتاتورية الرئيس الجورجي الموالي لأميركا ساكاشفيلي. وما العجز إلا سبب هذه البصقة ترمى في وجه "الحليف الروسي ضد الإرهاب".
إن رأس المال الروسي يسلم في القوقاز الموقع تلو الموقع، وهو على الأرجح سيقبل مرة أخرى تقاسم مناطق النفوذ مع الإمبريالية الأميركية على حساب شعوب القوقاز. وإذا لم يفعل، فإن حرباً جديدة تنتظرنا.
يجب أن نفهم أن الإمبراطورية الليبرالية لبوتين بحاجة إلى القوقاز لا لبواعث إنسانية، ولا حتى بسبب الرغبة في بعث ما يشبه الاتحاد السوفياتي على الأسس الرأسمالية. فالقوقاز منطقة مصالح رأس المال الروسي، وهذه المصالح تعني أرباحاً ولا شيء غير ذلك. وإذا وقفت في طريق هذه الأرباح حياة الناس فليس هذا من همومه، وإن وقف في طريقها مصير شعوب فاللعنة على الشعوب. فلا وجود عند رأس المال للمشاعر والعواطف.
لقد سبق لتناقضات الرأسمالية العالمية أن أشعلت في القوقاز أكثر من حرب وأوجدت فيه بؤرة إرهاب دائمة. ولا فرق أسيطرت على القوقاز روسيا بوتين أم أنظمة دمى موالية لأميركا، فالدماء ستهرق هناك أكثر وأكثر. فانتصار أي من الضواري الرأسمالية لن ينزع من النظام الرأسمالي طبيعته المتوحشة. هذا النظام هو الذي يفرز الحرب والإرهاب، مثلما يفرز الكبد الصفراء المرة. ولن يكون ممكنا وقف الإرهاب والحرب إلا بوقف آلية حصول المالكين الأفراد على الربح، وما يرافق ذلك من تنازع المصالح الذي يعالج دائما وأبداً بالقوة.
#فيكتور_شابينوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انشقاق في الحزب الشيوعي الروسي مؤتمران بدلا من مؤتمر واحد لح
...
-
أفول الإمبراطورية الرأسمالية العالمية
-
ماذا ينتظَر من ولاية بوتين الثانية؟
-
حول البرنامج الانتخابي لمرشح الحزب الشيوعي الروسي
-
حصيلة الانتخابات: فشل الحزب الشيوعي الروسي وتفاؤل الشيوعيين
...
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|