أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - ظهرها لشرفتي ووجهها للبحر قصة قصيرة














المزيد.....

ظهرها لشرفتي ووجهها للبحر قصة قصيرة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3173 - 2010 / 11 / 2 - 12:24
المحور: الادب والفن
    


في بيتٍ قربَ موجةٍ لم تُخلَق للكلام، بدا وكأن هناك مشاعر ـ بعدُ ـ لم توجد لها الكلمات الملائمة، وربما إلى الأبد.

كنتُ جالساً في الشرفةِ بينما الموجُ يخدشُ الرملَ المطمئن على الساحلِ، قليلون هم الذين يمرون من هذا المكان، لا كافتيريات، لا مطاعمَ ولا قواربَ صيد، أضف إلى ذلك هذا الشتاء الذي يثبتُ نفسه بجدية لا تقبلُ الجدل، برداً وأمطاراً، لذلك كان المكانُ ـ بالنسبةِ لي ـ جنّةً دون نقاش.

أيامٌ كثيرةٌ تمرُّ كقطيعِ أفيالٍ تمسكُ ذيولَ بعضها في دائرةٍ عظيمة، لا شيء في المدى، عدا عن لون البحر الذي يتغير كل ساعة في النهار، من أخضرَ إلى أزرق وما بينهما، إلى بنيٍّ حين تستثير العاصفةُ رملَ القاعِ، البحرُ من أكثر الكائناتِ قدرةً على التعبير عن نفسه لونا وصوتاً، مع الوقتِ تعوّدتُ أن أفسِّرَ حالاتِهِ كلّها، صرنا أصدقاء وصار يرسل لي إشاراتٍ قبل أن يتحول من الوداعة إلى الهياج، أو العكس.

كان صباحاً من فيروز، البحرُ قبل أن يتنفس الفجر كان مرتبكاً، هذا اليوم بالذات لم أفهم إشاراته، لم يكن يوحي بتحول ما، لكن ارتباكه كان واضحاً، كأنه أراد أن ينتقل من مكانه، لكن ثقل المياه وارتباطها ببعضها حتى آخر المحيطات منعه من ذلك.

وقفت رشفة القهوة بين شفتيّ حين مرّت، تكاد لشفافية خطوتها تخلو من اللون، البحرُ تخلى عن ارتباكه وانسحب الموج أمتارا إلى الوراء وكأنه يصنع لها ممرا من رمل لم تمسسه قدم من قبل، خطت حافية على الرمال العذراء، وبعد كل خطوةٍ كان البحر يمد لسانه ليلعق أثر الخطوة فتختفي في الحال في ذاكرته الكبيرة، ولا أعرف إن كانت رقصة الأسماك التي رأيتها من الشرفة حقيقة أم وهماً بصرياً.

أعطت ظهرها لشرفتي ووجهها للبحر الذي قدم مزيدا من التنازلات، وتراجع كأنه يدعوها للتقدم، لبت الدعوة ببطءٍ طقسي فيما يداها ما زالتا تلمان الريح كجناحين وهميين، وبدأت تلوح في الأفق نوارس وطيور أخرى غريبة وصار العالم أشبه بملحمة سومرية.

انتبهت وقد سقطت قطرات من القهوة من شفتي على قميصي الأبيض، جعلني هذا أفكر في النزول إلى الشاطئ، فربما هي جنية أرسلها الله إلى وحدتي كي تعبئ فراغاتي وتمسح الأيام المخربشة من كتابي القديم، لكنني تراجعتُ، مَنْ أكون أنا حتى أفسدَ مشهداً بهذه الجلالة؟!

حتى فكرتي في التقاط صور لها من بعيد، تراجعت عنها بدوافع أخلاقية بحتة، اختلقتُ قصصاً كثيرةً حولها، ولم أصدق أيا منها.

دخلت بغلالتها السماوية حتى وصل الماء إلى منتصف خصرها، كنت مأخوذاً بالمشهد، أراقب كل تفاصيله، لكن تقدمها بدأ يأخذ شكلاً خطراً، على الأخص حين بدأ الموجُ فجأةً بالارتفاع بشكلٍ لم يكن تدريجياً على الإطلاق.

بدأ الأمر يخرج من كونه متعة ليتحول إلى خوف حذر، حين ارتفع الماء إلى رقبتها مع بوادر لأمواج عملاقة قادمة من بعيد.

بدأت بالتحرك، سريعا، تعثرتُ بالطاولة، و فتحتُ الباب ذا الأقفال الخمسة، وكعادة المدينة، الكهرباء تنقطع تماما في الوقت الذي أنت بأمس الحاجة إليها فيه، كان علي النزول من الطابق الخامس على الدرج سريعا، تعثرتُ ثلاث مرات والتوى كاحلي لكني واصلت النزول.

حين قطعتُ الشارعَ الذي يفصل البناية عن البحر، كان كل شيء هادئاً، لا أثر لخطوات على الرمل، والبحر عاد إلى هدوئه وصفاء لونه، كرهته للحظة كما نكره عادةً أي مخادع يغرر بالنساء ليأخذهن بعيدا، مَسَحَتْ عيناي الأفقَ البحري، علّ يداً أو رأساً يطلّ من هنا أو هناك، لكن لا أثر مطلقاً لأية نقطة تعكر الصفو الهائل للمياه، وكعادة أي كائن بشري، يئستُ بعد عشر دقائق، وعدت مثقلا لأبلغَ عن المصيبة، ولكن سؤال الموظف أربكني: هل أنت متأكد مما رأيت؟

أقفلت التليفون، لأن السؤال كان منطقياً، لم يدحض شكي فيما رويته إلا جثة الفتاة في الصباح التالي، قد أخذ منها البحر ما يريد، ثم ألقاها كأي رجل نذل يلقي بفتاته إلى الشارع بعد أن ينتهي منها.

لم أتحرك من شرفتي، لم أبلغ الموظف البليد بما رأيت، تركتها لأول عابر رآها ممددة على الرمل فقام بما يقوم به رجل شهم في مثل هذا الظرف، أما أنا، فقد عادت الأيام من الشرفة كقطيع فيلة، لكنها أبدا لم تعد كما كانت من قبل.



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ]45[
- يدان من خجل
- نصائح غير مجدية
- أدراجها الخفيفة كصوت النوم
- جاءت، وما زلت في انتظارها
- يُحكى أن
- أيها القلب: أخرج من قلبي
- أتْرُكُني خلفي
- المدن في غيها
- خمس أغنيات للخريف السادس
- كأنّكِ هنا
- كأنك هنا
- ومضى وحيداً
- قلتُ... أقولُ
- ما سيأتي لم يأت بعد
- أما كرمي فلم أنطره
- هل قلت إني لا أحب القدس؟
- حقل موسيقى
- فجر أزرق حزين
- كيف تحتمل روحك كل هذا الجمال


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - ظهرها لشرفتي ووجهها للبحر قصة قصيرة