أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - السلطة الأبوية والتجارة بالجنس















المزيد.....

السلطة الأبوية والتجارة بالجنس


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3173 - 2010 / 11 / 2 - 12:24
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


فى عيادتى الطبية النفسية جاءتنى فتاة مصرية منقبة فى الخامسة عشرة من عمرها تحمل طفلها فوق صدرها، كعباها يطلان من الشبشب مشققتين ملطختين بالطين، فى عينيها الحمراوين نظرة حيوان مسجون يريد الفتك بالعالم، أخرجت من تحت نقابها الأسود مطواة قرن غزال، وضعتها أمامى فوق المكتب، مسحت عرقها الغزير ودموعها الجافة بطرف نقابها، وقالت بصوت الموتى تحت الأرض: أنا مش عيانة، أنا عاوزة أنتحر، لكن قبل ما أموت عاوزة أقتله، فى جيبى جنيه وسبعة قروش، دفعت فى المترو جنيه من محطة محمد نجيب فى باب اللوق، سمعت إنك بتكشفى على الفقرا ببلاش، أنا مش عاوزة كشف، عاوزة أقتله.

زوجها، والد الطفل، رجل سعودى يقترب من السبعين من عمره له مال وسلطة، ترك زوجته (أو زوجاته وأولاده) جاء إلى مصر فى إجازة الصيف للترفيه الجنسى، ثم عاد حيث كان تحت حماية القانون والشرع والعرف، فالقانون والشرع والعرف لا تعاقب الرجل إذا تزوج بفتاة تصغره بخمسين أو ستين عاما، ويحق له أيضا أن يطلقها فى أى وقت، بل يحق له أن ينكر نسب الطفل إليه.

المقصود بالقتل هو أبوها المصرى، باعها بأربعة آلاف جنيه للعجوز الثرى الذى تزوجها لمدة شهور الصيف، ثم طلقها وهى حامل، تريد أن تقتل زوجها أيضا لكنه بعيد عنها فى السعودية يتمتع بالحصانة الكاملة لمجرد أنه ذكر،

وقد عادت لتعيش فى بيت أبيها بقرية قريبة من الحوامدية، وهى مركز التجارة بالجنس وأجساد البنات الأطفال تحت سمع وبصر الجميع، دون أن يتدخل أحد، فكل شىء يتم فى وضح النهار بموافقة الأب، يبيع الأب ابنته مثل «فرخة» يملكها فى القفص، قانون السلطة الأبوية المطلقة يجعل الأب مالكاً لأطفاله قانوناً، فهو ولى الأمر، يمنحه قانون الولاية وقانون النسب الأبوى الحق المطلق للتصرف فى أولاده وبيع بناته فى سوق الزواج الرسمى أو العرفى الشرعى، لا يوجد قانون يعاقب الأب، الأبوة مقدسة لا يمكن أن تُمسّ أو تُجرّم.

هبط طفلها من فوق صدرها وجلس فوق الأرض دون حركة، له وجه عجوز عمره عام واحد، يرمقنى الطفل بصمت أشد إيلاما من البكاء أو الصراخ، ينصت إلى أمه كأنما يفهم تماما ما تقول، يمسح عينيه الذابلتين الجافتين بكفه الصغيرة، يزحف على الأرض حتى يمسك بقدمى أمه الجالسة فى مواجهتى. هذه التجارة بالجنس انتشرت فى العقود الأخيرة، مع تزايد الهوة بين الفقراء والأثرياء، التجارة بالجنس والمخدرات والفياجرا، العولمة والسوق الحرة والخصخصة. أكبر أرباح الرأسمالية الحديثة (وما بعد الحديثة) تأتى من التجارة «بالجنس والمخدرات والفياجرا».

هناك ترابط وثيق بين الأسواق الثلاث، التى تخدم القلة المستفيدة من النظام الطبقى الأبوى، وهم الرجال الأثرياء العجائز فى كل بلاد العالم منها بلادنا، يروح ضحيتها ملايين البنات الأطفال من سن العاشرة حتى السادسة عشرة، هذه السنوات الست من عمر براعم الزهور، المشتهاة الأكثر للرجال من الستين حتى التسعين وأكثر، بعد أن يصاب الرجل منهم بالشيخوخة وتصلب الشرايين وتكلس غدة البروستاتا، يبدأ الحنين إلى استعادة الشباب، يعطيه النظام السائد حق التمتع باللذة الجنسية حتى الموت،

حسب القوانين الأبوية المغرضة، والنظريات الطبية المغلوطة، من نوع: الرجل الذكر ليس له سن يأس مثل المرأة، ليس لنشاطه الجنسى عمر، ينفصل الجنس عن الإنجاب بالنسبة للرجل، يحق له ممارسة الجنس من أجل المتعة فقط، لماذا؟ لأن الله خلقه ذكرا وليس أنثى، لأنه غير مسؤول عن أطفاله من خارج الزواج، الأطفال وأمهاتهم فقط يعاقبون، تحت اسم «منع خلط النسب الأبوى».

من مطار القاهرة يصطاد سائق التاكسى الزبون، يعمل السائق قوادا فى سوق التجارة بالجنس، يتخفى تحت لحية طويلة كثيفة، وزبيبة سوداء فوق جبينه، وسبحة معلقة حول المرآة الأمامية للتاكسى، ومصحف ذهبى مزركش فوق الرف تحت الزجاج الخلفى، يفرض على زوجته وبناته ارتداء النقاب، يهمس فى أذن السائح العجوز القادم من بلاد النفط أو البلاد الغنية وراء البحار: عندى لك يا سيدى عروسة ورورة حورية من الجنة يدوب جالها الحيض، تسليك تراعيك طول أجازتك فى مصر.

ينشغل رجال السياسة بالانتخابات ليل نهار، يفصلون بين الانتخابات وأخطر المشاكل الاجتماعية فى بلادنا، منها بيع البنات الأطفال فى أسواق الجنس المحلية والعربية والدولية. المفروض أن هدف الانتخابات هو خدمة الشعب وعلاج مشاكله الحياتية الملحة، لكن الانتخابات أصبحت معركة منفصلة عن المجتمع للوصول للسلطة والثروة، تنفصل السياسة والانتخابات عن أخطر المشاكل التى يعانى منها الناس، لهذا يقولون عن الإنسان إنه «حيوان سياسى».

تصبح السياسة مهنة فى حد ذاتها، يتحول من خلالها الرجل (أو المرأة) إلى حيوان بلا عقل، يفقد البصر والبصيرة ولا يرى إلا سيرك الانتخابات، يشبه سيرك الضباع والنمور، ينهش الواحد منهم لحم منافسه كما ينهش الضبع لحم الفرخة، ويعلنون أن كل ذلك من أجل مصلحة الشعب وليس مصلحتهم الخاصة، وبسبب فقدان البصر والبصيرة يتصورون أن الناس تصدقهم، تكونت «مافيا» مصرية وعربية ودولية للتجارة بأجساد البنات فى عمر الطفولة،

لا تقل خطورة عن مافيا التجارة بالمخدرات، والعقارات المنشطة للشهوة الجنسية لدى العجائز من الرجال الأثرياء، تتم التضحية بالحياة الكاملة لآلاف أو ملايين البنات الصغيرات، لإشباع ذؤابة شهوة جنسية مريضة مؤقتة لقلة قليلة من ذكور أشرفوا على الموت، أى أنانية تفوق أنانية الضبع، أىُّ وحشية تفوق وحشية الوحوش، يستمتع الرجل العجوز جنسياً بضع لحظات أو أيام، تدفع فيها الفتاة عمرها كله، تعيش مأساة تشمل حياتها كلها وحياة أطفالها حتى الموت.

يغمض رجال السياسة عيونهم عن هذه المشاكل الخطيرة التى تتعلق بالنساء والأطفال، الأغلبية من الشعب، لكنهم بلا قيمة سياسياً، بسبب الفقر والجهل والمرض، وعدم التنظيم فى جماعات تدافع عنهم. الأحزاب السياسية تدافع عن مصالح أعضائها، أغلبهم من الرجال كبار السن أصحاب الأموال، يهتمون بتوافر الفياجرا أو أدوية البروستاتا وتصلب الشرايين وضغط الدم أكثر من توافر الحماية الضرورية للأطفال البنات، عبيد القرن الواحد والعشرين، ضحية المافيا من الرجال، منهم الأب ذاته، يستخدم سلطته الأبوية الممنوحة له بالقانون ليبيع ابنته فى سوق البغاء المقنع تحت اسم الزواج.

يتفاوض أبوها الآن مع سماسرة الجنس لبيع أختها الصغرى، أصبح فى كل ناصية وحارة سمسار، له مكتب وسجل وكومبيوتر وتليفون محمول دولى، يحصل السمسار فى البنت الواحدة على خمسين ألف جنيه على الأقل، يحصل الأب على أربعة أو خمسة آلاف جنيه، لا تأخذ البنت شيئا إلا النزيف الدموى والألم والحزن مدى الحياة.

هل يحرقنى الله فى النار إن قتلت أبى؟ قلت لها: أبوكِ هو الذى سيحترق فى النار وليس أنت.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صمتوا حين كان الكلام واجباً
- الضمير الحى فوق الهوية القومية والدينية
- وجوه تتكرر فى كل عهد
- الدكتوراة الفخرية والتعددية والنسبية
- جلسة مع كاتبات فى القاهرة
- الصورة المفبركة بدل الحقيقة المؤلمة
- المرأة الكاتبة
- «سارة بالين» وجوارى القرن الواحد والعشرين
- الدكتورة نوال السعداوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول ...
- التاريخ سينصف تجربتي والطفلة في داخلي تنتصر على الشرطي
- شهرزاد جديدة أكثر تحررًا
- خطورة قوانين الأحوال الشخصية الدينية
- عن النقاب والنفاق والسلطة
- حاربت 60 عاماً ضد الختان وفقدت وظيفتى وسمعتى وعندما صدر القا ...
- أنا أكتب إذن أنا أعيش
- خلايا العقل المظلمة
- الكتابة بين الذكورة والأنوثة وهوية النص .
- الحرب والنساء
- حجاب العقل.. أخطر
- المرأة العربية تعيش من أجل الجنس فقط و المسيار أفضل من الزوا ...


المزيد.....




- الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال ...
- فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى ...
- مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 % ...
- نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
- روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت ...
- فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح ...
- السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب ...
- تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
- -دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة ...
- مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - السلطة الأبوية والتجارة بالجنس