أحمد مسَّلم
الحوار المتمدن-العدد: 3172 - 2010 / 11 / 1 - 01:19
المحور:
الادب والفن
بعد عناء دام لساعة ونصف الساعة في طرقات الاحتلال الملتفة حول رقبة الأرض المسروقة ومع تلازمه الدائم بالشعور بالارهاق والصداع ، وصلت الى حضن اللعوب حاضرة أوسلو مترقباً متلهفاً للقاء من تصفو النفس بلقائهم وتستحضر الكلمات في وجودهم نفسها حباً واحتراماً وتقدير ، أصدقائي .
حالة الطقس في رام الله لا تكاد تختلف عن حالته في بيت لحم ، لكن مع بعض الخصوصية لرام الله بالتأكيد ، أحياناً بسقوط زخات متفرقة من المقالات الساخنة وأحياناً الباردة والتي تسقط بين الحين والآخر لتعكر صفو المشهد ، وبعض محاولات الهدم والبناء ، والبناء والهدم ، ما علينا .
نزلت من المركبة العمومية على عجل لأعانق اليابسة بعد رحلة الخفق على المتطاول الاسود وقبل ان افكر في وجهتي ، قادتني قدماي الى ركب ، صديقي ركب ، ذاك الطويل القصير ، المزدحم الفارغ ، جميل الطباع ، بهي المحيا ، الذي كما قيل لي " لو تهت في رام الله ذات يوم فعليك بركب ، ستلاقي من تعرفه ويعرفك " وكأنها أسطورة اللقاء في ركب !
لكن صديقي القديم لم يكن في حالة جيدة ، كان متعباً ومكسراً تملأه الحفر ويشقه أخدودان من جنبيه يفصلانه عن محيطه من الواجهات الزجاجية البراقة ، وكذلك تملأه جسور صغيرة من الحديد وضعت بعناية فوق الأخاديد والحفر التي تغطي وجهه الكهل لعبور المشاه ، فيالها من جسور او من نقاط ،وكأن الفلسطيني قد كتب عليه ومنذ الأزل أن لا يصل الى مبتغاه بدون نقاط عبور وجسور وحواجز !! ربما
في البداية أعجبتني الفكرة فرحت أتنقل من جسر لآخر ومن فوق حفرة الى طرف أخدود حتى وصلت الى مقهى رام الله ، حيث التقيت بصديقين رائعين ، شربنا قهوتنا وصدفة قابلت حسن البطل !
" أنا حاولت العب دور منسق الاوركسترا !"
"صفحة من الجريدة لكاتب شاب واحد كثير .. مش كثير ! "
" كل ما طلبته هو لتنسيق فقط !"
(يضحك) " يلعن أبوكو بهدلتوني !!"
ضحكنا ، أختتمت الكلام بتحية وباشارة بيدي ، وغادرنا المقهى ، أنا في طريق عودتي الآن وأتسائل .. اذا كان مقاول البناء في ركب قد استطاع ان يردم الصدوع والاخاديد بوضع الجسور الحديدية وألغى ما تسببه أو قد تسببه من مشاكل ، فكيف لنا نحن المتنورون او انتم يا معشر المتنورين ان لا تستطيع عقولنا ان تبني مثل هذه الجسور فوق أخاديد وجهات النظر وحفر الاختلاف مع الاخر وذاتيتنا وربما النرجسية ! ؟
أصدقائي وأحبائي ، ان بناء الهالات والصروح والاسماء والمنابر مهم جداً – فهو على الاقل يلبي طموح كل واحد منا كأنسان – وكذلك لا يأتي بسهولة ، لكن ما هو أهم – ومن وجهة نظري الخاصة – هو الحفاظ على هذه الهالات أو الصروح أو الاسماء لتبقى على مر الزمان وتخلد في صفحات التاريخ وفي الضمائر والعقول ، فبناء منبر كفنجان قهوة أو بسطة شعر أو الباب .. الخ مهم جداً كوسيلة لأيصال صوت من لا صوت لهم في ظل الشللية الأدبية المتحكمة في نقاط القرار في الادب الفلسطيني ، فمثل هذه الفعاليات والمحافل لم يأخذ حجمه ولم يكتسب سمعته بسهولة ، فهي منابر بنيت بتكاتف الجهود وبذل الطاقات والعقول الشابة في سبيل اقرار واقع على الارض ، تلك الفعاليات والمحافل التي بدأت تبلور نوع من المريدين حولها لتزيد في قطر دائرة الثقافة في الشارع الفلسطيني وربما العربي ، تلك المنابر لا استطيع ولن أستطيع ولو في الوقت الحالي مؤقتاً ان أشكك في رسائلها او رسالتها التي تسعى اليها ، لذلك أدعو لها بالتوفيق ودوام النجاح .
لكن السؤال الذي يلقي بظلاله على ما سبق هو هل ستستمر هذه المشاريع والمبادرات الشبابية الى الغد البعيد لتسجل اسمها ومساهمتها في المشهد الحضاري العام لهذه الحقبة من تاريخ فلسطين ؟
واذا استمرت فهل ستشكل او ستساعد على تشكيل او تغيير شكل المرحلة الثقافية والحضارية !؟
واذا كانت تساهم فيها ، فهل في مصلحة هذه المبادرات كل هذا التناحر والتناكف ومحاولات تكفير وتفريغ الاخر من محتواه ؟
فهل وجودي يتطلب اختفاء شخص او شخصين من المشهد !! واذا اختفيا فأين سيكون التنوع والتنور المميز للحضارة في ذلك المشهد ! ؟
صديقي بلغت رسالتك البطل وبلغك البطل رسالته وابلغت عطا رسالتك وبلغتك رسالته ، ورسالتي وصلتك ووصلتني رسالتك ، فهلا تكفوا ونكف ، وتبتسموا فنمد الأيدي لسلام .
صديقي حالة ركب غير مريحة ، وليس جيدة ، ولن تبجلها الاجيال القادمة ، اذا لما لا نقم معاً وسوياً نقومها فتستقيم ونطوعها فتطيع ونلونها فتتزين ، منكم النار ومنا الزيت ، ننير طريق حريتنا .
صديقي انا لست معك ، ولست معه ، ولست معهم ، ولست منكم ، ولست منه ، ولست منهم ، انا شاهد عيان مرًّ بركب فما أعجبه حاله ، تمنى لو انه يفيق ، فيراه بهياً متسامحاً كركب جديد يسطر صفحة جديدة في تاريخنا الذي مال الى السواد .
ودمتم سالمين
أحمد مسَّلم
31/10/2010
#أحمد_مسَّلم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟