|
فتش في دمائك عن السلم الموسيقى
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3170 - 2010 / 10 / 30 - 03:37
المحور:
الادب والفن
كان صوت محمد عبد المطلب يصلنا ونحن صغار عبر الراديو فتصفه جدتي خديجة مطمئنة إلي رحمتها وعدالة حكمها : " حمار الإذاعة بيغني " . مقارنة بكارم محمود وعبد العزيز محمود وعبد الغني السيد ثم عبد الحليم حافظ كان صوت عبد المطلب يبدو أجشا قبيحا خشنا يفتقد عذوبة وطلاوة أصوات المطربين التي تذيب القلوب ، باختصار لم يكن صوت عبد المطلب " جميلا " بمعايير الجمال السائدة حينذاك ، أضف إلي هذا أن وجهه كان يشبه حبة بطاطس ضخمة مليئة بالنقر . الآن ، بعد أن غربل الزمن المطربين ، واستصفي من الماضي أجمل ما فيه ، يتضح أن عبد المطلب في القمة مع عدة أصوات قليلة . الجئير اليقظ في صوت عبد المطلب ، والتفجر الذي تدور في فضائه أتربة الحياة ، وخشونة الصوت المؤدي الأقرب للواقع ، عاش أطول من الجمال الذي كانوا ينمقونه بعناية وفقا لمواصفات محددة . قدم عبد المطلب جمالا من نوع خاص لا يبالي بالجمال المتعارف عليه ، جمال مازال قادرا على أن يرج المشاعر حين يغني رائعة عبد العظيم محمد " في قلبي غرام مصبرني على خصامك .. وطول بعدك " . وعبد المطلب ( 1907 – 1980) فلاح جاء من شبراخيت إلي القاهرة وأصبح مذهبجيا ( مرددا ) في فرقة محمد عبد الوهاب ، ثم شق طريقه الخاص بأغنية " بتسأليني بأحبك ليه ؟ " ثم قدم بعضا من أروع الألحان المصرية على الإطلاق منها لحن العبقري حسين جنيد " ما بيسألشي على أبدا.. ولا بتشوفه عنيه أبدا " ، وتحفة رياض السنباطي " شفت حبيبي وفرحت معاه " ، وغيرها . ونحن كثيرا ما نفتش في عقولنا لنرى أسماء كبار الكتاب الذين أثروا فينا ، والتيارات والمذاهب الفلسفية التي شكلت رؤانا ، لكننا قلما نفتش في دمائنا عن الموسيقيين الذين صنعوا وجداننا العاطفي ، وارتبطت ألحانهم بكل لحظة عشق أو حزن أو فرح في حياتنا . نحن لا نفتش في دمائنا عن السلم الموسيقى مع أنه الأشد تأثيرا في كثير من الأحيان ، فالكتب والأفكار تظل مرتبطة بطبقة جديدة من العقل ، أما الموسيقى فإنها مرتبطة بمراكز عصبية أقدم في تاريخ التكوين البشري . ولم تكن مصادفة أن يقول ابن خلدون إن أول ما ينهار من الأمم صناعة الموسيقى وصناعة المعمار . لكننا لا نرى ، ولا نحاول أن نرى الألحان التي تصنعنا والملحنين الذين ألفوها ، لا نرى عبقريا مثل الملحن أحمد صدقي (1916 – 1978 ) الذي حلت ذكرى ميلاده في الرابع من هذا الشهر ، وقد ترك ما يناهز خمسة آلاف لحن ، إذا ذكرتكم ببعض منها ستندهشون وتعرفون قيمة ذلك الملحن العبقري . من ألحانه غنت نجاة علي " إن رحت مرة تزور عش الهوى المهجور سلم على قلبي " . هل ينساه أي منا ؟ . من ألحانه غنت ليلي مراد في فيلم شاطيء الغرام " رايداك والنبي رايداك .. أحلف لك بدمع العين .. ومالكش على يمين .. إن فاتت على سنين .. ح أفتكرك ولا أنساك " ، وغنى له محمد قنديل " إنشاء الله ما أعدمك " ، وليس هناك مطرب أو مطربة لم يلجأ لألحان لأحمد صدقي حتى عبد الحليم حافظ وشادية . وكان ذلك الملحن العبقري نحاتا ومثالا ، التحق بمدرسة الفنون الزخرفية عام 1932 وبعدها بعام التحق بمعهد فؤاد للموسيقى العربية ، وشارك في تلحين أغنيات مايقرب من مئة وخمسين فيلما ، غير المشاهد الغنائية التي قدمها للإذاعة ، ومنها مشهد بعنوان ياليل ياعين عن قصة لأحمد على باكثير إعداد نجيب محفوظ ! . وقد ارتبط أحمد صدقي أيضا بصوت محمد عبد المطلب الخشن ، وبجئيره المحبب ، فلحن له رائعته التي مازلنا نرددها " أصعب على روحي لما أشوف حالي " ! و أغنية " صحبة " وغيرها . والآن ، بعد مرور نحو نصف القرن ، يفتش المرء في دمائه ، فيجد ذلك الجمال الحي الذي اغترف من أغاني الريف وأزقة المدن ، ويرى أحمد صدقي وعبد المطلب في مجرى روحه وذكرياته وخلاياه .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاريخ فقاعة - قصة قصيرة
-
زهرة الخشخاش .. وزمن شعلان الفنان
-
تجربة ابراهيم عيسي
-
أشياء - يُعتقد - أنها أمريكية !
-
الثقافة والأزمة الطائفية
-
الفتنة الطائفية بمصر .. لحظة خطر
-
أبناء الخيار الاستراتيجي .. إلي المفاوضات
-
جمال الغيطاني وأصدقاء العمر
-
هنادي طه حسين تجدد موتها
-
- صعيدي - - قصة قصيرة
-
أمير زكي وقصصه الجميلة
-
بهاء طاهر والجامعة الأمريكية .. إلي متي ينهبون الأدباء ؟
-
وزير الثقافة ومؤتمر الثقافة
-
طائر المساء .. شوقي عقل
-
رحيل الروائي محمد عبد السلام العمري
-
نيفين الجمل .. قصائد ممنوعة
-
نصف ضوء .. عزة رشاد
-
فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !
-
المتهم - خالد - .. والقضاة عابرون
-
ماالخطر الذي تمثله الكمانجة على دولة إسرائيل ؟
المزيد.....
-
المزيد من الـ -Minions- قادمون في فيلم جديد
-
موسم أصيلة الثقافي يعيد قراءة تاريخ المغرب من خلال نقوشه الص
...
-
شائعة حول اختطاف فنانة مصرية شهيرة تثير جدلا (صور)
-
اللغة العربية ضيفة الشرف في مهرجان أفينيون الفرنسي العام الم
...
-
تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
-
الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين
...
-
رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا
...
-
الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف-
...
-
الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب
...
-
كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|