|
من المفيد الكلام عن أشياء أخرى..!!
حسن خضر
كاتب وباحث
(Hassan Khader)
الحوار المتمدن-العدد: 3166 - 2010 / 10 / 26 - 12:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
للدولة اليهودية في فلسطين مرجعية دولية تتمثل في وثيقتين أساسيتين هما وعد بلفور، الصادر عن الدولة البريطانية، وقرار التقسيم، الصادر عن الأمم المتحدة. وفي الوثيقتين إشارة إلى السكّان الفلسطينيين. فالأولى الداعية إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين تشترط عدم المس بحقوق السكّان الأصليين المدنية والدينية، والثانية الداعية إلى تقسيم فلسطين تنص على قيام دولتين الأولى يهودية والثانية عربية، وتضم خرائط تفصيلية لحدود الدولتين، واقتراحات لحل مشكلة السكّان ومدينة القدس. بمعنى آخر، حصل مشروع الدولة اليهودية على مرجعية دولية لوجوده استنادا إلى وعد من جانب دولة الاحتلال التي أوكلت إليها عصبة الأمم إدارة شؤون فلسطين، بعد الحرب العالمية الأولى، كما حصلت الدولة اليهودية الناشئة في العام 1948 على مرجعية لوجودها استنادا إلى قرار أصدرته أعلى هيئة دولية هي الأمم المتحدة في العام 1947. وما حدث منذ العام 1917 أن الحقوق المدنية والدينية للسكّان الأصليين انتُهكت، وأن الدولة العربية لم تتحوّل إلى حقيقة على الأرض. وطالما أن إسرائيل تصر على انتزاع اعتراف من السكّان الأصليين بكونها وطنا لليهود، فمن واجبها، على الأقل، تفسير معنى عدم المس بالحقوق المدنية والدينية، وتبرير استنكافها عن تطبيق الشق الثاني من قرار التقسيم الداعي إلى إنشاء دولة عربية. فلنضع هذا وذاك جانبا، ولنفكر في أشياء من نوع: ما معنى دولة يهودية، ودولة لليهود، ودولة الشعب اليهودي؟ التفكير في أشياء كهذه يحيل إلى حقائق من نوع أن مَنْ هو وما هو اليهودي مفهوم غامض وملتبس. فقد أنشأ الإسرائيليون بعيد قيام الدولة لجنة خاصة لتعريف مَنْ وما هو اليهودي، وبعد ستة عقود ما يزال السؤال بلا إجابة حاسمة، وما تزال اللجنة قائمة. مصدر الغموض أن لدى ثلاث يهوديات ـ الأرثوذكسية (المعترف بها في إسرائيل) والإصلاحية (السائدة في الولايات المتحدة) والمحافظة (جيوب في مناطق مختلفة) ـ إجابات متنافرة. هل اليهودية دين أم قومية، أم هي دين وقومية في آن، وهل اليهودي ذلك الذي ينفذ 613 وصية دينية (ميتسفوت) على مدار اليوم، أم الذي ينحدر من أم يهودية حتى ولو كان ملحدا؟ فلنضع الأمر بطريقة أخرى: هل الشريعة (الهلاخاه) هي مصدر تعريف اليهودي في الدولة اليهودية أم الدستور؟ هذه الأسئلة مطروحة، في الواقع، منذ ستة عقود، ولم تجد إجابات شافية. وُضعت الأرضية الموضوعية لهذا الالتباس في ما يسمى بوثيقة الأمر الواقع، التي وقعها بن غوريون مع الأحزاب الدينية في العام 1947، فترك للأخيرة أن تتصرف في الشؤون المدنية بما وكيفما تشاء، وأبقى كافة الشؤون الأخرى في يد الدولة. والواقع أن المفاهيم والتصوّرات المعلمنة للدين والتاريخ اليهوديين، التي قام آباء الصهيونية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بتوليفها وتركيبها من قطع غيار متباينة، هي التي أضفت هذا القدر من الغموض والالتباس على مفهوم مَنْ وما هو اليهودي. وفي تاريخ القضاء الإسرائيلي منذ قيام الدولة الكثير من أمثلة وشواهد هذا الالتباس. لذلك، حتى إذا فكّر الفلسطينيون في الاعتراف بيهودية الدولة، أو بدولة اليهود، أو بدولة لليهود (وهي مفاهيم مختلفة) فمن واجبهم المطالبة بتعريف موحد يتفق عليه الإسرائيليون، وربما اليهود في العالم. فلنوجه أنظارنا مرّة أخرى إلى قرار التقسيم. رفض الفلسطينيون والعرب هذا القرار في حينه، ومجرد التفكير في التزام إسرائيل بهذا القرار في الوقت الحاضر يبدو إفراطا في الوهم. ومع ذلك، فإن هذا القرار يبدو أقل غموضا من وعد بلفور الداعي إلى عدم المس بالحقوق المدنية والدينية للسكّان. ومنظورا إليه بأثر رجعي، وعلى ضوء ما نعيشه اليوم، يبدو قرار التقسيم أكثر قدرة على معالجة قضايا عالقة وشائكة من نوع اللاجئين وحق العودة والحدود والمياه..الخ. ولماذا نفكر في قرار التقسيم طالما أننا لم نجعل منه قضية تستحق التفكير منذ بدء المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وطالما أن الإسرائيليين تجاوزوه ودفنوه منذ ستة عقود مضت؟ الجواب: لأن السياسة اليومية شيء والتصور الاستراتيجي العام شيء آخر. وحقيقة المأزق الفلسطيني في الوقت الراهن تتجلى في غياب التصوّر الاستراتيجي العام. فحتى مع انهيار الحركة الوطنية، وانسداد الأفق، تبقى مسألة الأرض والسكّان. الأرض والسكّان هما جوهر الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في فلسطين وعليها. فهناك أقلية نجحت في طرد السكّان الأصليين من مناطق مختلفة وتحولت عن طريق الهجرة والتكاثر إلى أغلبية في الشريط الساحلي، لكن وضعها كأغلبية غير مضمون. ويصعب الجزم بأن لدى الإسرائيليين خارطة للطريق يمكنهم على هديها حل معضلة الأرض والسكّان، فما فعلوه منذ قيام الدولة حتى الآن يندرج في باب التجربة والخطأ. لذلك، من المفيد، أحيانا، الكلام عن أشياء أخرى، حتى ولو بدت للوهلة الأولى ضربا من الأوهام. ربما قرار التقسيم خارطة للطريق أكثر جدية وجدوى من خرائط أخرى مُتداولة هذه الأيام. عندئذ، سيجد الفلسطينيون تعريفا للدولة اليهودية في قرار صدر عن الأمم المتحدة، لا في سياق صفقة تقايض ستين يوما، مما تعدون، باعتراف لا يعرف المطالِبون، ولا المطالَبون مضمونه ولا معناه.
#حسن_خضر (هاشتاغ)
Hassan_Khader#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دولة إسماعيل..!!
-
يوسا وحرب نهاية العالم..!!
-
مديح الأدب القاسي ..!!
-
ظاهرة جديدة ومُفرحة..!!
-
ليلنا طويل والنجوم قليلة..!!
-
ماذا حدث للمصريين؟
-
كتاب البطر في أخبار قطر..!!
-
أما في السياسة فحدّث عن المآسي ولا حرج..!!
-
محمود درويش يحتاجنا لأن بلادنا تحتاجنا..!!
-
عن النرجيلة والملابس الداخلية للنساء!
-
مديح الشيوعيين..!!
-
العلمانية في فلسطين
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|