|
الأمكنة الكمائنُ 14: المَبغى المُقدّس
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 3165 - 2010 / 10 / 25 - 19:17
المحور:
الادب والفن
صنبورُ السّبيل، المَبذولُ المياه للعابرين خلل درب الزقاق، كانَ هوَ مَعقِدَ باقة الورود، الأنثويّة. إنهنّ النسوَة الغريبات، المُنحدرات من ريف الساحل، والمُستأجرات في منزل جدّ صديقنا، " سيفو "، الرّث والواسع في آن. أنوارهنّ، كانت مَشاعلَ هدي ٍ في ليل مُراهقتنا، المُبكرَة. من جهتي، كنتُ في سنّ أكثر نضجاً، عندما رأيتني في صباح أحد الأيام أمرّ مَشدوهاً بإزاء صنبور السبيل. عندئذٍ، استردّدتُ بَصَري بصعوبَة من مَكمن الفتنة والإغواء، المُتاحَة له: المُستأجرَة الجَميلة، الجديدَة، كانت مَشغولة بصّب الماء في قِدْر كبير، عندما رَفعتْ نحوي عينيْها السود، الوَاسعتيْن، المُظللتيْن بأهدابٍ طويلة، رَخيّة. كلّ هَدْبٍ، طائش، كانَ بالمُقابل سَهَماً سَديداً، مُرَيّشاً إلى جهَة القلبِ رَأساً. في المَكتب، وما أنّ اشتعلَ أوارُ المُخابرات، الهاتفيّة، حتى كنتُ بمَنأىً عن ذكرى مَشهد الإغراء الصباحيّ، المَوْصوف. إلا أنني كنتُ إذاك مُتململاً، أنتظرُ مُكالمَة من نوع آخر. مُبتدأ الأمر، عندما كلّفني مُعلمّي بإيصال مَلفّ ما، ثقيل، إلى شقته. ربّما كانَ الملف يَحتوي على مُخططات الأبنيَة، المُستحدَثة، والمَوْضوعة من لدُن رسّام هندَسيّ، شابّ، مُتعاقدٍ مع عددٍ من المكاتب. الشقة، كانت بدَورها تقوم في بناء حديث، مُشرفٍ على مُحيط مَشفى " أبن النفيس "، المُستزرع بشجيرات الصنوبر، المُخضوضرة على مَدار العام. " أأنتَ من الحارَة..؟ "، استوقفني سؤالُ امرأة المُعلّم، ثمّة على ردهة الباب الخارجيّ. صيغة السؤال، كانت دليلاً على أنّ صاحبَته من أهل الحَيّ. وكانت قد همّتْ باستلام المَلفّ للتوّ، مُستبقيَة ً إياه في المَسافة الهيّنة الفاصلة بيننا. لم تكُ تبدو مُتعجّلة ً، المرأة ُ الشابّة، الشقراء والهيفاء. قسماتها الدقيقة، المَنحوتة بعنايَة، كانَ من حقها إدعاء نسَب فتنة، غير ذي صِلة بمَوطننا، الآسيويّ. مع أنّ اسمَ ستّ الحُسْن هذه، " روكسانا "، عليه كانَ أن يُذكرني بشبيه له في منزلنا؛ باسم شقيقتنا الكبيرَة، الشقراء.
في ظهيرَة اليوم التالي، خابرتني امرأة المُعلم، طالبَة ً مني شراءَ ما تحتاجه رشاقتها من خبز " التوست ". لحُسن الحظ، كما قدّرتُ وقتئذٍ، كانَ في جَيبي نقوداً كافية. رَجلها، كانَ في العادَة يَمضي منذ الصباح إلى وَرشات المَقاسم السكنيّة، الكائن مُعظمها في ضواحي المَدينة. دوامُهُ في المَكتب، الفعليّ، كانَ يبدأ مَساءً. عندَ ذلك، كانَ يَستقبلُ غالباً نفسَ الأشخاص؛ الذين كانَ قد قرأ أسماءهم، ظهراً، في الدفتر الخاص بالتليفون. حينما كانَ يَعودُ على حدّ بدء ساعَتيْ القيلولة تلك، فإنه لم يكُ ليتوجّه من بعد إلى منزله. كانَ يرتاحُ قليلاً، ثمّ يَمضي على الأثر إلى عمله؛ ثمّة في الإنشاءات السكنيّة. راتبي الشهريّ، الشحيح، كانَ دافعي أحياناً لمُحاوَلة تنكيد المُعلّم. إذاك، كنتُ أطيلُ في وَقت إيصال أوراق التعاملات، الرّسميّة، الخاصّة برُخص البناء وأضرابها. من المَكتب إلى أمانة العاصمَة وحتى نقابَة المهندسين، كانَ طريقي نوعاً من المُتعة. وكنتُ أضافرُ ذلك، يَومياً، بالتسكّع في جادات الحيّ الأرقى؛ وتحديداً، في مُحيط حَديقة " السبكيْ ". وها أنا ذا، أسارعُ لتنفيذ طلب زوج الرّجل، الحريص، طالما أنّ عودته للمكتب ظهراً لم تكن ضروريّة دوماً. بعد خروجي من المَخبز المُعتبَر، غير البعيد عن مكتبنا، كنتُ في طريقي إلى الحارَة، مُستقلاً الحافلة العموميّة. ثمّة، قدّام باب الشقة، المَطلوبَة، انتظرتُ هنيهة مُطوّلة نوعاً. " أرجوكَ، عيني، أن تعذرني. كنتُ في الحمّام، ولم أسمع صوتَ الجرَس.. "، قالتها ربّة البيت ببساطة. بدَوري، كنتُ لا أكادُ أسمع ما تقوله المَرأة الحَسناء، شبه العاريَة: كانت في غلالة زهريّة اللون، رقيقة ومُبتلة. النهدان الناهضان، المُتجرّدان من حمّالة الصّدر، كانَ عليهما أن يُسلّما بَصَري، مَغمياً، ليَد السروال الداخليّ المُرهف، المُتأثر بلون الغلالة نفسه. وعادَت ربّة الحُسْن للقول بصوتها المُنخفض، المَشفوع بصراخ بدَنها " كما أنّ حماتي نائمَة في حجرَتها؛ وأذنها ثقيلة، علاوة على ذلك ". لم أكُ قد نبَستُ بنأمَة، بعدُ. حتى تحيّة المُجاملة، سَلوتُ عن أدائها في حَضرَة الجَمال، المُقدّس. إلا عندما ناولتني هيَ وَرَقة ماليّة، جَسيمَة: " عفوا، يا خانم، أنا لا أملكُ الصَرْفَ.. " " خذها، إنها لكَ "، أجابتني بنبرَة دافئة. إذاك، رأيتني أهُرع إلى شكر وتوديع المرأة الحسناء، الكريمَة: لقاء خدمَة بسيطة، لم تستغرق أكثر من ساعة، مُنِحْتُ ما يُعادل الراتبَ؛ الذي كانَ الزوجُ البَخيل، المُستغلّ، يَعطيني إياه في آخر كلّ شهر. ولكنّ هذه المِنحَة، كانت هيَ سبيلي لتجربَة الجَسَد الجنسيّة، البكر.
وإذاً، كانت حجرَة المَكتب، الرئيسَة، تدور فيّ وتدور؛ أنا المُنسلخ عن كائناتها ومُجرّداتها. مُطمئناً إلى جهل المُعلم بأمر مروري على شقته، فإني أمِلتُ بفرصَة أخرى، دانيَة، تجمَعني مع امرأته؛ مع ربّة الحُسْن، التي كنتُ مُتأكداً أنها شاركتني، في يوم أمس، أمرَ الإخبات نفسه. ولكن، هاهيَ سُويعة الراحَة، الأولى، تمضي ببطٍ، مُمضّ، فوقَ أعصابي المُتوترَة . كنتُ أنتظرُ، دونما أمل، سماع الصوت الدافيء، المُفترََض أن يُبثّ خللَ سمّاعة الهاتف. ما فاقمَ من شعوري بالإحباط، هوَ حضورُ أحد الشركاء إلى المَكان. إنه شخصٌ قميء المَنظر، مَوْسوم بأبوّة " قاسم ". حرَكة السُبْحة في يَده، كانت مُنسجمَة ولا غرو مع لحيته الخفيفة، الوَرعة. إلا أنه، فكّرتُ وقتئذٍ، ما كانَ يَعدّ أسماءَ الله الحُسنى، مُسبّحاً؛ بل أرقام العملات الوَطنيّة والأجنبيّة، المَوعود هوَ بفردوسها. في الأثناء، كانت صِلتي بالجارَة، " جانيت "، قد أضحَتْ على شيءٍ من البرودَة والجَفاء. هذا المُنتهى، كأنما اتفقنا معاً على الوصول إليه. وبالرغم من جهلي آنذاك بخطة حياة السكرتيرة الجميلة، المُتواشجَة بخاتم الزواج، إلا أنني كنتُ بالمُقابل على يقين؛ بأنّ صلتنا لا تتعدّى حدود التسليَة. كانت مثلي، سواءً بسواء، تهدُرُ الساعات في العمَل، لقاءَ راتبٍ ضئيل. إنّ مُعلّمها، المُقاول، المُنتمي أيضاً لملّة الروم الأرثوذكس، كانَ شخصاً بَديناً، سَمِجاً، خالي السّحنة من أيّ تعبير: " في شخصيّة مُعلمكَ، على الأقل، ملامحٌ إنسانيّة. فإنه يميلُ، أحياناً، للمَرَح والمِزاح "، قالت لي ذاتَ مرّة مُتنهّدة ً. وعلى كلّ حال، فهوَ ذا صاحِبُ الملامحَ الإنسانيّة، يَحَضرُ على غرّة للقاء شريكه، المَلول. كانَ من النادر مرورُ المُهندس على المَكتب في هكذا وقت، مُتأخر، من ساعَتيْ القيلولة: " أراكَ أتيتَ مُبكراً، على غير العادَة "، خاطبني بنبرَته المألوفة، المُتهكّمَة، وهوَ يَنظرُ في ساعة يَده. ما لم يكُ هوَ على درايَة به، ولا غرو، أنني لم أغادر المَكان قط: كنتُ ما أفتأ أنتظرُ مُهاتفة امرأته الحسناء؛ والتي يبدو أنها سَلتْ أمرَ المُحافظة على رَشاقة بَدنها.
" بطبعِكَ هذا، الحَيي، لن تصلَ مع امرأة مُعلّمكَ إلى شيء " قالها لي " سيفو "، صديقنا المُجرّب، مُعقباً على حكايَة ربّة الحُسْن، الأكثر جدّة. كنتُ معه في مَشرَبنا، الأثير؛ " مَطعم السّفراء ". هذا المَكانُ، الحَميم، عوّدني عليه صَديقي، الكريمُ، مُذ أن كنا بعدُ في أوان المُراهقة، الأولى. مُساعدته لعمّه في دكان الجزارَة، المُزدهر، كانَ يَجعل محفظته عامرَة ً، دائماً؛ والأهمّ، تكفله بكلّ أريحيّة موضوعَ فاتورَة الحساب. بالمُقابل، عليه كانَ أن يَدفعَ فاتورَة أخرى، غير نقديّة، حينما عادَ إلى منزله في ساعة مُتأخرَة من إحدى ليالي مُنادمَة الرّاح: لسوء الفأل فإنّ والدَهُ، المُتديّن، كانَ ليلتئذٍ يَنتظرُ حضورَه. فما أن عاينَ هيئة أبنه، المُتلبّسة بعبَقَ العرَق ، حتى أنهالَ عليه بالضرب المُبرح. ولم يَكتفِ الأبّ بذلك، بل بادرَ في اليوم التالي لإبلاغ والدي بأمر المَعصيَة، الداهمَة. هذا الأخير، كدأبه غالباً، اكتفى بتأنيبي بكلماتِ هيّنة، ناصحَة:" يا بُنيْ، عندما كنا في مثل عمرك، وننشط سياسياً؛ فإننا كنا نحرم أنفسنا من كلّ شيء "، قالها هامزاً من قناة عملي مع الشيوعيين؛ الذين سبقَ وأعلنهم قطيعته شبه التامّة. " في حالتكَ، ولا رَيْب، فإنّ الأجدى هوَ مُلاحقة البغايا. لولا أنكَ، من ناحيَة أخرى، لا تملك نقوداً كافيَة ". أردَفَ " سيفو " بلهجته غير المُكترثة. بخلاف " آدم "، المُهتمّ بالبنات العذراوات، كانَ صديقنا هذا يَتباهى بكثرَة تردّده على مَواضع الدعارَة. أمّا أنا، ثالثُ الأثافي، فكنتُ مُعتاداً على عَرْض حكاياتِ الإغواء، الخائبَة، وعلى مَسْمَعَيْهما خصوصاً. إنّ المُلاحظة الأخيرَة، المُتكرّم فيها صديقي، الكريم حقا، ما لبثتْ أن توافقتْ مع حضور آخر. كنتُ و" سيفو " نتبادلُ الكلام على وَقع الأنخاب، عندما دَخلَ شخصان إلى المَشرب، وما عتما أن جلسا على طاولة قريبَة من مَجلسنا. برهة أخرى، على الأثر، ونهضَ صديقي نحوَ تلك الطاولة، لكي يُحيي أصحابها. لدى عودته، خاطبني بصوتٍ مُنخفض: " أنتَ تعرفه، ولا شكّ، ذلكَ الرّجلَ الأعور؛ المُقيم لدينا في منزل الإيجار.. ". ألتفتّ لأحدّق، موارَبَة ً، بالشخص المَعنيّ. عند ذلك، تذكرتُ وَجْهَ هذا المُستأجر، الجَديد، المُكتسي دَوماً فوقَ لباسِه ِبفيلد عسكريّ أخضرَ، خلِق: ولكن، ما لم أكُ لأتوقعه، أنه هوَ زوجُ المَرأة الحَسناء، صاحبَة العينيْن السود، الشديدتيْ الحَوَر؛ التي كنتُ قد التقيت معها لأوّل مرّة عند صنبور السّبيل، في صباح يوم أسبق.
دربُ التسكّع، المَحفوف برَصيفيْ التأمّل والتفكّر، انتهى فيّ إلى لقاء رجل الحسناء ذاك. كنتُ قد صَدَفته أكثرَ من مرّة؛ هناك، في حدائق المَدينة. إلا أنه لم يكن اتفاقا، مُجرّداً، أن أسيرَ، في ظهيرَة يوم آخر، على مَرأى من عينه، السليمَة. ذلكَ، كانَ قد جدّ في " السبكيْ "؛ في حديقتي، المُفضلة، المُتحمّلة يومياً خطى قدَمَيّ فوقَ أرضيّتها، المُعشوشبَة أو الرَمليّة. كانَ رَجلُ الحسناء، البادي في عُمْر أبيها، يَجلسُ مُتوَحّداً على أحد كراسي المَنظرَة، المُشكّلة نصف قوس، والمُشرفة على البركة الكبيرَة. وإذ طالَ قعودي، المُتمَلمِل، على الكرسيّ القريب من مَجلسِهِ؛ فإنّ الرّجلَ ما عتمَ أن ابتدَهني بالسلام. ثمّ زادَ في اهتمامِهِ بحضوري، داعياً إيايَ إلى تقاسُم كرسيّهِ. " أرجو أن تشرّفني في بيتي، قريباً. تعالَ بمَعيّة صديقنا، أو لوَحدكَ إذا شئتَ.. "، قالَ لي " أبو فريد " مُوَدّعاً. كنتُ على علم، ولا غرو، بأنّ " بيته " ليسَ أكثر من حجرَة إيجار، بائسَة؛ وأنّ " صديقنا "، ما هوَ إلا " سيفو ". قبيلَ ذهاب الرّجل، استلفَ مني عشرَ ليرات. كانَ قد تكلّم معي، مُتدفقا، عن مُعاناته مع البطالة؛ هوَ المَطرودُ من الوَظيفة بتهمَة الاختلاس. إنه وزوجته، أصلاً، من قريَة " بسنادا "، الواقعة في ضواحي مَدينة " اللاذقيّة ". من جهتي، فإنني لم أكن على فضول، لكي أعرفَ ماهيّة وَظيفته، السابقة. ما شغلني وقتئذٍ، حقا، هوَ مَسلك الرّجل مَعي، المُتبسّط؛ حتى أنه باحَ لي بمَكنوناتٍ، شخصيّة، دونما أن يَعرفني قبلاً. إنّ تحامله على الحُكم، القاسي العبارَة، جعلَ عبارَة أخرى تغشى تفكيري: " أمِنَ المُمكن أن يكونَ هذا الرّجلُ، مُخبراً..؟ ". آنذاك، فإنّ شبهة كهذه، ما كانت لتخطرَ في بال المَرء مُحالة ً إلى دافع طائفيّ، بَحتٍ: إنه دافعٌ، مُقيتٌ، عليّ كانَ أن أعتاده بعد حوالي ثلاثة أعوام؛ وتحديداً، منذ أن كنتُ مُقيماً بالإيجار في " بسنادا "، نفسها. عندئذٍ، كنتُ أقضي خدمتي، الإلزاميّة، لمّا رُوّعَتْ تلك القريَة، كما البلدُ بأسره، بحادث مَجزرَة مدرسَة المَدفعيّة؛ التي حصلتْ في حاضرَة الشمال السوريّ.
عندما توجّهتُ إلى حجرَة الَحسناء، بعدَ بضعة أيام، كنتُ بمَعيّة صُحبَةٍ، صَديقةٍ. ولكنه ليسَ " سيفو "، من عليه كانَ أن يَصطحبني يَومئذٍ. قبل ذلكَ، كنتُ أحومُ حولَ عرين الرّجل، المَلول، عندما ظهرَ، على غفلةٍ، صديقي " بشر ". كانَ في مَظهر مُتعبٍ، مُرهق؛ هوَ القادم تواً من العمل. في هكذا مَوقف، كانَ صديقي عادة ً يُبادرني بالشكوى من أخيه الأكبر، والكيفيّة التي يستغلّ فيها قوّة عملِهِ. بيْدَ أنه في ذلك اليوم، وعلى حافة المساء، بدا مَشغولاً بشيءٍ آخر تماماً. فبالرغم من زعمي له، بأنّ سببَ وجودي ثمّة هوَ انتظار صديقنا، " سيفو "؛ فإنه ما لبثَ أن أشارَ بعينيْه نحوَ بيت الإيجار. " أبو فريد ذاك، القوّاد، يُحاول اللعبَ معي.. "، قالها بامتعاض ثمّ أضافَ " لقد استدانَ مني النقودَ، مَبلغاً إثر الآخر. والبارحَة، حينما صادفتُ القوّاد، فقد حذرته بأني لستُ مَن يَدفعَ النقودَ، مَجاناً ". عند ذلك، اندفعتُ مُتحمّساً إلى روايَة حكايتي مع الرّجل ذي الفيلد العسكريّ. غادرَ " بشرُ " من ثمّ إلى منزله، لكي يَستحمّ ويغيّر ملابسه. سويعة، على الأثر، وانضمّ إليّ في حراسَة عرين زوج الحسناء. هذا الرّجل، ما لبث أن أطلّ بدَوره من ناصيَة مَدخل الزقاق، الأسفل. ما أن لمَحَ " صديقيْه "، حتى تهلّلَ وَجهه المُتغضن، المُتخم بالندوب والبثور. إلا أنّ " بشر "، الأخرَق، نغصَ بهجَة اللقاء بمُخاطبته للرّجل: " يا هذا، إنكَ مُدينٌ لي بالمال. اللهمّ إلا إذا كنتَ تعتقد، بأنّ نقودي هيَ أتاوَة " " مَعاذ الله، يا أخي. ماذا تقولُ، أنتَ..؟ "، أجابَه الجارُ المسكين بنبرَة مُتسامِحَة. ثمّ استطرَدَ وهوَ يتمعّنُ فيّ بعينه الوَحيدَة، المَحظوظة " لقد سرّني، حقا، أن ألتقي بكما معاً؛ هنا، قدّام باب بيتي. وبهذه الحالة، عليكما بتشريفنا بعدَ ساعة من الآن ". إذاك، انفرَجتْ أساريرُ صديقي، المُتجهّمَة. وهكذا كان؛ عُدتّ معه في الوقت المُحدّد إلى ذلك المنزل، الذي سُيعرف لاحقا بـ " بيت أمّ فريد ". هذه المرأة، كانت ثمّة إذاً، عندما استقبلنا رَجلها عندَ باب حجرتهما الخشبيّ، المُتهالك. " هيا، يا جار؛ سنذهبُ في مَعيّتكَ إلى مَحلّ طانيوس.. "، خاطبني " أبو فريد " باحتفاء. ثمّ ما عتمَ، على دَهشتي، أن أمسكَ بيَدي وجرّني مُجدّداً نحوَ الخارج. لقد بقيَ " بشر " هناك، مُتفرداً بالمرأة الحسناء؛ التي كنتُ عندئذٍ بالكاد قد لمَحتُ هيئتها، المُبهرَة.
دَفعتُ ثمَنَ زجاجتيْ عرَق، علاوة على المُكسّرات، ثمّ قفلتُ راجعاً مع مُرافقي إلى عرينِهِِ. كانت ليلة خريفيّة، دافئة، خاليَة ً سماؤها من أيّ سَحابَةٍ. القمرُ، كانَ ثمّة إذاً، في مَوضعِهِ، المُعتاد؛ عندما كنتُ في سبيلي للقاء قرينِهِ، الأرضيّ. ولكنها سحابَة صديقي، الخرقاء، من كانَ عليها أن تحجُبَ ليلتئذٍ فتنة القمر ذاك. فما أن فتحَ " أبو فريد " بابَ الحجرَة، حتى رأينا ظلالَ الخصام مخيّمة على المَكان. على السرير، كانَ مُنهكاً بالبكاء الولدُ الجَميل، المُناهز عامه الثاني، عندما شرَعَ شقيقه، الرّضيع، بمُحاوَلة مُجاراتِهِ. أمّهما الغاضبَة، التعِسَة، راحَتْ عندئذٍ تهدهِدُ هذا وتزجرُ ذاكَ. دونما حاجةٍ لسؤال، ربما أدركَ ربّ الأسرَة مَبعثَ الخصام. " هيا، يا صديقي. حانَ دَورُكَ لترافقني. لقد نسيتُ شراءَ علبة تبغي "، قالها الرّجلُ مُتوجّهاً إلى ضيفِهِ الأخرَقَ. إلا أنّ " بشر "، وبغض الطرْف عن أصله الغريب؛ كانَ رأسُهُ قد أضحى على مُنقلبٍ آخر، شبيهٍ برؤوس أهل الحارَة، المَنحوتة من صخر الجبل الأوّل، المُقدّس. " لن أتحرّكَ من هنا، قبلَ أن أحصل على مُرادي.. "، نطقَ جُملته بقوّة ثمّ أردَف مُخاطباً المرأة " سَأنيككِ، ولو جاءَ الله نفسه ". راعني، ولا غرو، أن يكلّمها الحمارُ بهذه الطريقة، البذيئة للغايَة، وفي مَحضر رَجلها. هذا الأخير، هوَ مَن عليه كانَ أن يُفاقمَ من عَجَبي، حينما اندفعَ للتهوين من غضبَة " ضيفه ". أخذه إلى جانب، وبدأ يَهمسُ في أذنه بضع كلمات. برهة أخرى، وكنتُ هذه المرّة من يَتفرّد بصُحبَة المَرأة، الحَسناء. قبل لقائي بالحمار ذاك، المُغادر للتوّ، كنتُ قد تجرّعتُ في بيتي بقَدحَيْن من البراندي المَمزوج بالبيبسي. بالرغم من ذلك، رأيتني أمدّ يَدي إلى إحدى زجاجَتيْ العرَق، المُنتصبتيْن فوق سِماط قديم، مُمزق. " أترغبينَ بكأس..؟ "، سألتُ المرأة دَفعاً لمَشاعر الحرَج، المُستوليَة بعدُ عليّ. هذه، كانت ما تفتأ مُستلقيَة على السرير، بالقرب من ولدَيْها. على ذلك، لم أحظ منها بجواب أو حتى التفاتة ما. " عليّ أن أنسَحِبَ، في الحال، من المَكان "، قلتُ في نفسي. ولكن، ما أن كنتُ أهمّ ، مَكروباً، بتنفيذ فكرتي، حتى تحرّكتْ الحَسناء على غرّة.
تناهضتْ " أمّ فريد " ببطء، مُلقيَة ً نظرَة على الصبيَيْن، الغافيَيْن، ثمّ ما لبثتْ أن استوَت على قدَميْها. اتجهتْ إلى الطاولة المُتوَحّدة، المَركونة عند الجدار المُحاذي لباب الحجرَة، لكي تفتحَ جهاز المذياع، الأثريّ. على أنغام أغنيَة لكوكب الشرق، راحَتْ الحسناءُ تخلع ملابسها قطعة اثر الأخرى. حينما انحَنى جذعها كلّه، كي يَنسلّ السروال الداخليّ من القدَم الصغيرَة، المُنمنمَة، فإنّ العجز الثرّ، الكبير، عليه كانَ أن يَخطفَ أنفاسي. في الليلة ذاتها، ومُباشرة ً بعيدَ مغادرتنا للحجرَة البائسَة، فإنني عرفتُ من " بشر "، أنّ تلك المؤخرَة الفاتنة، الربّانية، كانت هيَ مَبعث خصامِهِ مع صاحبَتها؛ مع القمَر، الأرضيّ. بالمُقابل، فإنّ تجربتي الجَسَديّة، الأولى، لم تمض دونما شيء من الخصام. بدءاً، كانَ الأمرُ يسيرُ بشكل رائع. فما أن تجردتّ أيضاً من ملابسي، حتى أشارتْ رفيقتي إلى جرّة فخاريّة، مَوضوعة خلف باب الحجرَة: " أغسل شيئكَ، هناك.. "، قالتها وهيَ تحدّقُ بذكري المُنتعظ بشدّة. إنّ مرأى ذاك الكفل، المُعجّز، كانَ كفيلاً بتحريك الجلمود، الجَماد. الماءُ، كانَ يَنسابُ من مُعينه مُنسكباً فوقَ غرَض المُتعة، مًنتهياً خلل ثقب الباب، الخارجيّ، إلى بالوعة ثمّة. على طراحَة الإسفنج، الرثة، أضجعتني الجميلة بلطف شارعة ً من ثمّ بترشف رأس ذكري وجسمه. تأثراً بمشاهد المجلات الجنسيّة، رأيتني أقومُ بدَوري لكي أمثل هيئة الفحل، المُجرّب، العارف بفنون الباه. إلا أنها نحّتني عن مؤخرَتها، وليسَ بدون نظرَة مؤنبَة، حانقة. " ضَعْ شيئكَ، هنا.. "، ندّتْ عنها بصيغة الأمر، مُشيرَة بيَدها إلى الفرْج المُتخفي خلف أجمَة كثة. إذ حُبيَ الذكرُ بمُساعدَة اليد نفسها، فإنه ما عتمَ أن أنسلّ بسهولة عبر الشقّ البهيّ، المَدلك للتوّ بمرهم ما، عطريّ العبَق. قراءاتي، المُبكرَة، لبعض الكتب الجنسيّة، العلميّة، هيَ من ألهمني بفكرَة النهوض إلى جرّة الماء: كانَ في ذهني ترطيب شيئي؛ طالما أنّ ضغطاً شديداً، قد جدّ عند رأسه، ومباشرّة غبّ لحظة الإيلاج. ولكن، ما أن هممتُ بالنهوض عن جسَدِ الجميلة، حتى كانَ كلّ شيء قد انتهى. " يلعنْ الذي عبَدَكَ.. "، قالتها لي على الأثر بلهجة أهل الساحل الطريفة، وهيَ تمسحُ بالفوطة البقع الحليبيّة، الناصعة، المُتناثرَة على وَجهها وصدرها وبطنها. لدهشتي، رأيتني بلا أيّ إثارَة، أو حتى فضول، عندما نهضتْ الحسناءُ نحوَ جرّة الماء، وهيَ تجرجرُ عجزها الرائع، المُترجرج. صباحاً، عندما رنّ جرسُ الهاتف، فإنني كنتُ خالي الذهن تماماً من أيّ فكرَةٍ ما، مُتعلقة بالجنس الآخر. كانت " روكسانا " على الخط، المُقابل. سألتني، حَسْب، عن مَوعد عودة مُعلّمي من المَقاسِم، السكنيّة. وبالرغم من نبرتها اللطيفة، الدافئة، إلا أنّ الإعياءَ كانَ بادِ عليها. لاحقا، عرفتُ من شذرات القول هنا وهناك، أنّ امرأة المُهندس كانت قد خرَجتْ من المشفى إثر عمليّة إجهاض: أنزلتْ بكرَها، الصبيّ، تأثراً بسماعها خبر موت ذلك الصبيّ، ابن أخت رَجلها؛ الذي دُهسَ تحت عجلات الحافلة العموميّة، فيما كانَ في طريقه إلى منزلها.
للسيرَة خاتمَة..
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمكنة الكمائنُ 13: الجدرانُ الأخرى
-
الأمكنة الكمائنُ 12: السّفح المُتسكع
-
الأمكنة الكمائنُ 11: المَخطر المَشبوه
-
الأمكنة الكمائنُ 10: الجوار المُتأجّج
-
الأمكنة الكمائنُ 9: المَحفل المُزدوَج
-
الأمكنة الكمائنُ 8: أسطحُ الأصحاب
-
الأمكنة الكمائنُ 7: خرائبُ الرّغبة
-
الأمكنة الكمائنُ 6: أوابدُ الوَجاهة
-
الأمكنة الكمائنُ 5: بيتُ بَديع
-
الأمكنة الكمائنُ 4: مَأوى آموجنيْ
-
الأمكنة الكمائنُ 3: كهف الفتوّة
-
الأمكنة الكمائنُ 2: حجرة الحَديقة
-
الأمكنة الكمائنُ: جنينة جَميل
-
الأوانس والجَواري 5
-
الأوانس والجَواري 4
-
الأوانس والجَواري 3
-
الأوانس والجَواري 2
-
ثمرَة الشرّ: الأوانس والجَواري
-
المُتسكعون والمَجانين 4
-
المُتسكعون والمَجانين 3
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|