|
أخلاق انتخابية وانتخابات أخلاقية!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3164 - 2010 / 10 / 24 - 14:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نادراً ما تجتمع الفضيلة والرذيلة اجتماعهما الآن حيث تعنف وتشتد المعارك الانتخابية في الأردن بين المرشَّحين النيابيين في غير دائرة، فالفَرْق الأخلاقي بين "المرشَّح" و"النائب"، في رُبْع الساعة الأخير من السباق إلى المقعد النيابي، وعلى ما يراه الناخب المتدلِّل على المرشَّح تدلُّل الزوجة على زوجها، هو من الاتِّساع والوضوح بمكان؛ وإنَّ أخلاق المرشَّح، بمعانيها كافة، وبمعانيها المتناقضة على وجه الخصوص، تَصْلُح أن يُضْرَب بها المثل؛ فالمصلحة الشخصية، هي، باختلافها وتناقضها، ما يُفسِّر هذا الفَرْق.
ورأيتُ بعينيَّ اجتماعاً آخر لا يقل أهمية هو اجتماع "المأساة" و"المهزلة"؛ فبعض الناخبين (الذين خلقهم القانون الانتخابي على مثاله) استبدَّ بهم الشعور بالضياع (الانتخابي) إذ فشلت العشيرة في اجتماعها الانتخابي في الاتِّفاق على مرشَّح لها، يَلْتَزِم الناخبون من أبنائها التصويت له، فَلِمَنْ يصوِّتون؟!
حيرتهم (أو ضياعهم) لم تَدُمْ طويلاً، فها هو مرشَّح ينتمي إلى عشيرة أخرى (نجحت في توحيد كلمتها، ورصِّ صفوفها) يقرع بابهم، متذلِّلاً مُسْتَعْطياً، وكأنَّه ذاك الذي لا يعرف من الكلام إلاَّ عبارة "لله يا محسنين"!
ولقد خاطبهم بـ "لغة انتخابية" لا يفهمها إلاَّ الناخبون عندنا، فسألته، بعدما شعر، وأشعرهم، وأشعرني، أنَّه فَرْد من العائلة، عن السبب الذي منعه من مخاطبتهم بلغة انتخابية سياسية، فما كان منه إلاَّ أنْ وجَّه "كلامه السياسي" إليَّ، مع أنَّني أحطته علماً بأنَّني لست ناخباً، وشرع يحدِّثني عن تجربته البرلمانية الطويلة، وعن معاناته السياسية في جلسات البرلمان، فهو، على ما حاول أن يُثْبِت لي، تكلَّم كثيراً، في جلسات البرلمان، بالسياسة، وبذل وسعه لتحقيق "شعاراته السياسية (التي لعدم صلاحيتها تَصْلُح لكل مجتمع، ولكل زمان)"؛ لكن "يداً واحدة لا تُصفِّق"، على ما أوضح لي، وكأنَّه يريد أن يقول "أرجو أن تجدوا في كلامي ما يَصْلُح تعليلاً واعتذاراً"!
هذا المرشَّح (النيابي) الزائر، تكلَّم كثيراً، ووعد كثيراً، وتذلَّل كثيراً، ونأى بنفسه وبناخبيه المحتملين عن السياسة التي لا يعنيه ولا يعنيهم أمرها؛ ولم ينسَ أن يذكِّرهم بـ "المثالب الشخصية" لبعض خصومه في المعركة الانتخابية.
وما أن غادر الزائر حتى اجتمع الناخبون في العائلة، وقرَّروا أن يوزِّعوا أصواتهم مناصفةً بينه وبين مرشَّح آخر، وعده الأب، من قبل، بأنْ يعطيه صوته.
أحدهم حدَّثني عن الأخلاق السيئة لهذا المرشَّح الزائر عندما كان نائباً، فتأكَّد لي أنَّ المرشَّح يكون، في طوره الأخلاقي الأوَّل، منحنياً انحناء فروع شجرة مُثْقَلة بالثمار، فتواضعه قد يرفعه إلى النيابة؛ أمَّا في طوره الأخلاقي الثاني والأخير، أي عندما يفوز بالمقعد النيابي، فيصبح كشجرة تتعالى فروعها لضآلة ما تحمله من ثمار، إذا ما حملت.
من هذه الطريق، وأمثالها وأشباهها، والتي لا تَصْلُح إلاَّ طريقاً إلى مجالس بلدية لم تُسْبَغ عليها بعد نعمة الحياة الديمقراطية، يأتي "ممثِّلو الشعب"، فرادى، إلى "البرلمان"؛ فهل من نائب منهم يجرؤ على أن يزعم أنَّه ممثِّل للشعب؟!
إنَّه لا يمثِّل إلاَّ الجمهور الذي انتخبه بعيداً عن الحياة الحزبية السياسية، وضدَّها؛ وبعيداً، بالتالي، عمَّا يُكْسِب النائب صفة "ممثِّل الشعب"؛ فإذا كان كل نائب لا يملك، لأسباب لا تخصُّه هو، ولا تخصُّ الناخب، صفة "ممثِّل الشعب"، فهل نحصل من مجموع النواب على برلمان يملك هذه الصفة؟!
إنَّما "النيابة" أخلاق..؛ ويراد لها، على ما يبدو، أن تكون أخلاقاً فحسب؛ وكفاها الله شرَّ السياسة؛ فالقانون الانتخابي الذي بموجبه يُنْتَخَب المجلس النيابي المقبل، سيؤسِّس، هذه المرَّة، وبحسب وعود صنَّاعه، لانتخابات نيابية "أخلاقية"، قد يظهر فيها، ويتأكَّد، أنَّ طرفيها (المرشَّح والناخب) صَلُحا أخلاقياً، فنحظى، بالتالي، ببرلمان على خُلِق عظيم، تزهد فيه "النيابة" عن السياسة، ويعلو فيها منسوب ما يشبه "الكهانة"، وكأنَّ "الإصلاح الأخلاقي" الذي لا يخالطه "إصلاح سياسي (حقيقي)" هو الغاية التي ننشد!
ولقد صدَّقنا أكذوبة "إنَّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، فاستبدَّت بعقولنا فكرة أنَّ إصلاح حياتنا البرلمانية يبدأ بالإصلاح الأخلاقي للنائب، ضاربين صفحاً عن حقيقة أنَّ البرلمان المُصْلَح سياسياً هو البرلمان الصالح، أو الذي يمكن أن يكون صالحاً، أخلاقياً.
ربَّما نرى نوَّاباً في البرلمان المقبل يمثِّلون "الفضيلة"، فازوا بمقاعدهم البرلمانية من غير طريق "الرذيلة"، نبذوا ثلاثية "الراشي والمرتشي والرائش"، لم يسعوا في شراء الأصوات والذمم، ولا في تأليف قلوب الناخبين الفقراء بالمال السياسي وأشباهه من الرذائل، ارتضوا النيابة تكليفاً لا تشريفاً، ونزَّهوها عن "الراتب" و"الوظيفة"، وفهموها على أنَّها جزء من الحياة الدنيا "وما الحياة الدنيا إلاَّ متاع الغرور"، فابتغوا مرضاة الشعب، ولم يبتغوا "حلية أو متاع زبَد مثله".
ولكن، ما نفعهم إذا ما جاءوا إلى برلمان هو من الوجهة السياسية الصرف لا لون له، ولا طعم، ولا رائحة؟!
وكيف للبرلمان أن يكون بخواص سياسية، يمثِّل الشعب تمثيلاً سياسياً، وينتمي، بالتالي، إلى السياسة في عالمها الواقعي الحقيقي، إذا ما كان، أو ظلَّ، "الفرد" هو محور الحياة السياسية والبرلمانية، وكأنَّ "السياسة" نشاط يمكن أن يؤدِّيه (وعلى خير وجه) روبنسون كروزو المُنْعَزِل في جزيرة "الموات الحزبي"؟!
ليس بـ "الفرد" نحقِّق "تنمية سياسية"، تُحيي في المجتمع والمواطنين "الدافع (أو الحافز) السياسي"، وتُنْطِق "الأكثرية الصامتة"، وتُنْهي سلبيتها السياسية، وتُوْقِظنا من "نومنا السياسي الطويل".
ولا شكَّ في أنَّ إطلاق يد "الحزبية السياسية" في حياتنا السياسية هو الخطوة الأولى والكبرى التي ينبغي لنا أن نخطوها، الآن، أي منذ سنين، على الطريق المؤدِّية إلى مثل هذه "التنمية السياسية"، فـ "التمثيل الفردي"، الذي هو ضد نشوء وتطوُّر "المؤسَّسة" في نظام حياتنا السياسية والديمقراطية، حان له أن ينتهي، لينتهي معه كل هذا "الموروث الاجتماعي ـ السياسي" المضاد، في طبعه وطبيعته، للتطوُّر الديمقراطي لمجتمعنا.
"الفرد" الذي بصفة كونه "ناخباً" فحسب هو وحده الذي يحقُّ له الوجود في حياتنا السياسية. أمَّا "المرشَّح" فهو "الكيان السياسي"، أي "الحزب السياسي"، بأفراده (المنتخَبين حزبيَّاً) وبرنامجه السياسي.
"الفرد"، مرشَّحاً، هو الذي أصاب حياتنا السياسية والانتخابية والبرلمانية بالعفونة والركود والقصور؛ ولا بدَّ لـ "التنمية السياسية" من أن تشمله، أي لا بدَّ له من أن يزاول النشاط، أو العمل، السياسي من خلال "جماعة سياسية منظَّمة"، فـ "الخدمة العامَّة" لن تغدو "خدمة في معناها الحقيقي" و"عامَّة في معناها الحقيقي" إلا إذا أدَّاها "الفرد" عبر "المؤسَّسة (السياسية ـ الحزبية)"، فمشكلاتنا لا حلَّ لها بجهود ووعي وثقافة وخبرة وموهبة "فرد" ولو رأى أنَّ لديه أُفُقاً يسع كل شيء ولا يسعه شيء!
على هذا "الفرد"، قبل أن يستوي إلى "الخدمة العامَّة"، في البرلمان وغيره، وقبل أن يستوي على "كرسي الخدمة العامَّة"، أن يتحوَّل إلى "كائن سياسي"، في معناه الديمقراطي والحضاري. وليس من سبيل له إلى ذلك سوى الدخول في "الحياة السياسية ـ الحزبية"، التي ينبغي لها أن تملك مِنَ "الحياة" و"مقوِّماتها" ما يسمح لها بأن تُحيي عِظام مجتمعنا السياسية وهي رميم. نحن، الآن، لدينا "أحزاب لا تحتاج إلى المجتمع"، ولدينا "مجتمع لا يحتاج إلى الأحزاب"، أي لدينا "مرض سياسي (ديمقراطي) عضال".
وإذا كان من سؤال ينبغي لنا إجابته فإنَّ هذا السؤال هو: كيف نَخْلِق تلك "البيئة السياسية ـ القانونية"، التي فيها يصبح ممكناً قيام أحزاب سياسية تحتاج إلى المجتمع، وقيام مجتمع يحتاج إلى الأحزاب السياسية.
الناس يحتاجون إلى "السياسة" مثل حاجتهم إلى "رغيف الخبز"؛ لكنَّهم لا يحتاجون إليها، ولسوف يظلَّون عازفين عنها، إذا هي ظلَّت، في خبرتهم واختبارهم، "أداة ضد التغيير" الذي يريدون، والذي يلبِّي احتياجاتهم الواقعية (لا الوهمية) ويحل المشكلات بما يتَّفِق مع المصالح العامَّة لا المصالح الفردية والفئوية الضيِّقة.
وكيف للأحزاب عندنا أن تكبر وتنمو وتتطوَّر إذا كان أقلها وزناً يَزِن سياسياً أكثر من "المجتمع"، الذي توفَّروا على "إقناعه" بأنَّ "للسياسة أربابها"، وبأنَّ "السياسة رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه"، وبأنَّها "لا تُطْعمُ خبز ولا تُسْمِن ولا تُغْني من جوعٍ"، وبأنَّ "الندامة في الرغبة فيها، والسلامة في الرغبة عنها"؟!
البرلمان الحقيقي، أي البرلمان السياسي الحزبي الديمقراطي القوي، هو المكان الذي فيه نرى تداولاً للسلطة، أي للسلطة الحقيقية الفعلية، فكيف لهذه السلطة أن تكون، أو تصبح، متداولة، في برلمان هجر السياسة، وهجرته السياسة، يتألَّف من أفراد لا أثر فيهم لصفة "التمثيل السياسي"، فإذا تكتَّلوا برلمانياً فإنَّ كل كتلهم لا تملك من السلطة الحقيقية والفعلية ما يستحق التداول؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف تُشْرِك الشعب في الانتخابات وتقصيه عن -البرلمان-؟!
-
الانتخابات الأردنية..التحريض على المقاطعة!
-
بلفور الفلسطيني!
-
صراع رُبْع الساعة الأخير.. إسرائيلياً وفلسطينياً!
-
-القرار الفلسطيني-.. معنىً ومبْنىً!
-
فتوى جيِّدة لزمن رديء!
-
26 أيلول.. ما قبله وما بعده!
-
هل تتلاشى فلسطينية -القضية الفلسطينية- بعد تلاشي قوميتها؟!
-
-شقَّة- ليبرمان و-حَماة- عباس!
-
الحكومة الأردنية تبحث عن -خلخال حزبي- للبرلمان المقبل!
-
التناقض في منطق الاعتراف العربي بإسرائيل!
-
العرب يحتاجون إلى هذا -التَّتريك الديمقراطي-!
-
نتنياهو إذ تحدَّث عن -الشراكة- و-الشعب الآخر-!
-
سنةٌ للاتِّفاقية وعشرة أمثالها للتنفيذ!
-
أسئلة 26 أيلول المقبل!
-
في انتظار التراجع الثاني والأخطر لإدارة أوباما!
-
لا تُفْرِطوا في -التفاؤل- ب -فشلها-!
-
حرب سعودية على -فوضى الإفتاء-!
-
في الطريق من -العربية- إلى -الرباعية الدولية-!
-
حُصَّة العرب من الضغوط التي يتعرَّض لها عباس!
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|