|
الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي و قامة الرشأ المهفهف / الجزء الثاني
حامد كعيد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 3159 - 2010 / 10 / 19 - 22:31
المحور:
الادب والفن
ومن طريف سرعة بديهية السيد جعفر الحلي بقول الشعر ارتجالا ، ما قاله بعد مطر ربيعي سقى البادية النجفية وطاب هواءها ، فدعا صديقا له وهو الشيخ العلامة هادي كاشف الغطاء للنزهة حول غدير تجمع من مياه المطر هناك ، فأبى الشيخ الخروج معه فأنشأ قائلا عذيري منك أذ تأبى إتباعي ... على حق ومن لي بالعذير ومن عجب بأنك ( جعفري ) ... وترغب عن أحاديث ( الغدير ) فلو لا حظنا استعارته لمفردة جعفري وما يعني للجعفري الغدير . كتب السيد جعفر الحلي بكل أغراض الشعر من مدح وهجاء ورثاء وغزل وباب إلأخوانيات وأجاد بكل ما كتب من أغراض ، والسيد أن رثى يفي المرثي حقه ، وإن هجا وكما تقدم فإن هجاءه يعد إخماد جذوة المهجو ، وهناك بابا نادرا ما يتناوله الشعراء وهو التشطير والتخميس ، فإن أعجب أحد الشعراء بقصيدة شاعر غيره ، أخذ تلك القصيدة وشطرها ، ومعنى التشطير أن يضيف عجزا للصدر وصدرا للعجز لنهاية القصيدة ، أو الأبيات التي أحبها من ذلك الشاعر ، ومثال لذلك تشطيره أبياتا من قصيدة العلامة السيد حسين القزويني والتي بعث بها من الديار المقدسة أثناء تأديته مراسم الحج ، ( طاب النسيم بطيبة ) ... وجلا السرور بها مدامه علقت بها أرواحنا ..... ( وحلت لنا فيها الإقامه ) ( دار توارثنا بها ) ..... شرفا يدوم الى القيامه ولنا بحوزتها انتهى ..... ( إرث النبوة والإمامه) ( كم من كريم ليس ) ... تأخذه بمكرمة ملامه حلف المكارم ليس ..... ( نأباه ولا يأبى الكرامه ) ( قد زارها بسلامة ) ... وبنى على الجوزا خيامه ودعا القبائل للقرى ..... ( منه وأقرأكم سلامه ) الأبيات المقوسة هي القصيدة الأصل للسيد حسين القزويني ، والأبيات غير المقوسة هي للسيد جعفر الحلي ، والتشطير ليس بسهل الصنعة على الشعراء ، فعلى الشاعر المشطر محاكاة شاعر القصيدة ولا يهم إن حول المدح لهجاء بل عليه ملاحظة قوة سبك القصيدة ، فإن جاءت أقل سباكة من منشئها حُسبت على الشاعر المشطر لا له، وللتخميس عملية تختلف عن التشطير ، والتخميس يأخذ بيتا من شاعر ما ويضاف له أربعة أشطر والشطر الخامس يعود لمنشئ القصيدة وهكذا . السيد جعفر الحلي مولع بحل الألغاز الشعرية التي يرسلها له الأصدقاء من الشعراء ومن تلك الألغاز ما أرسله الشاعر السيد حسين القزويني ملغزا بمفردة الصقر حيث يقول ما أسم ثلاثي على طرده ... يفعل فعل الضيغم الخادر وعكسه يصدر من جاهل ... تهواه نفس الرجل الفاجر وإن يكن أوسطه أولا .... كان رفيع السمك للناظر فأجابه السيد جعفر يا آمري في حل ألغازه ... سمعا وطوعا لك من آمر هذا الذي يذعر سرب الظبا ... والسرب في أمن من الذاعر وكان السيد الحلي رحمه الله محبا كشعراء عصره التاريخ الشعري ، والتاريخ الشعري مسألة صنعة حسابية أقرب منها للشاعرية ، ومعلوم أن لكل حرف باللغة العربية له قوة حسابية يعرفها المختصون ، ولها دلالات والتزامات لسنا بصددها ، ومن جيد ما تركه تاريخا شعريا مؤرخا عام وصول أسلاك البرق ( التلغراف ) الى النجف الأشرف بعهد السلطان العثماني عبد الحميد عام 1313 هجرية فالتلغراف لبلدة النجف انتهى ... أرخ أجل يأتيك بالأخبار وله أبيات يؤرخ وفاة العلامة حبيب الله الرشتي سنة 1312 هجرية بكته الملة الغرا فأرخ ... بكى لحبيبها الشرع الشريف وأرخ وفاة العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين سنة 1308 هجرية قائلا مذ توفى أرخوه ... ثلم الإسلام ثلمه ومن جميل غزله قوله بسرك وهو للصب افتضاح ... أجد منك صدك أم مزاح ترى أن الوصال لنا حرام ... وقتل العاشقين هو المباح أحن إليك إن ناحت حمام ... على غصن تميل به الرياح تهيج حشا كجمرة مقلتيها ... فتخفق مثلما خفق الجناح وما وجد الحمامة مثل وجدي ... فنغمتها غناء لا نواح وأين من المسهد عين ورق ... غفت ليلا ونبهها الصباح ومن روائع الغزل العربي ما قاله السيد جعفر الحلي بقصيدته الغزلية التي غناها المطرب العراقي العربي الكبير ناظم الغزالي يا قامة الرشا المهفهف ميلي ... بظماي منك لموضع التقبيل رشأ أطل دمي وفي وجناته ... وبنانه أثر الدم المطلول يا قاتلي باللحظ أول مرة ... أجهز بثانية على المقتول مثل فديتك بي ولو بك مثلوا ... شمس الضحى لم أرض بالتمثيل فالظلم منك علي غير مذمم ... والصبر مني عنك غير جميل أتلو صحائف وجنتيك وأنت في .. سكر الصبا لم تدري بالأنجيل أفهل نظمت لئالئا من أدمعي ... سمطين حول رضابك المعسول أشكوا الى عينيك من سقمي بها ... شكوى عليل بالهوى لعليل فعليك من ليل الصدود شباهة ... لكنها في فرعك المسدول وعلى قوامك من نحولي مسحة ... لكنها في خصرك المهزول لي حاجة عند البخيل بنيلها ... ما أصعب الحاجات عند بخيل ويصم عني سمعه وأنا الذي ... لم أصغ فيه ملام عذولي وأخيرا نصل لرثائه لآل البيت عليهم السلام ، وهي مراثي كثيرة سنأخذ مثلين أحدهما للإمام الحسين ( ع ) وهي ترتل من على منابر المسلمين ، ومثل آخر للأمام العباس ( ع ) ، قال راثيا جده الحسين ( ع ) بأبي أفدي قتيلا بالطفوف ... مزقت أحشاءه بيض السيوف ............ يوم نادى وعلى السيف أنحنى ... أيها القوم أنسبوني من أنا فأجابوه بأطراف القنى ... وإليه زحفت تلك الصفوف ............ بين من يطلب في ثار أبيه ... ومن أستتبع بالشرك ذويه فأحاطت زمر الأعداء فيه .... فهو فرد وأعاديه ألوف .................. الى أن يقول مستصرخا المسلمين لنجدة الحق وأهله لم يفدنا لطمنا راح براح ... لا ولا ينفعنا طول النياح فمتى نلطم بالبيض الصفاح ... أوجها قد جدعت منا الأنوف .... ......... ميميته العصماء برثاء العباس ( ع ) ------------------------ وأبرز ما كتب في هذا الباب - مراثي آل البيت - قصيدته الميمية بحق الإمام العباس ( ع ) ، وهي أروع ما كُتب للعباس ( ع ) برأي أغلب النقاد ورواد المجالس ، وقد نشرت في كراس خاص سمي بالقصائد الخالدات ، ولا يوجد منبرا حسينيا إلا وقرأت هذه القصيدة من خلاله ، والقصيدة التي أعني لها قصة يكاد لا يعرفها إلا القلة ، ومفادها أن المرجعية الشيعية الدينية ارتأت أن يكون لها حضورا في مدينة سامراء ، ومن المعلوم أن سامراء التي تحوي قبر العسكريين ( ع ) يكاد يكون مذهبها الديني غير المذهب الشيعي ، فذهب أحد المراجع الى سامراء المقدسة وأصطحب قسما من طلبة العلوم الدينية معه ، وباركت الحكومة العثمانية هذا التحرك من قبل المرجع لغرض رص الصف الإسلامي من خلال تلاقح أفكار المذهبين ، وحين وصول المرجع الى سامراء وانتشار العمة الدينية الشيعية فيها ، حبذ الكثير من أهالي سامراء هذه الخطوة وباركها طالما أنها ستفتح أبوابا للرزق لأهالي المدينة ، وصمت الآخرون ممن عارض احتراما لرأي الأغلبية الساحقة من أهالي سامراء ، وحدثت أكثر من مصاهرة وعلاقة بين الطرفين ، وحين قدوم شهر محرم الحرام بطقوسه الدينية التي تمارس داخل الصحن الشريف ، خاطب المرجع الديني الشاعر السيد جعفر الحلي الذي كان مع هؤلاء الطلبة وقال له ، يا سيد جعفر ليلة غد ستكون لعمك الإمام العباس فهيأ قصيدة لذلك ، والغريب أن السيد جعفر الحلي رحمه الله لم يستطع كتابة أي بيت من القصيدة ولا حتى مطلعها ، وكان الفصل صيفا وهم يفترشون السطح للمرقد الشريف ليقضوا لياليهم الصيفية فيه ، مسك ورقته وقلمه وأخذ يجوب الصحن والسطح ذهابا وإيابا إلا أن ملكة الشعر لم تحضره ، وهو يصارع ذلك آيس من أن ينجز ما يريد ، لذا قرر أن يستخرج إحدى القصائد القديمة بحق العباس ( ع ) لتقرأ ، أُذّن لصلاة الفجر وأدى صلاته وذهب الى فراشه وهو يحاول أن يجد مخرجا لذلك ، تقلب على فراشه ونزل خيط الفجر رويدا رويدا ، ولاح في الأفق الضياء فأطبق عينيه لينام وإذا بسلطان الشعر بل مارده قد أمره بالنهوض ليستهل قصيدته قائلا وجه الصباح علي ليل مظلم ... وربيع أيامي علي محرم والليل يشهد لي بأني ساهر ... مذ طاب للناس الرقاد وهوموا قلقاً تقلبني الهموم بمضجعي ... ويعود فكري في الزمان ويتهم أو موتته بين الصفوف أحبها ... هي دين معشريّ الذين تقدموا ما راعهم إلا تقحم ضيغم ... غيران يعجم لفظه ويدمدم عبست وجوه القوم خوف الموت ... والعباس فيهم ضاحك متبسم قلب اليمين على الشمال وغاص .. في الأوساط يحصد بالرؤؤس ويحطم وثنا أبو الفضل الفوارس نكصا ... فرأوا أشد ثباتهم أن يهزموا ما كر ذو بأس له متقدما ... إلا وفر ورأسه المتقدم صبغ الخيول برمحه حتى غدا ... سيان أشقر لونها والأدهم بطل تورث من أبيه شجاعة ... فيها أنوف بني الضلالة ترغم فأنصاع يخطب بالجماجم والكلا ... فالسيف ينثر والمثقف ينظم أوتشتكي العطش الفواطم عنده ... وبصدر صعدته الفرات المفعم ولو أستقى نهر المجرة لارتقى ... وطويل ذابله إليه سلم لو لا القضى لمحا الوجود بسيفه ... والله يقضي ما يشاء ويحكم وهوى بجنب العلقمي فليته ... للشاربين به يداف العلقم فمشى لمصرعه الحسين وطرفه ... بين الخيام وبينه متقسم قد رام يلثمه فلم يرّ موضعا ... لم يدمه حر السلاح فيلثم أأخي يهنيك النعيم ولم أخل ... ترضى بأن أرزى وأنت منعم أأخي من يحمي بنات محمد ... أن صرن يسترحمن من لا يرحم هونت يبن أبي مصارع فتيتي ... والجرح يسكنه الذي هو أألم يا مالكا صدر الشريعة أنني ... لقليل عمري في بكاك متمم والقصيدة طويلة اخترت لكم منها ما ذكرت . ............................... المصادر * : سحر بابل وسجع البلابل / ديوان السيد جعفر الحلي * : البابليات الجزء الثالث للباحث والمؤرخ الشيخ محمد علي اليعقوبي / نبذة عن حياة الشاعر السيد جعفر الحلي
#حامد_كعيد_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوق الصاغة في الحلة وحكاية شيخ الصاغة (الياهو) / كتابة محمد
...
-
الولد للفراش وللعاهر الحجر
-
الشاعر الشهير السيد جعفر الحلي و قامة الرشأ المهفهف / الجزء
...
-
الناس على دين ملوكها
-
رحمك الله يا عبد الكريم قاسم
-
( عجيب أمور غريب قضيه )
-
مدهشٌ ما قيل في ( المدهش )
-
الوفاء بالعهود
-
ظاهرة الهروب الجماعية من السجون العراقية
-
الهروب عن اليسار الى اليسار في ( عرس الماي )
-
( رجعنا بخفي حنين )
-
البرلمان العراقي ومجالس المحافظات و الحاجة منهما
-
هل يخسر مظفر النواب العراق أم يخسر العراق مظفر
-
هموم وحلم جذاب
-
مراسيل الكلب*
-
إضاءة الشاعر فالح حسون الدراجي ومتابعة جادة
-
( أشلون باجه وينذكر تاريخها) وللقصائد قصصها أيضاً
-
سلام الله
-
يمه يا يمه
-
حبيت الوطن
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|