|
مآخذ النظام الرأسمالي كبيرة ولن يشفع له تفوقه على النظام الاشتراكي
عهد صوفان
الحوار المتمدن-العدد: 3156 - 2010 / 10 / 16 - 20:43
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مآخذ النظام الرأسمالي كبيرة ولن يشفع له تفوقه على النظام الاشتراكي
في عشرينات القرن الماضي هزّ الكساد الكبير عرش الاقتصاد العالمي ولمدة أربع سنوات . خلّف وراءه ضحايا كثر من الفقراء الذين سقطوا بذنب الكبار . الكبار يصنعون التاريخ ويقررون دورة حياة الاقتصاد وهم الرابحون دائما.حتى عندما يخسرون تكون خسارتهم بأنْ تقلّ أرباحهم المتغولة . والضحية الحقيقية لكل الأزمات الاقتصادية هم الفقراء.فهم وقود الأزمات . هم وقود الحروب . وهم من يدفع الثمن دائما .. وهم من يتعب ويبذل الجهد الحقيقي في كلّ عمليات الإنتاج التي تمت والتي ستتم. ومع ذلك هم الفقراء المعوزون.هم الجائعون والمشردون على أرصفة الشوارع تلفحهم حرارة الشمس الحارقة وتلسعهم الريح الباردة . وتفتك بهم كل أمراض الأرض.في وجوههم يلمع الحزن والألم ونرى خطوط الزمن والقهر بادية كعلامات فارقة لهم ....
أتكلم عن الفقراء وأكتب لأجلهم لأنهم اليوم ضحية الأزمة المالية العالمية الحالية. هذه الأزمة التي بدأت تفترس أحلام هؤلاء وآمالهم . بدأت تقاسمهم رغيفهم اليابس وثيابهم البالية ..لا لذنب اقترفوه أو خطأ فعلوه بل لأنهم هم وحدهم وقود الأزمات وحطب نيرانها... كتب الكثيرون عن الأزمة المالية العالمية . وتصدى للكتابة المتخصصون والمتابعون وقيلت الأرقام واقترحت الحلول . وبدا أنّ بعضَهم متفائل والآخر متشائم . المتفائلون هم من بدأت أرباحهم تزداد وبنوكهم تمتلئ بالدولارات ...والمتشائمون هم من استمرت أرباحهم بالتناقص في معركة حقيقية يتصارع فيها عمالقة هذا العالم الذين قالوا لنا إن النظام الرأسمالي يعالج كبواته بنفسه ويصلح مساره بشكل تلقائي . وقالوا عنه الأفضل والأنسب وعقدوا مقارنات بينه وبين النظام الآخر على الضفة الأخرى . وهو النظام الاشتراكي وطبعا كانت نتيجة المقارنة لصالح النظام الرأسمالي الذي انتصر وقاد ثورة علمية حضارية كبيرة يعترف بها الأعداء والأصدقاء معا ...
نحن لا نشكك في أفضلية هذا النظام على غيره . ولكن لنا عليه مآخذ كثيرة وكبيرة يقولها الواقع والحياة التي نعيشها ... لم نعد نقتنع بالكلام المعسول وبالأرقام الاقتصادية التي صارت تُرسم وتُحدَد لصالح صاحب رأس المال وليس لصالح البشر الذين يقودون العملية الاقتصادية عمليا..تكلموا بأن سبب الأزمة العالمية هو نقص الادخار عند الفقراء ونقص السيولة عند البنوك التي وضعت أموالها في تجارة العقار وفقدت هذه الأموال .لأن دافعي الأقساط توقفوا عن دفع أقساطهم المستحقة . فاهتزت الثقة بهذه العملية الاقتصادية . فانهارت قيم الأسهم لتنهار معها قيم الشركات العملاقة ..لذلك وجب على الحكومات ضخ السيولة المطلوبة لإعادة الثقة ورفع قيم الأسهم بعمليات خلّبية تعبّر عن الثغرات في هذا النظام ؟؟.. أين تكمن ثغرات هذا النظام ؟؟
في قراءة أخلاقية لما يجري وبعيداً عن الأرقام التي يتداولها المحللون الاقتصاديون نجد :
أولا: إنّ مشرّعي النظام الرأسمالي افترضوا تحلّي أصحاب رؤوس الأموال بالأخلاق العالية بحيث يخضع سعر السلع لمبدأ العرض والطلب والجودة . فالسلعة الجيدة والرخيصة تنافس وتدفع السلعة الأقل لأن تتحسن وتنافس بالسعر والجودة معا بعملية يستفيد منها المستهلك الذي يحرك العملية الاقتصادية . ولكن الذي حصل هو حصول اتفاق كامل بين كافة المنتجين على تحديد الأسعار والجودة معا. أي اتفقوا وحددوا الأسعار اتفاقا وليس تنافساً . فمثلاً الشركات التي تقدم خدمة الاتصالات الهاتفية في بلد ما اتفقت مع بعضها على تحديد الأسعار عند سقف مرتفع جدا بحيث لا يجد طالب هذه الخدمة بديلا عنهم وبالتالي هو مضطر لقبول شروطهم وأسعارهم الفاحشة . وبالتالي سوف ينهبون جيوب الفقراء باتفاقهم وبغياب الجهات الحكومية التي من المفترض أن تلحظ هذه الثغرات وتعالجها قبل أن تكبر وتتحول جموع البشر إلى مجموعة من الفقراء والمعوزين وما يرافق ذلك الفقر من انحرافات أخلاقية تشوه البشر . وهذا ينطبق على كافة السلع في العالم. فكلها لا تخضع لمبدأ التنافس بالسعر والجودة وإنّما للاتفاقات التي تتم تحت الطاولات وفوقها دون وجود دور للحكومات يردع ويصوب هذا الانحراف...
ثانيا: عندما تمّ افتتاح البورصات العالمية وتمّ إدراج كافة الشركات والمؤسسات الإنتاجية والخدماتية فيها . كان الهدف بيان قيم هذه الشركات الفعلية . وكانت أسهم هذه الشركات ترتفع أو تنقص تبعا للميزانيات الحقيقية ونسب الأرباح الدقيقة التي تجنيها كل شركة .. وبقدرة قادر ولوجود خلل في نظام البورصات صارت قيم الأسهم ترتفع بعيدا عن نجاح هذه الشركات وتحقيقها للأرباح بل تبعا للقرارات السياسية وأحيانا الكلام أو الوعود أو الإدعاء ... صارت قيم الشركات المادية قيما وهميّة لا تستند نهائيا إلى معايير إنتاجية حقيقية .. ولا إلى واقع مادي ملموس .. كبرت هذه الشركات ومهدت لولادة شركات ومؤسسات أخرى تعتمد هذا الشكل الصوري الذي كان خداعاً حقيقيا متداولاً كحقيقة ..
ثالثا: دخول العقارات كمقياس اقتصادي ساهم وبشكل شبه مطلق في تعملق الاقتصاديات وارتفاع الأسهم وبشكل خفي يصعب ضبطه . فنشأت أكبر البنوك والشركات العقارية على مستوى العالم . وكان من السهل جداً على هذه المؤسسات العملاقة أن تزيد من حجمها الوهمي بلحظات معدودة وذلك برفع أسعار ممتلكاتها من العقارات مما يؤدي لحظيا إلى ارتفاع أسهمها مباشرة بمليارات الدولارات . وكون عقارات المواطنين أيضا مرهونة لهذه البنوك فهي جزء من ممتلكاتها ... حاولت هذه الشركات أن ترفع أسعار ما تملك مما تترتب عليه أعباء إضافية على المواطن المشتري وبالتالي نقص مدخرات المواطنين ووقوعهم في العجز من سداد القروض وحتى من تأمين بعض المستلزمات الحياتية .. وعلى هذا القياس جرى في بلادنا عمليات بيع كبيرة جدا لأراضي تابعة للدولة وبأسعار زهيدة جدا لبعض المتنفذين وبعد إتمام صفقات البيع يتم رفع الأسعار بشكل جنوني لتتحول هذه الأراضي إلى مناجم ذهبية حقيقية قامت على أثرها البنوك بإمداد أصحابها الجدد بمليارات الدولارات لإقامة مشاريع عملاقة يحدد سعر بيعها من نفس الجهة المالكة وبدون أي رقابة ... لقد كانت أسعار البيع عالية جدا أنهكت المشتري ورفعت أسعار العقارات القديمة لدرجة أصبح معها اقتناء البيت أو الأرض حلما بعيد المنال ... لو أن منظرو النظام الرأسمالي تنبهوا فعليا للثغرات تلك وشرعوا قوانين حماية تلزم الدولة تنفيذها . لبقيت شرائح كبيرة من الناس بمأمن من افتراس أصحاب هذه الشركات الذين تحالفوا في بعض الأحيان مع الأنظمة نفسها. بل كانوا جزءاً من النظام السياسي. لذلك شرّعوا ما يحمي ويزيد أموالهم وأصولهم المالية... في الغرب والشرق وفي كلّ دول العالم لاحظنا ورأينا هذا التوافق بين رجل السياسة الذي صار صاحب شركات وأموال واستثمارات وبين الشركات الاقتصادية التي تسعى للمزيد.. تمّ خلق اقتصاديات وهمية ورقية لا تساوي على أرض الواقع إلا القليل . ولكنها بلغة البورصات المعتمدة هي رقم كبير وخيالي ..
كيف يمكن لنظام اقتصادي أن يسمح لشخص أن يمتلك المليارات خلال لحظات دون تعب أو جهد يبذل ؟؟ ولا يسمح لإنسان تعب وجهد كل يومه ولم يحصل على مايطعم به أولاده !!.
كيف لنائم ومتسكع في الحانات والبارات أن يقود الاقتصاد ويقرر قيمة صرف العمولات ؟؟
كيف لعالم باحث يجتهد طوال الليل والنهار في البحث والاكتشاف ولا يحصل إلا على القليل القليل في حين أن لاعب كرة أو راقصة أو مطربا أميّا يتقاضى الملايين وترعاه آلاف المحطات الإعلامية ؟؟
كيف لهذا النظام أن يستمر وهو مازال يتغاضى عن أنين الفقراء الذين عليهم أن يدفعوا فاتورة الثراء وعبث الأغنياء ؟؟!!.
رابعا: النظام الرأسمالي الحالي استغلالي فكلّ شركاته ارتحلت إلى الصين لتكدس الأموال هناك وتستفيد من ظلم وقهر العامل الصيني فتزيد من أرباحها وتضاعف من ترسانتها المالية . في الصين أجر العامل ضعيف جدا . ولكلّ عامل أجران أجر منخفض يتقاضاه وآخر مرتفع يقدم لمنظمات حقوق الإنسان . ولا يجرؤ أحدٌ من هؤلاء العمال أن يبوح بأجره الحقيقي .. ارتضت شركات النظام الرأسمالي أن تلجأ إلى الإستغلال والخداع في الصين فقللت من جودة منتجاتها وصمتت كل الدول الغربية بضغط من شركاتها على تجاوز الشركات الصينية للمعايير العالمية وعدم انضباط الحكومة الصينية بتطبيق نفس المعايير العالمية في الجودة والإتقان وضبط ظروف وشروط العمل فيها ..
مآخذ النظام الرأسمالي كبيرة ولن يشفع لهذا النظام أنه تفوق على النظام الاشتراكي وأنه أفضل منه بل أعتقد إن استمرت الظروف الاقتصادية على ما هي عليه ستنفجر وستنهار الاقتصاديات الوهمية مثلما انهارت بنوك العقارات التي رفض المقرضون منها سداد قروضهم . الرأسمالية اليوم ليست هي الرأسمالية التي أرادها المنظرون الأوائل .تحولت اليوم إلى فك مفترس يفترس الشعوب أيا كانت وأينما سكنت . صارت كما كان الدين وسيلة قهر وظلم وثراء فاحش .
وإلا كيف يُفسّر لنا المتخصصون أن تصبح ثروة الوطن بيد حفنة من البشر ؟.. وكيف وصلت كل هذه الثروة لجيوبهم ؟؟. وما هو الجهد الخارق المميز الذي فعلوه ويستوجب تكديس ثروة الوطن في حساباتهم ؟؟.. ولماذا تقدر رواتب مدراء الشركات المالية بالملايين في حين رواتب أقرانهم في المؤسسات الأخرى لا تتعدى المئات أو الألوف ؟.. هذا النظام يحتاج إلى إعادة دراسة وضبط الانفلات الحاصل وذلك من قبل الدول التي عليها حماية المواطنين من تسلط المتسلطين ووضع ضوابط تحمي وتحترم الجميع . لا أن يتحول المجتمع إلى مجتمع الغابة الذي يفترس به القوي الضعيف ..
في الدولة الديمقراطية الرأسمالية القوة الأولى للقوانين الديمقراطية والإنسانية التي تعطي المجتهد والمثابر عكس ما يحصل الآن في هذه الدول التي سلطت رأس المال وجعلته فوق الجميع .في النظام الرأسمالي يقود رأس المال العملية الاقتصادية بإشراف قوانين ديمقراطية هدفها حماية الوطن كل الوطن. ولا يترك رأس المال يسرح ويمرح ويفترس وينهب تحت شعارات ظاهرها أخلاقي ومضمونها فاسد..هذا النظام لم يتعلّم من دروس التاريخ!!!..
إن طاقة الاحتمال عند الشعوب المقهورة قد تنفذ وتتحول إلى بركان ثائر كما حدث في زمن الإقطاعيات الكبيرة التي كانت الصورة الزراعية للرأسمالية . وملامح انهيار الرأسمالية الحالية بدأت تلوح في هدير شوارع اليونان التي رفض شعبها أن يدفع ثمن ثراء الأغنياء وأخطائهم. وأيضا ما تنذر به شوارع اسبانيا وبقية دول العالم . لقد سقطت واندثرت الإقطاعيات الزراعية وفصول نهاية الاشتراكية بدأت تكتب وربما اندثرت لأنها أيضا رفعت الشعارات الجميلة ولكن الواقع كان الاستبداد الحقيقي .. اليوم تتكرر المأساة مع النظام الرأسمالي وربما تتكرر نفس الفصول فهل نتعلم ؟؟
#عهد_صوفان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسيح الثائر. متقدّم رفض العهد القديم
-
أيّ ملّة عند الله هي الملّة الناجية؟؟
-
هل الإله خلق الإنسان ضعيفا أم الإنسان خلق الإله قويا ؟
-
الدين مشروع سلطة استمر بالمقدس
-
الله الخالق يخلق أرضا متصدعة وقاتلة لأبنائها
-
الصنمية توأم الإنسان منذ كان
-
قراءة نقديّة للنصّ المقدّس – التلمود ضرورة توراتية
-
لماذا أبدع اليهود وفشل المسلمون؟
-
القداسة مدخل صناعة الطغاة والغيب بداية السقوط
-
مرة أخرى من المسئول عن تخلفنا؟؟
-
من يحب فلسطين يوحد الفلسطينيين
-
القلمُ جريمته كبرى
-
عصر الدولة الدينية انتهى
-
المرأة في الحديث والسيرة الإسلامية
-
كيف نقاوم الإرهاب والتطرف؟؟
-
قراءة نقدية للنص المقدّس - القضاء والقدر في القرآن 6
-
ترانيم دول العبيد
-
أساطير الخلق والتكوين في منطقة الشرق الأدنى القديم
-
القتل في التوراة والقتل في القرآن
-
هل الإله في التوراة هو نفس الإله في الإنجيل؟
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|