مقدمة :
ينعقد هذا الاجتماع الهام في مرحلة حاسمة من تاريخ أمتنا العربية ، متزامناً مع التطورات الكبيرة و التحولات السياسية التي تمر بها مملكة البحرين في طريقها نحو إرساء دعائم الديموقراطية في البلاد، حيث حظي موضوع المرأة خلال السنوات الأخيرة باهتمام كبير ، وشهد واقعها تحولات سريعة وتطورات متلاحقة انسجاماً مع التحولات و التطورات السياسية المتسارعة التي شهدتها البحرين مؤخراً ، لعل أهمها تحول البحرين إلى مملكة دستورية قائمة على أسس ديمقراطية.
ويمثل عام 2001 انطلاقة جديدة وهامة في تاريخ المرأة البحرينية ، تأتي تتويجاً لمسيرة طويلة من العمل الجاد والدؤوب . فالمكاسب السياسية التي حصلت عليها جاءت بعد مسيرة من التعليم و العمل منذ بدايات القرن العشرين مؤكدة أن تحرر المرأة و مشاركتها في العملية التنموية بجميع جوانبها هو أحد الدعامات الأساسية لعملية التحول الديموقراطي.
ولذا فإننا عندما ننظر إلى تجربة المرأة في البحرين ، علينا أن لا نفصلها عن مجمل التحولات الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية التي مرت بها البلاد . فعندما تبوأت البحرين مركزاً متقدماً في مجال التنمية البشرية ، ما كان لهذا الإنجاز أن يتحقق لو تم استبعاد وتعطيل طاقات المرأة ، ولو لم توضع الأهداف و البرامج التي ساعدت على توفير فرص التعليم والمشاركة لها في النشاط الاقتصادي و الاجتماعي ، و إن كانت هذه المشاركة نسبية إلى حد ما ، إلا أنها تعتبر متميزة و فريدة بالنسبة لمنطقتها ، وهي تثبت بشكل أساسي أن توفر أسس اجتماعية متقدمة ، من شأنه أن يساعد على تحويل المنجزات التعليمية و العملية إلى مكاسب سياسية.
وتمثل حقبة السبعينيات و ما تلاها بداية اهتمام رسمي بقضايا المرأة ، و محاولات لإشراكها في التنمية بجميع أبعادها . إلا أن هذا الاهتمام لم ينطلق من فراغ وليس وليد قرارات مفاجئة، بل أتى منسجماً مع المسيرة التي قطعتها المرأة منذ بداية انخراطها في الحياة العامة مما أهلها لأن تكون في مكانة متقدمة من السلّم التنموي. إلا أنه من المهم أن نؤكد أن حصول المرأة على حقوقها السياسية لا يمكن اعتباره مكافأة لها ، بل حقاً من حقوق المواطنة المكفولة لجميع المواطنين .
لقد بدأت المرأة البحرينية مسيرة التعليم منذ بدايات القرن الماضي حيث افتتحت أول مدرسة للإرسالية الأمريكية عام 1909 تلاها افتتاح أول مدرسة نظامية للبنات في منطقة الخليج عام 1928 . ومنذ الأربعينات ، خرج عدد من النساء لاستكمال تعليمهن خارج البلاد . إلا أن أول بعثة رسمية كانت إلى بيروت في منتصف الخمسينات ، تتالت بعدها البعثات بصورة سنوية إلى مختلف البلاد العربية ، ثم إلى أوروبا و أمريكا . و نستطيع أن نقول الآن إن مبدأ المساواة بين الجنسين بالنسبة للتعليم قد تحقق في الوقت الراهن وذلك بتساوي فرص التحاق الإناث بالتعليم مع فرص الذكور ، و تشجيعهن على مواصلة الدراسة الجامعية عن طريق توفير المنح و البعثات.
ومع افتتاح جامعة البحرين عام 1986 ، فإن فرص دخول الفتيات من الأسر المحافظة والمتوسطة الدخل إلى الجامعات أصبحت متوفرة ، وأتاحت للفتيات القادمات من القرى فرصة استكمال تعليمهن العالي مما سيكون له و لاشك تأثيرات كبيرة على هذه المجتمعات وعلى مسيرة العمل السياسي و الديمقراطي و مشاركة المرأة. و من الجدير بالذكر أن نسبة الطالبات الملتحقات بالجامعة يصل إلى حوالي 50,7 % حسب إحصاءات عام 2000 .
وفي حين أن دخول المرأة إلى سوق العمل بدأ منذ الأربعينات ، إلا أن المهن التي مارستها كانت محدودة وتركزت في التدريس ، و القليل منها كان في مجال التمريض. إلا أن تطور التعليم و تنوع التخصصات شكل نقلة نوعية ، وأحدث ميادين عمل جديدة نتيجة التطور في مخرجات التعليم بين الإناث ، مما أدى إلى تطور العرض في سوق العمل ، و بدأت المرأة البحرينية في دخول مرحلة جديدة تعكس طموحها و تطلعاتها نحو المشاركة الفعلية والفاعلة في جميع الميادين ، حيث أخذت مشاركتها في سوق العمل بالازدياد ، وبلغت مشاركتها في القطاع الحكومي 37 % من إجمالي العاملين في هذا القطاع ، بينما بلغت النسبة الإجمالية لمساهمتها في سوق العمل حوالي 23 % .
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للتنمية الاجتماعية إلى تكثيف الجهود وتبني المزيد من البرامج الهادفة إلى رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل وفي مختلف ميادين الأنشطة الاقتصادية من خلال التدريب وتشجيع المشروعات التنموية التي توفر لها فرص العمل المناسبة لقدراتها، خاصة مع تنامي دور القطاع الخاص مما احدث تغييراً جذرياً لصالح المرأة و نسبة مساهمتها في سوق العمل ، و أوجد ضرورة لدعمها و تنسيق جهودها ، لتمكينها من مواجهة التحولات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية التي تمر بها البلاد.
المرأة و المشاركة السياسية
رغم أن منطقة الخليج تعتبر حديثة العهد بالديمقراطية ، إلا أنه في الخمسينات من القرن المنصرم ، شاركت المرأة في أول انتخابات بلدية في البحرين ، عن طريق التصويت دون الترشيح .. وكانت هذه خطوة جريئة و متقدمة بالمقاييس السائدة آنذاك . ويمكن اعتبارها أول ممارسة سياسية عملية للمرأة أتاحت لها فرصة المشاركة في الشئون العامة على المستوى المحلي ، دون أن تواجه معارضة أو مواقف مجتمعية مضادة.
إلا أننا لو حاولنا أن نتتبع مسيرة المرأة في العمل السياسي لأمكننا أن نعود بها إلى الخمسينات من القرن العشرين عندما برز دورها بشكل واضح وإن كان محدوداً في الحركة الوطنية ، عن طريق المشاركة في المظاهرات التي دعت إليها هيئة الاتحاد الوطني ضد الاستعمار البريطاني.
وكانت مشاركة المرأة المحدودة في ذلك الوقت مبنية على اهتمامها بالشأن العام ولذلك فإنها لم تقدم مطالب خاصة بها. إلا أنه بشكل عام كان طابع الحركات السياسية ذكورياً بحتاً ، ولم يتح للمرأة المشاركة في اجتماعاتها العامة أو في التخطيط لأنشطتها.
ومنذ نهاية الخمسينات ، مروراً بالستينات حتى السبعينات ، كان للمرأة نشاط داخل الحركات السياسية السرية التي نمت في أوساط الطلبة الدارسين في الخارج ، وقد انضم الكثير من الطالبات إلى الأحزاب السياسية على المستوى القومي ، كما لعبن دوراً نشطاً في الاتحادات الطلابية التي تميزت بانتماءات و توجهات سياسية. ولا شك أن انخراط المرأة في العمل الطلابي السري والعمل الحزبي أكسبها خبرة ، وساهم في رفع وعيها وأعدها للانخراط في العمل السياسي في الفترة الراهنة.
لا عجب إذن أن تشهد المرحلة الحالية ظهور عدد كبير من الكفاءات و القيادات النسائية الشابة وبروز وجوه لم تكن مألوفة من قبل ، هي ولا شك إفراز لمراحل العمل السري السابقة.
في التسعينات أصبح حضور المرأة في المجال السياسي أكثر وضوحاً ، إذ شارك عدد كبير منهن في التوقيع على العريضة الشعبية المرفوعة إلى الحكومة مطالبة بالإصلاحات الشاملة وعودة الحياة الديمقراطية.
وقد شهدت البحرين خلال العامين المنصرمين نقلة نوعية بالنسبة لتعيين المرأة في مناصب سياسية بدأت بتعيين أربع نساء في مجلس الشورى ، ثم تعيين أول سفيرة للبحرين في بلد أوروبي ، وتعيين وكيلتي وزارة مساعدتين. وتم بعد ذلك اختيار ست نساء لعضوية اللجنة العليا لإعداد ميثاق العمل الوطني ، تبعه تعيين محاميتين في لجنة تفعيل الميثاق. وبعد إنشاء المجلس الأعلى للمرأة عينت له أمين عام برتبة وزير وهي خطوة متقدمة عن طريق تولي المرأة حقيبة وزارية.
إلا أن هذا لا بنفي وجود تمييز بالنسبة للترقيات وتولي المناصب العليا ، بسبب سيطرة النظرة التقليدية المحافظة التي لا تتناسب مع الإصلاحات التشريعية المتسارعة في البلاد. من هنا فإن هذه النقلة النوعية بقيت محدودة ، وتمثل نموذجاً وليس معياراً قياسياً ، حيث أنها لا تتناسب مع التطور الكمي في نسبة الكفاءات المتوفرة بين النساء ، ولم تصل إلى مستوى المقياس الذي يعمل به وفقاً للكفاءة و الأهلية ، تطبيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص و المساواة التي نص عليها الدستور و ميثاق العمل الوطني ، حيث اعتبر الدستور مبدأ المساواة أساساً لكل الحريات والحقوق العامة دون تمييز بسبب الجنس ، وأهمها:
1 - المساواة أمام القانون والقضاء
2 - المساواة في الحقوق السياسية
3 - المساواة في تقلد الوظائف العامة.
وبناء عليه فإن حرمان المرأة المواطنة من تقلد بعض الوظائف العامة لا سيما في سلك القضاء و السلطة التنفيذية يأتي متعارضاً مع ما نص عليه الدستور. كما يتعارض مع ما دعا إليه تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1995 من العمل على الوصول إلى هدف أدنى يتمثل في أن تخصص للمرأة نسبة 30 % من المناصب العليا و مراكز صنع القرار بما فيها التمثيل في البرلمانات و الهيئات التشريعية حتى عام 2005 .
وغني عن القول أن المشاركة في صنع القرار يعتبر من العوامل الرئيسية التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة قدرات المرأة و تمكينها ورفع ثقتها بذاتها ، وتوفير الخبرة و المهارة التي تهيؤها لدخول المعترك الانتخابي ، والمجال السياسي بكفاءة واقتدار و ثقة.
إلا أن الوصول إلى مراكز صنع القرار ليس هدفاً في حد ذاته ، وإنما هو وسيلة تتحقق من خلالها للمرأة المشاركة في رسم السياسات واتخاذ القرارات التي من شأنها الارتقاء بأوضاعها، وجعل قضيتها ضمن الأولويات في سلم التنمية ، بحيث نصل إلى تجسيد جوهر الديمقراطية والتي لابد ضمن سياقها من اعتبار المرأة شريكاً أساسياً في صنع المستقبل. ولا نستطيع الإنكار أن البحرين تشهد خطوات متسارعة لتحسين الوضع القائم بالنسبة للمرأة ، ومنها على سبيل المثال التصديق على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، والتي تتطلب التزاماً يقتضي تعديل التشريعات و استحداث القوانين الخاصة بالمرأة لا سيما قوانين العمل والأحوال الشخصية نظراً للعلاقة الوثيقة بين القوانين والتشريعات و بين الدور السياسي للمرأة . فالديمقراطية تقتضي سن القوانين التي من شأنها تعزيز المواطنة و تثبيت مبدأ الشراكة الكاملة بين المواطنين نساء و رجالاً . ولا شك أن توفير منظومة تشريعية متكاملة خاصة بالمرأة من شأنه أن يؤدي إلى تأكيد هذا المفهوم و ترسيخه كي تستطيع أن تقوم بدورها كاملاً ، في نفس الوقت الذي تتحقق لها فيه الكرامة و الأمن النفسي و الاجتماعي والاقتصادي ، فالحقوق السياسية لا يمكن أن تقوم بذاتها بمعزل عن الحقوق الأخرى.
ومنذ صدور دستور دولة البحرين عام 1973 أصبحت المرأة متمتعة بكامل حقوقها السياسية. إلا أن التطبيق العملي حرمها من هذا الحق. إذ جاء قانون الانتخاب مخيباً للآمال واعتبر كلمة "المواطن" قصراً على الرجال في مخالفة واضحة للدستور. مما ساعد على انتشار وجهة النظر التي ترى أن المرأة غير مؤهلة للمشاركة السياسية ، وأن المرأة و السياسة ضدان لا يلتقيان. و الغريب أن أصحاب الفكر الليبرالي من الرجال لم يبدوا أية معارضة لهذا التوجه ولم يسجلوا موقفاً داعماً لمشاركة المرأة و لا حتى تحفظاً على هذا الخرق الصريح للدستور.
إن التفسيرات التي حكمت قانون الانتخاب القديم تؤكد لنا أن الموروث الاجتماعي لا يمكن إزالته بسهولة عن طريق سن القوانين ، فالحقوق قد تعطى بقرار سياسي ولكنها في الأساس تأتي عن طريق الإصرار و النضال لتثبيت نظرة عصرية متطورة تؤمن إيماناً صادقاً وراسخاً بقدرات المرأة و إمكانياتها. ففي حين أن الحقوق السياسية للمرأة جاءت بقرار سياسي في بعض البلدان كالبحرين و عَمان ، فإن هذا القرار تم توقيفه في الكويت تحت قبة البرلمان وعن طريق الديمقراطية . في حين أوضحت صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية في قطر موقف المجتمع المعارض لمشاركة المرأة . فالمسألة إذن مسألة موروث اجتماعي عميق الجذور لا يمكن إزالته بين يوم و ليلة ، كما أن الديمقراطية لا تتحقق هي الأخرى بقرار سياسي فحسب، لأنها ممارسة و تدريب و تعليم لتبني قيم حديثة تقوم على الاقتناع بضرورة التغيير و التحديث في مختلف جوانب الحياة.
وإذا كانت فترة الستينات و السبعينات هي فترة النضال و التحرر الوطني و الاستقلال بعيداً عن طرح القضايا الجندرية ، فإن الفترة الحالية تشهد تركيزاً على طرح هذه القضايا ومناقشتها على المستوى العام.
لقد جاء ميثاق العمل الوطني الذي شاركت المرأة في صياغته ، ليقرر حقها في ممارسة حقوقها السياسية حيث نص على أن يتمتع المواطنون رجالاً و نساءً بحق المشاركة في الشئون العامة و التمتع بالحقوق السياسية في البلاد بدءاً بحق الانتخاب و الترشيح. وكان التصويت على هذا الميثاق أول ممارسة للمرأة لحقوقها السياسية حيث صوت له 98,4 % من المواطنين شكلت النساء ما لا يقل عن النصف منهم . و من المهم أن نشير إلى أن ما تضمنه الميثاق من تأكيد على حقوق المرأة يأتي انعكاساً للتقدير الذي توليه القيادة للدور الذي لعبته في عملية التنمية المجتمعية ، و عرفاناً بإسهامها في الارتقاء بالمجتمع في كل المواقع. ولعل إنشاء المجلس الأعلى للمرأة برئاسة قرينة صاحب العظمة الملك وجعله يتبع الديوان الملكي مباشرة ، إنما هو دليل على رغبة صادقة في تفعيل دور المرأة ، و تعبيراً عن الإيمان بدور المؤسسات و التنظيمات في هذا التفعيل ، بحيث يمكن اعتبار هذا المجلس بمثابة وزارة للمرأة، خاصة و أن الأمين العام تم تعيينها برتبة وزير.
والجدير بالذكر أنه ظاهرياً لم ترتفع أصوات تذكر تناقض أو تعارض حصول المرأة على حقوقها السياسية حتى في المجتمعات الريفية التي تتسم بالمحافظة ، حيث تشارك النساء في الندوات و التجمعات العامة في أماكن مخصصة لهن . وفي حين أن هذه المؤشرات قد تدعو إلى التفاؤل ، إلا أنه يتوجب علينا الانتظار لما ستسفر عنه الانتخابات القادمة ، لأنها ستكون المحك الحقيقي لاستجلاء المواقف الواضحة من هذه القضية . بحيث لا تتحول قضية المرأة إلى ملعب يتنافس فيه الجميع لتحقيق مكاسبهم الخاصة.
وإذا كانت الأجواء العامة السائدة لا تسمح بظهور أصوات تعارض و تتربص بمكاسب المرأة ، فإن على المرأة أن تكون واعية لهذه الأمور ، كما أن مؤسسات المجتمع المدني والمجلس الأعلى للمرأة مطالبان بالعمل على صون هذه المكاسب و العمل على تحقيق المزيد منها ، لا سيما ما يتعلق منها بتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص في العمل وسن التشريعات ، وإلغاء التمييز النوعي و الطائفي.
دور المجتمع المدني
حين نتحدث عن المجتمع المدني لا يمكننا إغفال الصلة بينه وبين الممارسة الديمقراطية التي يعتبر المجتمع المدني أحد دعائمها الأساسية. لكونه يقوم على نفس الأسس ، فهو نموذج مصغر للديمقراطية التي تتمثل في الممارسات والأنشطة اليومية و تتأثر بها سلباً و إيجاباً.
ومما لا شك فيه أن قيام مؤسسات المجتمع المدني على أسس سليمة هو أفضل ضمان لإيجاد التوازن المطلوب و ضمان نجاح و استمرار العملية الديمقراطية. وظهور المجتمع المدني في البحرين بدأ بإنشاء أول ناد أدبي عام 1919 . وقد تعاقب بعد ذلك إنشاء الجمعيات المهنية والنسائية و غيرها من جمعيات النفع العام . واقتصر نشاط الجمعيات النسائية على الأعمال الخيرية . ولذا فإنها تعتبر جمعيات نخبوية مقتصرة على نساء الطبقة الغنية و بعض المنتميات إلى الطبقة المتوسطة . أما الطبقات الفقيرة ، فكانت هي المستهدفة بالأعمال الخيرية والمساعدات التي تقدمها هذه الجمعيات ، و لا علاقة لها بنشاطها أو تخطيط برامجها . كما أن هذه الجمعيات كانت مقتصرة على المدن في حين لم تشهد القرية أي نشاط اجتماعي للمرأة.
ومن المهم أن نذكر أن نشاط محو الأمية لا سيما بين النساء بدأ في الواقع بمبادرة من الجمعيات النسائية ، كما أن إنشاء رياض الأطفال ودور الحضانة جاء بمبادرة من هذه الجمعيات. و تشهد المرحلة الحالية إنشاء جمعيات جديدة ، سياسية و اجتماعية و مهنية واتحادات ، بحيث وصل عددها على صغر حجم البحرين إلى 262 جمعية و اتحاد، و هناك 65 جمعية أخرى تحت التأسيس . ومن بين هذه الجمعيات عدد من الجمعيات السياسية التي تضم كلا الجنسين ، فضلاً عن عدد من الجمعيات النسائية ذات التوجه السياسي. وهناك الآن اتحاد نسائي في طور التأسيس ، يضم ممثلات عن الجمعيات النسائية ، و عضوات منتميات إلى جمعيات بمختلف أشكالها بما فيها الجمعيات التي تضم الجنسين. بالإضافة إلى أنه لأول مرة يسمح للمرأة في القرى بتأسيس جمعية تعنى بشئون النساء الريفيات تحت مسمى "جمعية بنات الريف " . كما تم البدء في تشكيل النقابات كنقابة المحامين على سبيل المثال. أما بالنسبة لتشكيل الأحزاب ، فإن القيادة السياسية في البحرين وعدت بأن يكون هذا الأمر موضع بحث و مناقشة بين القيادة والسلطة التشريعية للتوصل إلى قرار بشأنها . ومن الجدير بالذكر أن بعض الجمعيات الحالية تحمل توجهات حزبية معينة وإن لم تأخذ الطابع الحزبي بشكله المنظم . و لابد من الإشارة هنا إلى المآتم الحسينية المنتشرة عبر البلاد و التي يتركز عدد كبير منها في القرى ، و التي هي بالنسبة للمرأة بمثابة تجمعات تحل محل الأندية، وتأخذ صفة اجتماعية بالإضافة إلى الصفة الدينية . وبالنسبة للرجال كان لها بعد سياسي أيضاً. وربما تأخذ مستقبلاً البعد نفسه بالنسبة للنساء ، حيث من المحتمل أن تصبح أحد التجمعات الرئيسية الهامة للتعبئة و التوعية و النشاط في فترة الانتخابات .
ولا شك أن استبدال القانون الجديد للجمعيات بالقانون القديم أطلق العنان لكافة القوى والتيارات لتنظيم نشاطها من خلال الجمعيات وشجع الشباب على الانخراط فيها بعد أن كان القانون القديم يضع قيوداً وينص على عدم ممارسة هذه الجمعيات للعمل السياسي. ورغم أن معظم الجمعيات فتحت المجال للمرأة لعضويتها ، إلا أن وجود المرأة في مجالس الإدارة ما زال محدوداً واقتصر على جمعيتين أو ثلاث ، في حين تتولى نساء رئاسة ثلاث جمعيات أحدها جمعية حقوق الإنسان التي تعتبر أول جمعية تأسست بعد فترة الانفراج السياسي ، في حين انتخبت امرأة لتكون نائبة الرئيس لإحدى الجمعيات السياسية .
ورغم تواجد المرأة في عضوية هذه الجمعيات و حضورها الدائم و مشاركتها في النشاط العام لها و لا سيما في الندوات العامة و الحوارات ، إلا أن هذه الجمعيات لم تطرح حتى الآن أية برامج سياسية واضحة كما لم تتضح خططها للمشاركة السياسية ، ولم تحدد بعد موقفها من دعم نزول المرأة للانتخابات ، رغم إعلانها عن تأييدها لحصول المرأة على حقوقها السياسية. و مع اقتراب موعد الانتخابات فإننا نتساءل ما إذا كانت هذه الجمعيات ستعمل على تذليل الصعوبات و العقبات التي تعترض مشاركة المرأة، أم أنها ستستخدمها كصوت انتخابي يضمن وصول الرجال إلى مقاعد البرلمان ، حيث تشكل المرأة نصف الناخبين. ولعلنا نتساءل هنا : ما هو موقف الجماعات السياسية الدينية من هذه الجمعيات والنقابات؟ الملاحظ أن الجماعات الدينية شكلت لها جمعياتها الخاصة التي تحظى بعضوية كبيرة وتتميز بنفوذ واسع لا سيما في مناطق القرى ولذا فإنها غير معنية بالتغلغل في صفوف الجمعيات الأخرى ، إذ أنها وضعت لها قوانينها وأنظمتها الخاصة و برامجها التي تسعى لتلمس هموم الناس الحياتية اليومية و تضعها على آجندة عملها.
ومن الجدير بالذكر أن الجمعيات الإسلامية أنشأت داخلها لجاناً خاصة بالمرأة ، إلا أن هذه اللجان تعمل بتوجيه من مجلس الإدارة المكون من الرجال و الذي لا تمثيل فيه للمرأة ، مما يحد من قدرتها على المساهمة في اتخاذ القرار ، ووضع البرامج التي تراها مناسبة لخدمة قضاياها ، فهي هنا تستخدم لخدمة أهداف الجمعية و نشرها بين النساء ، ناهيك عن أن هؤلاء العضوات يتشكل لديهن موقف و ذهنية معينة تتفق و توجهات الجمعية ومع مواقفها غير المعلنة بالنسبة لمشاركة المرأة السياسية .
من هنا فإن على الجمعيات النسائية أن لا ترتكز على أحد و أن تكون واعية بحيث تعيد النظر في توجهاتها ، و تطور برامج عملها كي تتناسب مع متطلبات المرحلة . إلا أنه ينبغي النظر بكثير من الحذر إلى موضوع تسييس الجمعيات و انصرافها عن أهدافها الأخرى. فالملاحظ خلال السنتين الأخيرتين انحسار النشاط الثقافي و الأدبي والفني أمام المد الكاسح للنشاط السياسي الذي وضع فئة كبيرة من المواطنين في فئة "الأغلبية الصامتة" التي تقف موقف الحذر و الترقب من استغراق التنظيمات السياسية في الأيديولوجيا على حساب طرح برامج سياسية ذات صفة عملية واقعية.
وبقدر ما تبدو القوانين و التشريعات التي تمنع التمييز ضد المرأة مهمة ، إلا أنه من المهم أيضاً أن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور مهم في تعبئة الرأي العام للاهتمام بالدور السياسي للمرأة ، ومن جهة أخرى تحفيز النساء و تشجيعهن على ممارسة حقوقهن و القيام بدورهن في المسيرة الديمقراطية ، مما يستلزم تنظيم ورش تدريبية و حملات إعلامية مكثفة لا نتوقع من أجهزة الإعلام أن تبادر للقيام بها. بل أن الجمعيات النسائية على وجه الخصوص مطالبة بهذا الدور ، كما أن المجلس الأعلى للمرأة يضطلع في هذه المرحلة بدور هام في تعبئة الجهود و بث الوعي و وضع السياسات و الخطط لتدريب المرأة و تمكينها ، ووضع البرامج لزيادة وعيها بقضاياها و حقوقها و قضايا مجتمعها ، و تقوية إرادة المشاركة لديها.
إن تعبئة جهود المنظمات و توحيدها من شأنه أن يساعد على إدماج قضية المرأة ضمن برامج هذه المنظمات كإحدى الأولويات التي تستلزم ضغطاً و عملاً دؤوباً ، ذلك أن النشاط الذي نشهده اليوم مقتصر على النخبة و على النساء المتعلمات ، بينما الغالبية من النساء مهمشات ، و من المهم تعبئتهن و تنظيمهن ، إذ لازلن حتى الآن لا يمتلكن رؤية عملية لهذه المشاركة .
و عندما نتحدث عن تقوية الجمعيات النسائية ، فإننا لا نتحدث عن إيجاد حركة نسائية مستقلة، و إنما نعني العمل معاً رجالاً و نساءً لنشر الوعي و الاقتناع بإزالة التمييز ضد المرأة وتطبيق مبدأ الشراكة الكاملة ، مع الأخذ بعين الاعتبار بأننا عند تناولنا لمسألة المساواة ينبغي أن لا نغفل موضوع التفاوت بين الفئات النسائية المختلفة من حيث الانتماء الطبقي و المستوى الاقتصادي و تفاوت الفرص الاجتماعية و الاقتصادية المتاحة لهن. ففي حين تتركز الأولويات لدى النساء ذوات الامتيازات و الوعي في الحصول على فرص المشاركة في صنع القرار والممارسة السياسية ، فإن هناك أعداداً كبيرة من النساء تتركز أولوياتهن في تحسين أوضاعهن المعيشية و التخفيف من أعباء الحياة ، وتوفير الفرص الاجتماعية المنصفة لهن والتي تسمح لهن بالمشاركة في العمل و التنمية. ولذا فمن المهم أن تمتلك النخبة القائدة وعياً و اهتماماً بالاحتياجات الملحة للفئات الأخرى من النساء .
المرأة و ممارسة الحقوق السياسية : الواقع و المأمول
إن الانخراط في النشاط السياسي لا يمكن أن يتم من خلال القرار السياسي وحده ، بل لا بد أن ينبثق عن قناعات ذاتية و مبادرات تقوم بها المرأة بنفسها. و عندما نتحدث عن تطور وضع المرأة و ازدياد أهميتها في سوق العمل و تحسن وضعها الثقافي و الاجتماعي ، فإن هذا يضع أمامنا مؤشرات إيجابية تدل على تحسن أوضاع المرأة بشكل عام.
فقد انتقلت قضية المرأة من كونها قضية أنثوية لتتحول إلى قضية تنموية و مسألة شراكة على المستوى العام و الخاص. إلا أن هناك تساؤلات عديدة تفرض نفسها علينا و أهمها : كيف ستشارك المرأة في تفعيل النصوص القانونية و تساهم في تحويل الديمقراطية إلى واقع محسوس ؟
إذا ما نظرنا إلى الموضوع من منظور شامل نجد أنه على الرغم من حصول المرأة على حقوقها السياسية إلا أن المشاركة السياسية للمرأة على المستوى العربي مازالت محدودة. فما الذي يدفع المرأة للإحجام عن استخدام حقها الذي ناضلت طويلا للحصول عيه؟
هناك ركيزتان أساسيتان لا بد منهما لضمان مشاركة أفضل للمرأة وهما الوعي و التصميم. فهل تتوافر هاتان الصفتان لدى المرأة في البحرين ؟ و ما هي احتمالات استعمالها لحقها في الانتخاب و الترشيح؟ لقد اندفعت المرأة للتصويت على الميثاق ، غير أن الأمر كان مجرد تصويت و لم يستلزم إعداداً أو خوض معارك انتخابية تنافسية ، فضلاً عن أن الميثاق جاء ليزيل فترة من الاحتقان السياسي وكان بمثابة عهد بين القائد و الشعب ، و حمل كثيراً من الوعود و الآمال ، كما أنه جاء وسط إجراءات انفتاحية مبشرة ، وكان الكل حريصاً على نجاحه و لا بد لذلك من مشاركة أكبر عدد من المواطنين. أما بالنسبة للانتخابات القادمة ، فإن الأمر مختلف تماماً . وعلى المرأة أن تدرك أن الانتخابات ستتم في وقتها سواء شاركت فيها أم لم تشارك ، ولذا فإن التحدي أمامها كبير و العقبات كثيرة لا يمكن إزالتها إلا بالتصميم والإرادة الصلبة.
حتى الآن هناك دليل واضح على تزايد الوعي و الرغبة لدى النساء لممارسة حقوقهن السياسية ، تمثل ذلك في المشاركة الكبيرة في الندوات و المناقشات العامة ، وبروز قيادات شابة واعية و جريئة ، وظهور أقلام نسائية جديدة. إلا أنه لم يتم حتى الآن طرح برامج أو خطة عمل لدخول المرأة هذه المعركة المحتدمة و التي تتطلب تمريناً و تمكيناً ، كما تتطلب جلداً وعملاً دؤوباً لم يظهر بعد إلى السطح بصورة فعلية منظمة ، مما يدفعنا إلى التساؤل ما إذا كانت المرأة واعية فعلاً لضراوة المعركة وما إذا كانت مستعدة لخوضها؟ و السؤال الآخر هو : كيف تنظر المرأة إلى ذاتها ؟ وما مدى تأثر هذه النظرة بالثقافة المجتمعية السائدة ؟ وكيف ستواجه المرأة الضغوط المحتملة؟ مما لا شك فيه أن المرأة ستتعرض لضغوط عديدة من المجتمع الذكوري حولها ، إما لدفعها لعدم المشاركة ، أو للتدخل في تحديد خياراتها . ولا بد أن نتوقع استسلاماً لهذه الضغوط في بعض الحالات . فهل نستطيع في هذه الظروف أن نتوقع مشاركة كاملة كما حصل مع الميثاق أو نتوقع رأياً حراً مائة في المائة؟
إن حملات التوعية و التدريب التي ينظمها المجلس الأعلى للمرأة و مؤسسات المجتمع المدني لا بد أن تركز على ضرورة أن يكون للمرأة رأي مستقل يمكنها من قراءة واعية للبرامج التي تطرح ، و أن تكون دقيقة في خياراتها و تفحّص ما ستحققه هذه البرامج لها كمواطنة أولاً وكامرأة ثانياً. إن البوادر الحالية فيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات البلدية التي أصبحت على الأبواب يعطي إشارة إيجابية . فحين أعلن المجلس الأعلى للمرأة وبعض الجمعيات النسائية عن تنظيم دورات تدريبية للراغبات في ترشيح أنفسهن ، كان الإقبال على التسجيل فوق المتوقع . إلا أننا نتساءل ما إذا كان هذا الإقبال هو نوع من الامتحان الذاتي للنساء المتقدمات لمعرفة حجم المسئولية وتبعاتها، و بالتالي معرفة مدى استعدادهن لخوض هذه التجربة . و لا نستطيع التكهن بأنهن جميعاً سيصمدن حتى النهاية ، كما أننا لا نستطيع أن نتكهن بمدى مساندة النساء لبعضهن البعض. إلا أننا لا نريد أيضاً أن تساند المرأة المرأة لمجرد كونها امرأة بل عليها أن تكون واعية لاختيار الشخص الأكثر كفاءة. و لا يفوتنا أن نوضح أن هناك فروقاً كبيرة بين الانتخابات البلدية وبين الانتخابات البرلمانية ، سواء من حيث الشروط و المسئوليات أو بين مواصفات المرشحين . فإن من ستدخل معركة الانتخابات البرلمانية ينبغي أن تكون مميزة و ذات حضور قوي و نشاط على الساحة السياسية والاجتماعية وقادرة على الدخول بقوة في اللعبة السياسية ، إذ أننا نتطلع إلى وصول شخصيات قوية ، قادرة على المشاركة الحقيقية و إثبات قدرات المرأة وجدارتها ، ولذا فإن مسألة الوعي في هذه المسألة تحتل أهمية كبيرة بالنسبة للناخبين والمرشحين على السواء ، وإن أية حملة توعية بهذا الخصوص لا بد أن تشمل النساء والرجال معاً ، فليس مقبولاً و لا ممكناً عزل المرأة و تحديد نشاطها ضمن دائرة خاصة لتعارض هذا التوجه مع جوهر الديمقراطية ، فلا بد أن يقتنع الرجال بأهمية مشاركة المرأة وأن أية تجربة تستثنيها ستكون تجربة ناقصة و مجهضة. ولذا فإن على الجمعيات النسائية التوجه إلى قاعدة عريضة من النساء ما زالت عازفة و معزولة عن المشاركة في الحياة العامة أما بالاختيار الذاتي أو لعدم المعرفة و الوعي بما يجري في الساحة ، و أن تحاول زرع الثقة لديها بقدراتها و العمل على تطوير مهاراتها.
إن عدم وضوح موقف المرأة من الانتخابات القادمة يطرح على الساحة تساؤلات كثيرة حول تعامل المرأة مع هذه المسألة ، مما دفع البعض إلى تبني فكرة نظام الحصص أو "الكوتا" لضمان وصول المرأة إلى المجلس النيابي ، خاصة و أن الجمعيات السياسية لم توضح حتى الآن موقفها من هذه القضية. ومع ما ترسخ في الأذهان و النفوس من وجهة نظر ترى عدم أهلية المرأة للمشاركة السياسية ، فإن نظام الحصص يبرز كحل لهذه الإشكالية ، خاصة و أن المادة الرابعة من اتفاقية إلغاء التمييز ضد المرأة تجيز اتخاذ تدابير مؤقتة للتعجيل بعملية المساواة ، و لا تعتبر هذا تمييزاً. إلا أن هناك أيضاً من يرى أن هذا التخصيص فيه إخلال بمبدأ الشراكة و المساواة المطلقة وفيه مخالفة صريحة للدستور ، كما أنه يحمل نوعاً من التقييد و الوصاية على الناخبين بفرض المرأة عليهم.
إنني شخصياً أقف من هذا الأمر موقفاً حذراً متردداً ، و أرى أنها معركة قررت المرأة أن تخوضها و عليها أن تستعد لها بكل الوسائل الممكنة و أن ترقى في تطلعاتها و برامجها إلى مستوى الحدث مترفعة عن الصغائر و الخلافات داخل الكتل النسائية ، فالمرأة أحوج ما تكون في هذه المرحلة إلى التضامن وتوحيد الجهود . وخوض معركة الانتخابات برؤى واضحة ، بعيداً عن التنافس غير المشروع و الطروحات الأيديولوجية التي من شأنها أن تفتت الجهود وتفرق المواقف.
المعوقات و التحديات
إذا كان دخول المرأة ساحة الانتخابات يعكس رغبتها في الدخول في اللعبة السياسية والوصول إلى مراكز المسئولية و صنع القرار ، فإن هذا لا ينفي وجود عدد من العقبات التي تعترض طريقها و أهمها :
1 - الموروث الثقافي الاجتماعي المتأصل في النفوس : و الذي يرى في حرمان المرأة من ممارسة حقوقها السياسية أمراً طبيعياً . وهذا قد يفسر إلى حد كبير غياب المرأة حتى الآن عن مراكز صنع القرار و السلطة التنفيذية. ورغم ما توفر للمرأة اليوم من إرادة سياسية ونصوص قانونية تدعم مشاركتها في الحياة السياسية و استحقاقها للمناصب القيادية ، فإن تغيير المواقف و العقليات السائدة تحتاج إلى وقت و جهد كبيرين . و لعل الإشكالية المهمة في هذا الموضوع هو أن عدداً كبيراً من النساء يتبنى رأياً مناقضاً لدعوات المشاركة . وقد أثبتت التجارب في بعض البلدان أن المرأة تحجم عن التصويت للمرأة لقناعة راسخة في ذهنها بعدم أهلية المرأة للقيام بهذه المهمة ، وليس من منطلق موضوعي يتعلق بالمرشحة ذاتها.
و تتفق هذه النظرة السائدة مع التفسيرات و التأويلات لأحكام الشريعة الإسلامية التي من شأنها أن تضع قيوداً على تقبل المجتمع لمشاركة المرأة . ولا شك أن هذه النظرة ذات علاقة جدلية بأنماط التنشئة الاجتماعية و نوعية التعليم الذي يوجه المرأة نحو ميادين معينة في التخصصات و الوظائف. ولذلك فإن مسألة الحداثة وما تقتضيه من ممارسة عملية على جميع الأصعدة دون استثناء ، يحتم على المجتمع و المرأة بشكل خاص أن تخرج من النطاق التقليدي لذاتها و للقيم المجتمعية التي تحكمها . فالقوانين و القرارات السياسية لا يمكن أن تغير من مفهوم الذات أو من الموروث الثقافي ، ما لم يكن أفراد المجتمع قادرين و مستعدين لهذا التحول في ذواتهم وفيما هو سائد من قيم تقليدية. ومن هنا تبدو الحاجة لتنقية شاملة للمناهج المدرسية من الشوائب و النصوص التي تكرس التمييز ضد المرأة. وهناك ضرورة للارتقاء بالخطاب الإعلامي فيما يتعلق بالمرأة ، و الكف عن تقديمها في صورة نمطية لا تتفق بأية حال من الأحوال مع وضعها الحالي ومع ما حققته من مكاسب على الصعيد العملي و السياسي ومع طموحاتها و تطلعاتها إلى مشاركة فعلية كاملة على جميع المستويات.
2 - غياب القوانين المنصفة : إن حصول المرأة على حقوقها السياسية ليس كافياً وحده لإدماجها بشكل كامل في العمل السياسي ، فالمرأة التي تعاني من غياب قانون للأحوال الشخصية ينصفها و يعيد لها كرامتها بحيث لا تضطر للدوران في أروقة المحاكم بحثاً عن العدالة ، هذه المرأة لا يهمها كثيراً أن تشارك في المجال السياسي لأنها منشغلة بهمها الشخصي و بتعسف القوانين ضدها.
كما أن التطبيق الخاطئ لبعض القوانين كقانون العمل ، وضع أمام المرأة عقبات كثيرة للترقي و اكتساب الخبرة التي من شأنها أن ترفع من ثقتها بذاتها وقدراتها وتعطيها من القوة ما يجعلها مقدمة و قادرة على خوض التجربة . فمما لا شك فيه أن وصول المرأة إلى مراكز وظيفية متقدمة من شأنه أن يبرز كفاءتها و يعزز مكانتها و يقوي من نظرتها لذاتها.
3 - غياب الآليات و البرامج الواضحة للمشاركة : إن حصول المرأة على حقوقها السياسية جاء مفاجئاً و سريعاً رغم مسيرة المرأة الطويلة و سعيها الدؤوب للوصول إلى هذه المرحلة . إلا أن التنظيمات النسائية و منظمات المجتمع المدني بشكل عام ، في غمرة انشغالها بمطالبها، لم تضع اعتباراً لتهيئة الأرضية المناسبة للتطبيق العملي ، ولم تحسب حساباً للفجوة القائمة بين التشريع و التطبيق على أرض الواقع.
وكما أسلفنا ، فإننا حتى الآن لم نر أي برنامج عملي للمشاركة ، ولذا فإننا نجهل كيف ستخوض المرأة معركتها المقبلة وبأية آليات أو وسائل ، وما هي التحالفات المقبلة إن وجدت، وما هو موقف التيارات الدينية من هذه المسألة ؟ وهل ستعزز في برامجها مشاركة المرأة أم ستستثنيها ، ناهيك عن موقف المنظمات الليبرالية التي لم يتضح موقفها العملي من هذه المسألة.
4 - غياب الوعي الديمقراطي : رغم أن هذه التجربة ليست جديدة على البحرين إذ سبقتها تجربة أخرى عام 1974 لم تستمر طويلاً . فإن فترة 28 عاماً من غياب الديمقراطية ، أفرزت جيلاً كاملاً لم يعش جواً ديمقراطياً ولم يتسنّ له أن يمارس التجربة ، بل على العكس، فإن فترة الاحتقان السياسي التي مرت بها البلاد و مشاكل البطالة وعدم تكافؤ الفرص في التعليم و العمل و غيرها ساعدت على تنشئة جيل حانق متمرد على كل ما يمت إلى السلطة بصلة ، ولذا فإن هذا الانتقال السريع و الكبير إلى مرحلة الديمقراطية يتطلب بعض الوقت لإعادة بناء جسور الثقة ، كما يحتاج إلى كثير من الجهد من مؤسسات المجتمع المدني لنشر الوعي بأهمية و أساليب الممارسة الديمقراطية المبنية على الحوار و احترام الرأي الآخر . ذلك أن هناك فهماً سائداً بين شريحة كبيرة من الشباب بأن الديمقراطية تعني البرلمان والانتخابات فقط ، وما عدا ذلك فهي ممارسات خاصة لا علاقة لها بالديمقراطية . وإذا كنا نطالب بحملات توعية و تثقيف لشرح معنى الديمقراطية و مفهومها الحقيقي بين الشباب على وجه الخصوص ، فإن ذلك لا ينفي دور أجهزة الإعلام التي انفتحت اليوم بصورة أتاحت للمجتمع المدني استخدامها بصورة تخدم أهداف المرحلة . إلا أن هذا الانفتاح لم يتم استغلاله بعد من قبل هذه المنظمات لتوضيح أن الديمقراطية هي نمط حياتي ينبغي أن يمارس في الحياة اليومية و ليس فقط في الشأن السياسي.
5 - نظرة المرأة إلى ذاتها و إحجامها عن المشاركة : رغم ما يبدو لنا من إقبال الكثير من النساء على الانخراط في الجمعيات السياسية و النشاط السياسي الدائر في البلاد ، إلا أنه ما زالت هناك فئة يطلق عليها "الأغلبية الصامتة" ، وهذه الأغلبية ما زالت تنظر إلى التجربة بحذر و توجس و ريبة . هذه الفئة الصامتة لم يحسب لها حساب في غمرة انشغال المنظمات المدنية بتحضير نفسها لخوض التجربة الانتخابية ، ولم توضع برامج أو آليات للوصول إليها و إخراجها من قوقعتها و عزلتها.
إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن الجمعيات الدينية ربما كانت أكثر المنظمات نشاطاً ووعياً بهذه المسألة ، كما أن عملها يتميز في أحيان كثيرة بالهدوء و التأني . من هنا فإن المنظمات النسائية و الليبرالية مطالبة هي الأخرى بالانتباه إلى هذه المسألة و إيلائها ما تستحقه من اهتمام . إن عقوداً طويلة من التنشئة و الممارسات القائمة على عزل المرأة و رسم الأدوار التقليدية لها ، و حرمانها في أحيان كثيرة من إبراز قدراتها و كفاءتها و التمييز الذي يمارس ضدها في التربية و التعليم و العمل ، رسخ لدى أعداد كبيرة من النساء إحساساً بالدونية وعدم الثقة بالنفس ، وقناعة راسخة بالدور المرسوم لهن . وهذه مسألة تشكل معضلة لا بد من التصدي لها ، ليس بالقوانين ، و إنما بالتوعية و بالتغيير الشامل في أساليب التنشئة و التربية و التعليم و في الخطاب الإعلامي . إنها تتطلب حملات مكثفة لا تقوم على القرارات السياسية بل على جهد دؤوب و صادق من قبل المؤسسات الأهلية و الرسمية على حد سواء.
ولا بد لنا أن نشير هنا إلى أن الكثيرات و الكثيرين أيضاً سيحجمون عن خوض الانتخابات لعدم القدرة على مواجهة متطلباتها المالية. من هنا فإن تكاتف النساء و تنسيق جهود المنظمات النسائية و احتضانها للكفاءات من شأنه أن يساهم في تذليل هذه العقبة و يشجع المرأة على خوض التجربة بثقة و ثبات.
أخيراً فإن التجربة الديمقراطية التي تمر بها البحرين تعتبر فريدة من نوعها ، بسبب ما أحاط بها من ظروف جعلتها محط الأنظار لا سيما من دول الخليج الأخرى ، التي ترى فيها نموذجاً إن تحقق له النجاح فستكون انعكاساته كبيرة على المنطقة بأكملها و على أوضاع المرأة فيها.
ولذا فإننا نتطلع باهتمام و ترقب إلى مشاركة حيوية و واعية ، تضع المرأة في قلب الأحداث، تساهم في صنعها و قولبتها بما يحقق الشراكة الكاملة و يلغي كل أشكال التمييز، ذلك أن عدم نجاح المرأة - لا قدر الله - في خوض التجربة بالكفاءة و الوعي المطلوبين ، كفيل بإعادتنا إلى الوراء لنبدأ من نقطة الصفر حيث قد لا تكون الظروف و الأرضية مواتية و مهيأة كما هي الآن.
المــــــراجع
1 - د. باقر النجار : "التحديات التي تواجه المشاركة السياسية للمرأة الخليجية" ، ورقة مقدمة لمؤتمر "المستقبل السياسي للمرأة في دول مجلس التعاون الخليجي" ، الكويت ، ديسمبر 2001 .
2 - جليلة السيد : "المرأة و الحقوق المدنية و السياسية كما أقرها دستور مملكة البحرين" ، المنامة ، 2001 .
3 - د. سبيكة النجار : "مستقبل العمل النسائي ومشاركة المرأة في الحياة السياسية" ، ورقة مقدمة إلى الحلقة الحوارية حول "الدور المستقبلي لمؤسسات العمل النسائي في البحرين" ، نادي العروبة ، المنامة ، يناير 2002 .
4 - د. عبد الخالق عبد الله و آخرون : "متطلبات و تحديات التحول الديمقراطي في دول مجلس التعاون " ، اللقاء السنوي لمنتدى التنمية ، دبي ، دار قرطاس للنشر ، الكويت 2001 .
5 - عبد الرحمن الزياني : "المرأة البحرينية 2001 : مساهمة المرأة في قوة العمل" ، صحيفة أخبار الخليج ، البحرين ، 14 فبراير 2002 .
6 - د. منيرة فخرو : "المرأة و العمل السياسي" ، ورقة مقدمة إلى ندوة "آفاق التحول الديمقراطي في البحرين" ، نادي العروبة ، البحرين ، 2002 .
7 - نور الضحى الشطي و أنيكا رابو : "تنظيم النساء / الجماعات النسائية الرسمية و غير الرسمية في الشرق الأوسط " منشورات المدى 2001 .
8 - د. وضحى السويدي : "التحديات التي تواجه المرأة الخليجية من المشاركة السياسية" ، ورقة مقدمة إلى مؤتمر "مستقبل المرأة السياسي في دول مجلس التعاون" ، الكويت ، ديسمبر 2001 .