صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3152 - 2010 / 10 / 12 - 16:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يحاول بعض السياسيين والكتاب العراقيين طرح موضوعة تقسيم العراق كبديل عن الوضع الحالي الذي يراوح في مكانه من دون أي بادرة أمل على طريق إنشاء دولة عصرية متقدمة. والغريب ان بعض هؤلاء يحاولون الاستناد الى رأي نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الذي صرح به في مدة تصاعد العنف الطائفي أعوام 2006 ـ 2007 وكأنه بلسم لإنقاذ البلد من مشكلاته في حين ان بايدن تراجع عن رأيه ذاك بعد ان شهد الوضع الأمني تحسناً نسبياً اثر تطبيق خطة فرض القانون وأورد تصريحات مغايرة ولاسيما اقواله غير المؤيدة للتقسيم في صيف العام الحالي.
يحاول البعض الاستناد ـ ولربما التعويل ـ على الاختلافات الطائفية والقومية في مطالبتهم بتقسيم العراق الى ثلاثة كيانات (عربي شيعي و عربي سني وكردي) وارى ان مطالب التقسيم لم تكن مطروحة ضمن السياق العام لحركة البلد في الحقبة المنصرمة (ثمانين سنة) من تاريخ العراق المعاصر في اقل تقدير ولكنها ترتبط الآن بإغراءات اقتصادية ولاسيما ما يتعلق منها بالنفط وعوائده.
يكثر السياسيون في العراق الجديد الحديث عن الاختلافات الطائفية والعرقية وكأننا الوحيدون الذين نمتلك قوميتين أو أكثر او طائفتين ضمن القومية الواحدة ونسوا ان بلداً مثل سويسرا الذي يفوقه العراق مساحة باثنتي عشرة مرة والذي لا تتجاوز نفوسه الثمانية ملايين نسمة تعيش فيه أربعة أعراق رئيسة تتكلم الالمانية والفرنسية والايطالية و (الرومانشية) وهي لغة لاتينية قديمة، ومع ذلك لم يشهد ذلك البلد أي حساسيات او مشكلات بين سكان سويسرا والفضل في ذلك يعود الى طبيعة النظام السياسي السويسري وابتعاد سويسرا عن المشكلات العالمية والحروب باتخاذها وضع الحياد منذ عام 1515 م إضافة الى تركيزها على تحسين اقتصادها وزيادة رفاهية مواطنيها برغم ضآلة مواردها الأمر الذي كرس قيم التسامح لدى شعبها.
وبإمكاننا ان نورد النماذج الكثيرة عن الدول التي تتكون من قوميات وأعراق متعددة ولكنها تعيش موحدة بظل أوضاع مستقرة والسر في ذلك يعود كما قلنا الى احتفائها بالمواطن كهم أساس اذ ان الأحزاب تتنافس على ما يرضي المواطن ويلبي طموحاته المعيشية ويوصله الى حالة الرخاء والاستقرار النفسي والصحي والاقتصادي المطلوب فيتنامى لديه شعور المواطنة وتتراجع أي قيم أخرى وما تلبث ان تختفي نهائياً اذا تواصل البناء على أسس سليمة. وقد تشهد بعض البلدان المتحضرة في خضم هذا النمو الطبيعي بين مدة و مدة محاولات من قبل بعض السياسيين لحرف الأمور باتجاه تغليب القضايا الثانوية على الرئيسة ومنها الطًرق على وتر المشاعر القومية والدينية ولكنها لا تلقى آذانا صاغية وسرعان ما تتوارى تلك الدعوات خجلاً.
لم نشهد نحن في العراق ـ وتلك حقيقة يقر بها الجميع ـ أي حساسيات بين القوميات والطوائف، وحتى في الأمور المتعلقة بقضية الشعب الكردي في العراق فان التوتر كان يجري بين الحكومات في الأنظمة السابقة التي تعاقبت على حكم العراق وبين الاكراد، في حين ان العلاقات بين الشعبين العربي والكردي في العراق كانت تتسم بالأخوة والهم المشترك، ولقد استغلت الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة قضية الضبط العسكري لدى الجيش لمحاربة أبناء البلد بشتى قومياتهم وطوائفهم وإلحاق الأذى بهم، حصل ذلك في جنوبي العراق وكذلك في كردستان العراق ولاسيما إبان انتفاضة آذار عام 1991وفي عدة عمليات عسكرية جرت في شتى أنحاء البلد .
لقد افرز الوضع الذي أعقب اسقاط النظام المباد في نيسان 2003 محاولات من بعض السياسيين لتصعيد الخطاب الطائفي والعرقي والغرض من ذلك هو تحشيد الرأي العام في مناطق معينة للتصويت لهم في الانتخابات، ونشأ عن هذا الوضع نمط حياتي جديد احتفى بالمحاصصة الطائفية والعرقية، وحاول ويحاول تكريسها انطلاقا مما توفره تلك المحاصصة من منافع للسياسيين على حساب جماهير الشعب ولقد استمات بعض السياسيين ولاسيما من المسؤولين في طرح مشاريع فيدرالية واقليمية حتى قبل ان يباشروا برفع النفايات والقمامة من شوارع مدنهم او البلديات المسؤولين عنها، و كذلك برغم عدم تلبيتهم مطالب الجماهير وحاجاتها المعيشية والخدمية مثلما حصل في البصرة حين اقترح محافظها الاسبق عام 2008 تأسيس اقليم البصرة وهو الاقتراح الذي قوبل بالرفض من جماهير البصرة التي لم تر من المسؤولين اعمالا حقيقية لتطوير مدينتهم.
يتجه المسؤولون في بعض المحافظات الى التوافق مع حالة الفوضى التي يشهدها الوضع السياسي في العراق لطرح مشاريع غريبة وعقيمة، بل يمكن عدها في خانة محاولات عرقلة التطور الطبيعي للمجتمع العراقي مثلما جرى قبل ايام حين هدد مجلس محافظة واسط بإعلان إقامة (إقليم واسط) إذا لم تستجب وزارة النفط لمطالبه بتغيير و نقل إدارة حقل الأحدب النفطي، ومن المعلوم ان العمل السياسي لا ينسجم والتصرف المزاجي او الأهواء المنطلقة من ردود الأفعال الشخصية او الضيقة، اذ لو كان الامر كذلك لما خرج المجتمع الإنساني من اطوار تكونه البدائية الاولى ولما شهدنا تكون الدول وبنائها، كما ان مطالبة كل محافظة بإقليم خاص بها هو في الحقيقة استخفاف بمبدأ الفيدرالية، فلو جارينا ذلك التوجه فما الذي يمنع كل قضاء او ناحية او حتى قرية بأن تطالب بإقليمها او (فيدراليتها) الخاصة اذا ارتأى السياسيون ان ذلك ينسجم وتوجهاتهم المصلحية؟!
وبالعودة الى مطالب البعض بإنشاء ثلاثة كيانات عراقية على اسس طائفية وقومية نقول ان تأسيس تلك الكيانات لن يضمن مصالح الجماهير في العيش الكريم، اذ ان كل كيان من تلك الكيانات سيشهد استئثارا بالسلطة من قبل فئة قليلة تستحوذ على الاموال العامة والموارد في حين تظل غالبية سكان كيانها في معاناة متواصلة ولن ينتهي الصراع من اجل لقمة العيش والعدالة الاجتماعية بل سيتصاعد بأكثر من السابق ويؤدي الى كوارث غير متوقعة، ناهيك عن التدخل الاقليمي في اوضاع الكيانات وحكوماتها والمساومات التي تعقد على هذا الطريق بما يضر بمواطني كل كيان مقترح.
وأود ان أقول هنا وبصراحة، انني مع حق الشعوب في تقرير مصيرها، وبالنسبة لوضعنا العراقي فإذا كان الشعب الكردي في العراق يرى ان وضعه يتسم بالخصوصية القومية والسياسية، و إذا كان يرغب في الانفصال عن البلد في محافظاته الثلاث فمن الممكن أن تجري مناقشة مثل هذا الموضوع، وان يصار الى إثارته في ظل اوضاع سياسية مستقرة وبناء ديمقراطي راسخ لاسيما وان الجهات المتنفذة في المناطق الكردية من العراق لم تجر أي استفتاء لمعرفة توجهات المواطن الكردي الحقيقية بشأن التقسيم او الانفصال، وقبل ذلك يجب أن يسعى جميع السياسيين بشتى انتماءاتهم الدينية والطائفية والقومية الى خدمة الانسان العراقي ككل وتحقيق امنه واستقراره ورخائه الاقتصادي والمعيشي عن طريق طرح مشاريع وطنية شاملة لجميع العراقيين.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟