حسين عبد المعبود
الحوار المتمدن-العدد: 3147 - 2010 / 10 / 7 - 15:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس دفاعا عن وزير التعليم
ولكن حبا في مصر المحروسة
تعود الكثير منا أن يصدر أحكاما على الأخرين , دون سبب حقيقي , أو سند منطقي , وكل حيثيات هذه الأحكام عاطفية أي أنه ابن فلان , أو خاله علان .
إذا أحببناه بحثنا له عن قريب يتمتع بسمعة طيبة ونسبناه إليه , وإذا كرهناه كان العكس ؛ أي : بحثنا له عن قريب يتمتع بسمعة سيئة ونسبناه إليه.
والعاطفة هذه ليست مبنية على أسباب حقيقية , أو منطقية , بل عشوائية باطلة لا تعتمد على وقائع , وأحداث , ولكن تعتمد على التاريخ الذي يكون مزيفا في أغلب الأحيان , وصدق الفيلسوف حينما سألوه عن التاريخ فأجاب : بأنه افتراء الأحياء على الأموات .
والمسئول عن ذلك حملة المباخر , والإعلام الذي يصنع مجدا , ويسطر تاريخا لأناس لايستحقون ذلك , ويظلم أخرين استرضاء للحاكم , وتقربا من ذوي النفوذ , أو انتقاما من أشخاص تكون لهم قرارات , أو مواقف حاسمة تضر بمصالحهم , ويصبح الناس في شبه غيبوبة لا يعرفون الحقيقة بسبب هذا التضليل , والتزييف , بعدها يصير هذا التزييف تاريخا نبني عليه أحكامنا , وهذا ما يحدث الآن مع الأستاذ الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم الحالي .
فبعد أن تولى أحمد زكي بدر مسئولية وزارة التربية والتعليم قام ببعض التغييرات , والترتيبات التي من حق أي مسئول , أو أي إنسان أن يفعل مثلها في موقعه , طالعتنا بعض الصحف بأنه وزير داخلية التعليم , وتأمل معي ( وزير داخلية التعليم ) في إشارة إلى أنه يسوس الوزارة بمنطق رجل البوليس , وفي هذا تلميح صريح بأنه يتبع سياسة والده المرحوم زكي بدر وزير الداخلية الأسبق , وهو رجل توفى له ما له , وعليه ما عليه . وإن كنت قد اختلفت معه كثيرا , وله موقف شخصي مني وقت أن كان مديرا لأمن القليوبية .
ولكن ذلك لايمكن أن يكون مؤثرا في حكمنا على الأشياء ولا بد عند الحكم على الأشياء أن ننحي المشاعر , والعواطف جانبا , كما أن أي أخطاء , وأي سلبيات , وأي فساد لايسأل عنه الوزير وحده أي وزير ولكن يسأل عنها النظام الذي اختاره ,فهذا الوزير أوذاك لم يقتحم الوزارة , ولم يغتصب الكرسي بل تم اختياره بناء على تقارير لأمن الدولة ,والأمن العام , والأمن القومي ,ودهاليز الحزب الوطني , ثم عرض الأمر على السيد الرئيس الذي كلفه بالوزارة , فيكون الوزير هو المسئول ؟!! أم السيد الرئيس والأجهزة المعاونة ؟!!.
وعندما قام بجولة تفقدية تفقد فيها بعض المدارس فوجد تأخيرات , وتسيب , وانحلال أصدر أمرا بنقل عدد من من المدرسين , وعلى رأسهم السيد مدير المدرسة باعتباره المسئول عن الحالة السيئة التي وصلت إليها المدرسة , مع ملاحظة أن هذا المدير قد حضر هو الأخر متأخرا ؛ فقامت الدنيا , وكأنه كان يجب عليه أن يكافئهم أوعلى الأقل يغض البصر , أو يبارك ما رآه , وكأنه ليس مسئولا عن التعليم , ولا عن مستقبل أبنائنا . موجات من الهجوم وتسليط السهام عليه , وعلى أسلوبه , وعلى سياساته وصورناه على أنه رجل البوليس الذي يتعقب المتهم , ثم يتحول إلى قاض , وجلاد ؛ متهمين إياه بالقسوة , والشدة . لدرجة أن تدخل بعض الوزراء , وبعض أعضاء مجلس الشعب تصوروا!! ونحن نرى أن تصرف هؤلاء ما هو إلا رشاوى انتخابية لأهالي الدائرة . فمن المفترض أن عضو مجلس الشعب مراقب للحكومة , أي مراقب للوزراء وله حق مساءلة الوزير المتقاعس , أليس مجلس الشعب جهاز تشريعي رقابي ؟! أم تغير دوره إلى علاقات عامة , ومجاملات سياسية ! وأين دور مجلس الشعب في تنفيذ شعار السيد الرئيس بأن قضية التعليم هي قضية أمن قومي ؟. وأين الموقف الإعلامي من هؤلاء؟ .
بل أين الإعلام ؟ من أحمد زكي بدر الذي يدافع عن المعلم , وعن كرامة المعلم , والذي يرفض أن يهان المعلم , أو تخدش كرامته بعد سنوات كادت أن تؤدي بالمعلم وكرامته إلى القاع بسبب سياسة المحاباة لأولياء الأمور .
ألم يعرف السادة أعضاء مجلس الشعب , والسادة الإعلاميون أن أحد أولياء الأمور قد حضر إلى مدرسة ما لمعاقبة المسئولين الذين عاقبوا ابنته لمخالفتها القواعد العامة , واللائحة الداخلية للمدرسة , فما كان من السيد المدير اتقاء للمتاعب التي قد يواجهها أن استجاب لرغبة ولي الأمر الذي كان شرطه للتنازل عن موقفه وعدم رفع شكواه للمسئولين الكبار أن يعتذر السيد المدير , وتعتذر المعلمة التي عاقبت ابنته أثناء تابور الصباح وأمام جميع الحضور وتصوير ذلك بكاميرات المحمول ؛ وبالفعل قدم السيد المدير اعتذارا مطابقا للشروط , أما السيدة المعلمة فلم تهن عليها نفسها , ولم تستطع أن تقدم اعتذارا موثقا بالصوت , والصورة على خطإ لم ترتكبه وفضلت الاستقالة التي رفضها السيد الوزير تضامنا معها وشدا لأذرها , فطلبت ان تنقل من المدرسة ثأرا لكرامتها فكانت كلماته الحاسمة : أن كرامتها في بقائها بمدرستها .
أهذا الوزير يقاوم , وتسلط عليه الأضواء الحارقة وليست الكاشفة !!!!!
إلى متى سيبقى حالنا على ما هو عليه ! أما آن الأوان أن نصدق القول , والعمل لنرتقي وننهض كباقي الأمم ؛ اتركوه , واعطوه الفرصة للإصلاح يرحمكم الله , إن كنتم لاتحبون الوطن فنحن نحبه ونريد أن ننهض ونرقى به , ولن ينهض هذا الوطن إلا بنهضة أبنائه أمثال أحمد زكي بدر ومن لايعملون إلا لوجه الله , ووجه الوطن.
يا سادة نحن في حاجة إلى المكاشفة , والمصارحة , لابد أن نقف أمام المرآة ونواجه أنفسنا , ونقول هذا صواب , وهذا خطأ , لابد أن يعاقب المخطئ , ونثني على المثيب . وكفانا سياسات الميوعة , والتسيب التي يروج لها الحزب الوطني تحت شعار : اعطه فرصة . فكفانا فرص ضائعة أضاعت علينا الكثير والكثير .
ألم يسأل أحد نفسه : لماذا وصل بنا الحال إلى ما نحن فيه ؟ أزمة , وتخلف في كل مناحي الحياة , وخاصة التعليم , والسبب في ذلك المحاباة وعدم محاسبة المخطئ خاصة لو كان من الكبار .
كلنا يعلم مستوى خريج مدارسنا بدءا من خريج الابتدائي إلى خريج الجامعة بل مستوى حاملي الدكتوراه , لايسر عدو , ولا يسر حبيب , قارن بين مستوى خريج مدارسنا وجامعاتنا , ومستوى خريج مدارس وجامعات الهند , وباكستان , ولن أقول مستوى خريج مدارس وجامعات أروبا , أوأمريكا . كل ذلك بسبب سياسة المحاباة , وعدم تفعيل مبدأ الثواب , والعقاب , واستجابة لرغبات الشعبيين الذين يمالئون أولياء الأمور الذين أصبح كل همهم حصول أبنائهم على صك يسمى الشهادة , دون النظر لمضمونها , ودون النظر لمستوى حامليها , وهذا نوع من الانتهازية التي تفشت بيننا جميعا , المهم الحصول على الشهادة سواء عن استحقاق , أو عن عدم استحقاق المهم الصك , وإذا سألتهم أن ذلك لايؤدي إلى نهضة , ولا يؤدي إلى تقدم ؟ ! كانت الإجابة : هو إحنا اللي هنصلح الكون ! يا عم مفيش فائدة . وهي إجابة متناقضة ,حيث أنه إذا كانت القناعة أنه لافائدة , فلماذا نبحث عن الشهادة ؟ وإذا كان هناك أمل في الفائدة فكيف يحقق هذا الأمل ؟وللأسف السياسين , والشعبيين يؤصلون لذلك بسياساتهم , واستغلال نفوذهم لصالح ابنائهم , وممالئتهم لأولياء الأمور , فتجد الكثير , والكثير يؤمن بذلك والناس على دين ملوكهم .
وإذا انتقلنا إلى كرامة المعلم التي يحرص عليها السيد الوزير حرص المعلم تماما بل أشد نجد أنها تنعكس على كرامة المتعلم : أي المواطن حاضر هذا الوطن ومستقبله , وما نعانيه اليوم من أزمات نتيجة لافتقاد القيمة أي الكرامة لأن الكرامة في : (الصدق , الأمانة , الأخلاق الحسنة , الدقة , حب الوطن , محاربة الفساد , عدم الإنحراف ) أليس كل الفسدة , والمفسدين هم خريجي مدارسنا وجامعاتنا ؟ أليس المسئولين عن أزمات : البطالة , وغلاء الأسعار, والفساد , والرشوة , والمحسوبية . هم خريجي مدارسنا وجامعاتنا ؟ كل ذلك بسبب غياب القيمة أي الكرامة .
وإذا انتقلنا إلى تعديل بعض المناهج نجد الأجهزة الإعلامية تخرج علينا بأصوات لقيادات سياسية , وشعبية , وثقافية ( مفترض أنها كذلك ) تدعي أن المقصود ليس التعديل , أو التطوير ولكن استجابة لسياسات الغرب الكافر الفاجر حملة الصليب الذين يتأمرون علينا , وعلى الإسلام . ومثل هذا الكلام الفارغ ينم عن الجهل , والخيبة , وفقدان للثقة بالنفس , والإصابة بحمى المؤامرة .
هذا كلام حامض , سبق ان قالوه لكل من أراد التغيير في أي مجال , وأي مكان ؛ وما المانع في أن نستعين بعلمائنا الأجلاء أصحاب الأسماء اللامعة في سماء العلم والمعرفة أمثال احمد زويل , وفاروق الباز ومصطفى السيد وغيرهم لنستفيد بعلمهم , وخبراتهم كما أفادوا الغرب . أنكون تابعين للغرب ؟ اتركوا نظرية المؤامرة , ولتكن ثقتكم في الله , وفي أنفسكم كبيرة , واعلموا أنه بفكر العلماء , وسواعد الرجال , والانفتاح على العالم , وقبول الأخر نستطيع أن نغير , ونطور , ونبني بلدنا مصر .
أخر المستجدات ما أسموه أزمة الكتاب الخارجي الساعد الأول لرجال الدروس الخصوصية لأنه يساعد على الحفظ , والتلقين وبالتالي الحصول على الصك ( الشهادة) بدون مهارات , أو خبرات . أتعلمون ياسادة أن الكتاب المدرسي من الناحية التربوية أفضل بكثير من أي كتاب خارجي , وبالمناسبة أنا مدير مدرسة ابتدائية فالكتاب الخارجي يمتاز عن كتاب الوزارة بإضافة بعض الصور ,أو الرسوم التوضيحية , وإضافة أسئلة بعض الامتحانات السابقة وهذه يمكن معالجتها في كتاب الوزارة . أما عيوبه فكثيرة منها : نوع الورق , وحبر الطباعة , والأهم افتقاده لمواقف تعليمية تساعد على التفكير , .والتحليل , والاستنباط , واستخلاص المعلومة . فمثلا تجد في كتاب الوزارة مواقف تعليمية ليست موجودة في الكتاب الخارجي مثل : ناقش معلمك في ................, أو تحدث مع زملائك في ..............., أو اذهب إلى المكتبة وابحث عن ................., اجمع بعض الصور ل...............كلها مواقف تساعد على التفكير , والتحليل , والاستنباط , وتكسب المهارات , وتنمي الخبرات , وتكسب الثقة بالنفس , وتصنع التفاعل وتعطي متعة للعمل مع الأخرين . كل ذلك يفتقده المتعلم بسبب اعتماده على الكتاب الخارجي الذي أجاب على كل هذه المواقف , وأعطاها سهلة بسيطة للمتعلم , مثل ما اعطاها للمعلم خاصة معلم الدروس الخصوصية الذي لايهمه مهارات , أو خبرات , وكل همه المعلومة يحفظها المتعلم ليحصل على الصك ( الشهادة ) وليس مهما أن ينسى المتعلم المعلومة عقب الامتحان مباشرة .
نعتقد أن السبب الأساسي في الهجوم على أحمد زكي بدر أنه رجل محترم , يحب مصر , ويريد أن يفعل شيئا , ويحترم الالتزام وهي سياسة لا يحبها الحزب الوطني , ولا يشجعها الإعلام , ولا يزكيها أعضاء مجلس الشعب حتى لا يغضب الناخبون .
فالنظام يقدم رشاوى انتخابية لكسب ثقة الناخب ليفوز الحزب الوطني بالأغلبية في انتخابات مجلس الشعب نهاية العام الحالي 2010م تمهيدا للتمديد , أو التوريث في انتخابات الرئاسة عام 2011م مثل : حوافز مادية لخطباء المساجد , وغض البصر عن البناء على الأراضي الزراعية رغم أن قرار الحاكم العسكري بعدم البناء على الأرض الزراعية مازال ساريا , فتاوى من هنا ومن هناك تزعم ان هناك توجهات سياسية بالتخفيف على الطلبة , وعلى أولياء الأمور, ونخشى أن يكون من ضمن الرشاوى إقالة أحمد زكي بدر تحت أي مسمى , أو التلميح بإقالته تحديا للمخلصين , وتضامنا مع حزب أعداء النجاح , وبطانة النظام , ومداحيه.
#حسين_عبد_المعبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟