|
الغريب
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3146 - 2010 / 10 / 6 - 23:52
المحور:
كتابات ساخرة
كانت أمي وأنا صغير تذهبُ بنا أنا وأخواتي وأخي إلى السوق لشراء الملابس الجديدة ولم نكن نعرفُ الملابس الجديدة إلا في العيد وكانت أمي بعد أن تنتهي من الشراء لنا كانت تنظرُ لي وهي تتنهدُ وتقولْ: بعد انت ألله يعيني عليك شو بدي أشتريك! وشو اللي بده يجي عليك! إذا لقيت على قد خصرك ما بلقاش على قد طولك وإذا بلقى على طولك ما بلقاش على خصرك أي والله بدك يوم كامل حتى أجد اللي بناسبك !.
وأنا بالنسبة لي كنتُ أقف خجلاً لأنني سأُتعِبُ أمي أو لمعرفتي بأنني سأتعبها وهذه الحالة ما زالت مستمرة معي حتى اليوم فأنا إلى اليوم أقفُ في السوق حائرا لا أجدُ ما يناسبني وتطورت معي هذه الأمور في كل تفاصيل حياتي ففي المكتبات أقفُ حائراً بين الكتب والمؤلفات فلا أجدُ كاتبا يناسبُ أفكاري ولا أجد مطعماً يناسبُ معدتي وقد تخلصتُ بعد فترة من هذه الأزمة بأن وضعتُ حلاً للملابس فأنا أشتري القماش وأقوم بتفصيله عند أحد الخياطين وأما الكتب فأقوم بتفصيل كاتب أو كاتبة على حجم تطلعاتي لذلك لا أقرأ اليوم إلا لكاتبتين فقط لا غير ولكاتب آخر. واليوم بعد أن كبرت تخلت أمي عن مسؤوليتها تجاهي بعض الشيء لذلك أنا أعيل نفسي وأقول (ألله يعيني على حالي) وقبل ذلك كنت أقول (ألله يعين أمي على حالتي) وصدقوني أنا الذي يقفُ هنا ليس أنا وهذا الثوب لا يناسبني فحين يذهبُ الناسُ إلى السوق يلبسون أي شيء غالي الثمن أو رخيص الثمن وبكل سهولة يجدون ما يناسبهم أو ما يناسب أشكالهم أو ألوانهم المخادعة ,إلا أنا فلم يسبق لي أن عثرتُ على ما يناسبني لستُ لأنني عظيم الجثة وكبيرها ولستُ لأني هزيل الجثة وصغيرها وليس لأن خصري كبير أو كرشي ظاهر فكل الذين لديهم هذه الصفات يجدون ما يناسبهم في الأسواق إلاّ أنا وذلك لأن مزاجي غريب وفكري غريب ورغباتي غريبة وأنا في هذه الدنيا غريب. فلم أذهب بحياتي إلى السوق لأشتري بنطالاً أو قميصا إلا وأجدُ من الصعوبة بمكانٍ أن أجد ما يناسب شكلي وجسمي ووزني ولون عيوني وكنتُ في نهاية كل عملية تسوق للثياب آخذ شيئا ليس لي ولا يناسبُ لا واقعي ولا أحلامي ,أنا رجلٌ أفقي بحجم الفضاء وخيالي بحجم السماء الثامنة ولا يسعني لا قميصي ولا بنطلوني ولا سروالي, فكل ثيابي ضيقة وصغيرة على جسمي ولا تكفيني مياه بلادي للشرب أو للاستحمام من وسخ الحاضر والماضي..إنه ليس أنا فأنا أشكُ كثيرا بأصلي وبفصلي وبعنواني وبالعالم الذي أسكنه ولا يسكنني وأعتقدُ بأنني قد أتيتُ من عالمٍ آخر ,عالمُ فيه المرأة والرجل جنسٌ واحد ليس فيه لا ذَكَرٌ ولا أنثى. . واليوم سأقولُ لكم بأنني لستُ أنا الذي رفع الستارة ولستُ أنا الذي أنزلها ومنذ كنتُ طفلا صغيراً كنتُ أعرف بأنني لستُ أنا بل هو شخص بخلافي ومنذ وضعتُ يدي الندية في يد أولِ امرأة صادفتها في حياتي كنتُ أعرفُ بأن تلك اليد ليست اليد التي أطلبها وبأن الحرارة التي في يدي ليست بحرارتي الرومنسية..إنه ليس أنا ..لستُ أنا صدقوني إنه شبيهي المخادع الذي يدعي بأنه أنا...لستُ أنا وأقسم لكم بنهدها الضائع في الصحراء العربية لست أنا هذا الذي تشاهدونه وتسمعون صوته صدقوني لا أعرفه ولا يعرفني..أنا رجلٌ غريبٌ عن هذا العالم لا أعرف لي أبا ولا أما ولا شبيهاً.....ولا حبيبةً ولا صديقةً ولا رفيقةً, وهذا الذي كان يجلس هنا ليس أنا وهذا الذي سمعتموه يتحدثُ مع أهله وناسه في إحدى السهرات العائلية الكبيرة ليس أنا إنه رجل يكذبُ كثيرا على نفسه ...وهذا الذي يجلسُ هنا ليس أنا, وهذا القميص الذي على جسدي ليس بقميصي أنا إنه لرجلٍ غيري فاته على جسدي ورحل أو فرض قميصه على جسدي وكتبَ عليه بخط يده عنواني وأعطاني رقماً وطني ليس برقمي لقد فرضه عليّ بكل ما أوتيّ من قوة ومن نفوذ إنه يملك المصنع والعمال والخيط والماكنة وأنا عندي قميصٌ غيره خبأته بين كتبي وأوراقي ودفاتري.
هذا الذي شربَ الماء لتوه ليس أنا إنه رجل لعين يتكلم بغير ما يُخفي تحت صدره, وهذه المرأة التي شبعتُ من مضاجعتها لتوي لستُ لها إنها لرجلٍ غيري لا يشبهني ولا في أي شيء لا في الشكل ولا في اللون ولا في الرائحة وإنه بكل المقاييس وبكل التفاصيل يبتعدُ عن مقاييسي وتفاصيلي .
إنه ليس أنا..إنه مخادع ودجال يقولُ للناس بأن اسمه هو اسمي وبأن أمي ولدته وبأن أولادي أولاده وصدقوني إنه غريبٌ عني لا أعرفه ولا يعرفني ولم يسبق لي أن رافقته في أسفاري الكثيرة ولم يسبق له أن تعاقد معي على لبس بنطالي إنه ليس أنا ..أنا لا أعرفه ولا يعرفني ولستُ أدري من هو!.
وهذا الذي لعب في طفولته هنا ليس أنا..لستُ أنا الذي يأكل في هذا البيت ويشرب, وهذا البيت الذي أنام به وأصحو به ليس بيتي أنا إنه لرجلٍ غيري اشتراه لي أو ورثه وأورثني إياه بقوة الوراثة, وهذا الذي يمشي في شوارع القرية ليس أنا..لست أنا..أنا غريبٌ عن هذا العالم هذا العالم الذي أعيش به ليس بعالمي أنا إنّ عالمي أنا يسكنني في داخلي ويعيش في داخلي..لستُ أنا الذي أكل لتوه الملوخية إنه رجلٌ غيري قد أكل طعامه ونهض إلى أهل حارته وتحدث معهم في كلام فارغ وذكر معهم في الأسواق رجلاً يذكرونه كثيرا ويمجدونه كثيرا ويمشون على طريقته في الحياة, إنه ليس أنا.
وهذا الذي يقفُ هنا ليس أنا فأنا لم أقف في هذه الطريق ولم أسلكها ولم أتبع فيها لا شيطانا ولا ماردا..إنه هو الذي سلك هذه الدرب وهو الذي اعتقده الناسُ بأنه أنا , فالناسُ منذ سنين وهم يعتقدون بأنني أنا وهم لا يعرفون من أنا , فأنا الذي انشقت له الأرضُ وأنا الذي انفتحتْ له السماء وأنا الذي ابتلع البحر وأنا الذي أخرج من كتب التراث البراكينَ وأنا الذي هز الأرض تحت أقدام الدجاجلة والسماسرة وأنا الذي جعل الأرض تدور حول وجه حبيبته .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إخراج القرآن
-
ظل الغراب
-
لا تلوموني على كثرة الكتابة
-
بيت جدي
-
نزهة المشتاق في كشف النفاق
-
أسبوع راحه
-
سمفونية الحياة
-
فلسفة الوجود
-
سأعيش أكثر من جلادي
-
فوائد الشاي الأخضر
-
من هو الأفضل؟
-
لعبة الرجل
-
زيادة براغي
-
أسوأ أنواع الاستعمار
-
الكلمات الحبشية في الآيات القرآنية
-
دين الملك
-
بشاره الخوري
-
بالون لميس
-
الفرق إكبير
-
كثر الشد برخي
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|