رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3145 - 2010 / 10 / 5 - 18:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في هذهِ المقالة سأحاول جلب الإنتباه , الى الجزء المهم من الدخل القومي في معظم دولنا البائسة , والذي يذهب في ظنّي هباءاً منثورا , بلا أدنى عائد إقتصادي إستثماري مفيد .
ذلك الجزء الذي يصرفهُ الفرد والدولة أيضاً من أجل ممارسات بعض طقوس الدين والتي يمكن الإستغناء عنها مستقبلاً , لو إزداد وعي المواطن العادي بالمفاهيم الإقتصادية وطرق الصرف والإدخار والإستثمار وما شابه .
والأهم من ذلك , لو فهم الناس معنى ومغزى التديّن أصلاً , وطريقتهِ المثلى في بقائهِ موضوع شخصي بين الفرد وربّهِ , ولا داعي لتدّخل الآخرين وإطلاعهم على تفاصيل تلك الطقوس .
وسوف أتطرق لبلد عربي واحد كمثال على باقي دولنا , وبالطبع سأختار العراق , كونه بلدي الذي أعرفهُ عن كثب رغم إبتعادي عنهُ في العقد الأخير .
****
التدين
يُفترض أن يكون التديّن هو الخضوع لإله الرحمة والمحبّة , وتطبيق أوامرهِ لأجل رفعة النفس البشرية وسموّها , وتعاملها السليم مع الآخر .
لكن للأسف نجد أنّ مفهوم التديّن ملتبس عند غالبية مدّعيه , وعند بعض مناوئيهِ أيضاً .
فالمتدّينون اليوم إتخذوا التديّن كوسيلة للإستعلاء على الناس بحيث وصلوا نقطة اللاعودة في ظنّي ,
فقد أجازوا لأنفسهم التدخّل في شؤون الناس و إصدار الأحكام عليهم .
ويبالغون أحياناً في هذا الإتجاه , وصولاً الى قرار ( قتل الناس ) و إنهاء حياتهم , تطبيقاً لتعاليم يتبعونها .. يدعوّن عصمتها .
***
خطر إقتصادي
لن أناقش في هذهِ العجالة كل تصرفات تلك الجموع الحاشدة التي تدّعي التديّن , فلا يكفي لذلك عدّة مجلدات , لكنّي سأكتفي بذكر بعض الملاحظات الإقتصادية التي تنتج عن التديّن عندنا خصوصاً , نظراً لكون مجتمعاتنا ودولنا هي الأكثر بؤساً مقارنةً مع العالم الحرّ المتقدم .
هذا الخطر الأقتصادي أظنّهُ يخصّ عموم مجتمعاتنا , لذلك فمن المفيد الإطلاع على بعض الأرقام بهذا الخصوص , فقد يدفعنا ذلك الى إعادة التفكير بطريقة ممارسة التديّن , على الأقل بصيغة لا تؤذي إقتصاديات دولنا .
هناك معلومة مهمة سأضع رابطها , تقول أن ثلث الناتج القومي العربي يذهب للفساد .
يقول / رئيس المنظمة العربية لمكافحة الفساد / عامر خياط , للجزيرة
إن المنطقة العربية سجلت إضاعة ألف مليار دولار ( تريليون ) , في عمليات فساد مالي وإهدار للأموال خلال النصف الثاني من القرن الماضي , تُمثّل ثلث مجموع الدخل القومي للدول العربية.
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0DD80CA9-4651-4169-BDD9-B1CB6795C388.htm
هل يحقّ لي الربط , بين تلك الآفة (( الفساد )) , وبين التديّن المزعوم وإستغلال المشايخ والسلطات لمشاعر العامّة بأبشع الطرق ؟؟؟ نعم سأربط
المشايخ المتدينون عندنا يبيحون سرقة الدولة ( الأم ) , لأنّ أموالها ربوّية حسب زعمهم , كما يبيحون سرقة الغربيين لأنهم كفار و أهل حرب , وأولاد ستين كلب , ( حتى لو كنّا مُهاجرين إليهم )
لقد أباحوا الكذب وسموّه سياسة , وجاؤونا بأحاديث تُجيز الكذب في ثلاث , تشمل كل الحياة تقريباً .
ونادوا بالثورة , و زعموا أنّ الإسلام دينًا ثوريًا
ثم راح رجال الدين ( وعلماؤه ) يلومون الشباب , في كلّ تصرفاتهم ويدعونهم الى ما يسموّه , جادة الحقّ والصواب والجهاد وما شابه من شعارات رنّانة .
ماذا كانت النتيجة ؟
الجميع تأذى من تلك التعاليم وخرب الأقتصاد في دولنا وإنهارَ في بعضها , بسبب التركيز على العمل الإيماني ( وحملاتهِ ) , بدل العمل المنتج في الحقل والمصنع , وبدل بحوث المختبرات والجامعات .
****
أرقام عراقية
الزيارة المليونية/ في منتصف شعبان , لأحبتنا الشيعة تكلف حوالي مليار دولار .
الرقم ينتج جرّاء إحتسابنا , خسارة ساعات العمل نتيجة تعطل تلك الجموع عن أعمالها بضعة أيام , بالإضافة الى الكلفة الأمنية لعشرات الآلاف من رجال الأمن و الشرطة والجيش وشركات الحماية وغيرها . و شوفوا كم زيارة مثلها في السنة ؟
( ناهيك عن الخسائر الأهم في الأرواح , بسبب الإرهاب ضدّ الأبرياء الزائرين ) .
مجموع الأيام التي يتوقف فيها العمل لسبب ديني ( مناسبة , عيد , زيارة ,ذكرى إستشهاد ,ذكرى حرب , طبعاً عدا الجُمع ), تصل الى حوالي 40 يوم في السنة في عراق اليوم !
لو إحتسبنا ناتج اليوم ( من العمل ) وحولناه الى مبالغ للمقارنة , سنتفاجأ وربّما نضحك قليلاً ونبكي كثيراً على حالنا وتفكيرنا وطريقتنا في الحياة .
( طبعاً المشايخ يقولون هذا أفضل طريقة إستثمار للآخرة ) ويشبه كلامهم هذا بعض الرسائل التي تصلني متسائلة ألا تُحب أن تكسب مليون حسنة في الدقيقة المربعة ؟
إقرأ كذا آية 70 مرّة ووزعها على 70 صديق وإنتظر 70 يوم .. ويبقى قابلني هههههههه
رابط بعض كلف الزيارات
http://www.annabaa.org/nbanews/2010/07/321.htm
ملاحظة :في محاولتي للوصول الى رقم تقريبي , للمليارات التي أهدرها الطاغية صدام , من قوت الشعب العراقي على حملتهِ الإيمانية ( طبعاً عدا حروبهِ وسرقاتهِ الخاصة)
ومبالغتهِ في بناء المساجد الفخمة , حُبّاً بتخليد إسمهِ وليس لوجه الله ( سيعترض بعثي ويقول وما أدراك بالسرائر ؟ ) ,
وجدتُ الرابط التالي وفيهِ معلومة طريفة يتفاخر بها البعثيون بقولهم أنّ العراق كان البلد الوحيد في العالم الذي فرض غرامة على كل شاب مقدارها 25 ألف دينار إذا حلق شعرهِ بطريقة غربية ( يسموه بريكي أو مارينز ههههه)
وإليكم الرابط بغرائبهِ الكثيرة
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=196254
مثال مصري
غرائب وعجائب إقتصادية فى رمضان الأخير
المصريون يُنفقون على الطعام فى الشهور العادية من السنة 2.5 مليار جنيه شهرياَ ويرتفع هذا الرقم إلى الضعف ( 5 مليار جنيه) فى رمضان .
مُعدّل الإنفاق فى رمضان يرتفع من 50 إلى 100% كنفقات أسرّيه على السلع الغذائية حسبما ذكرت مجلة المصور الحكومية فى 14/9/2010
يعني كلّ الدخل يروح على البطن .
لاحظوا ثانيةً مايلي / المصريون ينفقون 5 مليار جنيه فى شهر رمضان لوحدهِ .
والجدير بالذكر أنّ السمنة المفرطة تحدث في الدول الغنية ( الكويت مثلاً وعموم الخليج )
كما تنال من الفقراء في مصر أيضاً ,نتيجة العادات الغذائية والبدائل الخاطئة.. ماعلينا
لكنّي أتسائل كعادتي :
هل هناك علاقة بين التديّن والصوم والإنفاق والسمنة ؟؟ أنتم ستجيبون
لكن د. سيّد القمني , أجابنا عن تكلفة الحج للمصرين وقدّرهٌ بحوالي 3 مليار دولار سنوياً , فقط لا غير .
وجاء هذا الرقم في مقالتهِ/ كعبة سيناء التي نشرت على صفحات الحوار وغيرهِ .
***
مَنْ المتسبب في الإسلاموفوبيا في الغرب ؟
غالبية المهاجرين المُسلمين في أوربا والعالم الغربي عموماً , بدؤوا يعانون اليوم من نهوض بعض الأحزاب اليمينية , ضدّهم
تلك الأحزاب التي يُسمونها في الغرب (( بالعنصرية )) , لإنّها تنادي بجعل البلد لأهلهِ الأصليين .
في الواقع , لو نادى في بلداننا البائسة حزب بنفس النوع من الدعوات , فلن يتهم بالعنصرية أبداً , بل سيقولون عنهُ هذا وطني وقومي يحّب شعبهِ وبلدهِ وقوميتهِ .
والسؤال هنا / طيّب لماذا حلال لنا وحرام على الآخرين ؟
تصرفات الكثير من المهاجرين السلبية المخجلة , ودعوات مشايخ الإسلام الى التشدد والتزمت والعنصرية , هي السبب فيما يستجد اليوم .
الحجاب والنقاب والمآذن والرسوم الكاريكاتيرية وغيرها , كلّها حجج واهية يستخدمها المشايخ لنشر ثقافة الكراهية , فينقلب السحر على الساحر في النهاية فتنشط الأحزاب اليمينية
لتثبت رؤيتها بسلبية ومشاكل المهاجرين خصوصاً المسلمين .
واليوم نسمع عن محاكمة / جيرت فيلدرز , في هولندا بتهمة إثارة البغضاء
***
قصة قصيرة / عن المهاجرين
في السويد وجميع دول الغرب, يحتاج المرء الى شراء إجازة صيد الأسماك , إذا أحبّ ممارسة تلك الهواية التي تحتاج صبراً طويلاً , ولا أتخيّل نفسي يوماً أقوم بها .
المهم , هذه الإجازة , رخيصة نسبياً والغرض منها ليس فقط جمع المبالغ لرعاية عمليات تربية الأسماك ,
لكن ليحصل الهاوي أيضاً على تعليمات الصيد وشروطهِ وطرقهِ ومواسمه وما شابه .
جماعتنا المهاجرين الهواة , ( غالبيتهم ) يرفضون شراء تلك التصاريح , ولو جاءهم مسؤول البلدية ليحاورهم بهذا الخصوص سيتهمونه بالعنصرية .
اليوم فقط فهمتُ لماذا يُصّر السويدون على إجازة صيد الأسماك .
فلم علمي عن الصيد لساعة كاملة يرينا طرق الصيد والاماكن , والأهم من ذلك نوع السمكة ووزنها , فعندما تكون أقل من وزن معيّن يقوم الصيّاد بسحب السنارة من فمها وإعادتها الى الماء , طبعا دون الحاجة لميزان , العملية تقديرية , فهم يقولون أنّ عمر السمكة ووزنها وبيوضها وكثير من تلك التفاصيل يجب مراعاتها لتستمر البيئة بخير ونحمي ثرواتنا الطبيعية وفي نفس الوقت نمارس هواياتنا ونستفيد منها .
العملية إذن تنظيمية وإدارية تعتمد على سلوك الإنسان المتحضّر .
{ بس لا يجي قاريء محترم , أوّل حرف من إسمهِ/ ناصر علي أحمد السماوي ليقول لي , هذهِ معلومات معروفة , ولم تجاوب على السؤال الأهم / أين يختبيء السمك عندما تمطر السماء ؟ }
في هذهِ الحالة سأحيل تعليقهِ الى جماعة الصفا ( الليبراليين الجدد ) شامل وتي الخوري ومايسترو و البلداوي ومكارم , وكبيرهم سيمون خوري وباقي الأحبّة ,
ليقنعوه بهدوء , فقد قررت شخصياً أنّي لا أصلح لإقناعهِ !
***
الأحزاب الاوربية العنصرية
في كل بلد أوربي اليوم هناك حزب واحد على الأقل , يميني متطرف ضد المهاجرين
في الدانمارك ,حزب الشعب الإشتراكي وقد جادلت رئيستهِ / بيا , الزميلة مكارم إبراهيم
في السويد / الحزب الديمقراطي السويدي الذي حصل على 20 مقعد في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة ,
في المانيا يسمونهم النازيون الجدد وفي فرنسا وبريطانيا مثلها وفي هولندا حزب فيلدرز وهكذا في باقي البلدان .
http://www.fcv2.com/show-2,N-3467-Qatar-Saudi-Arabia-United-Arab-Emirates-Dubai-f-c-v.html
هذا رابط وصلني تواً يذكر فيهِ فيلدرز أسبابهِ للتصدي لبعض المسلمين و ( ليس جميعهم ) .
بالطبع أنا لا أتبنّى أفكار فيلدرز ولن أقف الى جانبهِ ضدّ نفسي وأهلي , لكن !!!
هل نسمع أفكارهم وندخل في جدل معهم ونستفاد من ملاحظاتهم لتحسين أدائنا كمهاجرين ؟
أم نفضّ القضية بجملة واحدة لنقول / هؤلاء عنصريون حاقدون على الإسلام ؟
أسباب تنامي العداء للمهاجرين
أولاً / سلوك وتصرفات المهاجرين السلبية ومخالفتهم لقوانين البلد .
ومشاكلهم فيما بينهم بحيث تصل بعض الحالات الى القتل وجرائم الشرف ,ناهيك عن الزواج الثاني والثالث لبعض الرجال والتهرّب الضريبي والعمل الأسود وما شابه .
ثانياً / دعوات المشايخ وتزمتهم وفكرهم الإرهابي غالباً .
ثالثاً / ضيق البلدان بأهلها وتأثر الإقتصاد وتراجعهِ بسبب كثرة أعداد المهاجرين .
لاحظوا فكرة الغرب التالية :
في القريب سيعقد ,مؤتمر إقتصادي أوربي / بازل 3 , لأجل معالجة مشاكل مستقبلية على غرار الأزمة اليونانية والإسبانية وغيرها
سيخصصون صندوق مساعدات لتلك الحالات .
ويفكرون بالمصادقة على نوع من الضرائب على التعاملات المالية تجمع في صندوق لصالح الدول الفقيرة لمحاربة الجوع ومشاكل الصحة والتعليم .
هكذا يفكرون هم بمواردهم المالية , وهكذا ننفقها نحنُ في أمورنا الدينية .
أخيراً إعترف بعض الساسة العرب , كوزير الداخلية البحريني في مؤتمر وزراء داخلية دول جوار العراق , بأنّ المشايخ يشجعون الإرهاب بل يخلقونه ويصدرونه .
الخلاصة :
مهما حاولت الموازنة في تصرفاتي في بلد المهجر فسوف تبدو متناقضة في النهاية
مرّة تدخلتُ لأنقذ شابة مهاجرة من تحرش مدمن هرم أساء لها
ومرة إضطررتُ للدخول في جدل مع شاب مهاجر , لأنّهُ أزعج بنظراتهِ فتاة سويدية بحيث على صراخها وإتهمتهُ بالتحرش وأنّها ستكلم البوليس .
أريد القول , أنا أحترم تجارب الغرب وحياتهم وحريتهم وإحترامهم وقبولهم للآخر .
لكنّي أحنّ وأشتاق كثيراً لتكون بلداننا البائسة , في ذلك الطريق الذي يقود للتقدّم .
بالطبع سيكون طريق العلم والعمل والنضال والعقلانية وقبول الآخر .
ولن تهمنّي الشعائر والطقوس التعبديّة المُبالغ بها الى أبعد الحدود !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
5 إكتوبر 2010
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟