|
حميد عثمان فى كتابات المناضل جاسم الحلوائى 4
خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
الحوار المتمدن-العدد: 3143 - 2010 / 10 / 3 - 15:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يا حادي العيس عرِّجْ كي أودعهم
بعد الضربة القاضية التى تلقاها حميد عثمان خلال النصف الثانى من عام 1970، تمكن ، بعد جهد جهيد، من عزل نفسه بنفسه ، الى حد كبير، عن الوسطين السياسى والأجتماعى، منزويا فى أربيل . وكانت شقيقتى ( تانيا) الضحية البريئة والأكثر تضررا وحزنا، من هذه الضربة وما تلتها من ظروف، حيث اضطرت الى ترك دراستها فى جامعة بغداد، الى الأبد، والجلوس فى البيت فى أربيل فى ظروف اقتصادية واجتماعية كانتا فى بالغ الصعوبة. لقد حدثت خلال هذه الفترة مفارقات غريبة سأتطرق الى اثنتين منها لاحقا. أخر مشهد ظهر فيه حميد عثمان يطرح أرائه فى مجلس مفتوح بطريقة مألوفة، كان عند حضوره ندوه سياسية فى فندق هورامان فى أربيل بمناسبة اعلان قانون الحكم الذاتى لمنطقة كوردستان من طرف واحد عام 1974 والمرفوض من الطرف الأخر. كان المتكلم الرئيسى فى هذه الندوة (الرفيق نعيم حداد) عضو القيادة القطرية وو.... القادم من بغداد لتسويق هذا القانون، المثير للخلاف، وتقديم الأشخاص الذين تم تعينهم بصفة رئيس وأعضاء المجلس التنفيذى ( أمناء عامين بدرجة وزير من حيث الأمتيازات وتلقي المكرمات السخية فى بعض المناسبات الرسمية). كان دور المواطن العراقى المُدجن، فى مثل هذه الندوات، هز الرؤوس والتصفيق الحاد. ويل لمن يُثير سؤالا يكتنف بالغموض أويُلقى بظلال من الشك. ولكسر حالة الصمت، التى كانت ملقى بجناحها على المستمعين فى فندق هورامان ، يوجه حميد عثمان كلامه الى نعيم حداد ويقول له: ان مشروعكم هذا يشبه مشروع رجل أراد انارة شارع مظلم إكتفى بنصب الأعمدة الخشبية ونسى تعليق المصابيح لتشُع أضوائها لتبديد الظلام، يُعدد حميد أسماء بعض ممن عُينوا بمناصب وزارية ، وبحضورهم، فلان وعلان، هؤلاءأعمدة خشبية لا أكثر واذا أردتم أن ينجح مشروعكم هذا ابحثوا عن المصابيح الحقيقية وعلقوها على هذه الأعمدة الخشبية لكى تتباهوا بمشروعكم........ ( حسب ماسمعته من محمد صديق الذى كان حاضرا فى الندوه بصفته أمينا عاما للزراعة). على نقيض الهدوء فى فندق هورامان كان الوضع فى الميدان ملتهبا، فكانت هدير الطائرات الروسية المقاتلة والقاصفة و دوى المدا فع النمساوية ذات الحشوات المتعددة ومدافع الأستمكان الأيرانية الثقيلة والمجنزرة تصم الأذان وحولت حياة الناس البسطاء فى بيوتهم المنتشرة فى السهول والوديان الخضراء وقمم الجبال العالية وبعض المدن الى جحيم لا يُطاق، كانت حربا شاملة ، بكل معنى الكلمة، تدور رحاها بين طرفين كانا شريكين فى الحكم والمغانم.....الى يوم أمس. ناهيك عن التأثير المدمر للحصار الأقتصادى الحديدى الخانق على المناطق التى كانت خارجة عن سيطرة الحكومةعلى الحيوان والبشر. عندها كنت مهندسا فى معمل الطابوق الحكومى المجاور لقرية (قتوى)، رأيت ، بأم عينى، حجم معانات القروويين البسطاء الذين كانوا مضطرين للمرور عبر سيطرة عسكرية كانت موجودة على الشارع العام الذى يربط بين أربيل ومخمور أمام باب المعمل. كان من بين العا ملين فى المعمل أكثر من عشرة عمال متخلفين عن أداء الخدمة العسكرية الأجبارية، كانوا على الملاك الموقت لم يكُن بالأمكان تعينهم على الملاك الدائم لهذا السبب، تمكنت من اقناعهم بالبقاء والعمل فى المعمل والأهتمام بعوائلهم بدلا من حمل سلاح الغير لخوض معارك خاسرة لا ناقة لنا فيها ولا جمل وتحملت مسؤولية سلامتهم بعد تنظيم هويات مزورة لهم جميعا. كنت أشعر بمسؤولية أدبيه واخلاقية كبيرة تجاههم والمحافظة عليهم لكونهم كانوا من الفلاحين المنفيين، منذ العهد الملكى، الى قرية صيادة جنوب كركوك بسبب اشتراكهم فى ثور ة فلاحى سهل أربيل وكان خالى (عزيز غفور) أحد المحرضين الرئيسيين لهم. وكانت حصته من هذه الثورة المنسية الدخول الى السجن ونصيب والده، امام جامع قرية (قره جناغة) ، الطرد من القرية التى كان يعيش فيها (الملا غفور) والنزوح الى أربيل فى حضن فاقة وعوز شديدين فى أرذل مراحل العم . فى هذه الفترة التى كانت تُسال دماء العراقيين، هدرا لا غير، كان حميد عثمان يقضى معظم أوقاته فى صومعته بين النوم على سرير حديدى أو لف السكاير لينفث دخانها أو املاء عشرات الصفحات بخطه الجميل ليحرق قسما منها و يمزق الباقى ويرميها فى التنكة التى كانت بجانب الكرسى الذى أدمن الجلوس عليه لسنوات طويلة من دون اعطاء أية فرصة لأى شخص كان أن يطلع على ما كان يكتبها، بتأنى، ليلتهمها النار أو السقوط فى تنكة الزبالة حال الأنتهاء من كتابتها. هكذا كانت الأيام تمضى الى أن التقيت بصديقى وزميلى المهندس مهدى أحمد الساقى فى السوق أثناء عودته من رواندوز لينقل لى خبرا أدهشه أثناء مرافقته لقادة عسكريين اصطحبوه معهم الى رواندوز بمروحية عسكرية لأعداد الخطط اللا زمة لأعادة تأهيل وتشغيل الشبكة الكهربائية فيها بأقصى سرعة ممكنة. كان الخبر: نص برقية ايعاز بالقاء السلاح والخضوع للأمر الواقع. التقتطها أجهزة الأنصات العائدة للجيش. هرعت الى البيت ونقلت الخبر حرفيا الى والدى وبعد تأمل قال وبنبرة حزينه: أه يا (رجل) لقد تمكنوا منك هذه المرة لأننى لم أكن خلفك. وأجهش بالبكاء ، واندهشت!!!!!! وقلت له: ياأبى هل أنت تبكى ؟ أجاب : يا ولدى لا أنت ولا ولداه فلا ن وفلان تعرفون ولن تعرفوا ما بينى وبين هذا الرجل وابتعدت عنه لأننى لم استحمل شدة ووطأة هذا البكاء عندها أيقنت بأن الرجال الكبار، هم وحدهم يفهمون أحدهم الأخر جيدا و يختلفون عنا ، نحن الناس العاديون والصغار، بأن حياتهم ليست مملوئة بالأسرار وحدها وانما بالألغازالخاصة بهم أيضا. عندما ابتعدت عنه، وأنا حزين، كنت متيقنا بأن لا أحد من الرجال بكى من الأعماق و بهذه الحراره قبله غيرالشاعر ماني الموسوس عندما كتب قصيدته: لما أناخوا قبيل الصبح عيسهمُ وحملوها وسارت بالدجى الإبل فأرسلت من خلال السجف ناظرها ترنو إليَّ ودمع العين ينهمل وودّعت ببنان زانه عنم ناديت لا حملت رجلاك يا جمل يا حادي العيس عرِّجْ كي أودعهم يا حادي العيس في ترحالك الأجل ويلي من البين ماذا حلَّ بي وبها من نازل البين حل البين وارتحلوا إني على العهد لم أنقضْ مودتهم يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا لمّا علمت بأن القوم قد رحلوا وراهب الدير بالناقوس مشتغل يا راهب الدير بالإنجيل تخبرني عن البدور اللواتي ها هنا نزلوا أجابني وشكا من فجعتي وبكى وقال لي يا فتى هل ضاقت بك الحيل إن الخيام اللواتي جئت تطلبها بالأمس كانت هنا واليوم قدرحلوا شبكت عشري على رأسي وقلت له يا حادي العيس لا سارت بك الإبل ليت المطايا التي سارت بهم ضلعت يوم الرحيل فلا يبقى لهم جمل
#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)
Khasrow_Hamid_Othman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حميد عثمان فى كتابات المناضل جاسم الحلوائى3
-
حميد عثمان فى كتابات المناضل جاسم الحلوائى(2 )
-
حميد عثمان فى كتابات المناضل جاسم الحلوائى
-
فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 5
-
فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 4
-
فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 3
-
فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 2
-
فرمان من فرمانات خال السيد الرئيس 1
-
دعوة عامة للتأمل قليلا
-
عندما كان أمنه غفور غاضبة 2
-
عندما كانت أمنه غفور غاضبة 1
-
ليلتان فى حُضن تأريخ شائك وبعدها 3
-
ليلتان فى حُضن تأريخ شائك وبعدها 2
-
ليلتان فى حُضن تأريخ شائك وبعدها
-
الرجل الذى وهب نفسه لحلم كبير2/2
-
الرجل الذى وهب نفسه لحلم كبير2/1
-
البحث عن طريقة للهروب
-
عندما يعادل البلوك الواحدعشرة دفاتر بعينها
-
الى رجل أصبح.....
-
المدينة التأريخية التى تغيرت ملامحها -أربيل-
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|