الحراك السياسي في مصر والواقع الافتراضي

هويدا صالح
روائية ومترجمة وأكاديمية مصرية
(Howaida Saleh)

الحوار المتمدن-العدد: 3138 - 2010 / 9 / 28 - 17:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الحراك السياسي في مصر والواقع الافتراضي :
زعماء المعارضة في مصر ينقلون صراعهم ونضالهم إلى حجرات البال توك

لقد كان لوسائل الإعلام الحديثة و"النيو ميديا" تأثيرها في الحراك السياسي للشباب؛لدرجة أنه تحول لبديل مكمل أو منافس للتعبئة المضادة التي تقوم بها الحكومة للرأي العام، وهو ما ظهر بوضوح في الحملات الإلكترونية على الإنترنت، سواءٌ لها أغراض سياسية بالدعاية للانتخابات، أو لمرشح ما بعينه، أو لحملات لها أهداف اجتماعية وسياسية كان لها تأثيرٌ واضحٌ في المجتمع ، حتى أن بعض الحملات تطورت إلى مظاهرات ، مثل حملة 6 أبريل عام 2008 ، وقد وجدنا أيضا بعض الحملات لجمع توقيعات أو غيرها من الخطوات العملية التي انتقلت من الحيِّز الافتراضي إلى شبكات الإنترنت للواقع الحقيقي.

وقد جاء النشاط والحراك السياسي الذي انتقل للعالم الافتراضي ، في وقت صار فيه العالم الافتراضي محركا ومحرضا على الحراك السياسي وجبهات الرفض لما هو سائد ، ومقاومة التهميش لدور الشباب ،فمن خلال ذلك العالم الافتراضي عبِّر الشباب عن قصور وفشل أحزابهم التي لم تستطع احتواءهم واستيعاب نشاطهم، ومن هنا توحد الشباب في بعض الحركات التى لا تتبع حزبًا معينًا، وإنما لها أهداف إصلاحية مشتركة، وهو ما جمع عددًا منهم على الرغم من اختلافاتهم الفكرية.
و بعد أن حسم د. محمد البرادعي أمره منذ البداية بأنه لا يراهن كثيرا على الأحزاب السياسية في مصر ، وأنه يراهن على القاعدة الشعبية من الناس ، ظهرت أصوات كثيرة تعلن تحفظها على دعم البرادعي لأنه كما يقولون ليس لديه أجندة سياسية وانتخابية واضحة ، وهنا ظهر دور الميديا الجديدة ، وقد استغلها أنصار البرادعي لتمهيد الوضع له حتى قبل أن يأتي ، فظهر الجدل السياسي في الفيسبوك والمدونات والبال توك وغيرها من الوسائط الجديدة .

ومن أهم تجليات عالم الميديا الذي استغلها السياسيون من المعارضة لتمرير برامجهم الانتخابية ، والترويج لأجنداتهم السياسية ، هو برنامج شات يسمى البال توك ، وهو عبارة عن حجرات حوارية للحوار والتعارف العلمي والثقافي والسياسي والاجتماعي
وقبل وصول د. البرادعي للقاهرة نشط الشباب في البال توك ، وخاصة في الحجرات السياسية مثل حجرة مصر لكل المصريين وحجرة مصر الليبرالية وحجرة التغيير دوت نت للدعاية للبرادعي حتى قبل وصوله ، في الفترة التي اختلف فيها النظام والأحزاب حول إمكانية ترشح الرجل للرئاسة حتى أن حزب التجمع أعلن في بيان شديد اللهجة وصف فيه تصريحات البرادعى فيما يخص الترشح للرئاسة وتغيير الدستور بغير المتقنة، حيث جاء فى البيان الذى حمل عنوان "نحن والدكتور البردعى" أن المناخ العام لن يفرز دستوراً قادرا على الإنطلاق بمصر إلى الأمام، وذلك مع افتقاد انتخابات شفافة مجتمعية تضع الدستور الجديد، ومع وجود تيارات متطرفة فى مواقع هامة، ولعل المعركة المثارة حول حق المرأة فى تولى القضاء خير دليل على ذلك. وأضاف البيان: ويرى التجمع أن فكرة ترشيح‮ "‬كل من يريد‮" ‬لرئاسة الجمهورية هى فكرة خيالية بل‮ "‬غير ديمقراطية‮" ‬لأن ترشيح مليون شخص لمقعد واحد لن يسمح بانتخابات حقيقية ولا باختيار حقيقى‮.‬
راهن البرادعي ليس على الشارع فقط ، بل راهن على الميديا الحديثة ، أفاد مناصروه من
الفيس بوك والبال توك ، بل وصنعوا موقعا أو ويب سايت باسم الجمعية المصرية من أجل التغيير .
نشط الشباب في حجرات البال توك في نقاشات حادة ومتلاطمة مثل أمواج بحر غاضب ما بين أنصار البرادعي وأنصار بقية رموز المعارضة مثل أيمن نور وحمدين صباحي ، وحتى الحزب الوطني والإخوان المسلمين .
نقل الصراع السياسي في مصر من الواقع لحجرات البال توك .
قبل وصول البرادعي لمطار القاهرة بيوم اشتعلت حجرات البال توك بالنقاشات والحوارات ، تواعد الشباب على العام ، وعلى الخاص ، رتب الشباب لاستقبال البرادعي في المطار ، رتبوا لكل شئ حتى اللافتات التي سيحملونها معهم للمطار ، واختلف الإخوان المسلمون مع شباب 6 أبريل ومناصري البرادعي حول الرجل ، وظهر صراع الأحزاب السياسية كما ظهر في أرض الواقع ، ظهر في البال توك ، فقد اتهمت الأحزاب السياسية في مصر البرادعي بأنه لم يعلن عن مواقفه من قضايا محورية للوطن مثل سياسات توزيع الدخل القومي ومكافحة الفقر ومجانية التعليم والعلاج الصحى وحقوق الأقباط والمرأة والفساد،‮ ‬وغيرها من القضايا التى تشكل الاهتمام الحقيقي للجماهير والمصالح الأساسية للوطن،‮ ‬رغم أنه قال وفي كل لقاءاته أنه يسعى للتغيير وأشار وبشكل واضح إلى مشاكل مصر وأهمية القضاء على الفساد والفقر وأن هذا الشعب يستحق حياة كريمة كما أكد على الدولة المدنية وحقوق المرأة والأقليات .

ثم تطور الأمر حتى بدأت روم تغيير دوت نت التي أنشأها شباب 6 أبريل أن يعملوا على استضافة بعض الشخصيات التي لها حراكها في الواقع السياسي المصري ، فاستضافوا نبيل لوقا بباوي ، الذي جاء وتحدث باسم الحزب الوطني ، وتعرض لانتقاد شديد من كل أصحاب التيارات السياسية ، سواء من مناصري البرادعي أو من الإخوان المسلمين . وكأن نبيل لوقا بباوي جاء ليتحمل كل انتقاد يرغب الشباب والناشطين السياسيين توجيهه للحزب الوطني والنظام الحاكم .
وبدأت رموز المعارضة تتسابق على الحضور للبال توك والتحدث للشباب الناشط ، فيأتي حميدن صباحي ويستضاف على حلقتين ، ويبدأ في التحدث عن برنامجه الانتخابي ، وتفكيره في أن يترشح للرئاسة في عام 2011 ، ويتعرض بالطبع لهجوم من قبل شباب الإخوان وأنصار أيمن نور والبرادعي والحزب الوطني ، وهكذا . وبالطبع لا يتردد أيمن نور حين تصله الدعوة من شباب حجرة التغيير أن يلبي الدعوة ، ويأتي أيضا ويناقش الشباب في برنامجه الانتخابي ، ورؤيته لمستقبل البلد وكيف يرى السيناريو المقبل لانتخابات الرئاسة المقبلة .
وتتناقل المنتديات والمدونات ذلك الصراع السياسي الافتراضي وأخباره .
والآن نتساءل ، هل صارت الميديا بكل جوانبها من مدونات وفيس بوك وبال توك محرضا ومحركا للساسة ورموز المعارضة ، أم هي مجرد تفريغ لغضب مكبوت داخل القلوب ، ومساحة من تفريغ شحنات الغضب حتى لا تتحول لانفجار وثورة ؟!!

#هويدا_صالح (هاشتاغ)       Howaida_Saleh#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات