|
ابراهيم الخياط يتحدث بالنيابة عن النبي الصامت
حيدر عبد الرضا
الحوار المتمدن-العدد: 3135 - 2010 / 9 / 25 - 15:47
المحور:
الادب والفن
في كتابة عوالم القصيدة، هل العلامة الحسية تمثل أحيانا ذلك الكم الكيفي في تأسيس بنية خطابها المشروط في أعلى درجات النمو اللغوي والدلالي؟ ثم وعلى أية درجة جزئية تكمن فاعلية المبعوث الاستعاري وهو ينشأ محددا ويرسم له أعلى قابليات الامتلاك التوصيفي، وتبعا لهذا التعريف هل من الممكن حصر ماهية الاقرار بشعرية كيانية النصوص وفق حالة من الاستدلال المنتج، أم ان صفات المنقول النصي من جهة ما تبدو على أتم مواجهة ومديات انطباعية اللحظة المخيالية المكتوبة. من هنا تواجهنا تساؤلات قصيدة (النبي الصامت) للشاعر ابراهيم الخياط، لتكتسب من خلال تضاريسها البوهيمية قيمة شرائطية الحواس المجردة وقيمة توقيع البوح المخبوء خلف متاريس محطات الشاعر الكلامية: كان أنكيدو فتى صعلوكا/ أغرى المليك وأغواه/ برقصتين وحرير الكلام/ ونسج من الخلود المرتجى/ عباءة الأوهام. من خلال هذه المقاطع الاستهلالية من حجم المسافة الصوتية، تتحرك لنا مباعث العلاماتية، لتطرز للقاريء فصولا وأجزاء شبيهة بعدم اكتمال مجالها الاستدلالي، أي ان هناك مكونات انطباعية أولية في ذهن القاريء، توحي بعدم وجود ادراكات تكوينية تشي بقابلية الصنع الدلالي والحسي في النص، غير ان التتابع في عملية التمعن تفصح لنا بأن موضوعة الأشياء قد حلت ضمن فواصل اكمالية فعلية، أي ان ثمة قصدية في تبعات تفكيك المقروء ثم باختزاله من جديد داخل وحدة ربطية قطعية، وهذا بدوره ما نجده في قول الشاعر الخياط (ونسج من الخلود المرتجى/عباءة الأوهام) إذن بهذا نلاحظ بأن فعلية التواصل الحسي في بنية النص المقطعي، باتت تشكل ادراكا حسيا موصولا وحدود أتون الفكرة المسبقة: ويمنح تأريخا/ لعشيرة ألأعوام/ ليرتشف ألأكواب خالصة من الغش/ والاثم المركب/ والحرام - أو ليقاتل في معارك ال ../ ويكتب قصيدته المنيرة/ في الظلام. ان الوصول الي شعرية الاحساس في لغة الأشياء في قصيدة الخياط، لربما قد لا يعوزها سوى تملك المزيد من ضمانات تصديق واقع الحال شعريا؟ فمثلا عبارة(ليرتشف الأكواب خالصة) نلاحظ من خلالها ثمة استدلالات خارجة عن فكرة أولية، الا ان بعد مرورنا بجملة (من الغش) تمنحنا هذه التسمية معادلة تعادلية مصدرها الارتكاز حول نمذجة نقلية خاصة في اظهار التعدد بروح انطباعية التسمية وعنونة المنقول النصي. ان القاريء لعوالم نصوص ابراهيم الخياط بشكل عام، لربما يلاحظ بأن القصيدة لدى هذا الشاعر تأتي على أساس اطار عضوي وتشكيلي، الا ان مجيء هذه القصيدة قد يبدو أحيانا بمثابة تقوقع داخل سياق من المحاكات والتناص، فعلى سبيل المثال، نعاين بأن قصيدة (النبي الصامت) ما هي الا رائحة قادمة من موائد شعرية عديدة وخلطات قولية شائكة، فقصيدة (النبي الصامت) طالما تذكرنا بأجواء قصيدة للشاعر الكبير أبو القاسم الشابي، باستثناء وجود اختلاف قوالبي وعروضي ما بين النصين، كما و وجود اختلاف تحقيبي و تأريخي، مع توفر فضاء التناص في عوالم ابراهيم الخياط، الا هذا لايمنع ولا يحجب من وجود شعرية وأسلوبية وخالقية هذا الشاعر، كما في الوقت نفسه فان القاريء لقصيدة (النبي الصامت) لا يستطيع ان يتبارى وماهية وخصوصية مثل هذا القول المؤثر من لدن الشاعر: (ترى/ أكان يحسن فعل الحروب/ وحروف السلام/ أكان في نومه/ حقيقة ألاحلام) بمثل هذه المقاطع التساؤلية لربما يشعر القاريء بأن المفردة الدلالية قد جاءت فتحا لمجريات مقترب فضاء عنونة ما، وعلى نحو آخر لربما نشعر بأن الشاعر الخياط كان ينشد من هذا فعلا من أفعال الذات الواصفة، ولربما من جهة أخرى، نعاين الشاعر، علي أساس أنه راو يعيد ويهئ ملمحا ارساليا ما الى منطقة الفعل اللا ارتباطي المباشر، فمثلا وبجملة: (ويمنح تأريخا/ لعشيرة الأعوام) نجد بأن سياق النموذج جاء يعبر عن خصوصية ذاتية واضحة الملامح، الا ان ما هو غير واضح في الأمر هو فعل (الأنا المخاطبة) وطاقتها في المجيء نحو رسم أبعاد الصورة والمؤشر الدلالي، وعلى هذا فان أفعال الذات في قصيدة الشاعر، تبقى تشكل حدودا استفهامية تعوزها قدرة ترشيح القول الشعري المناسب، كما ويعوزها امكانية الانفصال عن ضفاف ما هو من التناص والمحاكات من اللغات الأخرى. وعندالتدقيق من جهة أخرى نعاين في قصيدة الشاعر الخياط، بأن هناك ثمة اختلافية مابين حجم صوت المقولة الشعرية الواردة في القصيدة و مابين أفق متن كلام الراوي، وأمام هذا التصعيد منا لمستوى مبنى كلام البنية الشعرية، نجد ببساطة، بأن الشاعر الخياط، عندما يشرع ويفكر في كتابة القصيدة، تلازمه فسحة تأملية لالقاء كل ما قد كتبه في هذه الورقة، أي ان الشاعر يبقى أسير عوالمه الارتجالية مثلا، ومن خلال هذا الشكل نرى ثمة اختلافية كبيرة بين ما هو معد لغرض القراءة المنبرية وما هو معد للقراءة فقط، وتبعا لهذا نجد بأن قصيدة (النبي الصامت) قد وقعت في اشكالية المقروء وثغرة الصوت التأملي للمعاينة: أكان في بيته ماكنة الأفلام/ ويعرف المشاهد اللاحقة وعقدة الرواية/ ولقطة الختام/ أكان في جيبه مسبحة الأيام أم كان نبيا صامتا/ فباعنا قبل آلآف قليلة/ وخلف العشبة المسروقة/ راح ونام. هكذا هو الأمر مع قصيدة ابراهيم الخياط، نلاحظ بأنها تلقي أحمالا ثقيلة ولكن بكلمات خفيفة وسهلة جدا، حتى ان الصورة الشعرية لديه أضحت تتخطى حدود صوتية الأشياء، وتتجاوز لحظة (احتفالية القصيدة) بيد اننا وجدنا الخطاب هذه المرة يعبرعن لحظة الأفعال المنجزة دون سابق تمهيد، وفي هذا المقطع الختامي من زمن القصيدة نرى تلاشي تلك الاختلافية التي تحدثنا عنها سابقا وفي فقرات سابقة من قصيدة الشاعر، الا ان الأمر الآن بات يجسد أن ثمة علاقة متجانسة بين ما يقوله الشاعر وعاطفة الصورة الشعرية، حيث يتم فيها تفعيل المحسوس برؤيا تنتج ممارسة فاعلة في فن القول وعروضه، وهذه العلاقة تبقى بدورها مرتبطة باستمرارية فعل (العلامة الحسية وانطباعية التسمية) وعلي هذا سوف تبقى فكرة قصيدة (النبي الصامت) صورة افتراضية تستحضر صوت الأشياء والتأريخ من بعيد، غير ان صوت ضمير الشاعر هو من يغطي ويستقرب هذه الأبعاد من خلال صوت (أنا الشاعر). اذن هذا هو شعر (ابراهيم الخياط)، شعر فيه الكثير من الدلالات والاختلافات مابين فضاء (القصيدة المنبرية) وبنية القصيدة المقروءة، وهذه الاشكالية هي ما قد وقع من خلالها خطاب قصيدة (النبي الصامت)، غير ان هذا لايمنع من ان تكون قصيدة ابراهيم الخياط كتجربة شعرية تشعرك بتحايل الكلام علي التخييل، كما وتشعرك بخفاء متوطن في العبارة، وسر في ثنايا العلن، واندغام الكلام في الكلام، انه أحيانا يقول كل شيء وفي اللحظة ذاتها يحتفظ بكل شيء، انه أيضا يحتفظ بمفاتيح أسراره ومغاليقه، حيث تولد قصائده أحيانا بمخالب متوحشة وأحيانا أخرى نجدها بخدود وشفاه متوردة، قد لا يفهمها أحد غيره، ولا يدركها سوى من كان قاصدا مدينة فعل القصيدة الجادة.
#حيدر_عبد_الرضا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوطنية في شعر ابراهيم الخياط
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|