أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن_العلوي المغربي - وهج القفلة في أضمومتي المبد،حسن البقالي،الرقص تحت المطر و مثل فيل يبدو عن بعد















المزيد.....


وهج القفلة في أضمومتي المبد،حسن البقالي،الرقص تحت المطر و مثل فيل يبدو عن بعد


حسن_العلوي المغربي

الحوار المتمدن-العدد: 3135 - 2010 / 9 / 25 - 01:08
المحور: الادب والفن
    



القصة القصيرة جدا تشبه شحنة كهربائية،فقد تكون خفيفة للغاية بحيث لا تحس، و تلك سمة النصوص البسيطة ذات الاستعمال الوحيد،التي تقرأ و تنسى غير مخلفة أي أثر يذكر،و قد تكون قوية بحيث تهز القارئ هزا،و تؤثر فيه تأثيرا بالغا،يدوم لفترة طويلة،يرفع الحجب و يغير النظر،و تلك سمة النصوص الرفيعة..
و نصوص القاص المغربي القدير،حسن البقالي،تنمي للنوع الأخير،فكتاباته ترقى باللغة و تتميز بالعمق و الجدية.
حسن البقالي،مبدع حقيقي ،يعد من الرواد الذين يحملون المشعل،يسعى إلى إبداع نصوص خالدة تقاوم الزمن،و تبقى قابلة للتأويل دائما،مهما اختلفت المرجعيات باختلاف الأزمنة و الأمكنة،و هو ما يؤكده الناقد المصري،الدكتور عبدالغفار مكاوي،في الصفحة الأخيرة من أضمومة (مثل فيل يبدو عن بعد) ،
تعمد نصوصه في الأضمومتين معا،على كشف خبايا النفس البشرية في نزواتها و ميولها،حيث شكل أسلوبه المميز إرساء مدرسة أدبية خاصة به،لتميزه في تقنيات السرد عن غيره.
كما أن تجربته تشكل إرهاصات لمد جديد في فن الكتابة القصصية ستؤثر حتما في الأجيال القادمة،و هي بلا شك،بصمة لا تزول بعامل الزمن في حقول الآداب العالمية.
إن القاص في نصوصه،يتغلغل إلى أعماق الذات الإنسانية قصد استجلاء هشاشتها،وما تختزنه من شر و كم هائل من الرغبة في التدمير،تدمير الخارج الذي إما يعيق إشباعها،و إما أنه يساهم في عرض غزارة الإشباع لدرجة الحرمان.
و من بين العناصر الدالة على حضور التدمير تيمة الموت،حيث يحضر الحديث عنه في مختلف تجلياته التي يبقى العنف أحدها،و هو الوجه الثاني للحب.
فالعنف في فريديريش ماور(أنا فريديريش ماور أريد...،ص6_7)،من أضمومة،(الرقص تحت المطر) ما هو إلا شكل من أشكال العبادة و تجل من تجلياتها.
عنف و قسوة من طرف الفاعل يقابله استسلام من قبل الضحايا.فالأول أتى و هو يعرف لماذا أتى،كما أن العرافة،في نص،(غروب،ص8)من الأضمومة نفسها، سارت نحو حتفها و قد رأت السكين و تجاهلتها..
كل ذلك في سرد رائع و لغة مقتصدة محكمة السبك.معتمد على الكثافة و المفارقة و الشاعرية،مع اعتماد العين الإبداعية اليقظة التي تقتنص اللحظات الرائعة الناطقة بغور الوجدان و أسئلة الذات التي لا تنتهي.

و سنعمل على مقاربة أضمومتي حسن البقالي،(الرقص تحت المطر)*،و( مثل فيل يبدو عن بعد)**،بالتركيز على القفلة بخاصة.
و أول نص يصادفنا في المجموعة الأولى،يحمل عنوانا دالا و معبرا،(دمى روسية،ص5)،حيث كل دمية تخفي صورة مصغرة عنها و هكذا دواليك،إلى أن نصل إلى الدمية الأكثر صغرا،و هي هنا،القصة القصيرة جدا.و نجد الأمر ذاته في نص( عبق عابر،ص66)،الذي سنقوم بتحليله بشكل أوفى،حيث نجد أن الصبية تلعب دور القصة القصيرة جدا،التي ما إن تبدو حتى تغيب،كما نجد في المجموعة الثانية نص ،(نقطة،) الذي يعبر عن الانتصار لهذا الجنس الوليد،بدفعه إلى واجهة الإبداع،و انتزاع الاعتراف به من طرف النقاد..و لا يكتفي القاص بذلك،بل يقدم بيانا في بداية الكتاب يدافع فيه عن اللون الادبي الجديد و ينتصر له ضد كل تهجم غير مسوغ،أو إقصاء غير مبرر،صص5_10
و النصوص القصصية التي تحتفي بالجنس الجديد و تشتغل عليه يمكن وسمها بالميتاقص.
و سنجعل شغلنا و اهتمامنا ينصب على القفلة لما تتميز به من خصائص فنية رفيعة بشكل عام،ومن توهج و ادهاش و متعة بالنسبة لنصوص حسن البقالي ،بشكل خاص.
اذ هي دعامات الكتابة القصصية المميزة لنصوصه ضمن عناصر أخرى مهمة،تشكل المعمار العام و البناء المتين لمجموعتيه،(الرقص تحت المطر)،و( مثل فيل يبدو عن بعد)،.
إن الدخول إلى قصر بديع الكتابة القصصية لحسن البقالي يتطلب اختيار الباب الأنسب من بين الأبواب الكثيرة و المتاحة،و منها باب القفلة،التي وجدنا أنها تتميز بالتنوع و التوهج و الإبهار إضافة إلى الفائدة.

القفلة المنطقية

و نقصد بها تلك القفلة المرتبطة بنص يعتمد في بنائه على التشكيل الدائري،بحيث ان كل جملة أو فعل يكون نتيجة منطقية للذي قبله،و في الآن ذاته مولدا للذي بعده،أي يكون سببا و نتيجة في الآن نفسه،في وشيجة قوية و سبيكة دائرية تترابط أجزاؤها بصلابة المنطق.فإذا تم حذف جملة واحدة انهار البناء برمته،و تداخلت الأسباب و النتائج بشكل غامض،و فوضوي..
من بين النصوص الدالة على حضور هذه المسألة،(لانهاية،ص17)،(دم السلالة،ص28)ن(نبوءة،ص39)،(قطرة،ص42)،من أضمومة،(مثل فيل يبدو عن بعد)،و (حقول الممكن،ص59)،(توهان،ص50)،من أضمومة الرقص تحت المطر..
فنص (توهان)،مثلا،ينتقد بقوة التطور الصناعي،حيث تبرز الآثار السلبية للمعالجة الكيماوية على صحة الانسان و على التوازن الطبيعي بشكل عام..
يقدم لنا النص مشهد طيران النحل في البراري،لا بحثا عن الرحيق،و لا لأنها قريبة من خفيرها،و لكن لسبب منطقي مؤثر هو المصنع الكيماوي الي أثر فيها تأثيرا بليغا،لدرجة جعلها تفقد إحساسها بالمكان.العلاقة وطيدة بين المواد الكيماويةو فقدان النحل لدوره الطبيعي،فهي التي تيقف وراء اختلاله بعد أن كان يعيش حالة توازن رائعة و انسجام بليغ.منذ ظهور المصنع فقد النحل حضوره و لم يعد يقوم بما أوكلته به الطبيعة،فتدخل الإنسان كان حاسما في الإخلال بالتوازن الطبيعي،و هو ما سينعكس سلبا عليه.
النحل يقدم العسل،العسل شفاء و صحة.
المواد الكيماوية للزيادة في الإنتاج و تحسين الجودة،المواد الكيماوية تخل بالتوازن،الإخلال بالتوازن يعني الموت..
اذن نحن أمام مقابلة بين الموت و الحياة،و على الإنسان الاختيار..
إن الهدف المطلوب انقلب إلى نتيجة مرفوضة..
قد يبدو الأمر عاديا،و مألوفا للجميع،غير أن البناء كان رائعا و هنا،تبرز قيمة الأدب الذي يحول المألوف إلى مدهش و صادم،لأنه يمنحنا الكشف بما يعنيه من إزالة الغطاء و إبراز الأمور بشكل أوضح،فتسقط الأوهام..
فأين يظهر البناء الدائر؟
الجملة الأولى هي نتيجة لما بعدها،و بالتالي تصح أن تكون في النهاية،غير أن ورودها في البداية كان قصد حث مخيلة القارئ على التوقع و طرح الأسئلة،لم ظلت النحلات تحوم في البراري؟و قد جاءت نقط الحذف للدفع بالسؤال إلى حدوده القصوى،حيث من المفروض على القارئ أن يملأ البياض و يساهم في فعل الكتابة بخروجه من دائرة القارئ السلبي إلى دائرة القارئ المنتج..تأتي الجمل اللاحقة كنوع من البحث عن الأجوبة للسؤال المطروح،ما السبب؟
تتعدد الأجوبة،بنفيها،لا بحثا و لا قربا من الخفير،و إذن،لمه؟
و هنا يأتي الجواب،لأن مصنعا كيماويا بني بالقرب..
إعادة بناء النص بعد القراءة سيكون بالشكل التالي،بناء المصنع أثر في النحل،النحل بفعل التأثير الكيماوي فقد الإحساس بالمكان،النتيجة،لم يعد ينتج العسل..
هكا نجد أن البداية هي النهاية و أن النهاية هي البداية..
فما جاء في الجملة الأولى هو نفسه الذي جاء بالجملة الأخيرة مع دلالة توضيحية و هي تضييع الجهات،و يكون القارئ على علم بسبب تضييع هذه الجهات..
‘إن النص استفزازي و صادم في الوقت ذاته،لأنه يدفع المتلقي إلى التساؤل و لا يهادنه بمنحه الأجوبة الجاهزة،توريط لذيذ قصد البحث عن علاج للمسألة قبل استفحال الأمر
إننا في مواجهة الموت،و علينا إدامة الحياة،و لا يمكن أن يتحقق الهدف إلا عبر الإبقاء على توازن الطبيعة..
و قد وظف السارد جملة رائعة و معبرة عن هذا الإحساس بالاختلال(ألهب نومها بالكوابيس و ضيع كل الحواس)،و هي جملة دالة على بصمة المبدع حسن البقالي و المعبرة عن خصوصيته و تفرده و الحاضرة بمجمل نصوصه..
فالجملة إياها،جمعت بين عنصرين حادين و مؤثرين بقوة،ألهب المرتبطة بالنار،و الكوابيس المفقدة للنوم المريح و الصحي،و النتيجة المنطقية،هي إفقاد النحل حواسه،بمعنى الضياع..الضياع الخاص و العام.
القفلة الساخرة

و هي قفلة تحضر في نصوص عدة منها،(البطل،ص 34)،(قائد محك،ص 35)،(عقدة ابن المعتز،ص
)31)،(استيهام،ص 36)،(جد و حفيد،ص 37)،من( اضمومة ،مثل فيل يبدو عن بعد
و ،(على الشاطئ،ص 62)،من( اضمومة،الرقص تحت المطر)..

قصة (البطل)مثلا،تتشكل من جملتين فعليتين ماضيتين،و شبه جملة و جملة اسمية،الجملتان
الفعليتان تفيدان خوض المعركة و إحراز النصر،مما يحقق للذات الشعور بحلاوة
الفوز..لتاتي شبه الجملة فاصلة بين حدين،أي بين الجملتين الفعليتين و الجملة
الاسمية،بطريقة مدروسة و ذكية تشير بطرف خفي إلى تغير في الحركة و المعنى..إن
الاستيقاظ فعل يخبر بالفعل الذي قبله ألا و هو النوم،و بما أن النوم هو المساحة
السابقة و المولدة للأفعال المذكورة فإننا نحس أن السارد قد أوحى بالقفلة قبل ورودها،و اعتمد على
إدراك القارئ للقبض عليها،بمعنى،أن الجمليتين الاوليين اللتين تحملان قيماايجابية،خوض الحرب و تحقيق الانتصار،ما هي إلا أحلام راودت الرجل أثناء نومه،و أن
لا علاقة له بالبطولة،لا من قريب و لا من بعيد.و تأتي القفلة الساخرة لجر قطعة
الدومينو فينهار البناء و تتبدى السوءة،و تتجلى الحقيقة واضحة ..فالبلل الذي أطل من
سرواله لايدل إلا على أنه جبان،و بالتالي،يكون العنوان مناقضا بشكل ساخر لخاتمة
النص:بطل=جبان
إنه اللابطل،إذ البلل فعل مرتبط بالمنطقة السفلية للانسان و دالة على ما هو
سلبي،في حين البطولة مرتبطة بالاعلى و دالة على ما هو ايجابي..
إن القفلة الساخرة وردت و كأنها تقوم بإدارة مؤخرتها للاستهزاء بمثل هذا الرجل الذي
يمارس بطولته نوما و لا يحققها...
و الأمر نفسه ينطبق على نص(قائد محنك)
إنه القائد الذي يقود إلى الهزيمة،لا إلى النصر..
كما أن نص(استيهام)يحفر يحفر المجرى نفسه و يكتب السقوط ذاته،فعبد الودود سيدرك
تفاهته في الوجود و يقوم بوضع حد لحياته،و تكون القفلة ساخرة و هي ترسم فعل
الانتحار..
أشير إلى خاصية أخرى تحضر في مجمل نصوص المبدع حسن الباقلي،و أقصد بها تلك البصمة
الخاصة التي تميزه عن غيره من كتاب القصة،إنها تلك الجمل البلاغية الرائعة في
تشكيلها و القائمة بدور جمالي و دلالي..،تشبه في حضورها حضور المخرج
القدير،هيتشكوك،في أفلامه بشكل سريع،من نماذج ذلك ،(الحرب هي غائط البشرية)،(أنه و
رفاقه من حملة السلاح ديدان معوية)،(أرقه..أنه مجرد دودة ضئيلة تستوطن الغائط)،و هي
جمل عبثية تشير إلى رفض الحرب و القرف منها،صاغها المبدع بشكل طريف تومئ للقفلة و
توحي بما سيحدث قبلا دون مباشرة أو تقريرية،معتمدا في ذلك على فطنة القارئ و
حدسه،(أن يعفي العالم من وجوده)،و هي جمل تقول إن الرجل يدرك عبثية الحياة القائمة
على الحروب،و يدرك ضآلة وجوده،و بناء عليه تحضره الرغبة بالإنتحار،قصد تخليص نفسه و
العالم من الشرور و الزوائد...

القفلة المدهشة و المبهرة

و هي القفلة التي تجعل القارئ يشعر بقوتها و روعتها و ما تكتنزه من جمال،فرغم أنها تخيب أفق انتظاره إلا أنها تمتعه فيقف وقفة المندهش كتعبير عن حالته الشعورية المنبهرة..
و من بين النصوص التي تمتلك هذه الشحنة القوية،(هذا المساء،ص 19)،من أضمومة،(مثل فيل يبدو عن بعد)،و(عبق عابر،ص 66)،من أضمومة،(الرقص تحت المطر)
يقدم لنا النص،من خلال جملته الاسمية الأولى،مشهدا يتضمن شخصيتيه المحوريتين،رجل و صبية،بينهما اختلاف حد التنافر من حيث الجنس و السن،صبية صغيرة السن،مقابل،رجل ناضج.
تقوم الصبية بعدد من الأفعال المرتبطة بسنها،التنطط،الترنم،و التحديق بعينين رائعتين،إنها أفعال تدل على البراءة و الجمال و الإقبال على الحياة بطهارة..
تنطبع الجمال في نفس الرجل،فيعبر عن ذلك بجملة اسمية ناقصة(صبية حلوة)،و نقص الجملة كان بهدف و جيه و بليغ،و ذي دلالة عميقة،إنه النقص الذي يشعر به الرجل من جهة،و الفعل الناقص الذي يمكن أن يرتكبه في حق الصبية من جهة أخرى.
و تكرار الرجل للجملة بشكل أكثر نقصا،(صبية...)،تعبير عن قوة انطباع القتاة في نفسه و مدى تأثيرها عليه،و في الآن ذاته تلك الرغبة في التهامها.إننا أمام رجل يشتهي صبية صغيرة السن،حلوة و جميلة،بالنسبة إليه،تشبه حلوى تتطلب الالتهام،مما يعبر عن نفسيته المعقدة و كبته المزمن.
و تظل الكلمة مرتسمة على صفحة نفسه ناقصة،لأن غياب الصبية من مجاله الحيوي مخلفة عطرها فقط،يفيد أحد أمرين،إما أن الغياب كان ماديا و فعليا،و إاما كان معنويا فقط،بما يفيد انتهاكها و اغتصابها..
القفلة هنا مدهشة و صادمة،و تجعل المتلقي يتساءل عن معنى الغياب،يعود إلى النص يسائله و يبحث في ثناياه عن أجوبة مقنعة،بعد الهزة التي أحدثتها الوقائع و القفلة معا في نفسه..
إنها قفلة ذات شحنة قوية لا تفقد ألقها حتى بعد إدراكها و بلوغ مرماها..
و للنص قراءة أخرى أشرنا إليها في البداية،و نقصد أن الصبية قد تكون القصة القصيرة جدا و بالتالي يكون النص داخلا في ما يمكن تسميته بالميتاقص.

القفلة المراوغة

و نقصد بها تلك القفلة التي تأتي بغير المتوقع،و تجعل القارئ كحارس المرمى يرتمي في الجهة المخالفة لمسار الكرة لحظة قذف ضربة الجزاء.
فالنص المعتمد على مثل هذه القفلة،يزرع في طريق القارئ إشارات ملتبسة تجعله يطمئن إلى النهاية المنتظرة و المتوقعة،لكن القفلة تباغته من حيث لا يحتسب،حيث تسقط كل توقعاته،و يدرك بعدها أنه خدع،و أن النص كان مراوغا،إنه الخداع الجميل الي يمتع و يغني،لا الخداع الي ينفر .
و هي قفلة تحضر بالعديد من النصوص،منها،(استدراج،ص13)،(علاقة،ص12)،من أضمومة،(الرقص تحت المطر)،و(الفنان،ص21)،من أضمومة،(مثل فيل يبدو عن بعد)
فنص(علاقة)،يمنح علامات طريق زائفة،و ملغزة،يسير على هديها ،ليجد نفسه في الأخير متورطا في القراءة غير الصائبة،لأن القفلة تأتي بغير الذي وصل إليه اعتمدا على تلك الكلمات الدليلية المورطة.إن النص يزاول مع القارئ لعبة الاستيهام،ينبت كلمات تجعل القارئ يعتمدها لاسقاط رغباته الثاوية في لاشعوره،ليستيقظ على صدمة تعيد إليه وعيه،ليدرك في النهاية مدى تورطه في القراءة الرغبية لا النصية،إنه نوع من المراوغة الجميلة و الصادمة في الوقت عينه..
و الأمر نفسه نجده في النصوص سالفة الكر.
القفلة الجامعة

توضيح قبلي،إن كل النصوص تشتمل على الإبهار و الإدهاش الصادم،و السخرية و المراوغة..غير أن مهيمنة ما تطغى على الاخريات،أما هنا،فإننا نجد تكاملا بين كل تلك العناصر السابقة.
ماذا نقصد بالجامعة؟
نقصد بها القفلة التي تجمع كل مواصفات النجاح،من إدهاش ,وروعة،و جمال،و دقة و بعد خيال..
إنها القفلة التي تأتي في النهاية كتتويج لنص بني بإحكام،و مهارةو إتقان.نص سارت أحداثه بانسيابية كماء نهر عذب،يروي عطش القارئ،فيمتعه بمائه الزلال،و ينتزع منه ابتسامة كتعبير عن امتنانه و عن ما تمتلكه تلك القفلة من حدة و جدة و بعد خيال،بالإضافة إلى المهارة و الحذق في الكتابة.
و لعل من أبرز النصوص الممتلكة لهذه الخاصية،دون نزعها عن بقية النصوص الأخرى،(قراءة نوعية،ص 18)،(تحول،ص 49)،(الفراشات،ص 80)،( لقاء،ص20)،من أضمومة،(مثل فيل يبدو عن بعد)،و (لقاء،ص32)،(حوار،ص28)،(سقوط،ص29)،من أضمومة،(الرقص تحت المطر).
بالنسبة لنص حوار،يوحي و كأن الأطراف المتحاورة ستنضبط لشروطه،و انها ستصل إلى نقط اتفاق بعد سلسلة من تبادل الأفكار و البراهين و الحجج،إذ بهذه الطريقة يمكن تجسير هوة الاختلاف و الوصول إلى نقط مشتركة مقربة.غير أن النص يفاجئنا بقفلته المخيبة للتوقع و التي تقول إن الحوار قد آل إلى الفشل.و قد قدم السارد سلسلة من الأفعال التي تصب في مجرى اللاتفاهم(مصراعيه،جحافل،الشتائم،القبضات،العصي،الكل اب المدربة،و شهوة القتل)،و هي مفردات تقف على النقيض من كل تفاهم أو رغبة خلق حوار منتج و فعال،يذوب الهوة و يقرب الأطراف..إننا في مواجهة مشهد عربي بامتياز،يبين أن القصد منذ البداية هو الوصول إلى كسر الحوار لا بنائه،و قطع أوصاله عن سبق إصرار و قصد..
حوار=اللاحوار
الحوار هو في النهاية هدم لا بناء
منطلقه هو منتهاه.
إن النص يضعنا أمام مشهد كاريكاتوري للمنطق الذي يسود الحوار العربي،فما إن يبدأ حتى يتفكك،أي يسير بالضد من غاية إقامته
أما بالنسبة لنص( لقاء)،فإنه يقدم لنا طبقا من المتعة و الادهاش،فتتبع أحداثه توصل إلى قفلة تتوج النص بالإدهاش و الروعة،كل ذلك بانسيابية و بساطة مبهرة.إن النص قصيدة مدح في تمجيد الفن،باعتباره العنصر الأكثر خلودا،مادام يتوفر على كل شروط الفن الرفيع التي تضمن له البقاء.إنه أنشودة حقيقية في تمجيد الفن الحق،و اعتباره ما سيبقى حين يموت الإنسان.
إن الفن،ابدا،لن تصله يد العدم،لأنه ،ببساطة،فوق الموت،لا تحت قبضته.
الموت يقابل الحياة
الموت يطلب الحياة
الموت يتغلب على الحياة
الموت يطلب الفن
الفن يتغلب على الموت
الفن هو الحياة
قد يعيش الإنسان لمدة طويلة،و في النهاية يتعرض للفناء،و قد يكون خالدا دون أن يحس به الإنسان،لكن الفن يظل صامدا و نافعا و ملموسا

القفلة العالمة

القفلة العالمة،و هي القفلة التي تأتي مدهشة و تبقى جذوتها مشتعلة بعد إعادة القراءة
إنها قفلة عالمة لأنها تدعو القارئ إلى تجنيد معارفه لإدراك أبعادها.
أيام العرب
تشير إلى تلك الصفحة من تاريخنا المليئ بالصراعات من أجل الحياة،في صحراء البقاء فيها للأقوى
و يمتد هذا الصراع ليطبع تاريخنا الحديث حيث عوامل الفرقة و الصراع على أشديهما
و تأتي كلمة السكر لإضافء بعد التزييف على هذا التاريخ حتى يمكن استساغته و شربه
إننا أمام تزييف التاريخ و تقديمه بصورة جميلة هي غير صورته الحقيقية
القفلة المراوغة
يضعنا نصيص حسن البقالي (قصةبوليسية تحدث كل يوم)
أمام المعادلتين التاليتين
مواطن-شرطي=اللاأمن
مواطن+شرطي=الأمن
لا لإعادة إنتاجهما و لكن لإعادة تركيبهما بطريقة فنية رفيعة تدين غياب الأمن بجمال،حيث نحصل على المعادلة التالية
مواطن+شرطي=اللاأمن
نحن أمام مشهد يحدث كل يوم على وزن يحدث في مصر الآن
شخصان يعترضان سبيل مواطن بحوزته مال
الشخصان يعرفان أنه يحمل النقود
الوضعية المتأزمة للمواطن تدعوه للبحث عن مخرج لتحقيق التوازن
غير أن برنامج الرجلين السردي يقف بالمرصاد لأية محاولة
يقوم المواطن بمجموعة من التصرفات القصد منها النجاة،و هي في معظمها سلبية تدل على قزميته و عملاقية الرجلين_و كأننا أمام كاميرا تعرف كيف تنقل الحدث بفنية و تعبيرية كبيرتين_
يأتي الحديث عن الشرطيين في القفلة لا ليعيدا التوازن المفقود للأمن بل لتأكيد انعدامه
إنهما منشغلان بكيفية صرف ما سيحصلان عليه من مال
الجميل أن القفلة ،و هي الفاجعة، جاءت لتعميق الجراح و تنتقد الوضع بانسيابية و هدوء رزين
يحضر في حديثهما المتعة و يحضر في أنين المواطن الألم
تماثل عدد اللصوص مع عدد الشرطة يؤكد على تداخلهما و انسجامهما
النتيجة
اللصان=الشرطيان
إن القارئ سيظن أن وجود الشرطيين سيقف بالمرصاد لرغبة اللصين،غير أن القفلة ستراوغه و تخيب انتظاره،بجعل النهاية على عكس التوقعات.

خلاصة
-أن القفلات التي تم رصدها ليست نهائية،فهناك قفل أخرى يمكن للقارئ استخراجها،كالقفلة اللولبية،و القفلة المنفتحة،و القفلة المنغلقة،و غيرها.
-أن التسميات قد يتفق معنا القارئ فيها و قد يختلف،لكن المؤكد أنه سيكون مقتنعا بجمالها و براعتها و تنوعها و إدهاشها.
أن المبدع حسن البقالي،ينفر من التنميط و الإجترار،و يميل بقوة،إلى التجديد و الإبتكار.-
-أن التنويع خاصية الأضمومتين،و هذا يدل على خيال الكاتب الواسع و قدرته على الإتيان بالأروع و المدهش
و عليه،نقول إن الكاتب يغير في البناء و العبارة و التركيب و القفلة،كما يغير في النظر و الرؤيا و التخييل..حتى يستشف ما وراء الواقع فيما هو يحضن الواقع،إن القصة تصبح رباطا خلاقا بين الحاضر و المستقبل،و تجمع بين الحضور و الغياب،و الزمن و الأبدية،و الواقع و ما وراء الواقع...
ونترك للقارئ فرصة الاكتشاف و التمتع.

*الرقص تحت المطر،حسن البقالي،دار سندباد للنشر و التوزيع،الطبعة الاولى،2009
**مثل فيل يبدو عن بعد،حسن البقالي،دار سندباد للنشر و التوزيع،الطبعة الاولى،2010



#حسن_العلوي_المغربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باقة نصوص قصيرة جدا
- لذائذ ق ق جحس
- مقاربة تحليلية لرواية معمر بختاوي/أطفال الليل
- عطسة و ينفض الجمع قصة قصيرة جدا
- مشاهد من شرق الارض و مغاربها 8 9 10 11 12
- و نداولها بينكم قصة قصيرة جدا
- مشاهد من شرق الارض و مغربها 7
- مشاهد من شرق الارض و مغربها 6
- مشاهد من شرق الارض و مغربها 5
- مشاهد من شرق الارض و مغربها 4
- مشاهد من شرق الارض و مغربها 3
- مشاهد من شرق الارض و مغربها 2
- احتفال.. قصة قصيرة جدا
- مشاهد من شرق الارض و مغربها 1
- مشاهد من شرق الارض و مغربها/مسك الختام
- أمل.. قصة قصيرة جدا
- طنين.. قصة قصيرة جدا
- وتلك فتنة الحياة قصة قصيرة جدا
- ..ضد مجهول..
- فاكهة محرمة..


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن_العلوي المغربي - وهج القفلة في أضمومتي المبد،حسن البقالي،الرقص تحت المطر و مثل فيل يبدو عن بعد