|
أسميك حلماً وأنتظر ليلي*
زياد جيوسي
كاتب واعلامي
الحوار المتمدن-العدد: 3134 - 2010 / 9 / 24 - 10:31
المحور:
الادب والفن
تشدني نسمات الشوق لرام الله، فأغادر (سيدة الجبال والسهول والوديان، عمّان) بعد أسبوع من العناقِ (باتجاه ما تبقى من البيت)، أحلم أن أعانق مدينة العشق والجمال، أجول دروبها (لأروي شجرة الياسمين حتى تظلل أسماء الشهداء)، فتصل الحافلة إلى النهر المقدس، فيغلق الاحتلال بوابة العبور، وتضمنا الحافلة مع صراخ الأطفال، ومع تأفف النساء، ومع تعب الشيوخ، فأحلم بطيفي، أهامسه، ففي ساعات تمر لا تلوح لها نهاية، وحافلة مغلقة كزنزانة، أحلم بفنجان قهوة ولفافة تبغ، ففي الحافلة المغلقة (لا أثر لرائحة الخبز والقهوة)، فأنظر إلى النهر المقدس وأتأمل الحافلات المصطفة، وأهمس لنفسي (في قانا كما في بيروت، في غزة كما في بغداد، كان القاتل واحداً)، هو من يغلق البوابة. ساعة إثر ساعة تمر، لا نعرف إن كنا سنعود إلى شرق النهر حيث (سيدة النور والحب والشعرِ) أم نمر إلى غربه حيث الاحتلال و(خفافيش الظلام وخدام الموت ورسل القبح)؟ يهبط الظلام فيتحول الخارج إلى قطع من الليل، أتساءل: ترى من غيرنا يطيل بأمد الاحتلال؟ فالإخوة من تصارعوا مع بعضهم البعض (والذي أطلق النار على وجه القمر كان أخي)، فهم من في صراعهم (وسوس لهم الشيطان وهو يسرق روحهم)، فأهمس لرام الله: (ماء البحر مالحٌ ودمعكِ) أشد ملوحة من حجم القهر والألم، أنتِ هناك أرنو إليك وأنا هنا على معبر الدخول لا أشتم سوى (رائحة الموت في ظهيرة قائظة)، وأنظر من النافذة فلا أرى سوى (فرق إعدام ومعسكرات اعتقال)، وأنظر إلى الجسر فلا أسمع ولا أرى إلا (رنة عودٍ حزينة وآثار أقدام الغزاة)، وينظر إليّ طفل من فوق أكتاف والدته التي تتلوى من طول الانتظار فأرى فيه (الشمس) وأفكر (أظن أنها أجمل وأكثر دفئاً)، وأفكر بحبيبتي و(العشق) وأبتسم وأهمس لنفسي: (أظن أنه مؤلم وأكثر من الفراشاتِ احتراقاً)، وأن الحب (حيث تكونين جاهزة للقطافِ وحيث أكون). أنظر إلى السماء فأراك قمراً ينير ليلي وطول الانتظار، (كنت أظنني أمشي وحيداً)، لكنني وجدت روحك معي (وأن الطريق تمشي معي والقمر)، فأحلم بمعانقة الوطن على بعد خطوات، تحجبه عني بنادق الموت والاحتلال، فأفكر كثيراً (كأنني أتوق لبعض الجنون)، فمن إلاك إليها (يسبقني قلبي)، ومن غيرك للهمس إليها (يسبقني فمي)، ومن غيرك أناديها صحواً وحلماً (يا سيدة الكرم، يا جنية الليل الأزرق، افتحي لي الباب)، فـأنا قادم إليك (الندى يبلل وجهي)، وما زلت أنتظر أن أدخل الوطن، والوقت يمضي ويمضي و(كان الوطن يشير إلى وجع القلب)، فأنظر إلى أعلى (للسماء عينان جميلتان)، ربما هما عيناك تأتيان لتخففا من تعب الطريق وقرف الاحتلال. يقترب الليل من منتصفه، أغفو قليلاً، فأحلم أني (كنت أغني للبنادقِ وللبرتقال الحزينِ وكان الليل رفيقي وكان الذئب رفيقي)، فأفتح عينيّ على بدء حركة الحافلة، فأرى إلى السماء (هناك قمرٌ يبكي)، فهل في سهوتي (كنت أحرس الأغنياتِ وأحلام الصبايا)، أو كنت (أنثر أغنياتي على نوافذكم)؟ تسير الحافلة ببطء حتى المحطة الأولى، ننـزل من الحافلة ليفتشوها، وتتحرك أقدامنا قليلاً بعد طول صلبنا في الحافلة، فأهمس إلى صحبي (تستطيعون الآن سماع تأوهاتِ شجرة الرمان)، فالرمان يتأوه ويتألم (عندما يستبدل الفدائي البندقية بالعصا)، وننشغل عن الوطن بممارسة (سفاح قربى). يا برعم ياسميناتي، كل شيء يشدني إليكِ، (الورد الذي ينمو على جانب الطريق) لمدينة القمر، حلمي بأن أتنشق (رائحة القهوةِ عند النهوض من النوم)، فنجان القهوة أرتشفه متمازجاً مع رضابك (من بين شفتيك)، كل شيء منذ اجتزنا بعد منتصف الليل الطريق إلى أريحا (يأخذني إليك)، فمن غيرك (أشهد): (أنك قد ملأت الأرض ورداً)، و(أشهد): (أنك سيدة الحب والمقاومة) و(أن قمر ليلك أجمل)، فاستعجل الوصول إلى رام الله، ففي رام الله وحيث عبق حبك (الليلة نمضي صوب الشعر وصوب الحب)، وفي رام الله أرى شهداءنا يجولون الليل يبحثون عن مأوى، ففي دروبها (كان الشهداء يعبرون من تحت النوافذ إلى الأغنيات)، ومع حجم التعب والألم (القمر تغطيه ظلال سوداء) والليل طويل (وهذا الليل حالك)، حتى يخيل إلي أن (عصافير الدوري كفت عن الغناء) على نافذة صومعتي ككل صباح. هي رام الله أصلها مع تباشير الصباح وحبكِ، فأجد (قهوة مرةٌ وعواء ذئب في ليل طويل)، وفيها (سأسمي الأشياء بأسمائها، سأسمي الحزن حزناً، الحب حباً)، وأصرخ بملء الصوت: لا تتوهموا فالاحتلال لا يعرف السلام (كل ما يعرفه ممارسة القتل، مغمض القلب والعينين ورائحة الدماء)، وهذه الأرض ستبقى مطمعاً لأنها تشابه (طعم شفاه النساء)، وأهمس لكل من يعشقون رام الله ويحلمون بلقائها: (الطريق إلى رام الله مغلقة، والذين أطلقوا النار على زهرة الخزامى، كانت وجوههم مظلمة)، ويبقى الحلم بالصباح الأجمل (بين المؤذن وصلاةِ الصبح)، مع شدو عاشق (يغني لها من خلف البحر، خذوووووووووني إلى حيفا). أما أنت حبيبتي فسأهمس لك: ترى أين سألتقيكِ؟ هل سنلتقي (تحت شجرة الياسمين؟ في أغنية فيروزية؟)، هل ستجولين معي التلال الغربية ونتنشق نسمات بحرنا المستلب، أم سيضمنا (جدارٌ مغطى بالأغاني وأغنية حُبلى بالشموسِ)، فأنا عائد إليك كي (أمنح قلبكِ قليلاً من الحب والوجد، وأنتظر أن يزهر في كفيكِ المستحيل)، لذا وحتى ألتقيكِ وأضمك إلى صدري، أراقصك تحت ضوء قمر، فليس غيرك (فمك وشفتاك نبعان)، اسمحي لي أن أغفو وقبل أن تغمض عيناي بعد أحد عشر ساعة من التعب والمعاناة للوصول إلى رام الله، أنني (سأسميك حلماً وأنتظر ليلي).
(جسر الملك حسين 15/7/2010)
* كل ما هو بين أقواس للشاعر ماجد أبو غوش من ديوانه (أسميك حلماً وأنتظر ليلي) الصادر عن دار النهضة العربية 2009
#زياد_جيوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدارات الروح التعبير بعين القلب والذاكرة
-
بوح الروح جولة في فكر الكاتب والمفكر فايز محمود
-
لقاء مع الفنانة المسرحية فاتن خوري
-
الظاهر والجابري وعبدالسلام صالح في حفل توقيع -أطياف متمردة-
...
-
تأملات خالد خريس
-
زياد جيّوسي سادنُ الأطياف المتمرّدة
-
سوسنِة الكرمل *
-
أأنتِ (امرأة في بلاد الحريم)؟*
-
صباحكم أجمل/ الأسيرة ووادي النطوف
-
فيلم: مات وجهي
-
آهات رام الله (فراشة أم ضوء)*
-
ألمٌ يجتاحني وكأنه (فهرس الأخطاء)*
-
-أطياف متمردة- لزياد جيوسي عن دار فضاءات – الأردن
-
تأسرني عمّان و(أي غصنٍ على شجر)*
-
صباحكم أجمل/ آهات كسوانية
-
بيروت وحلم و (لا أرى غير ظِلي)*
-
فضاءات المعابد السبعة/ قراءة في كتاب فضاءات قزح، بقلم: د. ها
...
-
لأنكِ أنتِ -سأحاولكِ مرةً أخرى- * 2
-
القدسُ وحبيبتي و(مِحبَرَةٌ تنتَحِب)* 1
-
بوح الروح 1
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|