|
تصبحون على وطن
توفيق الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 946 - 2004 / 9 / 4 - 11:54
المحور:
الادب والفن
"في فضاء العاشق غسان كنفاني" الآن وبعد أن انتهيت من القراءة الرابعة المتأنية لرسائل الثوري العاشق غسان إلى الدمشقية الجميلة والأديبة الجريئة غادة السمان ... تتماهى الهالة الأسطورية للعائد إلى حيفا ، فيظهر بلحم ودم في صراخٍ وصراعٍ وحبٍ ويأس ... للوهلة الأولى ... داهمني إحساس بالمفاجأة والضعف غير المتوقع وللوهلة الأخيرة ... أدركت أن ما قرأت وأقرأ هو نبض إنساني طازج لمبدع يعاني من النقرس والوحدة وهجوم الذاكرة ... أدركت أن الآهة الآدمية التي تضج بها كلمات عاشق معذب أفضل بكثير من سحنة رخامية تطل على أمة غائبة... غسان في رسائله يستسلم أو يكاد لملامح الأنوثة الطاغية وإغراء الدلال الدمشقي ... أسمع بوضوحٍ لِهاثه إلى درجة الشبق وراء أديبة وصحافية تشتعل ذكاءً وتمرساً في جذب الآخر حتى الإبداع !!! نعم .. رسائل غسان تتجلى قيمتها في أنها عصارة إبداعٍ إنساني بالدرجة الأولى مفعمة بمشاعر مألوفة في مضمونها العاطفي متفردة في معالجتها الأدبية وتصويرها المرهف .. وفي نفس الوقت لا نستطيع أن نتجاهل جرأة وشجاعة الأديبة الدمشقية في نشر هذه الرسائل المنفلتة من عقال عاشق يكتوي بالشوق إلى الأرض ويتلظى بلهب الوجدان ... العاشق الثوري غسان يمزج ببراعة علاقتيه بالأرض والحبيبة حين يصرخ هامساً في إحدى رسائله " لقد صرت عذابي وكتب علي أن ألجأ مرتين إلى المنفى هارباً أو مرغماً على الفرار من أقرب الأشياء للرجل وأكثرها تجذراً في صدره ..الوطن والحب " .. ويصبح أكثر تحسساً ووضوحاً في منطق عاطفي بسيط " وإذا كان علي أن أناضل من أجل أن أسترد الأرض فقولي لي أنت أيتها الحبيبة التي تحيك كل ليلةٍ كوابيس كيف أستردك ؟! " غسان في رسائله يتوهج كعادته ويجعل من عبث الكلمات نشيداً إنسانياً يغذي الثورة الدائمة بالإرادة والأمل رغم الإحساس العابر بحرقة الهزيمة والسير تحت المزاريب !! لقد رافقني شعور قوي طوال قراءتي لهذه الرسائل بأن غسان يتخلى طواعية عن كل القشور الفضية التي ألفناها في روائعه الأدبية الثورية ... ويظهر عن سبق إصرار إنساناً عاشقاً غير مجرب يدور في فلك دمشقي ساحرٍ وقوي ... في رحلة من السهر والعطاء بدأت بالإعجاب وانتهت بالوله بامرأة يلذ لها تعذيبه كما يقول لأخته فائزة . إن الواقعية المفرطة في لمس التفصيلات الدقيقة لدى غسان العاشق يعطي لرسائله مذاقاً عفوياً غاية في الخصوصية والسمو ... " ما زلت أنفض عن بذلتي رذاذ الصوف الأصفر الداكن وأمس رأيت كرات صغيرةٍ منها على كتفي فتركتها هناك لها طعم نادر كالبهار " العشق الغساني لغادة يبدو صداه القوي في التركيبة الفريدة لمنفيٍ مولع بالثورة ... يدخن بشراهة ... يعاني وخز النقرس في ليالي الوحدة الباردة ... لكن هذه الحقيقة في حد ذاتها لا تطفئ الفضول الذي يشتعل في ذهني سؤالاً موسوساً ... ترى ماذا كتبت الدمشقية الفاتنة لهذا العاشق لتصهره بوحاً وسهداً.. ربما لو تيسر لنا قراءة رسائلها لاكتمل لدينا ديالوجٌ رقيق المشاعر... عظيم القيمة الأدبية ... في هذه الرسائل الغسانية .. نرى عاشقاً يتوزع بهارمونية سلسة ومؤثرة بين الحب والثورة . ... بل وأكثر من ذلك يتوحد في داخله هذان الاثنان بشكل لم نر له مثيلاً في أدبنا العربي الحديث . استطاع غسان أن ينسج نوعاً راقياً من أدب المراسلات موشى بالعاطفة المتدفقة نحو الملامح الدمشقية وفلسطين والثورة معاً ... " أنت في جلدي ، وأحسك مثلما أحس فلسطين ... ضياعها كارثة بلا أي بديل ، وحبي شئ في صلب لحمي ودمي وغيابها دموع تستحيل معها لعبة الاحتيال ... " ما أجمله وأروعه هذا الاعتراف العذب بالضعف أمام المحيا الجميل والذكريات الضاغطة .. ما أجمله وأروعه هذا الإنسان الذي ينبض في رخام الثورة المتجهمة ... نعم فارقنا غسان الجسد منذ اثنتين وثلاثين سنة ... لكنه لا يزال يعد لنا القهوة الثورية الساخنة ... ويقدم لنا صوره الفريدة الطازجة . وكأنه يصرخ بعواطفنا هامساً كل مساء ... ... تصبحون على وطن ... تصبحون على وطن ...
#توفيق_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجرد تساؤلات
-
قصيدة هللويا
-
ماذا فعلنا لكم
-
عزف على أوتار مقطوعة
-
- قصيدة -هل أنا هذاالوطن؟
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|