رد على ״الملاحظات״ للزميل خالد المهدي - أو : حينما تسقط ورقة التوت على عورة -الماويين- بالمغرب-
رفيق سعيدة
2010 / 9 / 16 - 22:42
״ الثورة تقوم من خلال الإنسان بيد أن على هذا الإنسان أن يقوي يوميا روحه الثورية״
تشي غيفارا
تقديم
هدا المقال هو محاولة رد على الملاحظات التي أبداها الزميل خالد المهدي وعنونها ب"ملاحظات حول مقال – الحزب الشيوعي الصيني، ماو تسي تونغ والحركة الشيوعية العالمية-"(1) هذا الأخير هو نفسه رد للرفيق رفيق زروال (2) على مقالة للزميل خالد المهدي، معنونة ب"الموقع التاريخي للثورة الصينية والموقع النظري لماو تسي تونغ"(3)، بشكل خاص ونقد للتحريفية "الماوية" بشكل عام. أي أن هذه المقالة هي رد على ملاحظات الزميل خالد المهدي على المقال النقدي للرفيق رفيق زروال. و بالتالي كان من الطبيعي لو استوى النقاش على أرضية معرفية أن تتناول هذه المقالة مختلف الأفكار التي وردت في المقالة الأولى للزميل خالد و رد الرفيق زروال ثم نقد نقد الزميل لرد الرفيق مرة أخرى في إطار عملية جدلية و نقدية تغني النقاش الدائر حاليا حول "الماوية" بالمغرب أو التحريفية بصفة عامة، وتحفز البحث المعرفي والتاريخي بين المهتمين بواقع و تطور الصراع الطبقي بالمغرب. إلا أن ملاحظات زميلنا أفقدت النقاش كل إطار جاد له، بعد أن أطلق العنان لكل أنواع السباب و الشتم جعلت من قراءة ملاحظاته/شتائمه عملية مضنية جدا نظرا للمستوى المنحط الذي أسس به لشكل آخر من "الحوار" لا نجده حتى في كتب الشعر الهجائي قديمه وحديثه. لقد فوت الزميل علينا فرصة للنقاش كما فوت على نفسه فرصة للاستفادة من نقاش ديمقراطي منتج.
ولأنه لكل مقام مقال سنرجئ تناول معظم نقاط الخلاف في جانبيها النظري والتاريخي لمقام صالح لدلك، اللهم إشارات لتنقية المقام المتسخ الذي وضع زميلنا نفسه فيه من خلال ملاحظاته أو حفلة سبابه. وجدير بالذكر هنا أن نسجل لزميلنا "الماوي" نقطة ايجابية وحيدة ربما لم يجعلها واحدة من أهداف مقاله، وهي أنه بنهجه لهذا المستوى المنحط في النقاش، قد فتح، دون أن يدري، الباب أمام كل الطاقات كي تسجل أفكارها و آراءها على الورق دون تردد، لأنه كيفما كان الحال و الإمكانات سيكون مستواها أرقى من هذا الدرك المتسخ الذي ميز ملاحظاته شكلا ومضمونا، فلتتفتح كل الطاقات وكل أقلام الرفاق الجافة وغير الجافة لفتح ورشة تطوير الذات و الذوات للسير إلى الأمام عبر فضح التحريفية "الماوية" وغيرها من الخطوط التحريفية التصفوية.
إن المناضلين و المناضلات، من الشباب الثوري ببلادنا، المنحدرين من الأحياء الشعبية المهمشة والقرى و المداشر، أبناء العمال والفلاحين الفقراء والكادحين عموما، الماركسيين اللينينيين في مختلف مواقع الصراع ضد العدو الطبقي للطبقة العاملة و للشعب المغربي، أحفاد من وهبوا دماءهم واسترخصوا حياتهم في المعركة ضد الاحتلال الامبريالي، و المستمرة تضحياتهم ضد عملائه، أحفاد عبد الكريم الخطابي و كل أبطال المقاومة و جيش التحرير الشعبي على امتداد خارطة الوطن، أبناء و اخوة من سقطوا برصاص النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي في ملاحم الريف و البيضاء ومراكش و فاس ... أبناء و إخوة و رفاق عبد اللطيف زروال، سعيدة المنبهي، جبيهة رحال...رفاق و رفيقات بلهواري، الدريدي، اشباظة، الأجراوي، زبيدة، بوملي، بوعبيد، الحسناوي، الساسوي ... الماركسيون اللينينيون، بلاشفة المغرب وعنوان عزته و كرامته وغده الآتي- مدعوون اليوم كما الأمس لبدل المزيد من الجهد والتضحيات، ليس لمواجهة الانتهازية "ماوية" أو "تروتسكية" أو بأي لون تصفوي تلونت و فقط، بل لتوحيد الجهد و الرؤى لاستكمال المهام والقضايا التي بدأها الشهداء أجدادا كانوا أو آباء أو أخوة و رفاقا. من أجل المستقبل لا الماضي نسير، من أجل الحرية لا الاستعباد نناضل، من أجل مجتمع الإنسان لا القطيع نثور، من أجل الدفاع عن المبادئ و المواقف و التاريخ و تحرر الوطن و تقدمه لا الاسترزاق والتشويه والتحريف والانتهازية، ضد محو الذاكرة نحارب.
هدا ما علمنا إياه قائد البلاشفة لينين ״لا غزل مع التصفويين لا مباحثات ديبلوماسية مع حلقات مخربي الكل الماركسي ... وسيعتبر العمال الواعون كل محاولة لفرض إرادة التصفويين عليهم جريمة. و تجزئة قوى الماركسيين الأقحاح جريمة أيضا. لأن أساس الوحدة هو في الانضباط الطبقي״(4) فلتشحذ العزائم من جديد في مواجهة التحريفية "الماوية" وكل أشكال الانتهازية و بلورة ما يجب القيام به اتجاه شعبنا .
إن هذه المقالة تسعى لأن تكون مساهمة متواضعة في هدا الاتجاه، فان ساهمت في نقل جزء من النقاش الدائر من الطابع الشفوي إلى ما هو مكتوب إضافة إلى نزع بعض الخرق البالية التي تحاول بها "الماوية" ستر عورتها، تكون قد استنفدت مهامها.
توطئة نظرية : أو إشارات لتنقية المقام
״ إن الطلب من الفلسفة أن تحل جميع التناقضات يعني الطلب من الفيلسوف
الواحد أن يفعل فعلا لا تستطيعه إلا البشرية جمعاء في تطورها الى الأمام״(5)
ننطلق في هده التوطئة النظرية من طرح السؤال التالي: كيف يتطور الفكر الماركسي اللينيني؟ أو بشكل أدق: كيف نعيد قراءته كنظرية و كايديولوجيا أي كسلاح نظري للطبقة العاملة لخوض صراعها الطبقي من أجل انجاز مهامها التاريخية؟
إن أهم ما في حركة الفكر، والعلمي منه بالخصوص، في تطوره وشكل انبنائه، يكمن في كيفية طرح الأسئلة التي يولدها مجال اشتغاله، أي بالنسبة للماركسية اللينينية مجال التاريخ كعلم - طبعا لا نتناول هنا الفهم البورجوازي السائد للتاريخ-أي دراسة حركة التناقضات داخل المجتمع البشري في شروط تاريخية معينة من وجهة نظر مادية تاريخية. إن أهم ما في نظرية المعرفة هو طرح السؤال المعرفي، بل يمكن القول إن كيفية طرح الأسئلة أهم من الإجابة عنها.
إن الفكر الذي يعتمد على إجابات جاهزة لمختلف قضايا الصراع الطبقي لا يمكن نظريا أن يكون فكرا ماركسيا لينينيا أي علميا، بل هو في أحسن حالاته فكر مثالي، إن لم نقل انه فكر غيبي لأنه يقوم على تغييب الواقع، وغنى تناقضاته، في محاولته فك إشكالاته. ليس في هذا القول أي مبالغة، فكم من أفكار تدعي التقدمية أو الحداثة و حتى الماركسية كانت في جوهرها رجعية، كما سنرى لاحقا، وكم من ممارسات تدعي الثورية كانت في خدمة القائم ضد الثورة.
أعود إلى ما بدأناه لأقول على لسان ماركس، إن البشرية لا تطرح إلا مشكلات تقدر على حلها، لأن طرح المشكلة يتضمن حلها بالضرورة، بسبب من كونها مشكلة مادية، فكل مشكلة لا حل لها مشكلة خاطئة، أي مطروحة بشكل خاطئ. يمكن إعطاء ثلاث أمثلة من بين أمثلة كثيرة ل"ماويينا" على مثل هذه المشكلات/الانزلاقات حينما يحصر زميلنا مشكلة الحركة الشيوعية بالمغرب في الترددات والبلبلة الفكرية، وزميل له يطرح نفس الإشكال و يضيف عليه تساؤلا حول: هل يجب الاقتصار على ماركس و انجلز و لينين باعتبارهم الرواد الأساسيين للنظرية الماركسية اللينينية أم يجب اظافة ماو تسي تونغ كقائد للبروليتاريا العالمية؟!!!(6). إضافة إلى صورية المشكلتين حيث الأولى تقف عند ظاهر الشيء أما الثانية أو التساؤل فلا ينتمي أصلا إلى بنية الفكر الماركسي، وعلى كل، فلكل فكر منطلقاته و إشكالاته الخاصة، بها تتحدد هويته. ثالث الأمثلة: تتكرر عند زميلنا كلازمة في مقالتيه كون مشكلة الحركة الشيوعية تكمن في عدم استحضار التجربة الصينية و اضافات ماو تسي.. ولنا عودة لذلك.
ولأن فيروس التحريفية كأي فيروس آخر حينما يصيب، يصيب مراكز الدفاع وأسلحة المقاومة في أي ذات يخترقها، وما هذه الأسلحة سوى سلاح النقد عند الثوريين الأوفياء لطبقتهم وشعبهم، وهو هو ﴿أي السلاح﴾ إيديولوجيتهم أي الماركسية اللينينية- و مهم أن أشير هنا إلى أن كل الخطوط التحريفية تقريبا تبدأ وتنتهي بالتشكيك أو محاولة إلغاء هذه الإيديولوجيا بالذات. فلا غرابة أن أولى الخطوط التحريفية التي أعلنت عن نفسها في أواسط سبعينيات القرن الماضي داخل منظمة "23 مارس" و بعدها داخل منظمة "إلى الأمام"، استندت بشكل أساسي من خلال النقاشات التي ابتدأت من داخل سجون القمع الرجعي، على خطاب يدعو إلى التخلي عن "اللينينية" و التشبث فقط ب"الماركسية". و على نفس الخطى سار أحفادهم "الممانعين" أو "تحريف 89" مع إشارة هامة أن كل هؤلاء اكتشفوا بدورهم إضافات غرامشي و ألتوسير... ومساهماتهم في "تجديد" الماركسية... و على نهج هؤلاء يسير التحريف "الماوي" التصفوي حين يتخلون عن الاثنين معا، أي التخلي عن "الماركسية" و "اللينينية" - نضع الكلمتين بين قوسين لاستحالة الفصل بينهما كما سنرى لاحقا – رغم التبني اللفظي و الانتقائي لهما و الاكتفاء بمسخ لكتابات ماو يسمونها "الماوية"(7)- لهذا نرى أن نقطة الانطلاق و النهاية بالنسبة لنا هي في الدفاع المستميت على هذا السلاح النظري للطبقة العاملة أي الماركسية اللينينية ضد أي شكل أو محاولة للتشويه/التحريف و الاسترزاق السياسي من أي جهة كانت، عبر التحديد العلمي للنظرية الماركسية اللينينية أي عبر تحديد الخط الفاصل بينها و بين كل التيارات الفكرية البرجوازية و لو تلبست قولا بالنظرية الماركسية اللينينية .
لنواصل ما بدأناه أعلاه، لنحدد، انطلاقا من التساؤل الأول الذي طرحناه، آلية إنتاج معرفتنا بالواقع انطلاقا من النظرية الماركسية اللينينية في بعديه النظري و التاريخي. أو بلغة "أكاديمية" أكثر، ما هي السمات الأساسية لنظرية المعرفة الماركسية اللينينية ولإمكانية مقاربة واقعنا انطلاقا من هذه النظرية؟ لنخلص إلى كيفية التعاطي مع مختلف التجارب الثورية التي عرفتها الإنسانية عبر التاريخ، في نضالها الطويل و الغني من أجل تحقيق إنسانيتها، بصفة عامة ، ومختلف التجارب والحركات التحررية و الاشتراكية بصفة خاصة. وغني عن القول هنا أن الطبقة العاملة هي الوريث الشرعي لكل التاريخ الثوري، بما أنها هي صانعة التاريخ المعاصر، مند ثورات العبيد الأولى مرورا بالثورات التي اتخذت غطاء دينيا (الإسلام نموذجا) مرورا بثورة الزنج و القرامطة والثورة البورجوازية و الكومونة الباريسية و كل ثورات القرن العشرين (الصين، الفيتنام، كوبا...) وعلى رأس هذه الثورات جميعها ثورة أكتوبر العظيمة، نعم لن يستوعب أي فكر تحريفي - انتهازي أن الطبقة العاملة هي وريث كل ما هو مشرق في تاريخ الإنسانية في انتصاراتها و انكساراتها عبر دروب التاريخ المتعرجة للوصول بهذا التاريخ إلى تحقيق غايته أي بناء مجتمع الإنسان بلا طبقات و لا استغلال، نعم لن يستوعب أي فكر تحريفي أو مراهق في تحريفيته أن النظرية الماركسية اللينينية هي الوريث الشرعي و لربما الوحيد لأكبر مجلد ثوري على الإطلاق، لكل الفكر الثوري عبر التاريخ، هي وريث فكر أبيقور و أرسطو و ابن عربي والحلاج و فكر المعتزلة و ابن رشد و ابن خلدون... وكل فكر البرجوازية و فلاسفتها إبان طورها الصاعد و كل حركات التحرر العالمية ... بل إنها النظرية الوحيدة القادرة على الكشف على الجوانب الثورية الموجودة كعناصر في هذا الفكر وذاك التاريخ. إضافة لكل هدا الكنز من المعرفة نضيف عظماء البروليتاريا و مبلوري فكرها، وهم بالمناسبة ليسوا فردا أو اثنين بل يصعب ربما عدهم، ولكن تبقى العصارة تلك الدرر الخالدة و ذلك النهر المتدفق دائما المتمثلة فيما كتبه ماركس انجلز لينين كمؤسسين للنظرية البروليتارية أي الماركسية اللينينية، لن نستغرب إذن إن راح زميلنا يحصي المجلدات أو راح زميل له يقيم الدليل على تأثر الحملم في السبعينيات من القرن الماضي بالتجربة الصينية (8)، و هو بذلك يدلل على غبائه و أميته السياسية، إن تجربة الحملم تحتاج لعين ماركسية لينينية لإعادة تقييمها في شموليتها و في الظروف التاريخية التي أنتجتها و حددت سيرورتها و صيرورتها، أما التأثر، فقد تأثرت تنظيمات الحملم، والطبيعي هو أن تتأثر، ليس بالتجربة الصينية و فقط بل بالتجربة الكوبية و الفيتنامية(9) و الثورة الفلسطينية و حتى بالحركة الوطنية اللبنانية خصوصا أثناء المجابهة البطولية مع الكيان الصهيوني، بدون أن ننسى التأثير البالغ لحركة القوميين العرب، فلماذا التعامل الانتقائي بل الانتهازي مع تجربة بعينها؟ يسهل الجواب إذا استحضرنا تقييما لأحد المرتدين القدماء يشدد فيه على تأثر الحملم بانتفاضات الطلاب في 1968 ليخلص إلى أن الحملم اعتبرت الشبيبة التعليمية "طليعة تكتيكية". حتى لو تغيرت نبرة الخطاب يحافظ منهج الردة و التحريف على أصالته في الانتقائية و الاسترزاق و التضليل معا.
أعتذر من القارئ على الإطالة في هذه النقطة و لنعد إلى الآلية أو القانون الذي يحكم حركة الفكر كما يحكم حركة التاريخ خصوصا في هذا العصر الذي ميزته كونية نمط الإنتاج الرأسمالي، أي قانون تفاوت التطور. فمع دخول التاريخ مرحلة كونيته، مع توحيد الامبريالية لمختلف البنى الاجتماعية التي كانت تبدو كتلا متناثرة، كل وحدة اجتماعية تتطور بشكل مستقل عن الأخرى تتلاصق فيه دون تداخل، تنحصر العلاقات فيما بينها في علاقات خارجية، أساسا عبر التجارة أو التبادل التجاري، الحروب ... إلى زمن موحد تتداخل فيه عبر سيرورة تربطها بقطب جاذب يوحدها (الامبريالية). هذه الصيرورة الرأسمالية مستحيلة بالنسبة لمجتمعات أتت إلى التاريخ لما دخلت الرأسمالية عصر أزمتها الدائمة (عصر الامبريالية)، فهذه المجتمعات أتت إلى الرأسمالية بفعل الامبريالية خاضعة لها، وظلت في علاقة تبعيتها تسير في طريق استحالة صيرورتها مجتمعات رأسمالية "خالصة"، بفعل قانون تفاوت التطور نفسه، وظل منطق التميز في تحقق الكونية يتحكم بصيرورتها التاريخية. وحركة الفكر كحركة التاريخ تخضع في إنتاجها المعرفة لمنطق التميز في الكونية. وكلما تميزت المعرفة اغتنت كونيتها. ففي كل محاولة لإنتاج معرفتنا بالواقع الموضوعي لمجتمعاتنا ننطلق من هذا المجتمع بالذات لإنتاج معرفتنا به - فالواقع هو الذي يحدد الفكر– من موقع الطبقة أو الطبقات التي يحملها منطق التاريخ لتصنعه، أي من موقع الطبقة العاملة و حلفائها، هذه العلاقة ليست ميكانيكية – علاقة تحدد الفكر بالواقع – أي أن معرفة الواقع ليست انعكاسا مباشرا /ميكانيكيا في وعي الإنسان كما تدعي التجريبية أو أن هذه المعرفة معطى منجز كما يحلو لبعض المتمركسين/ببغاوات السياسة حفظ بعض الجمل و المقولات لهذا المفكر أو ذاك، ليشبعوا فراغهم وعطشهم الفكري أو النفسي ويتوهموا أنهم ثوريين، فيتحولوا بذلك إلى مؤمنين بالماركسية و ليسوا ماركسيين أي مستوعبين لها، كما المؤمنين بالله يكفيهم حفظ بعض الأدعية و الآيات و إن اقتضى الحال جلباب و لحية ثم العيش في جهنم الواقع بانتظار جنان السماء. إنها ليست ماركسية تلك إنها ظلامية مقلوبة (10).
أعود مجددا لأقول: انه من أجل معرفة واقعنا الاجتماعي، هذه المعرفة هي ضرورية لتغييره –فلا حركة ثورية بدون نظرية ثورية وهذا قانون ماركسي لينيني أصيل صاغه قائد البلاشفة لينين و يكثر زميلنا من ترديده أو إن شئنا الدقة من تحريفه أي إفراغه من مضمونه دون استيعابه –لابد لنا من عملية أخرى لا تقل أهمية لإنتاج هذه المعرفة بالواقع، هذه العملية هي إنتاج و سائل إنتاج هده المعرفة، وما هذه الوسائل سوى المفاهيم النظرية، فمعرفة الواقع هي إنتاج مفهومه النظري. هذه المفاهيم النظرية ينطلق في بنائها من جهاز المفاهيم الماركسية اللينينية أو إعادة إنتاج لها أو لبعضها في حقل ايديولوجي متميز بتميز حقل الصراع الطبقي الخاص بمجتمعاتنا الكولونيالية و هنا تكمن الصعوبة –وهنا يخرس الفكر الكسول والممارسة الببغاوية لزميلنا ،الذي تعود ترديد المفاهيم والمقولات دون استيعابها أو التساؤل حول امكان صحتها أي التساؤل حول التربة التي أنتجتها- . فعملية إعادة الإنتاج هاته لا تكرر المفاهيم بل تميزها، و في التميز يولد الاختلاف من غير أن يقود الاختلاف حتما الى خروج عن التربة النظرية التي تتم على أرضيتها تلك العملية. فلا تناقض بين تميز المفاهيم و كونيتها، فكونيتها هي حركة تميزها. فإذا كانت العلاقة بين البنية الكولونيالية و البنية الامبريالية محكومة بقانون تفاوت التطور، فان هذا القانون يحكم أيضا بين مختلف المجتمعات الكولونيالية ذاتها ،من هنا تفهم كونية المفاهيم النظرية الماركسية اللينينية وضرورة تمييزها. فلا تماثل إلا في فكر هيغيلي يقيم التناقض بين أطراف متماثلة في حين أن العلاقة بين أطراف التناقض بالنسبة للماركسية اللينينية علاقة اختلاف لا يمكن لأحد أطرافها أن يحل مكان الآخر أو يتماثل به، ويمكن أن نعطي مثالا لتوضيح الفكرة أكثر: التناقض بين البرجوازية و الطبقة العاملة في إطار المجتمعات الرأسمالية كطرفين للتناقض الطبقي ، فالعلاقة بينهما هي علاقة اختلاف وليست علاقة تماثل والا كانت الثورة التي تقوم بها الطبقة العاملة تحافظ على نفس البنية أي عملية استبدال طبقي لا تفضي الى ثورة اشتراكية،أي دون المساس بالأساس المادي للبنية الاجتماعية أي علاقات الإنتاج الرأسمالية- فالموت الموت في التماثل و الاختلاف حياة، هكذا تكلم الشهيد مهدي عامل، و هنا نسجل الدرس الأول لزميلنا في كيفية فهم حركية التناقض و في كيفية الاستحضار/الاستفادة من التجارب الثورية العالمية، داعين له بالفهم وسعة الأفق (و لنا عودة إلى هذه النقطة بالذات فيما بعد).
لم نستنفد بعد تحديد بعض منطلقاتنا الضرورية التي نستند عليها في هده المقالة، ومازال بإمكاننا أن نحدد من جديد فهمنا لقانون ماركسي لينيني يسهل على البعض ترديده دون استيعابه، أي قانون تفاوت التطور. فمن الخطأ فهمه على أنه حركة تفاوت كمي تتماثل أطرافه، بل هو تفاوت كمي و نوعي، و هو بهذا يولد التميز. في ضوء هذا الفهم لهذا القانون الماركسي اللينيني ننظر كما نظر ماركس و انجلز و لينين و ستالين و ليبنخت وروزا و الشهيد مهدي عامل ... إلى تطور الفكر الماركسي اللينيني في حركة تكوننه أي صيرورته فكرا كونيا عبر تمييز مفاهيمه، هذا الفكر الماركسي اللينيني الذي قال عنه يوما جون بول سارتر انه قمة الفكر الذي يستحيل على الفكر المعاصر تخطيه .
لقد تكون هذا الفكر في عملية من نقد الاقتصاد السياسي تمت ضمن حركة تاريخية من نقض المجتمع الرأسمالي هي حركة صراع طبقي تقوده الطبقة العاملة فكان هدا الفكر النظرية العلمية لهذه الحركة الثورية، فكان في تميزه كونيا لسببين:
أولا: بسبب من أن نمط الإنتاج الرأسمالي نظام كوني، أي أن منطق التراكم الرأسمالي كان يقود إلى توحيد العالم، وبالتالي اكتسبت حركة نقض الرأسمالية بهذا طابعا كونيا هو الأساس المادي لكونية النظرية الماركسية اللينينية.
ثانيا: بسبب من كونية قانون الصراع الطبقي، باعتبار أن هذا القانون هو القوة المحركة للتاريخ في شتى مراحله، فكانت الماركسية اللينينية الأداة العلمية الوحيدة التي تقدر على فهم حركة التاريخ و مراحله، وبالتالي على فهم حتى المجتمعات السابقة على الرأسمالية.
على هذا الأساس النظري الماركسي اللينيني إذن و على أرضية هذا القانون (تفاوت التطور) و تلك السمة أو المقولة الجدلية (التميز و الكونية) ننظر و يجب النظر إلى حركات التحرر الوطني في ماضيها و حاضرها، و الى كل تجارب البناء الاشتراكي و الحركات الثورية العالمية (أنظمة و حركات، أحزابا و تنظيمات...) في انتصاراتها و إخفاقاتها، بعيدا عن كل روح عصبوية أو شوفينية ضيقة، بعيدا عن كل ﺫم أم تمجيد مسبقين. فالماركسي اللينيني يقرأ التاريخ بعين ناقدة تنفد إلى جوهر الأحداث و ترابطها ضمن سيرورة و صيرورة تاريخية معينة، ويقرأ المفاهيم في ترابطها، كذلك و بفعل ذلك، في ترابطها بالجهاز المفاهيمي العام، أي الإطار النظري أو البنية الفكرية التي تحدد حركيتها (أي المفاهيم) وتحدد مجال اشتغالها. من هذا المنطلق من السخف الحديث عن هذا المفهوم أو ذاك لهذا المفكر أو ذاك، فلا معنى أن نتحدث عن "الديمقراطية الجديدة" (أو القديمة) أو "البرجوازية البيروقراطية "... ونسبتها "كمفاهيم" لماو تسي تونغ إن صح هدا النسب المتهافت كما دلل على ذلك الرفيق رفيق زروال،، فهو لا يزيد و لا ينقص من شخص ماو، بل ان هذا الأمر يدعو للرثاء على زميلنا - الذي يقوم بهذا النسب- من زاويتين:
أولا يخرج هذه "المفاهيم" و أقول المفاهيم تجاوزا لأن مصطلح "البرجوازية البيروقراطية" لا يمكن بنظرنا أن يصل إلى مستوى المفهوم النظري أو السياسي نظرا للغموض الذي يكتنفه و لعدم دقته العلمية لما يوحي به بإمكان وجود برجوازية ديمقراطية في البنية الكولونيالية (و حتى الامبريالية)، وهذا غير صحيح كما وضحنا سابقا، لأنه حتى المهام الديمقراطية في هذه البنية ملقاة على عاتق الطبقة العاملة لانجازها، كذلك يوحي هدا المصطلح إلى إمكان أن تحمل بعض شرائح البرجوازية المشروع الديمقراطي و هذا أيضا مستحيل لنفس الأسباب. كما أن مصطلح "البيروقراطية" لا يحيل إلى الموقع الطبقي من عملية الإنتاج لهذه الطبقة التي نريد أن نحددها به، فهو أقرب إلى الوصف منه إلى تحديد الموقع الطبقي. حتى لو تصبب زميلنا عرقا من أجل إثبات العكس، فالفكر و من ثمة المفاهيم لا تخضع للنزوات، لذلك كله لا يمكن أن نطلق على مصطلح "البرجوازية البيروقراطية" أو "الديمقراطية الجديدة" صفة المفهوم لانعدام الدقة التي هي ضرورية لإنتاج أي مفهوم علمي. فاعتبارا لكون البيروقراطية هي ملازمة للطبقة البرجوازية بكل شرائحها بل توصف بها حتى الحركات الثورية أحيانا و في لحظات معينة، فلماذا الإصرار على مثل هكذا مصطلحات؟! و لماذا نقرن مصطلحا، يحيل إلى الممارسة، بموقع طبقي للبرجوازية؟ بهذه البلبلة المفاهيمية سيواجه زميلنا البلبلة الفكرية وسط زملائه، انه فكر يكرس البلبلة في مواجهته لها أو في توهمه مواجهتها، فكانت مواجهة بين اللفظ و اللفظ، فصار الوضوح النظري و الصراع الفكري، وضوحا وصراعا لفظيين. أشير في ختام هده الفكرة إلى أن الخطاب الاشتراكي العربي في بداية القرن الماضي استعمل مفاهيم مثل الطبقة الأرستقراطية أو التيوقراطية أو طبقة برجوازية الدولة....فلماذا لم يتم الاحتفاظ بها؟! كذلك يمكن إضافة مفاهيم مثل "الإسلام السياسي" و "الحكم" تم استعمالها من طرف تنظيمات الحملم في السبعينات عوض "القوى الظلامية" أو "النظام" كمفاهيم أكثر تدقيقا. أشير هنا إلى أن "ماويونا" يستعملون مفهوم الحكم المطلق بين الفينة و الأخرى و هم بهذا، إذا اكتفينا فقط بما هو ظاهر، يؤكدون على تخلفهم السياسي حتى عن فكر السبعينيات بالعودة إلى بعض تلك المفاهيم ...
إن مثل هذه المفاهيم عامة إلى حد يفقدها تلك الدقة في المدلول التي يمكنها وحدها أن تجعل منها مفاهيم علمية. إن عمومية مثل هذه المفاهيم إذن سيئة، أي غير علمية، لأنها في مبدئها بالذات، نتاج عملية اختزال وتبسيط مزدوجة. أختم إذن هذه الفكرة بسرعة لأن رفيق زروال أوضح فيها الكثير خصوصا بإعطائه لنص لماو تسي تونغ يوضح أن البرجوازية البيروقراطية ما هي إلا البرجوازية الكبيرة أو الكمبرادورية نفسها.
وثانيا لأن زميلنا يأخذ مفاهيم معزولة عن تربتها النظرية التي أنتجتها، فهو يقوم بترديدها ببغائيا، أما ممارسة الماركسي اللينيني فانه لا يردد المفاهيم حتى الماركسية منها، بل يميزها انطلاقا من جهاز المفاهيم الماركسي اللينيني نفسه و يعود بها بعد ذلك إلى البنية الاجتماعية أو الواقع الصراعي الذي من خلاله أنتج هذا المفهوم أو ذاك لتحديد وضع خاص ما داخل الواقع الاجتماعي العام، بشكل مترابط .
فشكل استحضار زميلنا لتلك المصطلحات أو "المفاهيم" بشكل متعجرف و متباه –من التباهي- تميزه انزلاقات عدة عن الماركسية اللينينية:
1- يعزل المفاهيم عن بعضها و عن البنية الفكرية التي أنتجتها.
2-بتغييبه لتلك البنية النظرية أو الفكرية يغيب الواقع الاجتماعي نفسه .
3-يبتعد عن جدلية العام و الخاص في محاولته مقاربة التجربة الصينية، وهي ضرورية لأي منهج يدعي الدياليكتيك.
4-وهو الأهم، زميلنا لا يفقه شيئا في علاقة التميز بالكونية. و يغيب عن منهجه قانون تفاوت التطور في الطريقة التي بها يريد استحضار التجربة الصينية و هو بذلك يعود بالماركسية إلى ما قبل لينين أو للدقة إلى ما قبل ماركس.
بعد هذه الانزلاقات/التحريفات النظرية هل يمكن أن نناقش زميلنا في "أمميته" أو شوفينيته؟ بعد هذا التشويش والتشويه النظري هل يمكن أن يرفع زميلنا، دون أن يحمر له وجه خجلا، شعار "الوضوح النظري والسياسي"؟ الجواب للقارئ على أن أناقش لاحقا مضمون هذا الشعار.
أعود مجددا لنستكمل ما بدأناه أعلاه، لأشير إلى أنه مع ثورة أكتوبر العظمى، دخل التاريخ في طور انتقاله من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وكانت اللينينية النظرية العلمية لهذا الانتقال، فحددت قوانينه العامة، أي استخلصت من تحقق العملية الثورية نفسها قوانين هذه العملية، فأتت القوانين هذه كونية في تمييزها الماركسية بالذات. وما دام التاريخ يمر في طور انتقاله هذا، فان الماركسية اللينينية تبقى النظرية العلمية الوحيدة لتاريخنا المعاصر. ونحن إذ نفصل الماركسية عن اللينينية فلضرورة منهجية فقط، ولكي يسهل تتبع مراحل تطور الفكر الماركسي اللينيني. يستحيل فصل الماركسية عن اللينينية كما يستحيل فصل الكونية عن حركة تميزها أي عن حركة تحققها في وجودها الفعلي. ونحن من هذا الفكر ننطلق و يجب أن ننطلق في عملية إنتاج فكرنا و في نقض النظام اللاوطني اللاديموقراطي اللاشعبي في إطار حركة التحرر الوطني، وطبيعي أن يكون إنتاجنا لهذا الفكر تمييزا له، بحكم قانون تفاوت التطور نفسه.
نحن هنا أمام عملية مزدوجة:
1-الانطلاق من واقع الحركة الثورية بمجتمعنا، فيكون إنتاج فكرنا هذا إنتاجا للوعي النظري لهذه الحركة في تميز تناقضاتها بالذات داخل الحركة العامة للانتقال إلى الاشتراكية. فالوصول إلى الاشتراكية لا يكون إلا بحل تناقضات فعلية يطرحها دوما بشكل متميز تطور حركة الصراعات الطبقية. من هنا يأتي الارتباط الضروري للممارسة النظرية بهذه الحركة المحددة من الصراعات الطبقية، وأشدد هنا على جملة "الحركة المحددة من الصراعات الطبقية" لأن النزعة الفردية البرجوازية هي التي تدفع بالبعض إلى القول إننا في مجتمعاتنا ﴿المتخلفة﴾، نحن بحاجة إلى ماركس آخر، أو للينين جديد، أي إلى فرد "عبقري" يقود حركتنا التحررية إلى منتهاها الاشتراكي، وكأن عقدة العقد في مشكلات هذه الحركة التحررية تكمن في غياب أو حضور هذا الفرد المنقد حيا كان أو ميتا، قد يسميه البعض ماو أو قيادة الحزب الشيوعي الصيني أو البيروفي ... يشبه مثل هذا الفكر إلى حد كبير ذاك الفكر الديني الغارق في ظلاميته و الذي ينتظر المخلص أو النبي أو الامام المنتظر، والذي قد يأتي من السماء أو من القبور، وقد نسمي زميلنا "ماويا سنيا" لأنه وجد المنقد أخيرا في الصين ﴿و المعرفة كذلك من الصين﴾، فهو اتبع سنة "اطلبوا العلم و لو كان في الصين"، والأيام المقبلة كفيلة بإنتاج زميل آخر "ماوي شيعي"، لأن النهج الكتلوي –من التكتل – الذي انتهجه زملاؤنا سينتج كتلا داخلهم أيضا، هذا إذا لم ينقرضوا ككل الأشياء المستنسخة أو الهجينة.
لا نريد للسخرية أن تكون وحدها أداة النقد فما أسهل من أن ندع هذا الفكر المتهافت يتحرك وفق منطقه بالذات في مواجهة مع الواقع نفسه فيكون هذا الأخير لاذعا في سخريته. أعود لأقول أننا لسنا بحاجة إلى ماركس جديد و لا إلى لينين آخر، نحن بحاجة إلى حزب ماركسي لينيني، وهذا هو بيت القصيد، والنضال من أجل بناء هدا الحزب ليس وليد اللحظة و لا وليد العقد الأول من هذا القرن، بل هو عمل متواصل منذ أواسط عقد الستينات من القرن الماضي و في سبيل ذلك و في سبيل القضاء على الاستغلال والذل و القهر سقط رفاق عظام شهداء. إن ثوار المغرب الأمميون و الفلسطينيون حتى النخاع ليسوا بلقطاء حتى يستجدوا فكرهم و ممارساتهم من نفايات الانتهازية و الردة و التحريف. إن التاريخ لا يعيد نفسه و إن فعل ففي شكل مهزلة. فدور الممارسة النظرية لا يقع على الفرد و إن قام به أفراد، بل على الأداة الثورية التي تشكل وعي الطبقة العاملة، فالثورة كما التاريخ لا يصنعه فرد أو أفراد و إن بدا كذلك، بل تصنعه الجماهير الواعية في عملية معقدة من الصراعات الطبقية و وعي الجماهير و قائدتها الطبقة العاملة، تكتسب وعيها من حزبها الثوري الماركسي اللينيني في ممارساتها للصراع الطبقي و ليس من أفراد .
من هذه النقطة بالذات نفهم تميز فكرنا الماركسي اللينيني أي عملية تمييز هذا الفكر الكوني.
2-إن كونية هذا الفكر و التي تجد أساسها – كما سبق القول – في كونية حركة انتقال التاريخ البشري من الرأسمالية إلى الاشتراكية، تفرض ضرورة الانطلاق منه، فيما وصل إليه من تطور علمي، وبالتالي من تكونن، في انطلاقنا نفسه من تمييزه ضمن حركتنا الثورية بالذات. ليس علينا أن نستعيد تكرارا مختلف مراحل تطور هذا الفكر، لاسيما أن تكوننه قد تم في تمييزه وبتمييزه، عند محاولتنا إنتاج فكرنا الماركسي اللينيني، لذا كان تمييزه في إنتاجنا له، انفتاحا على تجارب كل الحركات الثورية في العالم، وعلى ما أسهمت به الحركات هذه من إغناء للمفاهيم النظرية الأساسية لهذا الفكر بتمييزها لها. وهذا الوجه يكشف أيضا ضرورة الطابع الأممي في اي خط ثوري يتبنى الماركسية اللينينية. لذا أقول لزميلنا صراحة أن الطابع الأممي في أي ممارسة ثورية ليس رغبة ذاتية ولا شعارا نردده كيفما اتفق بل له أساس نظري و مادي، فليست الأممية هي نسخ لتجارب الآخرين كيفما كانت هذه التجارب، روسية أو كوبية، صينية أو ألبانية...أو ركوب أي موجة سياسية من هذا البلد أو ذاك، وهذا الخلل في فهمك وتحديدك للطابع الأممي بذاك الشكل هو نتيجة التعامل مع المفاهيم النظرية بطريقة معزولة و مستقلة عن مفاهيم أخرى غابت عنك أو غيبتها عنك، فان غابت عنك فهو جهل وان غيبتها فهي انتهازية مقيتة، وأنا أشفق عليك في الحالتين. فالمفاهيم النظرية ﴿ والسياسية أيضا﴾ في أي نظرية علمية مرتبطة بجهاز مفاهيمي يحددها، وهذا الترابط بين المفاهيم تحدده التربة المادية التي أنتجتها وترابط عناصرها، كأساس مادي نستند عليه في محاولتنا تملكه انطلاقا منها، أي من تلك المفاهيم. وما هذا الخلل في ممارستك "النظرية" سوى نتيجة للتعامل الانتقائي مع المفاهيم و القوانين و حتى مع التاريخ، وبكلمة مع النظرية الماركسية اللينينية، و هذا التعامل الانتقائي مع النظرية هو بدوره نتيجة للزاوية من النظر التي تنظر من خلالها للواقع التاريخي و التي هي بدورها نتيجة للموقع الذي تقف فيه و اخترته في ممارستك تلك، وهو موقع الانتهازية و التحريفية و لن أضيف "الماوية" لأن هذه الأخيرة هي تحصيل حاصل للتحريفية والانتهازية. انك رجعت بقراءة التاريخ إلى ما قبل ابن خلدون و بالمفاهيم النظرية ودورها وترابطها إلى ما قبل كانط و بالممارسة السياسية إلى "أهل الردة" في كل الأزمان.
إشارة هامة لها علاقة بكل ما سبق:
هذا المدخل كان مخصصا في الأصل لمقال حول راهنية فكر الشهيد مهدي عامل في ذكرى استشهاده، إلا أننا وجدنا أن مجموعة من المقاطع في مقالنا ذاك تشكل أغنى رد نظري على الفقر النظري المدقع لزميلنا "الماوي". فكان هذا المدخل بهذا الشكل إعادة لبعض من فكر الشهيد و نقدا للتحريفية "الماوية". وبهذا نكون قد حاولنا ممارسة تلك الراهنية لفكره. لذلك سيجد القارئ في هذا المدخل بعض النفحات "العاملية" إن أسلوبا أو كلمات و ربما حتى بعض المقاطع مما كتب. لدا وجبت الإشارة. و في هذا الإطار احتفظت عن قصد بمفاهيم من مثل الكولونيالية عوض استعمال التبعية... وفاءاً منا لفكره و دعوة إلى الاطلاع عليه.
يتبع...
يونيو 2010
رفيق سعيدة
هوامش:
1- خالد المهدي، الحوار المتمدن - العدد: 2610 - 2009 / 4 / 8 .
2- رفيق زروال، الحوار المتمدن - العدد: 2577 - 2009 / 3 / 6 .
3- خالد المهدي ، الحوار المتمدن - العدد: 1276 - 2005 / 8 / 4 .
4- لينين :من مقال "الوحدة" المجلد 25 ص 80 .
5.- انجلز "لودفيغ فيورباخ و نهاية الفلسفة الكلاسكية الألمانية" .
6- دفاعا عن التاريخ، خالد الصقر، الحوار المتمدن - العدد: 2775 - 2009 / 9 / 20 .
7- في شهر يوليو1988 صرح غونزالو رئيس ح ش البيروفي كجواب عن أول سؤال في حوار مع مجلة EL DIARIO بما يلي: "إيديولوجية الحزب هي: الماركسية-اللينينية-الماوية-أفكار غونزالو". لنتخيل بعد قرن كم صفحة ستكفي فقط للإشارة إلى الايديوجيا خصوصا مع كثرة" المفكرين" و"الزعماء العباقرة" عندنا بالمغرب؟
8 - دفاعا عن التاريخ، خالد الصقر،الحوار المتمدن - العدد: 2775 - 2009 / 9 / 20.
9 - نشير على سبيل المثال أن تسمية "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية"، الذي كان يحمله المشروع الثوري المرحلي لمنظمة "إلى الأمام"، لا نجده إلا في أدبيات الشيوعيين بالفيتنام.
10 - ليس في هذا القول أي تجن على مسار فكر زميلنا والذي أوصلنا إليه التحليل، بل إن المعطيات كثيرة لمثل هذا الانزلاق إلى مواقع الفكر الظلامي و إن "بألفاظ ماركسية" و لنأخذ أحد الأمثلة على ذلك -زميلنا يتأول تطور النظرية "الماركسية" على النحو الكاريكاتوري التالي: كومونة باريس تشكل المادة أو الواقع أي هي الضرورة، هذه الضرورة أعطت الصدفة التي هي ماركس، ثم ثورة 1917 و وصول الرأسمالية إلى مرحلتها الامبريالية هما الضرورة التي أعطت صدفة اسمها لينين، ثم ظهور تحريفية URSS التي شكلت الضرورة أعطت صدفة اسمها ماو، والنتيجة التي يصل إليها هي أن " الماركسية اللينينية" مع ماو وصلت إلى" القمة" أي إلى"الماوية" هذه الأخيرة هي الإجابة و الحل لإشكالات الثورة بالمغرب ... نسي زميلنا أن يضيف اسمه كصدفة و الضرورة هي الجهل والأمية المتفشية في مغرب القرن 21 فتصبح المعادلة كالتالي : التشرذم و التراجع داخل حركة التحرر الوطني والانحطاط النظري والانتهازية كمظهر عام، تشكل الضرورة، و الصدفة هي خالد المهدي كمعبر عن هذا الواقع المزري و المنحط. هذا دون الإشارة إلى أن زميلنا أخد هذه الفكرة عن انجلز دون استيعاب و تعامل معها و كأنها قانون ماركسي و هي ليست كذلك. فالماركسية ليست كل ما كتبه ماركس و انجلز و لينين. ألم يقل زميلنا ذلك ؟ نعم لقد كتب ذلك، إذن لماذا يردد فقرة لانجلز قد نتفق معها و قد نختلف. انه الحفظ و الترديد دون استيعاب للنظرية. انه التعامل القرآني مع المقولات. إنها ظلامية القرن21 بألفاظ ماركسية! ثم ما هي الضرورة التي وجدت تكملتها في الصدفة التي اسمها انجلز ؟ أم أن ماركس و انجلز يقتسمان نفس الصدفة لنفس الضرورة؟ نتساءل أيضا عن الضرورة التي أعطت غونزالو في البيرو كصدفة بالنسبة للرفاق البيروفيين أم أنه يشترك بدوره مع ماو تسي تونغ في نفس الصدفة لذات الضرورة؟ أي منطق هذا و أي فكر زئبقي هذا الذي ما إن يبتعد عن النقل إلا خاصمه العقل ليسقط في الحفظ و النقل مجددا في حلقة مفرغة هي ذات الحلقة من الفكر الظلامي. كم سيكون مسليا ومضحكا وسخيفا لو ظهر بعد أيام زميل آخر يقول: "الحرب الأهلية في لبنان ضرورة تاريخية، و الصدفة هي مهدي عامل. ويضيف أن مهدي عامل هو من اكتشف و طور مفهوم نمط الإنتاج الكولونيالي و مفهوم البرجوازية الكولونيالية وطور التناقض الماركسي عبر تحديد حركته و شكل ممارسته من حركة انتبادية الى انجدابية وهو أول من حدد بوضوح أزمنة البنية... ليخلص هدا الزميل إلى أن حل كل إشكالات الحركة الثورية بالمغرب هو تبني "الماركسيةـ اللينينيةـ الماويةـ العاملية" !!!