|
علامات الاداء ومنظومه الديكور المسرحي في المونودراما
سامى الحصناوى
الحوار المتمدن-العدد: 3123 - 2010 / 9 / 13 - 21:52
المحور:
الادب والفن
قد تؤدى الصورة المرئية للخشبة بمحتوياتها من (ديكور، اكسسوار، ازياء، اضاءة) دورا في تشكيل معالم الرؤية الجمالية والوظيفية، والتمثيلية لما يجري فوقها وما سوف يستقبله المتلقي منها (سلبا او ايجابا) في اشكال الشخصيات وافعالها، والاحداث واماكنها وزمان حدوثها، وغالبا ما تحفز هذه الموجودات وفي مقدمتها (الديكور المسرحي) البعد الخيالي للمتلقي في شكل الاحداث وصورها خلف المنظور المتمركز انيا على خشبة المسرح، أي الاماكن المتخيلة المحيطة بذلك التكوين الماثل فوقها، اذ يمثل الديكور "النصف الاخر في المكان العام الخيالي الذي يحيط به والذي يتخيله المتفرجون من واقع الديكور كمكان الاحداث"( )، وهذه صفة سيميائية للعلامة المتخيلة لما ورائية المسرح وما يجري لأمتداد الخشبة من داخلها الى خارجها وبالعكس، وبذلك فان اشكال الاشياء وحجومها على الخشبة تعطي علامات مهمة في تكامل الصورة الواقعية مع نظريتها المتخيلة في الخارج فان "الديكور الذي هو بحجم طبيعي فهو اغنى لانه يتمتع بعمق واقعي، ولذلك هو اقرب الى الموضوع الحقيقي الذي يرمز اليه"( )، فجسد الممثل كتلة مادية محددة وثابتة نظريا، يقاس عليها ومن خلالها موجودات الخشبة والديكور المسرحي بالذات باعتباره كتلة كاملة او كتلاًمتغيرة ومصنوعة (تقريبا) عن مثيلاتها في الحياة الواقعية ويخضع في تجسيده لمساحة وحيز الخشبة وحركة الممثل بجانبه وداخله، ومن ثم فان المبالغة في حجم الديكور او صغره يقلل او يزيد من حجم كتلة الممثل (الثابتة) بالنسبة له ويخلق صورة مشوهة في ذهنية المتلقي عن الصورة المثالية التي انشاها مسبقا، اذ لابد ان يلتزم مصمم الديكور في عرضه المسرحي الدقة التاريخية والتقريبية لاحجام مثيلاتها في الواقع (اذا كانت موجودة او متخيلة) فلابد للديكور ان يحاكي "الاماكن العامة مثل البرلمان الروماني القديم او كتدرائية كانتربرى او دار الاوبرا الباريسية على خشبة المسرح بل ويستطيع ايضا ان يحاكي الاماكن الخاصة الداخلية في تشكيل يتخذ شكل العلبة"( )، وهذا ما يجعل هذه الدقة سمة اساسية في تقبل المتلقي لما يحدث على الخشبة من دون خلق فجوات بين الفعل ومحيطه فان "عيون الصالة كلها متجهة الى الديكور، كل واحد يبدي رايه في الدقة الاثرية الخاصة بغرفة منحوتة او باب مبطن بالحرير"( )، فان اول ما يراه المتلقي على الخشبة هو الديكور والمهمات المسرحية من اكسسوار وقطع ديكورية منتشرة هنا وهناك، فهو يريد ان يعرف اين تقع هذه الموجودات وفي أي فترة وفي أي زمان قبل ان يعرف ماذا يفعل الممثل بينها وداخلها، ولماذا فالديكور يعني للمتلقي "الدلالة على المكان الجغرافي (ميدان عام) او الاجتماعي (مسرح، قهوة) او كليهما (شارع تطل عليه ناطحات سحاب) ويمكن ان يدل الديكور او احد عناصره على الزمان، فالمعبد اليوناني دلالة لفترة تاريخية معينة، وسقف المنزل الذي يغطيه الجليد دلالة لفصل الشتاء.. وقد يكون الديكور دلالة للجنسية او الوضع الاقتصادي او الديانة"( )، ولما كانت العلامة بطبيعتها تحفيزا للعلامات الاخرى من حيث "هي واقع حسي على علاقة بواقع اخر يفترض بالاشارة اثارته"( )، فان الديكور (كعلامة) لا يحفز الصورة المتخيلة مسبقا والمرتبطة بذهن المتلقي فحسب بل على الفعل المسرحي نفسه، وبالتحديد فعل الممثل الحركي والشخصية وابعادها في المحيط نفسه الذي رسمه في مخيلته، كذلك فان الممثل نفسه يشترك مع المتلقي في تخيل الصورة النهائية لمكان الشخصية وحركتهاوعيشها(ليس في اللحظة الانية للعرض المسرحي) بل في التمارين الاولى للمسرحية(اثناء القراءة والحركة) ومن ثم فان اداءه سوف يتاثر تلقائيا بما يراه ويحسه من دقة ما يجلس عليه او يتحرك من خلاله او ينام فوقه او يتحاور او يتصارع داخله، وهذا ما حفز الممثل في المونودراما على الاداء الجيد بوجود هذا العون في بيئته (الخشبة وما توفره له من مستلزمات الراحة البدنية والنفسية) وبيئة شخصيته والشخصيات الاخرى (في دقة تخيلها وتنفيذها) في الزمن والمكان والتوجهات فالاداء يتاثر سلبا اذا احس ان الديكور اكبر او اصغر منه ولا يمثل الدقة في تجسيد محيط شخصياته او احس ان حركته اصبحت مقيدة بديكور حجم فعله المسرحي، لذلك فان اداءه يعتمد بشكل اساس على فعله الحركي المرتبط بقيمة الديكور الماثل على الخشبة، فانه ايضا يستعين (بالخشبة المتخيلة) وامتداداتها خارج حيز الديكور وموجوداته لكي تساعده على ابراز الفعل المتخيل وتضمينه وتلوينه وكذلك التعويض بالصوت عن ملحقات الديكور وتواجدها على الخشبة ففي مسرحية (بستان الكرز) لـ(تشيكوف) فان "البستان يلعب الدور الاساسي بستان الكرز هو على الخشبة ولكن لا نستطيع ان نشاهده، لم يشر اليه فضائيا بل عبر صوت ضربات الفؤوس التي نسمع وهي تقطع اشجار الكرز"( )، او من خلال الاداء الحركي (التعويضي) بالديكور المتخيل من خلال الحركة الايمائية او الاشارات اللفظية "فالديكور الدرامي مثلا لا يصور في اغلب الاحيان تماثلياً بواسطة وسائل فضائية ومعمارية او تصويرية، بل قد يشار اليه بايماءة (كما يحصل في الميمياء) وبواسطة اشارات لفظية او وسائل صوتية اخرى (المشهد الصوتي)"( )، لذا فان الباحث يرى ان يتجه الممثل في المونودراما الى الاداء في المسارح ذات الخشبة الصغيرة لتكون كتلته هي البارزة او تكون في بؤرة مركزية واضحة، حيث تكون القسمة عادلة ومتوازنة بين كتلته ومساحة الخشبة وموجوداته على الخشبة بما فيها الديكور المسرحي، وان تكون رمزية الى واقعها الطبيعي والاستغناء عن المجسمات الواقعية الكبيرة باخرى رامزة لها، للوصول الى التعبير الدلالي السريع والمفاجيء باستخدام الديكور البسيط في تغيير اماكن الشخصيات المونودرامية وأزمانهاوأشكالها، فاذا كانت الديكورات كبيرة ومجسمة فمن الصعوبة اجراء التحول العلاماتي في انماط عيش الشخصيات واختلاف اماكن تواجدها، فالسرعة مطلوبة وتحتاج الى زمن قياسي في التغيير كما انه لا يحتاج الى قوة عضلية لتغييرها بل حركة بسيطة لكي يتحول باب المحكمة او الكنيسة او الدار الى ممر او منضدة كتابة او طعام، او السلم الى ماذنه او برج للمراقبة او فنار او المداخل الى ممرات لقصر او دهاليز لسجن او اماكن للاخفاء والتجسس او للتنكر "ففي بعض الحالات يزود الديكور بوظائف خاصة بحيث يسمح بالظهور والاختفاء المفاجي."( )، كما يمكن استخدام نماذج متحركة (مزودة بعجلات) ومستقلة عن بعضها وصغيرة الحجم، حيث يمثل كل نموذج مكان عيش وتواجد كل شخصية على انفراد والحدث الخاص بها، حيث يسهل ابعاده او تقديمه للمشهد المطلوب والحالي على الخشبة بواسطة الممثل في المونودراما، كما يمكن اضافة لذلك تعليق معظم هذه النماذج او الموجودات الديكورية الاخرى، بحبال في سقف المسرح لتغييرها المتتابع بتغير المشاهد الخاصة بنمط عيش الشخصيات واماكنها، ولضرورة تحرير الخشبة وتحديد انماط اماكن الاداء في المونودراما وعدم اقتصارها على المكان المنصي، كان لابد من زج الصالة مع الفعل الدرامي من خلال اشراك (مكان الجمهور) مع المكان المنصي (عمل الممثل) لكي يعطي الاداء المونودرامي تنوعا بعيدا عن الجمود الحركي والمكاني، وجعل الصالة مكانا ديكوريا كساحة عامة او مكان تجمع الناس في السوق او اضراب لعمال المعمل او جمهرة في الشارع او المحلة.
#سامى_الحصناوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علامات الاداء ومنظومة الزي في المونودراما
-
سيكولوجيه تقنيات الممثل في المونودراما
المزيد.....
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|