|
جمال الغيطاني وأصدقاء العمر
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3122 - 2010 / 9 / 11 - 21:03
المحور:
الادب والفن
كنت أرتب كتبي كلها مؤخرا فوجدت بينها كتابا بعنوان حكايات لهانز كريستيان أندرسن ، فتحته ، وقرأت على صفحته الأولى عبارة بخط يدي : " انتقلت ملكية هذا الكتاب من جمال الغيطاني إلي أحمد الخميسي في التاسعة من مساء 16 فبراير 1964 " ! . لابد أنني تعرفت إلي جمال مبكرا جدا ، حتى أنني أذكر أنني كنت أدرس مقررات السنة الثالية من المرحلة الإعدادية مع أخيه اسماعيل في بيتهم ، أي أن علاقتي به تعود إلي قبل حصولي على شهادة الإعدادية ! أي أن صداقتنا تمتد لنحو نصف القرن ! ولم تكن صداقة اعتيادية ، فقد دخلت فيها مرحلة الصبا ، واختلاط الأهل ، والمشي في الشوارع ، والتسكع عند سور الأزبكية ، والقروض الصغيرة التي لا ترد ، حتى نشرنا معا لأول مرة في عدد واحد قصتين في مجلة القصة لدي ثروت أباظة . وأذكر أن الكاتب الراحل نظر إلينا مندهشا من جرأة هذين الولدين اللذين اقتحما عليه مكتبه ووضع كل منهما أمامه قصة وطالبه بنشرها ! العجيب أن الكاتب الكبير عاملنا برفق وحب وقرأ القصتين في حضورنا وأفادنا بملاحظاته بل ونشرهما ، فاعتبرنا أننا بذلك من كبار الكتاب واحتفلنا بالمناسبة ! وظل خيط الصبا والشباب يربط بيننا بقوة كصلة الدم الذي لا يصبح ماء ، رغم مرور السنوات الطويلة بهمومها حتى عدت للقاهرة فعرض على جمال ان اكتب لأخبار الأدب وقال لي : اكتب ما تريد . لم نكن نلتق كثيرا مؤخرا بحكم مشاغل الدنيا وزحمتها ، لكن كما يقول المثل الشعبي " لا البعد جفا ، ولا القرب وفاء " . ومرض جمال الغيطاني مرة وانا في الخارج فاهتززت بعمق ، وتصورت ان قوة غشيمة تحاول ان تنتزع مني افضل سنوات عمري . الان يعالج الغيطاني في أمريكا ويتماثل للشفاء بعد عملية قلب ، ويتخطي المرض بصلابة الرجل الصعيدي وبشعوره بأن محبة أصدقائه وأسرته العميقة تحيط به وتدفع عنه كل داء . الان ، اشعر مجددا ان جمال كان ومازال إحدى هدايا العمر ، بعد أن أمسي الأصدقاء القلائل الذين قطعوا معي مشوارا طويلا في الزمن، وفي القلق ، وفي الأمل ، هم كل شيء يقول المثل الشعبي : " الخيل الأصيل يشد في الأواخر " ، الصداقة أيضا تظهر صلابة معدنها حينما يقارب الشوط على الانتهاء ويكون عليها بكل السبل أن تفوز بالمعنى الذي يصبح الوجود معه : منطقيا وإنسانيا وآمنا ومطمئنا . قليلون في حياتي من تعتقت صداقتهم كالخمر من الزمن ، قليلون من أراهم هدية العمر : جمال الغيطاني ، وأبو بكر يوسف ، وحسام حبشي، ومحمد المخزنجي . أصغرنا حسام حبشي لأنه لم يتم الستين بعد ، وأكبرنا أبو بكر الذي تجاوز السبعين بقليل . حسام حبشي وأبو بكر من الصداقات التي نمت في الصقيع الروسي ، وقاومت الثلوج ، وتفتحت رغم كل شيء ، المخزنجي أيضا تعود علاقتي العزيزة به إلي فترة وجوده في الاتحاد السوفيتي ، وهي صداقات تمتد ما بين ثلاثين إلي أربعين عاما كاملة ، ساعدتني كل صداقة منها بطريقتها الخاصة في التشبث بأن العالم خير ، وإنساني ، وصالح لحياة البشر . أحيانا يبدو لي أولئك الأصدقاء مثل بيوت مختلفة أستريح في كل منها وقتما أشاء ، حسام حبشي مثل بيت على نهر حيث يمكن أن أمد ساقي في الماء وأستريح ، وأسرح ، وآكل ، ونتذكر كل النكات التي نعرفها ونضحك لها من جديد فأشعر أني مع أخي . أبو بكر يوسف يبدو لي مثل بيت في قلب مدينة عريقة ، حافلة بالأفكار والنقاش والكتب ، من دون أن يفقد البيت خفق قلبه الذكي العامر بالمحبة للآخرين والعالم . المخزنجي بيت معلق بخيط بين الأرض والسماء ، يهرب إلي السحاب ، معتذرا لأنه ليس كائنا أرضيا مئة بالمئة ، فأقبل بخيالاته المجنحة . كل منهم عزيز جدا بطريقة خاصة وعبر زمن طويل جدا . أما جمال فيبدو لي كأنه بيت من طفولتي ، وصباي ، وشبابي ، كأنه البيت الأول، وحين يمرض جمال تجري نحوه كل مشاعري بالمحبة والدعاء ، ندعو له من صميم القلب أنا وأصدقاء عمري ، معا ، بنفس واحد ، أن يعود إلينا سالما ، معافي ، قويا ، ومبدعا .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هنادي طه حسين تجدد موتها
-
- صعيدي - - قصة قصيرة
-
أمير زكي وقصصه الجميلة
-
بهاء طاهر والجامعة الأمريكية .. إلي متي ينهبون الأدباء ؟
-
وزير الثقافة ومؤتمر الثقافة
-
طائر المساء .. شوقي عقل
-
رحيل الروائي محمد عبد السلام العمري
-
نيفين الجمل .. قصائد ممنوعة
-
نصف ضوء .. عزة رشاد
-
فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !
-
المتهم - خالد - .. والقضاة عابرون
-
ماالخطر الذي تمثله الكمانجة على دولة إسرائيل ؟
-
غزة تبحر إلي العالم
-
الاستقواء بالخارج في السياسة والأدب
-
سلطان كازاخستاني .. الزعيم الأبدي
-
- واجب - قصة قصيرة
-
عن ذلك النور
-
بلدنا - قصة قصيرة
-
الطبيعة لا تجد من تراسله !
-
مقدمة في الفولكلور القبطي - ثقافة الوحدة الوطنية
المزيد.....
-
فسيفساء رومانية نادرة تظهر بعد آلاف السنين في قلب إنكلترا
-
حيوانات بانكسي تفاجئ لندن وتجذب الأنظار عن سر ظهورها المفاجئ
...
-
شاهد أشهر الأفلام الوثائقية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك ع
...
-
“ابنك هيطير من الفرحة” .. تردد قناة ماجد كيدز لمشاهدة الأفلا
...
-
-الملحد-.. المخرج محمد العدل: -الفيلم جاهز للعرض.. والفكرة ح
...
-
لطلاب الثانوية العامة.. مؤشرات تنسيق المعاهد الفنية للتمريض.
...
-
شاهد أشهر الأفلام الوثائقية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك ع
...
-
اعتُقل وأُحرقت كتبه وعاش منفيا.. جورجي أمادو -بيليه الرواية-
...
-
هوليوود.. اتفاق لاستنساخ أصوات الممثلين بالذكاء الاصطناعي
-
“يلا استقبلها للأولاد” .. تردد قناة وناسة الجديد على النايل
...
المزيد.....
-
القناع في مسرحيتي الإعصار وكلكامش لطلال حسن -مقاربة في المكو
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
(مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
كتاب نظرة للامام مذكرات ج1
/ كاظم حسن سعيد
-
البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
صليب باخوس العاشق
/ ياسر يونس
-
الكل يصفق للسلطان
/ ياسر يونس
-
ليالي شهرزاد
/ ياسر يونس
-
ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير
/ ياسر يونس
-
زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي
/ ياسر يونس
المزيد.....
|