|
متعة الكذب
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3122 - 2010 / 9 / 11 - 12:23
المحور:
كتابات ساخرة
قيل قديماً : أجملُ الشعرِ أكذبه .
وهذا الكلام صحيح 100% فلو وصف لنا أحد الشعراء محبوبتة بأسلوب صادق لَما اعتبرنا قصيدته جميلة فبدون كذب ومبالغات ومدح زائد لا يكون للحديث بهجة ولا حلاوة , وهذا لا ينطبقُ على الشعر وحده بل على كافة الأجناس الأدبية التي يكون فيها عنصر الخيال والتشويق هما الكذب بعينهما , فمثلاً أن يصاب البطل في الأفلام من أول طلقة رصاص ويموت لا يكون مجديا ولكن يجب أن يجعل المخرج البطل يقفز هنا وهناك وطلاقات الرشاشات تملأ المكان دون أن يصاب بأي طلقة منها عندها فقط نشعر بالمتعة ونحن نعلم علم اليقين بأن المخرج والمنتج والممثل كلهم كاذبون درجه أولى.
ونفس الشيء يحدث في الأماكن العامة فحينما أستمع إلى رجل صادق وهو يسرد مثلاً بقصة حقيقية وقعت معه لا أستمتع بحديثه إطلاقاً ذلك أن الصدق يخلو من المؤثرات الجانبية والجوهرية المهمة ولكن حين أستمع إلى متحدث كاذب أعجبُ جدا بشخصيته وببهرجته للحديث وبإضافته للمؤثرات التي ينسجها من رحم خياله وأوهامه , والكاذب يكذب ليضيف إلى حديثه جمالاً يستمتع بسماعه الحضور ممن يجلسون معنا ونحن نشرب الشاي أو القهوة وبصراحة أنا أحب الاستماع والإنصات للكذابين وأجد متعة ليس بعدها متعة وهم يكذبون في كل كلمة يقولونها ولا أقول لأحد منهم أنك كاذب بل على العكس أهزُ له برأسي إعجابا بحديثه الذي يفوق في أسلوبه أسلوب كُتاب السيناريوهات الجميلة والقصص الهزلية الساخرة , وأعرف رجلاً قريب لي جدا بحر البحور في الكذب حين يتحدث ومرة من ذات المرات تكامش أخي وقريب لي على باب داري وتضاربوا ضرباً خفيفاً ليس فيه أذى أي أنه لم يتسبب بالأذى لأحد ولكن قريبي الكاذب حين أقنع أخي بالذهاب للمخفر المركز الأمني لتسجيل شكوى ذهبتُ أنا معهم والذي قدّم الشكوى لم يتكلم بحرف واحد وبدأ قريبي الكاذب البارع بسرد الرواية قائلاً: خرجت من باب الدار على سماع أصوات نجدة وإغاثة وحين وصلتُ الشارع كان الدم قد سال وغطى نصف الشارع وهو من اتجاهين (صايدين) وفي الصايد الثاني كانت الحجارة وزجاجات البيبسي والكولا وأكثر من 5 رجال يضربون بهذا الرجل ضربا مبرحا بالعصي وبالزجاجات الفارغة وابن أخيه يبكي ويقول : ذبحوا عمي ..عمي مات ..وأم المضروب تشقُ بثوبها على الدرج وراحت في غيبوبة سكر وهي الآن في المستشفى الله أعلم تعيش أم لا تعيش , والناس يرتجون بالسفاحين بأن يتركوه والرجل يئن تحت ضرباتهم والكل يناشدهم الرحمة ....إلخ وأريد أن أضيف ملحوظة على هذا الشخص وهي أنه فعلاً لا يقرأ ولا يكتب علماً أنه لا يتحدث إلا بلغة النحو العربي الفصيح وتكاد تحسبه وأنت تستمع إليه أنك تستمع لمؤلف كتاب الأغاني أو لابن المقفع في كليلة ودمنة أو للجاحظ في كتاب البخلاء .
وصدقوني أن مدير المركز الأمني استاء جدا وعلى أثر كلام قريبي الكاذب أمر بتحريك قوة كبيرة من عناصر الشرطة لتغطية المنطقة وللسيطرة على الأمن وإعادة الهدوء للسكان المدنيين الآمنين في مساكنهم علماً أنه لا يوجد شيء مما حصل وكل القصة أن أخي خرج من البيت فالتقى برجلين يتضاربون من أقربائنا جميعا فقام أخي بنصرة المغلوب وفك يد الغالب من عُنق المغلوب بدون صوت أو حركة وانتهى الموضوع ولكن قريبي الكاذب صور الوضع وكأنه انقلاب عسكري دموي في أسلوب درامي بارع جدا ولو تحدث في المركز الأمني حديثاً صادقاً لَما أحدث المتعة في نفوسنا ولما أحدث الإثارة في مكتب الشرطة.
وقريبي هذا ليس هو الوحيد الذي يكذب بأسلوب حلو وجميل فالذين يكذبون مثله كُثر وبالمناسبة كذبهم ليس ضارا بل كذبهم كذباً نافعا فهم فقط يضيفون خيالاتهم على الحديث ويجعلونك تستمتع وهم يسردون في قصصهم.
والصادقون في أحاديثهم تكون أحاديثهم على الأغلب مملة وليس فيها أي متعة أو رونق من روانق المتعة في الكلام , وأنا شخصيا أستمتع جدا وأنا أنصت لأحاديث الكذابين الذين يسرحون بي بعيدا وهم يشبهون كُتاب السيناريوهات الخيالية التي تعتمدُ على التخيل واليوتوبيا والفنتازيات , وأعتقد بأن الدجالين والكذابين لو أتيحت لهم الفرصة لكتبوا أجمل السيناريوهات للتلفزيون وللسينما , فهم كُتاب مجهولون ينتشرون في الحواري والجلسات العائلية وتجدهم يقصون القصص والحكايات بأساليب حلوة وجميلة ومثير ة, وهذه العناصر يجب أن تكون متواجدة في أصول كتابة المقال الأدبي والقصة القصيرة والرواية حيث يكون لتصاعد الدراما جانبا مهما من جوانب التفاعل مع الأحداث وهذه العناصر المكونة مع بعضها البعض تؤدي بالنهاية إلى خلق عُنصر التشويق في القصة القصيرة وكافة الأجناس الأدبية.
صدقوني أنني أستمتع جدا في الجلوس مع الكذابين والفشارين , فالجلوس معهم له متعة ورائحة زكية بخلاف الجلوس مع الصادقين في حديثهم , فالكذابون أخيلتهم واسعة جدا وينقلوك عبر أخيلة من خلال إسهابهم في الكذب واليوم قلتُ لقريبي الكاذب لو أقامت الدولة بطولة في فن الكذب لكنت أنت بطل الحاره والقرية والمدينة والدولة وللعبتَ على نهائيات كأس العالم في فن الكذب ذهابا وإيابا على إستاد (عش الطائر) الصيني.
واستمعوا مني لقصة من أقاصيصه العجيبة : مره وأنا راكب بالسيارة كنت مسرع جدا جدا وأشرت لي دورية شرطة للتوقف فتوقفت واقترب مني شرطي السير وطلب مني رخصة السيارة ورخصتي وكان الشرطي يلبس على رأسه خوذه قوية جدا لونها أزرق مصنوعة من الفولاذ فضربت الشرطي على راسه برأسي وهو يلبس الخوذه وانطعجت الخوذة من شدة الضربه وانا ما صار براسي أي شيء إلا خدش بسيط وارتمى الشرطي على الأرض وراح في غيبوبة وركبت سيارتي ولحقت بي دورية الشرطة فشديت على بنزين السيارة وزادت سرعتي إلى سرعة 180كيلو متر بالساعه وعززت الشرطة من دوريات المرور والملاحقة وكنتُ أسير بدون توقف حتى الشاحنات الكبيرة كنت أمر من تحتها بالسياره ونزلت وادي كبير جدا غير مُعبد (مُزفّت) ولم تستطع دوريات الشرطة اللحاق بي فلحقت بي مروحيه نوع كوبرا وظليت مُصر وساحب في السياره حتى أجيت على سد مائي نزلت فيه وبقيت كاتم أنفاسي مدة 10 دقائق حتى ذهبت المروحية وبعدين خرجت وأخذت تكسي طلب خاص وروحت على الدار.
وسمعت مره من الناس عن كذاب آخر ممتع جدا في تخيلاته وفانتازياته وكذب كذبه وقاطعه أحد الزوار وبعدين طلبوا منه الجماعه السهرانين معه تكملة كذبته أقصد حديثه والقصه كالتالي:
قال: وأنا ماشي في الوادي لوحدي ظهر لي ضبع بأسنان حاده وقويه وهجم على وجهي هجوم الكواسروأراد عضّي فسحبت الخرطوش وسددته على وجهه وضربته طلقتين وسحبت سكينتي وبدأت بشريح الضبع وقطعت فخذته اليمين ووضعته على كتفي وبعدين قطعت الفخذه اليُسرى ووضعتها على كتفي اليسار ومشيت..
طبعا إلى هنا توقف الرجل عشان دخل على الجلسه زائر جديد فبدأ الجميع بالترحيب به وبعد ما أنهوا الترحيب بالضيف نظروا للكاذب وطلبوا منه إكمال حديثه أو قصته ولكن الكاذب لشدة أكاذيبه وكثرتها نسي شو الحديث أو شو أي كذبه كذبها فقال للجماعه : يا جماعة الخير ذكروني وين وصلت أنا بالسوالف ؟ فقالوله : وصلت عند ما حطيت الفخذه اليمين على كتفك اليمين والفخذه الشمال على كتفك الشمال , فقال : صح , وبعد هيك ظليت نازل ...فيها دح..دح..تك..تك..دح حتى الصبح , فقالوله : يا رجل مش افخاذ حرمه اللي انت حطيتهن على اكتافك أنت كنت تحكي عن افخاذ الضبع.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إضاعة الوقت
-
هل أنت صاحب خبره؟
-
سيئ جدا
-
الحاضر الغائب
-
الحب بالطرق الملتوية
-
فساد المظهر
-
عائلات يهوديه مسلمه
-
الحاجة ليست أم الاختراع
-
أنت في حياتي
-
ثلاثة أضعاف حجمك
-
الحق على العده
-
رمضان كريم
-
رسالة إلى الأستاذ نبيل
-
إلا الحمقى
-
أمي عليها السلام
-
هل هذا مُدهش؟
-
سيكولوجيا اللعب
-
مغارة اللصوص
-
التنمية السياسية
-
من أفضل من يتحدث عن الفساد؟
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|