|
رائد الشعر العربي المعاصر يُعَطِّرُ الكُرْدَ بشِعْرِهِ
بلند حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3119 - 2010 / 9 / 8 - 23:44
المحور:
الادب والفن
منذ نصف قرن، يتحفنا(أدونيس)(1) بحضوره المتميّز في مجال الابداع الشّعري والفكري، وهاهو اليوم يحذو حذو محمد مهدي الجواهري ومحمود درويش وغيرهما، في تناول الشأن الكردي في مجموعته التي صدرت مؤخراً تحت عنوان:(فضاء لغبار الطّلع)(2)، تضم بين دفتيها من بين ما تضمه، مطولته(جَذْرُ السَوْسَن) عن الكرد عامة وكردستان العراق خاصة، لأنها عانت من الابادة الجماعية/الجينوسايد(السلاح الكيمياوي وحملات الأنفال السيئة الصيت) في ظل نظام شمولي، حيث تستوقفه شاهدة أحد القبور في(حلبجة)، نُقِشَ عليها عبارة، يُستشف منها نكهة التحدي وعطر الياسمين والنرجس في آن، تقول:(يستطيع القصف الكيميائيّ أن يقتل كل شيءٍ إلاّ الحبّ). أمام هول ما ارتكبته السياسات العرجاء هذه من ويلات، بدأت تنتاب أدونيس هواجس تطفح بنبض الحياة لاستنطاق آليات التاريخ المتشظي من الداخل، فمضى يُعَرّي الواقع من رياء المؤرخين، ولسان حاله يقول: لايحقُّ لنا أن نضفي على التاريخ المعاني التي نريدها، بل يجب نسف أسس الأنساق الثقافة التي تؤمن بشَرْعَنة إقصاء الآخر وتبخيسه، ودَكُّ أركان تلك الأنماط الذهنية القائمة على تصنيف الناس إلى إبن الست وإبن الجارية، فيقول: [أبجدية التاريخ مرايا مكسّرة: قطع زجاج تستغيث ـ اطلبوا من العذاب أن يهدهد الطفولة، اطلبوا من العِطر أن يرسم خرائط الورد في أجسام النساء، اطلبوا من العين أن تتوسّل النهار لكي يكتب تاريخ الليل، وانظروا ـ في كلّ زاويةٍ من الأمن الأحمر، سؤالٌ ينعصر العِراقُ بين أسنانه. ممرٌّ رواقٌ تحيط بك، فيما تعبره، قطعُ زجاجٍ ـ مرايا بعدد الكُردِ الذين أنفلهُمُ الطغيان: مئةٌ وثمانون ألف قطعة. في سقفه تتلألأ خمسة آلافٍ من المصابيح بعدد القتلى الذين خلّفهم القصف الكيماويّ. لم تعد بناية الأمن الأحمر، بفعل هذا الرّواق، مجرّد كهوفٍ تغصّ بأجسامٍ عُلّقت أو صُلبَت أو مُزِّقت، تحوّلت ـ صارت عملاً فنّياً لتمجيد الإنسان، ومنارة لأخلاق العمل والنضال. كان الرواق ممرّاً مفتوحاً على العذاب، وصار اليوم، بفعل الفنّ، رواقاً مفتوحاً على الحريّة. وكلّ ما كان رمزاً للموت أصبح رمزاً للحياة...]. يدرك أدونيس المحن والنكبات التي ألمّت بالشعب الكردي عبر التاريخ، ويعي حجم وفداحة السياسة التي بعثرته شذراً مذراً، فيتساءل: [الكرديّ آخرُ لذواتٍ متعددة ـ عربية، تركية، فارسيّة(أذلك امتلاءٌ أم فراغ؟) كلٌّ منها تحاول أن تنفيه. لكن أليس نفي الآخر نفياً للذات؟]. وينتهي به الجدل إلى القول:[نعم، أيتها اللانهاية، سأقيم القطيعة مع بشرٍ تتقطّع حبالُ أصواتهم بين شفتَي تاريخٍ كاذب، ولن أخلقَ على صورتكِ إلاّ شيئاً واحداً: الشّعر]. وكأني به يريد القول: لا يمكن تشييد وطن حر وشعب سعيد، وفق روح الجاهلية، الروح التي تقوم على التنكيل بمن يعارض السلطان، هذا الواحد الأحد، أو كأنه يودُّ أن يحيلنا إلى وصية(أبو جعفر المنصور) لابنه(المهدي)، كي نتأملها من باب استلهام العبرة، والتي أوردها الطبري: أوصيك بالسلطان يابني، فهو حبل الله المتين، وعروته الوثقى، ودين الله القيم، فاحفظه وحصّنه وذبّ عنه وأوقع بالملحدين فيه ـ يعني ظلم السلطان وليس الدين ـ واقمع المارقين منه، واقتل الخارجين عليه بالعقاب والتمثيل والتنكيل. يا بني، إني جمعتُ لك من أموالٍ مالم يجمعه خليفة قبلي، وجمعتُ لك من الموالي(المسلمون من غير العرب) مالم يجمعه خليفة قبلي، وبنيت لك مدينة(يعني بغداد) لم يكن في الاسلام مثلها. أوصيك بالمال والمُلْك في الغداة والعشية فلازمهما فلا تفترقان. هذه الوصية وأمثالها من الأنساق الثقافية، تنطوي على عيوب خطيرة، أكاد أزعم أنها أحد أسباب محنتنا، بعد أن أستنسخت وتناسلت، حتى غدت قيمة تُحتذى في التعالي على الآخر، وسلوكاً ثقافياً للمباهاة يُعاد إنتاجه على مدى التاريخ، بغية نَمْذَجَة الشخصية(تدجينها). إن هذا الخطاب ليس من إنتاج المنصور الأول ولا المنصور الثاني(صدام)، بقدر ما هو موروث مُستَلْهَم، هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب القول، ان النخب السياسية والثقافية والاجتماعية، العربية والتركية والفارسية اليوم مسؤولة هي أيضاً عن ترويج هذه الصورة النمطية وترسيخها، سواء آثرت الصمت إزاء الضيم الملحق بالكردي أو ظلت مصفقة للطغاة. من هنا تأتي أهمية القصيدة الأدونيسة السالفة الذكر التي لاتنطق عن الهوى بنظري، كمكاشفة صريحة حول ثنائية السائد والمهمش أولاً، ودعوة إلى الاحتكام للعقل الراجح والمنطق الرصين ثانياً، لأن الحق لايعوزه الدليل ولاتنقصة الحجة ولايكتنفه الغموض. ــــــــــــــــ 1 ـ علي أحمد سعيد، تولد1930م، شاعر وناقد ومفكر لبناني، سوري الأصل، أسس مع يوسف الخال مجلة شعر عام 1957م، له مجموعات شعرية عدة، منها: أغاني مهيار الدمشقي...الخ. 2 ـ الطبعة الأولى، سبتمبر 2010م، كتاب شهري، دأبت مجلة(دبي الثقافية) الصادرة عن دار(الصدى) للصحافة نشره.
#بلند_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
همومُ الكردي في المَنْفى
-
التقليد الروماني الذي تلقفته تركيا
-
(هنيئاً لمن يقول بعد اليوم: أنا تركي)!
-
بئس هذا الاعلام المسكون بهوى أنقرة
-
الحِراك التركي: خمرٌ قديم في أوانٍ جديدة !
المزيد.....
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|