مهند صلاحات
الحوار المتمدن-العدد: 943 - 2004 / 9 / 1 - 10:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شعوب العالم الأول التي تعيش أرقى درجات الترف والرفاهية في كل ظروف حياتها....
ففي دول أمريكا وأوروبا لا يحتاج المواطن الوقوف طابورا لمدة ست ساعات على باب المخبز ليأخذ خبزا أو خمس ساعات على شباك إحدى الدوائر الحكومية لتوقيع معاملة حكومية , وعندما يصل يجد أن الدوام قد انتهى فيضطر للعودة مرة أخرى في اليوم التالي والذي بعده ....
وفي دول العالم الأول كما يسمونها يعيش الفرد مزهوا بتاريخه السابق ... ومتباهيا بحضارته الحالية
يحيى المواطن في تلك البلدان حياته المصحوبة بالفخر من الإنجازات التكنولوجية والسياسية التي حققتها دولته
هذا الفخر الذي ينسيه تاريخه السابق إن كان هزائما أو إنتصارات ...
يعيش لحظات حياته مستعدا لاستقبال المستقبل بكل راحة نفسية وطمأنينة بما قدمه في حاضره ليحضر المستقبل فيصبح حاضره تاريخا مشرقا يسجله في صفحات الذكريات وكتب التاريخ.
وحده المواطن العربي يعيش حياته واقفا في طوابير كالأغنام أمام المقصلة منتظرا دوره في كل شيء ...
في شراء رغيف الخبز .
وفي توقيع معاملة حكومية تحتاج لأسبوع في الطوابير حتى تستطيع مقابلة عطوفة الموظف الحكومي ليقوم بخربشة قلم على المعاملة.
وفي الوقوف بطوابير للحصول على الماء .
وساعات أمام المستشفى للحصول على الدواء.
وساعات في طابور البريد لإرسال رسالة لابنه أو أخيه الذي هاجر إلى أمريكا أو أوروبا هربا من تلك الطوابير التعيسة وتردي الأحوال الاقتصادية والسياسية.
مثل هذه الظروف التي يمارسها المواطن العربي روتينا يوميا في حياته جردته من أماله وطموحاته نحو الحياة .. وجعلته دوما خائف من زائر قادم غريب يسمى المستقبل .
المواطن العربي من الخليج إلى المحيط هو الوحيد الذي يكره الحاضر والمستقبل ويعيش حياته ناقما على حاضره خائفا من مستقبله.
الشيء الوحيد الذي يشعر المواطن العربي بأنه إنسان ... وربما هو الشيء الوحيد الذي يجعله يؤمن بأنه على قيد الحياة, ما درسه في المدرسة والجامعة وما سمعه عن جده وأبيه من حكايات التاريخ المشرق المليء بالانتصارات ....
لقد أصبح المواطن العربي مصابا بحمى التاريخ , فلا نكاد نجد مناسبة أو موعدا للخطابة أو كتابة كلمة في ذكرى زواج أو وفاة أو مهرجان خطابي إلا نجد فيه تمجيدا للتاريخ وتمسك فيه .
ربما لم يصل ألينا معظم التاريخ العربي عبر القرون السابقة
وربما ناله الكثير من التشويه والتزوير بفعل الصراعات السياسية وكما قال مارك توين (لو كان الموتى يتكلمون لما كان لتاريخ مجموعة أكاذيب)
وربما نسي أستاذ التاريخ في المدرسة أن يعطينا جميع المادة المقررة في الكتاب .
لكن الشيء الوحيد ... والحقيقة الحتمية الوحيدة أن شعوبنا العربية لا تجد اليوم ما تفخر به سوى تاريخها
فهي من الخليج إلى المحيط مصابة بما يسمى حمى التاريخ.
وهذه هي الحتمية التاريخية الثانية إلى جانب الهزائم المتتالية التي يمكن أن نضيفها إلى التحليل الاجتماعي والنفسي للمجتمع العربي.
#مهند_صلاحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟