|
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الخامسة ، 62 للهجرة)
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 3114 - 2010 / 9 / 3 - 14:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الغزوة الخامسة هي ردة فعل أموية إذ ( ولي يزيد بن معاوية على بلاد إفريقية والمغرب كله ، عقبة بن نافع الفهري ، وهي ولا يته الثانية على إفريقية ) [1] وحاول عقبة الإنتقام من خصمه أبا المهاجر دينار ، وإن كانت فترة حكمه قصيرة في مدتها(64/62) هجرية ، إلا أنها مليئة بالأحداث الجسام ، وأبانت عن خطأ استراتيجي واضح المعالم ، فما أن حط عقبة رحاله بالقيروان حتى عمد إلى تكبيل أبا المهاجر بالحديد ،وصادر ما معه من أموال ، وحتى صديقه آكسل الأمازيغي المسلم لم يشفع له إسلامه ، وهو الأجدر بالمعاملة الأحسن ، لأنه من المؤلفة قلوبهم ،وملكٌ لقومه ، وخرب تيكيروان ، وأعاد لقيروانه الساكنة والحياة ، ومن هنا يتضح أن عقبة بن نافع كان شاكيا وحريصا على رغبة الرجوع لقيادة الغزو في شمال إفريقيا ، وقدم وهو يحملُ في ذهنه دهماء الإنتقام ، والتعويض عما فاته من التوسع حتى يكون صاحب شارة الإمتياز أكثر من خصمه المهاجر دينار . قدم عقبة إلى إفريقية والقيروان ومعه جيش عدته خمسة عشر ألفا ، من بينهم 25 رجلا من صحابة الرسول ،،زيادة عن الجيش الذي ورثه عن المهاجر دينار ، ويمكن تتبع نشاط عقبة في غزوه ، بداية من خروجه من القيروان ، ومقتله في تهودة ، وقراءة النتائج المتوخاة عن حملته الطويلة المستوحاة من أقوال المؤرخين الذين درسوا الظاهرة العُقبية فيما سيأتي .
*** غزو وإساءة .... و بلا منتهى .... اتضح أن عقبة أحس بنقيصة ارتكبها في غزوته الأولى ، وهي ركونُه لبناء القيروان ، دون توسع يذكر ، وتعويضا عن ذلك جاء هذه المرة مشحونا برغبة جامحة لغزو كامل بلاد المغرب ومسحه ، لعل ذلك سيشفع له لدى الخليفة الأموي الدموي يزيد بن معاموية ، لهذا انطلق في غزوه من القيروان ومعه جيش كبير ، شارك فيه الأمازيغ من أوربة البرانس ، وسار باتجاه (باغايا) بعد أن ترك حامية من المسلمين تعدادها ستة آلاف مقاتل ، بقيادة زهير بن قيس البلوي بالقيروان ، مرورا ( بمسيلة ) وصولا إلى تيهرت التي خاض بها معركة قوية ضد الأمازيغ ومن ناصرهم من البزنطيين ،وفي ( بغايا) أساء عقبة لآكسل وأهانه بأن أمره بسلخ الغنم ، فقال له آكسل ، ( أصلح الله الأمير ، هؤلاء فتياني وغلماني يكفونني ، فنهره عقبة قائلا : قم ؟؟ ، فقام كسيلة مغضبا ....) قال أبو المهاجر لعقبة ( أصلح الله ألأمير ، ما هذا الذي صنعت ؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب ،كالأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن ، وأنت تجيء إلى رجل هو خيار قومه في دار عزه ، قريب عهد بالكفر ، فتفسد قلبه )[2] ويبدو أن آكسل(كسيلة) أدرك نوايا عقبة ولاحظ الفرق بين معاملة المهاجر ومعاملة عقبة للأمازيغ ، فأدرك أن الحل هو الإفلات من القيد ، ففر من المعسكر واعتصم بجبال أوراس ، وبدأ في تكوين نواة مقاومة ضد خصمه عقبة . استمر عقبة زاحفا غربا ، غازيا للقرى والمدن ، يقتل بلا رحمة ،ولم تسلم من سيفه حتى القبائل التي سبق وأن أشهر ت إسلامها ، مثل قبائل أوربة ، فعند بلوغه طنجة ، نصحه ابو المهاجر دينار بعدم التعرض لقبائل أوربة البرنسية المسلمة ،لأنها أسلمت بإسلام كسيلة ، وليس هناك ما يدعوا إلى غزوها ، (فأبى عقبة أن ينتصح) ، ولعل هذا سببا كافيا لكسيلة للخروج عليه وترصده في الطريق، وتوالت الهزائم عل الأمازيغ ،وكثر فيهم القتل على أيدي المسلمين ، ورغبة منه في زيادة التوسع ترك أهل افريقية متحصنين بحصونهم ، وأوغل في الغرب يقتل ويأسر امة بعد أمة ، وطائفة بعد طائفة[3] ،ودلهُ يوليان على مواطن الأمازيغ فيما وراء جبال الأطلس ، فهزمهم هزيمة نكراء ، وطاردهم حتى درعة ، فقاتلهم قتالا عنيفا لم يشهد الأمازيغ مثل عنفه وشدته ، (ولما بلغ الماء بطن فرسه رفع يديه إلى السماء وقال : يارب لولا أن البحر منعني ، لمضيت في البلاد إلى مسلك القرنين مدافعا عن دينك ، مقاتلا من كفر بك )[4]، وأثناء رجوعه عن طريق الصحراء ترصد له آكسل في تهودة ، واقتتلا مبارزة ، وفيها قتل عقبة ومن معه ، ولم يسلم إلا القلة القليلة فداهم صاحب قفصة ، وبعث بهم إلى القيروان . ( فأنقلبت إفريقية نارا ، وعظم البلاء على المسلمين ) [5] ، وبمقتل عقبة في تهودة أنقلبت انتصارات المسلمين إلى هزيمة ، وأصبح القيروان مهددا ، ويذكر المؤرخون أن زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان أصابه هلع وخوف ، وطلب أحدهم الإنسحاب إلى مصر قائلا ( يا معشر المسلمين ، من أراد منكم القفول إلى مشرقه فليتبعني ، )[6] فاتبعه الناس ، فنزلوا ببرقة ليبيا مرابطون في انتظار ما ستسفر عنه مشاورات الخليفة عبد الملك بن مروان، وتقدم آكسل بجيشه نحو القيروان فسأله أهلهُ الآمان ، فأجابهم إلى ذلك ، (ودخل القيروان في 64 للهجرة ، وجلس في قصر الإمارة أميرا على المسلمين الأمازيغ ، ومن بقي في القيروان من العرب) ، وبذلك خرجت إفريقية من يد العرب بعد جهد غزو دام أربعين عاما ، غير أن الإسلام باق في صفوف الأمازيغ ومنهم آكسل ، فهي معارك قومية أكثر منها معارك دينية. *** المتتبع لسلسلة المقالات حول الغزو العربي لشمال افريقيا لا شك وأن أمورا ارتسمت في ذهنه ، وأن أفكارا ترسخت في وجدانه ، ولا بأس من قراءة متأنية لوقائع غزوة عقبة بن نافع الفهري الثانية( 64/62 هجرية) ،وتبيان الفروق الجوهرية بين مفهومي الفتح والغزو . 1) الغزو يعني استعمال القوة والسيف في اخضاع الناس والمجتمعات ، ويذكره المعجم الوسيط ب( السير إلى قتال العدو ومحاربته في عقر داره )، هدفه عند بعض المسلمين ، نشر الإسلام وتطهير الأرض من الكفر والكافرين ؟؟ وقد عُرفت الأفعال الجهادية في عهد الرسل بالغزو أو الغزوات ، فكانت غزوة أحد ، وغزوة حنين ، وتبوك....وكلها غزوات أريقت فيها دماء ، باستثناء فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة الذي كان عملا سلميا فهو فتح أكثر منه غزو بحيث كان الشعار ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )، فكلما قال البعض بأنه فتح إسلامي مبين ، قلنا( لا) بل إنه غزو عربي مشين . 2)الفتح هو مصطلح مهذب وعاطفي للإحتلال ،وهو تخفيف من وقع وهول الغزو ، غير أنه غير صادق ، فهو حاضر حيث يتم تبليغ الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويختفي ويتنحى، تاركا مكانه لمصطلح (الغزو) عند الإحتكام للسيف وإراقة الدماء ، والأصل في الفتوح هو تبليغ الدين بالسبل السلمية ، ومن هنا فكل الفعل العربي الإسلامي في شمال افريقيا، منذ الغزوة الأولى هو فعل هجومي ( جهاد الطلب )، أستعملت فيه القوة والقتل والسبي ، فهو غزو أكثر منه فتح ، والقتال ليس وسيلة مثلى لنشر الإسلام ، أو لإخضاع الناس والمجتمعات لسلطان المسلمين ، و يفترض في المسلم مهما كان الحال أن لا يبدأ بالقتال . 3) من هنا يتبين أن غزوة عقبة الثانية أجهضت فعل العرب المسلمين على مدار الأربعين سنة الفائتة ،وأعادته إلى نقطت الصفر، لأنه تبنى جهاد الطلب دون ضوابطه ، فهو غاز أعمته العنصرية، وهو طالبُ حق لكنه أخطأه ، فقد أهدر جهد أبا المهاجر دينار السلمي كلية ، وأظهر وجها سلبيا للإسلام، في التعامل مع المؤلفة قلوبهم ، من قبائل البرانس ، وذاك ما سبب انقلابا في موقف الأمازيغ من مرحبين إلى مقاومين . 4) موت عقبة في تهودة ،وتراجع العرب المسلمين نحو الشرق ( برقة ) خوفا من تنامي خطر الأمازيغ بقيادة آكسل ، لا يعني انهيار الإسلام في تمازغا ، قدر ما يعني انهيار جبروت عروبي باسم الإسلام ،فالإسلام بقي محصنا في قبائل بترية من نفوسة ومصمودة وزناتة ، وقد سبق ( لصولات بن وزمار) المغراوي الأمازيغي منذ عهد الخليفة عثمان أن بحث عن الإسلام في منبعه ،وهي رسالة مفادها أننا في حاجة إلى الإسلام الحقيقي ، ولسنا بحاجة إلى حُراسه . 5) غزوات عقبة بن نافع الفهري في المغرب الأوسط ، وإقليم السوس ، هي غزوات فيها استعراض للقوة دون غاية تذكر، يحاصر مدينة أو قرية منقضا، يقتل ويسبي ويغنم ، ويترك في نفوس الناس ذكرا سيئا عن الإسلام الذي يجهلونه ، وإنما عرفوه من أفعال عقبة ومن معه ، دون ترسيخ قيم ثابتة معلومة في المكان ، ويغادر باتجاه أماكن أخرى لإعادة الإنقضاض عليها ، فلم يكن نشر الإسلام غاية واضحة في ذهنه ، فإن كان يطلب ذلك فقد أخطأ السبيل ، لأن نشر الإسلام يستلزم خطة وأسلوب ، كالتعرف على أهل البلد ، وعرض الإسلام ، والتخيير ، كما فعل أبا المهاجر دينار ، فهو لم يكن من أصحاب السياسات المرسومة المدبرة ، ولا الغايات البعيدة ، قدر ما وهو ولي صالح ، لا تدبير له ، وإنما يمضي في سبيل الله متوكلا عليه ، يدك قلاع المشركين ، ويلتمس الشهادة في سبيل ذلك ، ذاك ما يتضح من خلال خطبه الوعظية البعيدة عن رسم خطط القتال وأبعاده ومراميه ، فهو واعظ ديني أكثر منه قائد حملة للفتح الإسلامي . 6) فلو استكمل عقبة بن نافع خطة أبا المهاجر دينار السلمية مع آكسل( كسيلة)، لكان مقتصدا في الجهد والوقت ، فجسارته في الغزو ، هي التي كانت سببا في خسارة حلف الأمازيغ ، وانقلابهم من حلفاء إلى أعداء ، فاصبح المسلمون في نظر الأمازيغ بفعلته هم طلاب مغنم ودماء ، أي أنهم يحبون الحرب والسبي والتجارة بالبشر ، وكأن رزقهم تحت ظلال رماحهم ، وأنهم أُمروا لقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله . 7) حياة عقبة الجهادية تناولتها الألسن بالزيادة ، وأضافت لها تلوينات وخوارق لا يقبلها إلا السذج ، تلك التلوينات هي التي أثارت الدهشة والإعجاب لتترسخ في العقل الباطن ، وذاك ما فعله وشجعه الأتراك عندنا فيما بعد ، وظهرت القباب والأولياء تباعا ، واستمر الحال في عهد فرنسا ، لأن الفكر فيه تخدير للأمة ، وفيه مصالح تُجنى على حساب المجتمعات المخدرة النائمة .
خلاصة القول أن غزوة عقبة بن نافع الفهري الثانية والأخيرة...، كانت انتكاسة كبرى لجهود المسلمين السابقة ، وإجهاض لجهد أبي المهاجر دينار السلمي في نشر الإسلام ، و إهدارٌ للأربعين سنة من التواصل ، فأعاد عقبة الجُهد إلى نقطة الصفر، بخروج العرب المسلمين من إفريقية باتجاه (برقة)، لفترة زادت عن خمس سنوات ، كان فيها آكسل ( كسيلة ) سيد للموقف في إفريقية دون اضطراب يذكر ، في وقت كانت الخلافة الأموية بدمشق تحشد حشودها استعدادا لاسترجاع ما فقدته ، عبر حملات وغزوات أخرى جديدة متجددة .
الهوامش ********************** [1] ابن عذارى المراكشي ، البيان ...ج1 ص 23. [2] نفس المصدر السابق ، ج1 ص 29. [3]نفس المصدر السابق ج1 ، ص 26. [4] ابن عبد الحكم ، فتوح المغرب ص 72. [5] المالكي ، رياض النفوس، ص 28. [6] ابن عبد الحكم ، فتوح المغرب .. ص 70
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغزو العربي للشمال الإفريقي ( الغزوة الرابعة55 للهجرة )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا( الغزوة الثالثة، 50 للهجرة )
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الثانية ،45 للهجرة)
-
الغزو العربي لشمال إفريقيا ، (الغزوة الأولى ،27 للهجرة)
-
آية السيف ، بين التفعيل و التعطيل .
-
المنسي والمستور من جهاد طارق بن زياد .
-
أي عروبة لابن باديس في الجزائر ؟؟؟
-
حرملك الحاج أحمد باي بقسنطينة .
-
و بنوأمية ..هم عرابوا الفكر الشعوبي .
-
من الخصي البيولوجي ، إلى الخصي المعنوي .
-
الأمازيغي آكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد وطن ؟ أم جهاد دين ؟ ( 2
...
-
الأمازيغي إكسل الشهيد ( كسيلة ) جهاد لوطن ؟ أم جهاد لدين ؟ (
...
-
الأمة الأمازيغية ... بين الاستحواذ والإستقلال ؟!
-
كلام .... في الوطن والوطنية ..؟؟!
-
من أفعال بني أمية في الأندلس ( عصر الإمارة).
-
الفركوفونية والعروبية ، صراع افتراضي لوأد الأمازيغية .
-
أحمد عصيد و العلوي ، أو صراع العقل والعاطفة
-
فرنسا....و( الخارجون عن القانون )
-
حول شعوبية الأمس واليوم .
-
الآثار بين كارثتي النهب والإهمال .
المزيد.....
-
ياسمين عبدالعزيز بمسلسل -وتقابل حبيب- في رمضان
-
ياسين أقطاي: تركيا والنظام السوري الجديد أكثر دراية بمحاربة
...
-
السويد- الإفراج عن مشتبه بهم فى حادث مقتل حارق القرآن
-
عمّان.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
ترمب: بلادنا ليست منخرطة في أحداث سوريا
-
لماذا يصر ترمب على تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر والأردن؟
-
كشف جرائم جنود أوكران بحق مدنيين بكورسك
-
مئات اليمنيين يصلون على رئيس الجناح العسكري لحركة -حماس- بعد
...
-
البيت الأبيض: واشنطن ستفرض رسوما جمركية إضافية على كندا والم
...
-
مصر.. أسد يفترس حارسه بحديقة الحيوان
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|