أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد مسلم الحسيني - السياسيون وعقد الشخصيّة















المزيد.....

السياسيون وعقد الشخصيّة


محمد مسلم الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 3112 - 2010 / 9 / 1 - 00:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الإخلاص في المهنة عرف أدركه الناس ودعوا اليه منذ أن وعى الإنسان على نفسه وتعايش مع بعضه، وذلك من أجل مصلحة عامة وفائدة أكيدة تعود على المجتمع. الإخلاص في الواجب وحسن أداء الخدمة لا يقتصرا على مهنة دون أخرى أو عمل دون غيره، إلاّ أن التركيز على التفاني والإخلاص قد يكون مطلوبا بإلحاح في مهنة قبل غيرها. فالطبابة مثلا تعتبر من المهن الإنسانية الحساسة لأنها تتعامل مع حال الإنسان وتهتم بسلامة أعضائه، وهذا ما دعى المشرّع الى وضع قيم وأصول يجب أن يتحلى بها الطبيب ويتبعها. فعلى الطبيب، مثلا، أن يتعامل مع مرضاه برفق وشفقة ويعالج عدوه كما يعالج صديقه ويسعى بكل معرفته وقدرته على إنقاذ مريضه ولا يمس زملاءه وأقرانه بإنتقاد أو تجريح أمام الملأ وغير ذلك من سنن عامة على الطبيب أن ينصاع لها ويلتزم فيها، وعلى عكس ذلك فالعقوبات المترتبة عليه تتراوح بين التوبيخ والإقصاء عن مزاولة المهنة.

ومهما كانت ممارسة مهنة الطب مهمة في المجتمع فأن حجم أهمية العمل السياسي وتأثيراته على الناس أكبر وأعم وأشمل. فخطأ الطبيب لا يتجاوز مريضه وإن حصل هذا الخطأ فهو في أغلب الأحيان ناتج عن السهو أو الإشتباه، أما أخطاء السياسيين فانها تنال المجتمع برمته ولا تنحصر في شخص أو شخصين أو عدة أشخاص. ورغم هذه الحقيقة وحساسية وخطورة العمل السياسي وتأثيراته على المجتمع فنحن لم نسمع بوجود ضوابط ومستلزمات للعمل السياسي أو شروط ومميزات تحدد صلاحية شخصيّة السياسي لممارسة عمله. الضابط في الجيش، على سبيل المثال لا الحصر، قبل أن يلتحق بالكلية العسكرية عليه أن يجتاز إختبار صلاحية ممارسة الخدمة، وكذلك الحال بالنسبة للطبيب أو الحاكم أو غير ذلك من المهن الحساسة في المجتمع كلّها تتطلب فحص صلاحية ممارسة المهنة. السياسيون فقط يمارسون مهنتهم في الهواء الطلق بلا رقابة وبلا ضوابط ! وهكذا نرى من هبّ ودبّ قد إمتطى جواد السياسة وطارد في ثناياها! رغم خطورة المهنة ومضاعفات أخطائها.

فحص شخصية السياسي ودراسة حالته النفسية والتربوية والإجتماعية والعلمية، أمور ضرورية وهامة لأن من خلالها تتحدد صلاحية السياسي في ممارسة العمل والإستمرار فيه. فتصرفات السياسي ومفاهيمه وأفعاله تنعكس في تأثيراتها على المصلحة الوطنية العامة بشكل مباشر أو غير مباشر، وعلى أفراد المجتمع ومصالحهم بشكل عام. من العناصر الهامة في مركب الشخصية عند الإنسان هو ثالوثها المتمثل بالإدراك والإحساس والإستجابة، وفحص هذه الجوانب الهامة عند السياسيين أمر لابد منه لما له من فائدة تشخيصية هامة لطبيعة شخصية السياسي ومعرفة حقيقة تصرفاته. الإنسان السوي هو من يتسم بصحة الإدراك وسلامة الإحساس وحسن الإستجابة، والإنسان المعتل هو من يشكو من ضبابية الإدراك وإضطراب الإحساس وتلكؤ الإستجابة. فالذي لا يستطيع إدراك نسب الحقيقة وتحليل أبعادها سوف لن يستطع تحسّس نوع الحاجة أو الإستجابة اليها.

أسباب إضطرابات مركب الشخصية عند الإنسان كثيرة ومتعددة، فقد تعود هذه الأسباب لدواعي تربوية أو إجتماعية أو إقتصادية أو عقائدية أو نفسية أو جينية أو عقلية أو غيرها. الحرمان من متطلبات الحياة ولوازمها، المعاناة المستمرة والحياة الصعبة، العوز والفاقة، إنخفاض مستوى الوعي، غياب الثقافة التربوية الصحيحة، الوسط الإجتماعي المعتل، الإضطهاد السياسي والنفسي، الأمراض الجسدية والنفسية المستشرية، التخلف العلمي والحضاري وغيرها من الأمور تجعل الإصابة بفايروسات خلل الشخصية سهلة ومتفشية في بلدان العالم الثالث بشكل عام. رغم أن للخلل الفسلجي والجيني دورا في صنع علل الشخصيّة، إلاّ ان الأمراض الإجتماعية والنفسيّة وتدني الحالة التربوية والوعي الحضاري لها القدح المعلّى في مجتمعاتنا في صناعة خلل الشخصيّة وعقدها. أمراض الشخصيّة وإضطراباتها قد تصيب السياسيين كما قد تصيب غيرهم، وتشخيص ميكانيكية هذه الأمراض عند السياسيين من خلال علاماتها وأعراضها تعتبر عملية مهمة وضرورية.

الخلل الحاصل في مركب الشخصية قد يكون في مستوى الإدراك أو على مستوى الإحساس أو قد ينحصر بمستوى الإستجابة فقط. عندما يكون الخلل في مستوى الإدراك فهذا يعني بأن المرء لايدرك كنه الحقيقة أو أنه غير قادر على حلّ ألغازها وخباياها وهكذا ستكون تحليلاته ومفاهيمه على هامش الحقيقة وليس في صلبها، فهو لا يميّز بين القشر والجوهر وبين الصالح والطالح ولا يشعر بمتطلبات الحاجة الحقيقية ولا يستجيب اليها. قد يتفاوت الخلل الحاصل في الإدراك في الدرجة والشدة بين شخص وآخر، فمن الناس من يعاني من ضبابية في الإدراك والمفهوم ومنهم من يشكو من عتمة شديدة فيه قد تصل الى درجة الوهم والضلالة، أي قد لا يدرك المرء ما قد يدركه الناس أو قد يعتقد بأمور ليس لها وجود أو حقيقة على الإطلاق.

أما الخلل الحاصل في منطقة الإحساس في مركب الشخصيّة فقد يكون نتيجة حتميّة لخلل الإدراك أو حالة مستقلة بذاتها. وأعنى بخلل الإحساس هو فقدان روح التفاعل أو هبوطها، حيث لا تتناسب مشاعر الإنسان مع طبيعة الحدث، ويكون هذا نتيجة لشلل في الإحساس أو ضعف فيه، ودرجة هذا الخلل قد تتفاوت من شخص الى آخر وذلك حسب طبيعة الحالة ومسبباتها. فقد تتراوح في شدتها بين ضعف في مراكز الإحساس عند الإنسان أو إرتباك فيه وبين أن تصل الحالة الى درجة الوهم الحسي والضلالة كما هو الحال في وهم الإدراك، فيحس المرء ويتحسس بأمور لا حقيقة لها أو قد لا يحس ولا يشعر بواقع الحال وطبيعة الحدث الحقيقيّة. أما ما يخص خلل الإستجابة، فهذا يعني بأن المرء لا يستجيب لمتطلبات الحاجة على ضوء الموجودات أو قد يستجيب لها بشكل جزئي أو غير مناسب فلا ترتقي إستجابته أو عمله لمستوى الحاجة ومتطلبات الطموح أو قد تكون الإستجابة بعكس المطلوب تماما.

العلاقة بين عناصر مركب الشخصيّة هي علاقة ترابط وإعتماد، أي أن خلل الإدراك يصيب منطقة الإحساس وخلل الإحساس يسبب إرباك في الإستجابة، بمعنى آخر هو إن أختل الإدراك عند الإنسان فسيختل معه إحساسه وتختل أيضا إستجابته. ورغم هذا الترابط بين هذه العناصر فقد يكون مكان العلّة مقتصرا على منطقة دون غيرها، حيث قد يكون الإدراك صحيحا لكنه لا يتصاحب مع الإحساس المناسب أو قد يكون الإدراك صحيحا والإحساس سليما لكن الإستجابة متعثرة أو مرتبكة، أي قد لا تحفز بواعث الإدراك والإحساس عند الإنسان محرّك الإستجابة فيه. وهكذا فسوف نرى بين الناس من لا يدرك الحقيقة ولا يدرك العلّة وبواعثها وحيثياتها أو قد يدركها ويفهمها جيّدا لكنه لا يتحسس لها أو يتفاعل معها أو قد يدركها ويتحسس اليها إلاّ أنه غير قادر على الإستجابة الصحيحة لها. إذن مرحلة الإستجابة هي آخر وأهم عتبات سلّم التصرّف، فالإستجابة الحسنة تتطلب صحة الإدراك وسلامة الإحساس وسواء الشخصيّة، من أجل أن تنطلق وتتبلور. وعلى أي حال من الأحوال فأن الخلل الحاصل في مختلف مستويات مركب الشخصية ينعكس سلبا على المجتمع من خلال التصرفات غير المناسبة وغير الطبيعية التي قد تحصل عند الشخص المعتل.

مهما كان مستوى الخلل ومكانه فأنه سيؤول الى تلكؤ وإرباك في طبيعة الإستجابة، والإستجابة المعتلة قد تكون مخالفة لإرادات الناس أو قد لا ترتقي الى مستوى تحقيق الحاجة. فالسياسي الذي يعاني من إرباك في مركب الشخصية سوف لن يستجيب بشكل صحيح لمطاليب شعبه وللمتطلبات الحقيقية التي ينتظرها المجتمع ويسعى لتحقيقها. درجة الإرباك والشلل الذي قد يحدثه السياسي في مجتمعه تتناسب طرديا مع المركز الذي يشغله هذا السياسي ومع درجة ومكان الخلل الذي يعاني منه. إنطلاقا من هذه الحقيقة نستطيع أن نحكم على أهمية فحص شخصيّة السياسي والإطلاع على طبيعة حياته وتفاصيل حالته، من قبل لجنة علمية متخصصة في الأمراض النفسية والعقلية والإجتماعية، قبل أن ينطلق في الساحة السياسية التي إن دخل فيها سوف لن يخرج منها. فعلى ضوء هذه الحقيقة وهذا الواقع فأن مجتمعاتنا بحاجة ماسة الى سياسيين وقادة يتمتعون بصحة الإدراك وسلامة الإحساس وحسن الإستجابة، كي تكون تصرفاتهم متناسبة مع حاجة بلدهم ومتناسقة مع تطورات المرحلة وضرورياتها.



#محمد_مسلم_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلدان بلا حكومة : أوجه التشابه والإختلاف.
- لماذا يصرّ المالكي على رئاسة الحكومة؟
- ورود في قائمة الانتخابات
- دموع تحت أغصان الصفصاف
- بواعث الإحساس عند الإنسان
- سيناريوهات تشكيل حكومة عراقية جديدة
- مذكرات رحلتي الى العراق
- أنصفونا قبل أن - تدمقرطونا-
- أوربا صار لها رئيسا ،فمن هو...؟
- تركيا والسلوك السياسي المزدوج.
- الإنتخابات العراقية وصراع الأقطاب
- عطش في وادي الرافدين!
- دكتوراه في سن السادسة والسبعين! : معاني ودلالات....
- أزمات العالم جذورها تكمن في فلسطين...
- جنون العظمة: مرض عقلي أم داء إجتماعي؟
- ماذا سيحصل لو هوجمت إيران؟
- السلم في الشرق الأوسط هدف من اهداف العالم المتحضر
- إنفلونزا الخنازير وباء جديد يدق ناقوس الخطر
- الأوربيون والملف النووي الإيراني
- لماذا يقتل الحاكم شعبه...!؟


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد مسلم الحسيني - السياسيون وعقد الشخصيّة